رسائل خفية متبادلة خلال زيارة الكاظمي لإيران

الأحد 26 يوليو 2020 04:20 م

بدا المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" مع الرئيس الإيراني "حسن روحاني" في البداية أنه روتيني حيث وقف "الكاظمي" أمام الصحفيين في طهران يوم الثلاثاء وأقر بدور إيران في المساعدة على هزيمة تنظيم "الدولة"، وهو موقف مشترك من الزعماء العراقيين، لكن هذا الروتين لم يدم.

فقد حاول "الكاظمي" إبراز أن العلاقة بين الجانبين هي علاقة دولة مقابل دولة، قائلا: "لهذا السبب وقف العراق مع الجمهورية الإسلامية للتغلب على أزمتها الاقتصادية وتحول إلى سوق للمنتجات الإيرانية"، ودعا إلى "تعاون كامل وشامل بين البلدين" لضمان استمرار تبادل الخدمات.

ويشير ربط تقديم بغداد المساعدة الاقتصادية لطهران بالدعم الذي قدمته إيران في محاربة تنظيم "الدولة"، ورسم الخطوط بين بغداد وطهران، إلى تحول جذري في الخطاب العراقي الرسمي تجاه إيران بشكل خاص والسياسة الخارجية العراقية بشكل عام.

هذه العلاقة، كما قال "الكاظمي"، يجب أن تصبح متساوية.

وقال "فادي الشمري" رئيس تيار "الحكمة" إن "إعادة تنظيم روابط العلاقة بين العراق وإيران، كدولة مقابل دولة، يمثل تحديًا حقيقيًا لحكومة الكاظمي".

سببت 17 عاما من المنافسة بين الولايات المتحدة وإيران واللاعبين الإقليميين الآخرين فوضى في العراق وقوضت أمنه، مع استمرار نفوذ كل جانب من خلال الشبكات التي تخترق جميع الخدمات الحكومية والتشريعية والقضائية والأمنية.

في غضون ذلك، أدت سلسلة من الحروب والعقوبات الاقتصادية والإهمال والفساد إلى شل الاقتصاد العراقي وجعله يعتمد بشكل كامل على النفط.

وبالرغم أن العراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في "أوبك"، لكن الحكومة لم تتمكن منذ أبريل/نيسان من تأمين حوالي 7 مليارات دولار مطلوبة شهريًا لتغطية رواتب أكثر من 6 ملايين شخص بين موظفين حكوميين ومتقاعدين ومستفيدين من شبكات الرعاية الاجتماعية.

وتعتبر مواجهة هذه الأزمة الاقتصادية والحد من تداعياتها على الشارع العراقي هي من أبرز التحديات التي تواجه "الكاظمي"، والتي يراهن خصومه وحلفاؤه عليها في إنهاء مستقبله السياسي أو تأمينه.

وكما قال "الكاظمي" فإن "تحرير العراق من عبودية النفط وتعظيم عائدات الدولة هو أحد الأهداف الحرجة"، ويبدو أن جزءًا من خطته يعتمد على استعادة السيطرة على المعابر الحدودية والموانئ، وتأمين بيئة جذابة للاستثمار الأجنبي.

وصرح مسؤول أمني عراقي كبير لـ"ميدل إيست آي"، متحدثا شريطة عدم الكشف عن هويته، بأن "هذا الهدف يعني بالضرورة الحد من سيطرة الفصائل المسلحة والقادة السياسيين والأمنيين المرتبطين باللاعبين الدوليين في العراق والمنطقة"، خاصة إيران والولايات المتحدة والسعودية.

تخضع المعابر الحدودية في الجنوب والشرق للسيطرة الكاملة من قبل الفصائل الشيعية المرتبطة بإيران، وفي الشمال يسيطر حزبان كرديان، هما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، وهما قريبان من إيران والولايات المتحدة في الوقت نفسه.

أما الغرب فيمكن القول إنه تحت سلطة مشتركة نسبيًا بين الشيعة والقوى السنية المرتبطة بطهران وواشنطن.

وبحسب المسؤول، تقدر اللجنة المالية البرلمانية العائدات السنوية لهذه المعابر الحدودية بما لا يقل عن 16 مليار دولار بالرغم أن المبلغ الذي يصل إلى الخزانة العراقية أقل من 6 مليارات دولار.

وقال المسؤول إن "تهريب الأسلحة والعملات الصعبة والبضائع المختلفة يتم علانية عبر المعابر الحدودية من وإلى العراق، وما لم يتحقق من خلال الرشوة يتم من خلال التهديدات والتخويف".

واعتبر أن السيطرة على المعابر الحدودية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تطوير التفاهمات مع الدول المجاورة واللاعبين المحليين والإقليميين، والمفاتيح لهذه القضايا هي إيران وأمريكا وهذا ما يدركه كل القادة العراقيين، وعلى رأسهم "الكاظمي".

وتعتبر إعادة العلاقات مع إيران والولايات المتحدة والسعودية محاولة مبكرة من قبل "الكاظمي" لتجنب الانهيار الاقتصادي المتوقع ودرء السخط الشعبي الذي يصاحب التأخير في رواتب ملايين العراقيين.

وكان من المقرر أن يزور "الكاظمي" العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز" في 20 يوليو/تموز، لكن هذا الاجتماع تأجل بسبب دخول الملك لأحد المنتجعات الصحية لإجراء فحوصات بسبب "التهاب المرارة"، وذلك بحسب وكالة الأنباء السعودية.

وقد أثار إلغاء زيارة السعودية الكثير من الارتباك في العراق حيث تساءلت معظم القوى السياسية العراقية عن أخبار مرض الملك وأشارت إلى أن الإلغاء كان بسبب رفض الرياض تلقي أي رسائل إيرانية ينقلها "الكاظمي" إليهم.

وقال أحد مستشاري "الكاظمي" إن الإلغاء جاء بسبب تدهور صحة الملك "سلمان".

وكان وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" قد زار بغداد والتقى رئيس الوزراء في اليوم السابق.

وبالرغم من أن مستشاري "الكاظمي" لم يذكروا صراحة أن الجانب الإيراني طلب من بغداد توصيل أي رسالة للسعوديين، لكنهم أشاروا ضمنيًا إلى أن العراق رفض لعب دور الوسيط أو ساعي البريد.

وقال المستشار "هشام داود": "نريد الدفاع عن مصالحنا. لا نريد أن نكون جزءًا من التدافع في المنطقة، ولا نريد أن نلعب دور الوساطة، تمامًا كما لا نريد أن نكون ساعي بريد لأن هذا مهين".

وبحسب "داود"، فإن العراق كان يحاول جاهداً أن يوضح لإيران والولايات المتحدة ودول الخليج العربي أن السيادة لا تعني أن بغداد قادرة على الحفاظ على مسافة واحدة في آن واحد  فحسب، ولكن أيضاً على علاقة متوازنة معهم جميعاً.

وأضاف أن "الوساطة تعني القبول المسبق لسيادة الوسيط، فهل تقبل إيران ذلك؟".

لقد تركت العقوبات الأمريكية اقتصاد إيران في حالة احتضار ما جعل طهران تعتمد بشدة على حلفائها العراقيين للحفاظ على موطئ قدم اقتصادي لها في العراق، من خلال إغراق البلاد بالسلع الإيرانية، ومنع إقامة أي صناعة أو زراعة تنافسية، وتهريب العملة الصعبة، وبيع النفط عبر موانئ ومرافق العراق، وتهديد وطرد المستثمرين الأجانب.

كانت مثل هذه الأعمال مدمرة للاقتصاد العراقي، وتركت البلاد عرضة للخطر عندما انخفضت أسعار النفط في وقت سابق من هذا العام.

في غضون ذلك، انخفض حجم التبادل التجاري بين إيران والعراق بنسبة 40% خلال الأشهر الستة الماضية، وذلك وفقًا لمصادر حكومية.

وقال سياسي شيعي مقرب من إيران وعلى دراية بالمحادثات الأخيرة بين "ظريف" و"الكاظمي" لـ"ميدل إيست آي": "يجب على إيران أن تقرر العراق الذي تريده، هل تريد عراقا مستقرا متعاف اقتصاديا وقوي ماليا، أم تريد عراقا يحكمه أمراء الحرب ليتحول قريبا إلى عبء على إيران نفسها؟".

وأضاف: "هذا هو جوهر الصراع الحالي في إيران بين المؤسسات التي يديرها المرشد الأعلى علي الخامنئي والمؤسسات الرسمية التي يمثلها المجلس الأعلى للأمن القومي.. في النهاية، سيكون القرار للمرشد الأعلى، لأن قراره يحكم الطرفين، وتشير جميع الدلائل إلى أن التغيير الاستراتيجي يلوح في الأفق".

كان الهدف المعلن لزيارة "ظريف"، التي بدت غريبة في توقيتها هو تهنئة "الكاظمي" على توليه منصبه وإظهار تنسيق رفيع المستوى بين الحكومتين العراقية والإيرانية.

وكان "الكاظمي" صريحًا في حديثه مع الإيرانيين، وقال إنه يتفهم مصالح إيران واهتماماتها، ولكن يجب أيضًا أن يفهم الإيرانيون أن مصالح العراق تتطلب تنويع علاقاته في المنطقة والعالم.

وقد تضمنت الجلسة الأولى مناقشة تفاصيل زيارة "الكاظمي" المرتقبة حينها لطهران، وتم التأكيد له على أنه سيستقبل بكرم الضيافة بصفته "رئيس وزراء دولة صديقة".

وبحسب مصادر "ميدل إيست آي"، فقد قال "ظريف" إن الاستقبال سيكون تعبيرا عن الدعم الكامل لـ"الكاظمي" وحكومته، ولإثبات ذلك، سيستقبله المرشد الأعلى "الذي لم يلتق أي مسؤول منذ 6 أشهر باستثناء شخص واحد في مقر إقامته".

وقال المصدر إن ما حدث في الجلسة المغلقة ليس واضحا لكنه "يدور حول ما تريده إيران من العراق وما يريده العراق من إيران".

يريد الإيرانيون ضمانات من "الكاظمي" بأن حكومته لن تقطع علاقاتها بالكامل مع إيران، ولن تغلق حدود العراق أمام البضائع الإيرانية.

وقال سياسي شيعي إنهم يريدون أيضًا ضمان استمرار تدفق العملة الصعبة إليهم عبر العراق ورفع مستوى التبادل التجاري لضمان بقاء إيران شريكًا رئيسيًا في السوق العراقية.

يمكن لـ"الكاظمي" ضمان أن الأراضي العراقية لن تكون نقطة الانطلاق لأي اعتداء على إيران وأن العراق لن يكون جزءًا من أي تحالف ضد إيران، لكنه يحتاج أيضًا إلى الأمن للحفاظ على الأسواق العراقية وجذب المستثمرين الأجانب، ويريد أن يضمن عدم تهديد مصالح باقي حلفائه داخل العراق.

وقال "داود" إن الإيرانيين لديهم القدرة على تهدئة التوترات الحالية بين حكومة "الكاظمي" والفصائل المسلحة المدعومة من إيران.

ويمكن القول أن زيارة "الكاظمي" لطهران حملت رسائل خفية متبادلة بين الجانبين.

ومن اللافت أنه لم يرافق "الكاظمي" في زيارته أي من المسؤولين العراقيين المعروفين بقربهم من إيران، كما هو معتاد في زيارات مماثلة لرؤساء الوزراء، وذلك باستثناء "قاسم الأعرجي" مستشار الأمن القومي وزعيم "منظمة بدر" أكبر وأقدم فصيل مسلح شيعي مدعوم من إيران.

يشتهر "الأعرجي" بعلاقاته المعتدلة والمتوازنة مع الولايات المتحدة ودول الخليج.

كما حمل "الكاظمي" هدايا رمزية معه إلى "خامنئي"، بما في ذلك خاتم مزين بفص كبير من العقيق الأحمر، ونسخة نادرة وثمينة من القرآن الكريم وعباءة مطرزة من النجف.

كانت العباءة، بحسب "داود"، بمثابة إظهار للاستقلال، ما يشير إلى أن أولئك الذين يرتدون عباءة النجف يخضعون للإشراف الديني للمرجع الشيعي العراقي "علي السيستاني"، بدلاً من "خامنئي".

وبينما كان الإيرانيون حريصين على إظهار ترحيب حار "مبالغ فيه" برئيس الوزراء والوفد المرافق له لإعطاء الانطباع بأن السعوديين رفضوا استقبال "الكاظمي"، بينما احتضنه الإيرانيون لأنهم ملجأهم الوحيد، كان الإيرانيون حريصون على عدم تسريب أي تسجيل صوتي أو فيديو للاجتماع بين "خامنئي" و"الكاظمي".

ولكن بعد 3 ساعات، نشر الإيرانيون سلسلة من التغريدات من حساب "خامنئي" باللغتين العربية والإنجليزية اشتملت على جزء من محادثة الرجلين.

وقد وجهت تغريدات "خامنئي" اللوم للعراقيين لعدم الانتقام لمقتل الجنرال الإيراني "قاسم سليماني"، كما حملتهم مسؤولية إخراج الأمريكيين من العراق، وقد صورت هذه التغريدات "خامنئي" على أنه وصي على العراق والعراقيين، وجعلت الأمر يبدو كما لو كان "الكاظمي" يستمع دون رد.

وقال مسؤول عراقي رفيع مقرب من "الكاظمي" لـ"ميدل إيست آي": "أراد الإيرانيون أن يقولوا إن المرشد الأعلى هو صاحب السلطة الأعلى وموقعه مقدس ولا أحد يناقش ما يقوله، وهو ما يعني أن هناك كلمة واحدة وصوت واحد، وهو صوته وخطابه".

وأضاف: "مهما كانت الرسالة التي يريدون توصيلها، فهي موجهة لجمهورهم. لكن بالنسبة لنا، الموقف الرسمي للعراق قيل أمام الكاميرات".

وقال المسؤول إن الحكومة العراقية ترى أن زيارة طهران إيجابية، وأنه جرى توصيل رسالة بغداد التي مفادها أن العراق أصبح له رئيس وزراء مستقل بدعم دولي.

وأضاف: "بالنسبة لهم، الاقتصاد هو الأولوية، وبالنسبة لنا الأمن هو الأولوية... ضمان حصولهم على ما يريدون يعني بالضرورة تقديم نوع من التنازلات القاسية لإعادة العلاقة بين البلدين إلى وضع دولة مقابل دولة أخرى".

"إذا حصلنا على هذا، فهذه هي النهاية السعيدة".

المصدر |  سؤدد الصالحي | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نفوذ إيران بالعراق مصطفى الكاظمي العلاقات العراقية الإيرانية

واشنطن بوست: لماذا وافقت إيران على الكاظمي لرئاسة الحكومة العراقية؟

الكاظمي يهاتف ولي العهد السعودي للاطمئنان على الملك سلمان