كيف ساهم قانون قيصر في تعميق علاقات إيران مع النظام السوري؟

الأربعاء 5 أغسطس 2020 10:20 م

بدأت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بفرض مجموعة شاملة من العقوبات على نظام "بشار الأسد" في منتصف يونيو/ حزيران بموجب قانون "قيصر". ووفقًا لعرض تقديمي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، فإن القانون يستهدف الأشخاص الأجانب الذين يسهلون حصول نظام "الأسد" على السلع أوالخدمات أو التقنيات التي تدعم أنشطته العسكرية، وصناعة إنتاج النفط والغاز، وأعمال إعادة الإعمار.

وعلى نفس المنوال، يتضمن الأمر التنفيذي 13894، الذي وقعه الرئيس "ترامب" في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، عقوبات تشمل "العزلة عن النظام المالي للولايات المتحدة بالنسبة للأشخاص الأجانب الذين يشاركون أو يمولون عرقلة أو منع وقف إطلاق النار أو الحل السياسي للصراع السوري".

يوصف قانون "قيصر" بأنه أشد العقوبات ضد النظام السوري حتى الآن، وتهدف الإجراءات العقابية المرتبطة به إلى ممارسة أقصى ضغط على النظام من أجل التنفيذ الكامل للعملية السياسية، على حد تعبير وزارة الخارجية، فيما يذكرنا بشكل خاص بسياسة الولايات المتحدة تجاه طهران؛ الحليف الرئيسي لنظام "الأسد".

لكن قانون "قيصر" لن يكون له فقط عواقب اقتصادية مدمرة على المدنيين السوريين الذين أنهكتهم الحرب، حيث يمكن أن يمنع القانون أيضًا الأطراف الدولية الفاعلة من الانخراط في المصالحة السياسية أو مبادرات إعادة الإعمار، مما يخلق بالتالي مساحة مناورة أكبر لدولة مثل إيران التي تقع بالفعل تحت "أقصى ضغط" وليس لديها الكثير لتخسره إن واجهت الانتقام الأمريكي.

الارتماء في أحضان إيران

قبل فترة طويلة من تنفيذ العقوبات واسعة النطاق ضد دمشق بموجب قانون "قيصر"، كانت طهران تتطلع إلى توسيع حصتها البالغة 200 مليار دولار في سوق سوريا ما بعد الحرب، وخاصة مع استمرار ضغط العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني.

وقال "حسن ضنايفار"، رئيس المقر الرئيسي لتنمية العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع العراق وسوريا، في مقابلة أجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2019: "بالرغم من العلاقات السياسية البارزة بين إيران وسوريا، فإن هناك حلقة مفقودة تتمثل في العلاقات الاقتصادية التي كانت ضعيفة بشكل تقليدي بين البلدين، ولا سيما قطاعيها الخاصين".

وأضاف "ضنايفار" الذي كان سفيرًا سابقًا في العراق، أنه خلال العام الماضي، قامت 12 مجموعة مكونة من 22 رجل أعمال إيراني بزيارة سوريا. 

كما استقبلت طهران أعضاء في مجتمع الأعمال السوري لعقد صفقات اقتصادية، فيما سلط "ضنايفار" الضوء على تغلغل روسيا والصين في الاقتصاد السوري ودعا إلى اليقظة فيما يتعلق بـ "المنافسين".

ومن المتوقع أن هذا التركيز على معالجة "الحلقة المفقودة" في العلاقات بين طهران ودمشق، اكتسب زخمًا بعد دخول قانون "قيصر" حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران. 

ففي نفس اليوم الذي بدأ فيه تطبيق القانون، التقى وفد إيراني برئاسة "ضنايفار" مع رئيس وزراء النظام السوري "حسين عرنوس" في دمشق للتفاوض حول توسيع العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية الثنائية. 

ومن المثير للاهتمام أن "عرنوس" أكد خلال الاجتماع أن "لدى سوريا خطة شاملة لتطوير صناعتها الزراعية والغذائية بهدف زيادة تحمل الشعب السوري للعقوبات القاسية والحصار الاقتصادي على البلاد".

تقييد حلفاء أمريكا

يأتي الانخراط الاقتصادي المتزايد لطهران في سوريا في الوقت الذي يُتوقع فيه على نطاق واسع أن يقيد قانون "قيصر" حلفاء الولايات المتحدة من الدول العربية. 

فقد أبدت الإمارات والبحرين بشكل خاص اهتماماً متزايداً بتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع نظام "الأسد"، لموازنة النفوذ الإيراني المتزايد جزئياً ومواجهة تركيا.

وفي أواخر مارس/آذار، غرد ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، الذي يقود السياسة الإقليمية الإماراتية، ملخصًا مكالمة هاتفية مع "الأسد" حول انتشار الفيروس التاجي في سوريا، قائلًا: "لقد طمأنته بخصوص دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية. إن التضامن الإنساني في أوقات الشدائد يأتي قبل كل شيء، ولن تبقى سوريا الشقيقة وحدها في هذه الظروف الحرجة".

ومن الجدير بالذكر أن الموفد الأمريكي الخاص لسوريا، "جيمس جيفري"، حذر حلفاء واشنطن العرب من جهود التقارب هذه في نفس اليوم الذي تم فيه تطبيق قانون "قيصر". 

فقد حذر "جيفري" في 17 يونيو/حزيران قائلًا: "بالنسبة للإمارات، فإنها تعرف أننا نعارض بشكل مطلق الدول التي تتخذ هذه الخطوات الدبلوماسية. إنها دول ذات سيادة ويمكنها اتخاذ هذه القرارات. لكننا أوضحنا أننا نعتقد أن هذه فكرة سيئة".

وقد تنطبق نفس الديناميكية التقييدية هذه على روسيا، التي تعد أقوى حليف لنظام "الأسد".

التعاون العسكري

وفي الوقت نفسه، فإن المحاولات الإيرانية لتحويل التهديدات إلى فرص في سوريا -كما يقول صناع السياسة الخارجية في طهران عادة- لا تقتصر على مجالات القوة الناعمة في الاقتصاد والتجارة.

في أواخر شهر يونيو/حزيران، زعمت وكالة "تسنيم" الإيرانية في تقرير نادر تمت إزالته بعد فترة وجيزة من نشره أن قائد فيلق القدس الجنرال "إسماعيل قآني" سافر إلى سوريا للإشراف على "مناطق القتال العملياتية ضد تنظيم الدولة الإسلامية". 

وبعد أقل من أسبوعين، وقعت طهران ودمشق على اتفاقية عسكرية شاملة لتعزيز قدرات النظام السوري على الدفاع الجوي بعد زيارة  قام بها رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية "محمد باقري" إلى دمشق في 8 يوليو/تموز التقى خلالها مع وزير دفاع النظام السوري "علي أيوب".

وقال "أيوب" في إشارة واضحة إلى عقوبات قانون "قيصر" والضربات الجوية الإسرائيلية المستمرة على المواقع العسكرية السورية والإيرانية على الأرض: "سيعزز هذا الاتفاق عزمنا وتصميمنا على التعاون المشترك ضد الضغوط الأمريكية". 

طرحت الصفقة - التي وصفتها مصادر مقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بأنها ذات قيمة إستراتيجية- إمكانية قيام الحرس الثوري الإيراني بنشر منظومات للدفاع الجوي، بما في ذلك صواريخ أرض-جو المتنقلة "بافار 373" في سوريا لمواجهة الغارات الجوية الإسرائيلية التي تواصل روسيا غض الطرف عنها.

يجب أيضًا النظر في زيادة التورط الإيراني في سوريا على خلفية الموازنة الروسية بين إيران و(إسرائيل)، لا سيما في المناطق المجاورة للأراضي التي تسيطر عليها (إسرائيل) مثل مرتفعات الجولان، ومحاولات موسكو لاحتواء المجموعات شبه العسكرية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني.

خلاصة القول هي أن قانون "قيصر" سيزيد من اعتماد النظام السوري على إيران، على غرار ما تسببت فيه حملة "الضغط الأقصى" الأمريكية على فنزويلا. 

وبالتالي، بالنظر إلى التطورات على الأرض، فمن المتوقع أن يتسبب هذا القانون في تمكين إيران لتصبح لاعبًا أساسيًا أكبر في سوريا.

المصدر | مايسم بهرافيتش - إنسايد أرابيا - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قانون قيصر النظام السوري العلاقات السورية الإيرانية

نصرالله: قانون قيصر يستهدف تجويع سوريا ولبنان