المثقف العربي والتطبيع الإماراتي: مسؤولية أم لجام؟

الثلاثاء 18 أغسطس 2020 08:15 ص

المثقف العربي والتطبيع الإماراتي: مسؤولية أم لجام؟

الأجهزة الحاكمة تسعى إلى خطب ود المثقف ولا تتوانى عن محاولات شراء ضميره وإخراس صوته.

«طريق شرعية كل نظام حاكم يبدأ وينتهي عند شعبه لا من أي مصدر آخر مهما أبدى القوة والنفوذ».

تتطلب المنعطفات الوطنية السياسية والاجتماعية والأخلاقية الكبرى إطلاق الصوت لا كتمه وإعلاء كلمة الحق لا التستر على الباطل.

مسؤولية المثقف الأخلاقية نابعة من موقعه داخل الحياة والاجتماع ودوره الحيوي إزاء شؤون عصره عامة وقضايا شعبه الكبرى المركزية خاصة.

*     *     *

لم تكن مفاجأة أن يسارع عدد من خيرة الكتاب والأدباء والصحافيين والمهنيين أبناء عُمان إلى إصدار بيان صريح وشجاع يعلن أن تصريح وزارة الخارجية العمانية المؤيد للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي لا يمثلهم، وأنهم يرفضون رفضاً قاطعاً فصلهم عن القضية الفلسطينية بوصفها قضيتهم المركزية.

وكان لافتاً أن البيان دعا الأنظمة إلى «التركيز على تنمية بلدانها ومصالحة مواطنيها بالعدل والمساواة وتعزيز الحريات ومحاربة الفساد وإيقاف الهدر في الموارد البشرية والطبيعية» إذ «لا خير يُرتجى من الصهيونية ولا من كيانها الغاصب» و«طريق شرعية كل نظام حاكم يبدأ وينتهي عند شعبه، لا من أي مصدر آخر مهما أبدى القوة والنفوذ».

كذلك لم يكن مستغرباً أن ينضوي هذا البيان ضمن سلسلة من المواقف المماثلة الرافضة للاتفاق، والتي صدرت بصفة خاصة عن قطاعات ثقافية ومهنية ونقابية في مختلف أرجاء الوطن العربي، وحيثما توفر هامش ضئيل لحرية التعبير وإبداء الرأي.

ومن الواضح أن صمت البعض من الهيئات والكتّاب، وامتناعهم عن إدانة الاتفاق، ليس ناجماً عن قبولهم به أو تأييدهم له بقدر ما هو تعبير عن سيادة القمع في الأنظمة التي يعيشون تحت سلطاتها، والتي تهلل عادة للتصالح مع دولة الاحتلال أو تنخرط سراً وعلانية في عمليات التطبيع.

وقد يكون ضرورياً التنويه إلى أمر بديهي مفاده أن عشرات الكتاب والمبدعين والباحثين الذين نالوا جوائز تقديرية من مؤسسات حكومية إماراتية مختلفة، على مستوى جوائز الشيخ زايد والرواية العربية وسلطان العويس والشارقة للإبداع وغيرها، لا يتحملون المسؤولية عن دروب الانحدار التي سار فيها حكام الإمارات، سواء في ميادين التطبيع أو التدخل الخارجي أو تخريب الانتفاضات العربية.

فالعكس هو الصحيح، لأن الأجهزة الحاكمة هي التي تسعى إلى خطب ود المثقف، ولا تتوانى عن محاولات شراء ضميره وإخراس صوته.

ولكن هذا بالضبط هو ما يصنع جوهر مسؤولية المثقف الأخلاقية النابعة من طبائع موقعه داخل الحياة والاجتماع الإنساني، ومن دوره الحيوي الفاعل إزاء شؤون عصره عامة، وقضايا شعبه الكبرى المركزية خاصة.

وإذا لم يكن مطلوباً أن يردّ مثقف ما جائزة سبق أن نالها تكريماً لمنجزه وإبداعه، بصرف النظر عن المظان المعتادة حول التحكيم وملابسات الجوائز، فإن المطلوب بقوة من المثقف ذاته ألا تتحول تلك الجائزة إلى لجام ذاتي يحول بينه وبين النطق بالحقيقة في وجه السلطة.

وتحديداً حين تتطلب المنعطفات الوطنية السياسية والاجتماعية والأخلاقية الكبرى إطلاق الصوت وليس كتمه، وإعلاء كلمة الحق وليس التستر على الباطل.

وليس جديداً التذكير بأن هذه الحال من حيرة المثقف بين تحمل المسؤولية أو انتهاج اللجام، تتجلى في صورة أكثر فضائحية لدى تلك النماذج التي عارضت التطبيع طويلاً، وسطرت عشرات المقالات في رفع القضية الفلسطينية إلى مصافّ مقدسة، ودبجت المطولات في هجاء أنظمة التطبيع، ولكنها اليوم مضطرة إلى التزام الصمت أو حتى التطبيل للاتفاق صراحة أو مواربة.

هنا يكمن الفارق البسيط، ولكن الحاسم أيضاً، بين مثقف أصيل شريف وآخر زائف مرتزق.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

مصداقية الجائزة على المحك.. فائزو بوكر ومحكموها يدعون لإنهاء التمويل الإماراتي