اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي يقلب النظام الإقليمي بالشرق الأوسط

الثلاثاء 18 أغسطس 2020 07:58 م

تم الإعلان عن اتفاق التطبيع بين الإمارات و(إسرائيل) بأكثر الطرق "ترامبية"؛ أي عبر حساب "تويتر" للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".

وجاءت هذه الخطوة تتويجا للاصطفاف الجيوسياسي، الذي أعاد رسم خريطة التحالفات الشرق أوسطية سرا، لكن بثبات.

ومن الخليج إلى شرق البحر المتوسط، وجدت (إسرائيل) والإمارات نفسيهما في نفس الجانب؛ حيث تعملان على احتواء النفوذ المتزايد لإيران وتركيا.

وربما بنفس القدر من الأهمية، يجلب الاتفاق معه انتصارات سياسية كبيرة لقادة الدول الـ3، بما في ذلك الولايات المتحدة.

ولا ينبغي التقليل من أهمية الاتفاق. بل يجب استقبال جميع اتفاقيات السلام بحرارة. ومع ذلك، في حين أن هذا الاتفاق مصمم للدخول في مرحلة جديدة في العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج، فقد لا يكون المفتاح لفتح السلام العربي الإسرائيلي الأوسع. ومرة أخرى، يشعر الفلسطينيون أنهم يدفعون ثمن الطموحات الجيوسياسية لدول أخرى.

ومما لا شك فيه أن توقيت الإعلان عن الاتفاق ترك الكثير من الدبلوماسيين والمحللين في حالة من عدم اليقين. لكن، من نواحٍ عديدة، لم يكن ذلك مفاجئا. وتعمل (إسرائيل) ودول الخليج، الإمارات والبحرين على وجه الخصوص، والسعودية كذلك، على تعزيز علاقاتها الثنائية منذ أعوام.

ورغم التركيز في الغالب على تبادل المعلومات الاستخباراتية، وسعت دول الخليج و(إسرائيل) تعاونهما في عدد من المجالات الأخرى، مثل المشاركة في التدريبات العسكرية المشتركة، والمبادرات الدبلوماسية، والبحث والتطوير، والاستثمار.

وكانت الكراهية المشتركة تجاه إيران والاتفاق النووي المعروف بـ "خطة العمل الشاملة المشتركة" حافزا مهما لهذا التحالف الناشئ.

وشجعت إدارة "ترامب" ذلك، وحرصت على احتواء إيران بقدر ما كانت تدعم موقف (إسرائيل) الإقليمي، مع تأمين نوع من الإرث الإقليمي.

ومثل أي صفقة جيدة، فإن هذا الاتفاق يوفر مكاسب لجميع الأطراف.

وينطبق هذا بشكل خاص على "ترامب" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، وكلاهما يواجه مشهدا سياسيا داخليا صعبا. ويمنح الاتفاق كلا الزعيمين إنجازا بالغ الأهمية في السياسة الخارجية في وقت مناسب سياسيا.

ويتخلف "ترامب" بشدة عن منافسه الديمقراطي قبل 3 أشهر من الانتخابات الوطنية، بينما يقترب "نتنياهو"، مع انهيار حكومته الائتلافية، من الدعوة إلى انتخابات جديدة، هي الرابعة في (إسرائيل) خلال أقل من عامين.

كما تسمح لهما الصفقة بالابتعاد عن "خطة السلام من أجل الازدهار" لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني (صفقة القرن)، التي أقرتها الإمارات، والتي أصبح الزعيمان فاترين تجاهها على الرغم من التزامهما بها علنا.

ويمكن لـ"ترامب" الآن إعلان تحقيق فوز مهم في السياسة الخارجية، وربما هو فوزه الوحيد.

في غضون ذلك، نجح "نتنياهو" في هروب سياسي مميز، مستبدلا اقتراح الخطة لـ(إسرائيل) بضم الضفة الغربية بحكم القانون، وهو ما لم يكن متحمسا له وتسبب له في مشاكل سياسية، من أجل تحقيق اختراق تاريخي لطالما وعد الجمهور الإسرائيلي به.

وبالرغم من بعض المخاطر، يجلب الاتفاق أيضا مكاسب سياسية أولية لحاكم الإمارات الفعلي "محمد بن زايد". وأوضح المسؤولون الإماراتيون مؤخرا بشكل متزايد أن طموحاتهم الإقليمية لا يمكن ربطها إلى الأبد بصراع (إسرائيل) الذي لم يتم حله مع الفلسطينيين.

وتضيف هذه الصفقة أولا إلى المقدار الهائل من رأس المال السياسي الذي يتمتع به الزعيم الإماراتي بالفعل في واشنطن. وسيكون قادرا على جني هذه النوايا الحسنة بغض النظر عمن سيفوز برئاسة الولايات المتحدة. ولبعض الوقت كانت الإمارات تنتهج استراتيجية تحوط بين فوز "ترامب" بفترة رئاسة جديدة ووصول رئيس ديموقراطي.

ولطالما حاول الإماراتيون وضع بلدهم كقائد إقليمي ونموذج للحليف الجيد للولايات المتحدة. وكجزء من هذه الجهود، تبنت أبوظبي خطاب التسامح الديني في مواجهة ما يعتبرونه تطرفا للإسلام السياسي تروج له إيران وتركيا؛ الخصمان الإقليميان الرئيسيان.

ومن وجهة نظر أبوظبي، قد توسع الصفقة رسميا التحالف الدبلوماسي والعسكري لدولة الإمارات ضد هذه الدول.

إضافة إلى ذلك، قد تكون قادرة على شراء أسلحة أمريكية أكثر تقدما كانت محظورة عليها في السابق، بما في ذلك الطائرات بدون طيار.

وأخيرا، سيوفر التطبيع الرسمي مع (إسرائيل) دفعة مهمة للإمارات في مناخ عالمي صعب، ويخلق المزيد من الفرص للتنويع الاقتصادي والتعاون في البحث العلمي، والأمن السيبراني على وجه الخصوص.

ومع ذلك، توجد مخاطر للاتفاق أيضا.

وسرعان ما أصبحت الإمارات الدولة العربية الثالثة التي توقع اتفاقية "سلام" مع (إسرائيل)، بعد مصر والأردن. لكن الإمارات قدمت بذلك تنازلا رئيسيا كسرت به واحدة من أكبر المحرمات السياسية والاجتماعية في العالم العربي.

وكانت الدول العربية تعهدت بشكل جماعي بتطبيع علاقاتها مع (إسرائيل) فقط مقابل اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني كامل.

ومن خلال قلب النظام من خلال وضع السلام الإقليمي قبل السلام الفلسطيني، تزيل الإمارات الحافز الرئيسي الذي ربما كان قد يجبر (إسرائيل) على إنهاء احتلالها.

ومما لا يثير الدهشة، أن استبدال الدولة الفلسطينية بالتطبيع الإقليمي لطالما كان أحد طموحات "نتنياهو" الرئيسية، ويظهره الآن باعتباره الفائز الرئيسي في إعلان "ترامب".

ومن غير الواضح كيف سيكون رد فعل الرأي العام العربي والإسلامي، خاصة في منطقة الخليج. وفي الإمارات، قد يعني مزيج من الضوابط الصارمة على الخطاب العام في وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية، والفتور المتزايد تجاه الفلسطينيين بين الشباب، الأغلبية في السكان، أنه سيكون هناك القليل من رد الفعل المضاد.

وأكد المسؤولون الإماراتيون باستمرار على توقيع الاتفاق مقابل تعهد (إسرائيل) بتعليق أي تحرك نحو ضم الضفة الغربية.

لكن في حين تهدف الإمارات إلى تقديم نفسها على أنها اللاعب العربي الوحيد القادر على منع الضم الإسرائيلي، فإن كلماتها بالنسبة للعديد من الفلسطينيين تتعارض مع واقعهم اليومي.

وربما يكون التطبيع الكامل مع الإمارات قد ثنى (إسرائيل) بالفعل عن الإعلان الرسمي عن السيادة على أراضي الضفة الغربية في الوقت الحالي، أو على الأقل زود "نتنياهو" بغطاء مناسب لعدم القيام بذلك على الفور.

لكن لم يكن على (إسرائيل) أن تقدم أي تنازل. وإذا كان هناك أي شيء، فقد تم مكافأة سلوكها المتطرف فقط. وسيستمر ضمها الفعلي للأراضي الفلسطينية واستيطانها دون عوائق؛ ما يرسخ نظام السيطرة الذي يفضل اليهود الإسرائيليين على جيرانهم الفلسطينيين في إطار نظام الفصل العنصري الذي يشابه ما كان في جنوب أفريقيا في الماضي.

وسبق لـ"نتنياهو" أن أعلن أن هذا الاتفاق يعلق فقط الضم، ولا يلغيه، وهي نتيجة تهدد بفضح الموقف الإماراتي.

وقد يفتح الاتفاق الآن الباب أمام ممالك الخليج الأخرى لتحذو حذوها. ومن غير المرجح أن يتحول التعاون المحدود القائم بين (إسرائيل) والسعودية إلى تطبيع في أي وقت قريب. ففي نهاية المطاف، كرس الملك "سلمان" عقودا من حياته للقضية الفلسطينية، ويجد ولي العهد "محمد بن سلمان" نفسه متورطا حاليا في التعامل مع وضع سياسي داخلي حساس في حين يستعد لخلافة والده.

ومع ذلك، قد تشجع السعودية البحرين على تبني التطبيع؛ فلطالما نظرت الرياض إلى شريكها الأصغر في المنامة على أنه وسيلة للتفاعل بشكل غير رسمي مع (إسرائيل)، وقد تفعل ذلك بحرية أكبر في إطار التطبيع.

ومع ذلك، لا يزال من غير المرجح أن تأتي هذه الاتفاقات الثنائية بعهد من السلام الإقليمي. ويمكن للعلاقات الوثيقة بين الإمارات و(إسرائيل) أن تعمق خطوط الصدع في المنطقة بدلا من معالجتها.

ويمكن أن تؤدي الإجراءات الأكثر قوة من قبل الإمارات و(إسرائيل) والولايات المتحدة ضد إيران وحلفائها الإقليميين، أو ضد تركيا في شرق البحر المتوسط​، إلى مزيد من زعزعة الاستقرار وتشجيع الاعتقاد الخاطئ بأن النزاعات العديدة في المنطقة يمكن حلها من خلال السياسات الصفرية في ما تشير جميع الأدلة إلى عكس ذلك.

لذلك يجب على شركاء وحلفاء (إسرائيل) والإمارات في الولايات المتحدة، وأيضا في أوروبا، العمل بجد لضمان عدم ترجمة هذه الصفقة إلى منافسة جيوسياسية متزايدة.

وبدلا من ذلك، ينبغي عليهم الاستفادة من النشاط الدبلوماسي الحالي لإحياء العديد من المبادرات الدبلوماسية المتوقفة وجهود وقف التصعيد في الشرق الأوسط.

المصدر | ريسبونسيبل ستيت كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اتفاق التطبيع الإماراتي التطبيع الإماراتي الإسرائيلي

رغم التطبيع الإماراتي.. إسرائيل لم تتنازل عن تفوقها العسكري على العرب

هآرتس تكشف تفاصيل مثيرة عن عقود من العلاقات السرية بين الإمارات وإسرائيل