بعد الاتفاق المصري اليوناني.. كيف تهدد توترات شرقي المتوسط مصالح إسرائيل؟

الأربعاء 26 أغسطس 2020 09:36 م

أدت التوترات المتزايدة على مدى الأشهر القليلة الماضية بين تركيا واليونان بسبب الخلافات حول الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط ​​إلى زيادة خطر اندلاع أعمال العنف في المنطقة.

وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، أصبحت عقيدة "الوطن الأزرق" هي المهيمنة في الخطاب العام التركي.

وتعتبر هذه العقيدة الدفاع عن الحدود البحرية لتركيا، وفق ما يراه الأتراك وليس اليونانيون، على أنه لا يقل أهمية عن الدفاع عن حدودها البرية.

وفي فبراير/شباط 2019، أجرى الأسطول التركي أكبر تدريب بحري في تاريخه، تحت اسم "الوطن الأزرق". وكان التدريب في جزء منه ردا على تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط قبل شهر واحد.

وفي أواخر عام 2019، بعد أن وقعت تركيا اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، أطلقت أنقرة خطة للتنقيب عن الغاز والنفط في المناطق التي تعتبرها اليونان مياهها الاقتصادية.

وفي يوليو/تموز من هذا العام، أعلنت أنقرة أنها تعتزم إرسال سفينة بحثية لإجراء البحوث السيزمية. واستعدت البوارج التركية لمرافقة سفينة الأبحاث. وردا على ذلك، رفع اليونانيون مستوى استعدادهم العسكري.

وبعد جهود الوساطة الألمانية، علق الأتراك إرسال سفينة الأبحاث. وفي أعقاب توقيع اتفاقية الحدود البحرية بين مصر واليونان في 6 أغسطس/آب الجاري، والتي أدانتها وزارة الخارجية التركية، قررت أنقرة مرة أخرى إرسال سفينة الأبحاث برفقة بوارج، بينما أرسلت اليونان سفينة بحثية مع بوارج خاصة بها إلى المنطقة.

وفي 12 أغسطس/آب، اصطدمت سفينة حربية يونانية بطريق الخطأ بسفينة حربية تركية مرافقة لسفينة الأبحاث، وتسببت في أضرار محدودة بالسفينة التركية، التي اضطرت للعودة إلى قاعدتها للإصلاح.

وهناك ساحة مضطربة أخرى في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​هي ليبيا، حيث يوجد أيضا احتمال لصدام عسكري تركي مصري.

وفي الحرب الليبية، يدعم المحور المناهض لتركيا قوات الجنرال "خليفة حفتر"، بينما تدعم تركيا قوات حكومة الوفاق الوطني بقيادة "فايز السراج". فيما تعتبر مصر أن مصلحتها تتمثل في منع القوى الإسلامية من التواجد على طول حدودها الغربية الطويلة.

ودفعت الإنجازات التي حققتها القوات الموالية لتركيا في ليبيا الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" إلى وصف مدينتي "سرت" و"الجفرة" بأنهما "خط أحمر" فيما يتعلق بتقدم تركيا شرقا.

وحث البرلمان الليبي، الذي يتخذ من شرق ليبيا مقرا له، "السيسي" على إرسال قوات إلى ليبيا، في محاولة لإضفاء الشرعية  على التدخل العسكري المصري في حال تجاهلت تركيا التحذيرات.

دوافع ترسيم الحدود البحرية

لكن كيف ولماذا تمكنت اليونان ومصر الآن من الاتفاق على ترسيم حدودهما البحرية، في حين لم تسفر المفاوضات السابقة بينهما عن اتفاق؟ حسنًا، لقد كافحت اليونان وكانت أحيانا مترددة في التوصل إلى اتفاقيات رسمية مع دول أخرى لترسيم حدود مياهها الاقتصادية، بسبب خلافها مع تركيا حول سيادتها على بعض الجزر اليونانية وحدود المياه الاقتصادية بين الدولتين.

ويتعلق أصل النزاع اليوناني التركي بمسألة ما إذا كانت الجزر المأهولة بالسكان تستحق نفس حقوق المياه الاقتصادية حولها مثل الأراضي القارية.

وتدعم اتفاقية قانون البحار من عام 1982 الموقف اليوناني، لكن قبول المطالب اليونانية بالكامل سيكون مشكلة كبيرة بالنسبة للأتراك، لأن هذا من شأنه أن يتركهم بمياه اقتصادية محدودة جدا.

وكانت أثينا قلقة من أن تركيا قد تستخدم التنازلات لمصر لاحقا ضدها.

وحتى قبل التوصل إلى الاتفاق مع مصر، تمكنت اليونان في يونيو/حزيران الماضي من التوصل إلى اتفاق لترسيم حدودها البحرية مع إيطاليا، فيما تجري محادثات مع ألبانيا حول توقيع اتفاق مماثل.

وبالرغم من توصل قبرص الرومية إلى اتفاقيات على مر السنين بشأن ترسيم حدود مياهها الاقتصادية مع مصر (2003) ولبنان (2007) و(إسرائيل) (2010)، فقد تجنبت اليونان توقيع اتفاقية مماثلة بناءً على مخاوف من تدهور الصراع في قبرص.

ويبدو أنه في ضوء سياسة تركيا الحازمة، والحاجة إلى العمل ضد الاتفاق الليبي التركي، تغير موقف اليونان، والآن تعيد اليونان وقبرص الرومية النظر في توقيع اتفاقية مشتركة.

وترى مصر في ترسيم حدودها البحرية مع اليونان دفعة إضافية للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين. وتسعى القاهرة بذلك إلى وضع خط أحمر أمام النشاط التركي في شرق المتوسط، بعد وضع خط أحمر مماثل في ليبيا.

كما تسعى الاتفاقية إلى تمكين الدولتين من تنمية موارد الطاقة في مياههما الاقتصادية وتعزيز الاتفاقية الثلاثية لربط شبكات الكهرباء في مصر واليونان وقبرص، في ظل المحاولات التركية الليبية لرسم حدود بحرية تخلق منطقة عازلة بينها.

وتوجد ميزة إضافية للاتفاق من وجهة نظر القاهرة وهي أن أي محاولة تركية لتحديه ستضع أنقرة الآن في صراع مباشر مع الاتحاد الأوروبي.

وتمنح الاتفاقية مع اليونان مصر مياها اقتصادية محدودة أكثر مما كانت ستحصل عليه لو اعترفت بالاتفاقية التركية الليبية. ويشير ذلك إلى ولاء القاهرة للمحور المعادي لتركيا.

وتعتبر اليونان ومصر الاتفاقية الجديدة بمثابة مستوى جديد في سبيل تعزيز منتدى شرق المتوسط، الذي من المتوقع أن يصبح منظمة دولية قريبا وأن يضم فرنسا كعضو كامل، والولايات المتحدة بصفة مراقب، بالإضافة إلى أعضائه الـ7 المؤسسين.

كما ستعزز الاتفاقية آفاق مشروع خط أنابيب "إيست ميد" لتصدير الغاز الطبيعي من (إسرائيل) عبر قبرص واليونان إلى أوروبا، والذي تمت الموافقة عليه من قبل الدول الثلاثة خلال الأشهر القليلة الماضية، بالرغم من انهيار أسعار الطاقة والشكوك المتزايدة حول الجدوى الاقتصادية للمشروع.

وتعزز اتفاقية التطبيع بين (إسرائيل) والإمارات من قوة المحور المناهض لتركيا، الذي يتطور من محور اقتصادي يركز بشكل أساسي على الغاز إلى تحالف إقليمي يدمج المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية.

ولا تحرص اليونان ومصر على مواجهة عسكرية مع تركيا، ولدى أنقرة أيضا تحفظاتها على المواجهة مع دولة عضو في الناتو.

وتتعامل مصر حاليا مع تحديات اقتصادية خطيرة، فضلا عن أزمة سد النهضة الإثيوبي واستمرار التوتر في شبه جزيرة سيناء، وبالتالي ترى الانجرار إلى صراع عسكري مباشر مع تركيا أمرا غير مرغوب فيه.

في الوقت نفسه، ليس لدى القاهرة وأثينا آمال كبيرة في حل سياسي من شأنه تهدئة التوترات مع أنقرة، خاصة أن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" يبدو متمسكا باستراتيجيته.

وبعد توقيع صفقة الغاز بين مصر و(إسرائيل) عام 2018، صرح "السيسي" أن مصر "سجلت هدفا كبيرا"، ما يعني ضمنا ضد الأتراك.

واحتفلت الصحف المصرية عندما تم التوقيع على الاتفاق المصري اليوناني باعتباره "الهدف الثاني". ويُنظر إلى ترسيم الحدود البحرية في مصر واليونان على أنه خطوة رئيسية في الحملة الدبلوماسية ضد تركيا.

وبالإضافة إلى ترسيم حدود مياههما الاقتصادية، والتهديد باستخدام القوة إذا تم اختراقها، تشمل هذه الحملة ضغوطا دولية من الناتو والاتحاد الأوروبي لربط تركيا بالعناصر الإسلامية المتشددة، وإضفاء الطابع المؤسسي على منتدى الغاز المناوئ لتركيا. ويعد الهدف العام من هذه التحركات هو احتواء النفوذ التركي في المنطقة.

التداعيات بالنسبة لـ(إسرائيل)

وتستعد (إسرائيل) لمجموعة متنوعة من السيناريوهات المحتملة من مواجهة عسكرية بين تركيا وخصومها (مصر واليونان)، إلى مواصلة الحملة الدبلوماسية المستمرة ضد أنقرة، مرورا بالتفاهمات البراجماتية بين الطرفين.

وفي حين أنه من الواضح الجانب الذي تدعمه (إسرائيل)، فلم يتم بعد تقييم العواقب الأوسع للانضمام إلى المحور المناهض لتركيا في شرق المتوسط.

وبالطبع فإن هناك تكلفة لانجرار (إسرائيل) إلى الصراع اليوناني التركي وإلى الصراع في ليبيا، بما في ذلك الحاجة إلى تكريس اهتمام متزايد بالمنطقة في وقت تزداد فيه التحديات المحلية المتعددة الناجمة عن وباء "كوفيد-19"، إلى جانب التحديات الخارجية الموجودة بالفعل.

وفي حين تنظر (إسرائيل) إلى معظم النشاط التركي في المنطقة نظرة سلبية، فإن جزءا بسيطا منه فقط يمثل تهديدا مباشرا لـ(إسرائيل) ويتطلب ردها.

وتولي (إسرائيل) أهمية متزايدة لشرق البحر المتوسط ​​بسبب موارد الغاز وأهميته الاستراتيجية متعددة الأبعاد، وبالتالي لها مصلحة في منع الأزمات في المنطقة والحفاظ عليها كمساحة سلمية.

وسوف يؤدي إنشاء تكتلات صلبة في شرق المتوسط ​​إلى زيادة حدة التنافس بين تركيا و(إسرائيل). كما أن الانقسامات العميقة بين المعسكرين المتنافسين، ستؤدي إلى سباق تسلح متسارع قد يغير ميزان القوى الحالي، وهو أيضا أمر غير مرغوب فيها بالنسبة لـ(إسرائيل).

وفي حين أن الوساطة الألمانية في الصراع الليبي والتركي اليوناني يمكن أن تخدم المصالح الإسرائيلية، تحاول (إسرائيل) أيضا تشجيع واشنطن على زيادة مشاركتها في جهود الوساطة والقيام بدور رائد.

وفي ظل التناقض بين الاتفاق المصري اليوناني والاتفاق التركي مع حكومة الوفاق الوطني، يجب أن يتوصل الجانبان إلى تفاهم بشأن هذه المسألة من أجل تجنب خطر الانجرار إلى نزاع مسلح.

ويمثل وقف إطلاق النار الذي تم الإعلان عنه في ليبيا في 21 أغسطس/آب علامة إيجابية على التفاهم بين مختلف اللاعبين على ضرورة التوصل لحل وسط، بالرغم من الصعوبات القائمة.

وقد تظهر تركيا بعض المرونة بعد اكتشافها للغاز في البحر الأسود والذي يمثل أول اكتشاف لمصدر مهم للوقود الأحفوري في الأراضي التركية. وفي االمقابل، فإن استمرار تمسك الكتل المتصارعة بمواقفها يدعو للقلق من أن أي مرونة أو حوار قد يكون محدودا وغير كاف.

المصدر | معهد الأمن القومي الإسرائيلي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

منتدى غاز شرق المتوسط شرق المتوسط الاتفاق الليبي التركي اتفاق تعيين الحدود البحرية

إرسال مقاتلات إماراتية إلى اليونان الأسبوع المقبل.. لماذا؟

قابل للتعديل.. مصر تنشر نص اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اليونان