رغم مؤشرات التعافي.. سوق النفط يواجه مخاطر وجودية

الجمعة 28 أغسطس 2020 07:51 م

في الأسبوع الأخير من أغسطس/آب الجاري، ارتفعت أسعار النفط إلى أعلى مستوى لها منذ بداية أزمة "كورونا" حيث ساعدت تخفيضات الإنتاج من قبل تحالف "أوبك +" في تعافي السوق من صدمة الطلب.

وكان نشاط الإعصار، الذي أجبر على إغلاق أكثر من 80% من إنتاج النفط في خليج المكسيك يومي 25 و26 أغسطس/آب، عاملا آخر وراء الارتفاع.

لكن الاتجاه الأساسي لا يزال هبوطيا مع احتمال أن يظل الطلب ضعيفا وسط حالة من عدم اليقين بشأن المسار المستقبلي للوباء والمخاطر الجديدة المحتملة على الاقتصاد العالمي.

وفي أحدث تقرير شهري عن سوق النفط، عدلت "أوبك" توقعاتها للطلب لعام 2020، مستندة إلى توقعات بنمو اقتصادي أضعف من قبل صندوق النقد الدولي.

وتتوقع "أوبك" الآن انخفاضا في نمو الطلب على النفط بمقدار 100 ألف برميل يوميا في أغسطس/آب مقارنة بتقديرات يوليو/تموز.

ومن المتوقع أن ينخفض ​​إجمالي الطلب لعام 2020 بمقدار 9.09 مليون برميل يوميا إلى 90.63 مليون برميل يوميا مقارنة مع توقعات ما قبل الأزمة، البالغة 101 مليون برميل يوميا لهذا العام.

وحتى مع انتعاش الطلب من أدنى مستوياته في أبريل/نيسان، لا سيما في الصين، حيث انتعش الاقتصاد في الربع الثاني، فإن توقعات عام 2020 تجعل الطلب أقل من مستوى عام 2019 عندما كانت تقديرات الاستهلاك نحو 100 مليون برميل في اليوم.

وقد تؤدي محدودية التنقل الجوي والبري بسبب التهديد المستمر لفيروس كورونا في أجزاء كبيرة من العالم، والتحول إلى المزيد من ممارسات الأعمال الرقمية، والتركيز على حزم التعافي الخضراء (الصديقة للبيئة) إلى تغييرات هيكلية في سوق الطاقة.

وأدى ذلك ببعض المحللين إلى توقع أن الطلب قد بلغ ذروته بالفعل وقد لا يعود أبدا إلى مستويات ما قبل الجائحة. ويبدو أن حسابات "أوبك" تدعم هذه النظرية.

وفي عام 2019، توقعت "أوبك" أن يكون الطلب بحلول عام 2030 أقل بمقدار 10 مليون برميل في اليوم من تقديرات عام 2007 البالغة 118 مليون برميل في اليوم.

ومن المرجح الآن إجراء مزيد من التنقيحات، لأن التوقعات السابقة لم تأخذ في الاعتبار التأثير المدمر للأزمة الصحية العالمية.

وأدت الصدمة المزدوجة المتمثلة في انخفاض الطلب مع انتشار الوباء في وقت سابق من هذا العام، وفائض المعروض الناجم عن المعركة على الحصة السوقية بين السعودية وروسيا، إلى دفع أسعار النفط إلى مستويات منخفضة تاريخية، وتم تداول الأسعار الأمريكية لفترة وجيزة في السوق في المنطقة السلبية.

وأدى حجم انهيار الطلب والتهديد الذي تتعرض له الاقتصادات المعتمدة على النفط والغاز في الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" إلى إعادة الحسابات والعودة إلى طاولة المفاوضات من قبل الأطراف الـ 24 في إعلان التعاون، التي اجتمعت أوائل عام 2016 لإدارة صدمة أسعار النفط السابقة.

وتمكنت مجموعة الدول الصناعية الـ 20، برئاسة السعودية عام 2020، من إبرام اتفاق مع مجموعة المنتجين غير الأعضاء في "أوبك" بقيادة روسيا لخفض الإنتاج بما يقرب من 10 مليون برميل في اليوم.

بالإضافة إلى ذلك، وافقت الولايات المتحدة وكندا ودول أخرى على دعم الاتفاق بخفض طوعي للإنتاج. ومع ذلك، كانت بعض التخفيضات، كما كان الحال مع إنتاج النفط الصخري الأمريكي والرمال النفطية الكندية، غير مستقرة، حيث أدى انخفاض أسعار النفط إلى جعل الإنتاج غير اقتصادي.

وكانت نتيجة التخفيضات، التي بلغ مجموعها في وقت من الأوقات ما يقارب 15 مليون برميل في اليوم، تحسنا تدريجيا في أسعار النفط، التي انتعشت في سوق شديد التقلب.

ووفقا لحسابات "أوبك" في أواخر يوليو/تموز، تعافت العقود الآجلة لخام مزيج برنت القياسي العالمي بنحو 24 دولارا للبرميل من أدنى مستوياتها في أبريل/نيسان، وارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى 78 دولارا للبرميل.

ومنذ ذلك الحين، تحركت الأسعار أعلى قليلا حيث امتصت تخفيضات "أوبك +" الزيادة وسمحت بتضييق الفجوة بين الشهر الأول والأشهر الآجلة، ما يشير إلى سوق أكثر إحكاما.

وسمح ذلك لـ "أوبك +" بتقليص بعض التخفيضات وزيادة الإنتاج من أغسطس/آب إلى ديسمبر/كانون الأول، رغم أن بعض أعضاء "أوبك" حثوا على توخي الحذر نظرا للطبيعة غير المتوقعة للوباء وإمكانية إعادة فتح الاقتصادات الرئيسية بشكل أبطأ مما كان متوقعا.

وإذا كان هناك أي شيء إيجابي، فإن تجربة عام 2020 قد صقلت العقول لدرجة أن "أوبك" وحلفاءها اتفقوا على سلسلة من تخفيضات الإنتاج لتطبيقها حتى عام 2022.

وفي حديثه خلال اجتماع افتراضي مشترك للوزراء، لم يستبعد وزير الطاقة السعودي "عبدالعزيز بن سلمان" أن تمدد لجنة المراقبة التي تراقب الأسواق والامتثال لاتفاق "أوبك +" قيود الإنتاج إلى ما بعد عام 2022.

وقال إن أعضاء "أوبك +" يجب ألا يخففوا من جهودهم، "لأن الأزمة ستكون معنا حتى أبريل/نيسان 2022 وربما أكثر".

ويبقى أحد أكبر الأمور المجهولة هو ما إذا كانت الأزمة الحالية ستسرع من الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون أم أن أسعار النفط والغاز الضعيفة نسبيا ستبقي المواد الهيدروكربونية قادرة على المنافسة مع البدائل المتجددة منخفضة التكلفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

والسؤال الرئيسي هو ما إذا كان من المقرر تدفق 13 إلى 20 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي هذا العام، ومن ثم إعطاء الأولوية للطاقة الخضراء والنظيفة كجزء من الانتعاش أو ما إذا كان سيتم توجيه المزيد من الأموال إلى الصحة والبنية التحتية والرقمنة وغيرها، وهي القطاعات ذات الأولوية لتحسين المرونة في مواجهة الصدمات المستقبلية.

ووسط حالة عدم اليقين هذه، يبدو أن هناك بعض التقارب في وجهات النظر حول الحاجة إلى إزالة الكربون من قبل الدول المنتجة للنفط وشركات النفط والغاز، التي وضع العديد منها أهدافا لعزل الكربون حتى عام 2050، إن لم يكن قبل ذلك.

وانضمت أرامكو السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، إلى 12 شركة نفط أخرى، عامة وخاصة، في مبادرة مناخ النفط والغاز، وهو تحالف يمثل 30% من إنتاج النفط والغاز العالمي يهدف لتسريع استجابة الصناعة لتغير المناخ من خلال تقليل الانبعاثات عبر صناعة النفط والغاز.

ويشمل ذلك تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان وخفض الاحتراق ودمج الطاقة المتجددة في إنتاج ناقلات الطاقة النظيفة مثل الهيدروجين.

وبمجرد أن يغادر النفط المصفاة، يصبح من الصعب إزالة الكربون نظرا لوجود عدد قليل من البدائل للوقود الأحفوري بالنسبة لقطاع الطيران ونقل المركبات الثقيلة والشحن.

وتأخذ السيارات الكهربائية ومعايير كفاءة الوقود الأكثر تشددا ببطء من حصة البنزين في السوق، ولكن هذا ليس سوى جزء قليل.

ووفقا لكبير مسؤولي التكنولوجيا في أرامكو السعودية "أحمد الخويطر"، يمكن تقليل ما يصل إلى 15% من الانبعاثات الناتجة عن استخدام المنتجات النفطية مقدما.

ويعد استخدام وتخزين الكربون أحد الطرق لاحتجاز انبعاثات الكربون إما لاستخدامها في الاستخلاص المعزز للنفط أو لإنتاج منتجات تحبس الكربون، ولكن ذلك يأتي بتكلفة.

ويعتقد "الخويطر"، أحد المدافعين عن اقتصاد الكربون الحلقي، أن التكنولوجيا تحتاج إلى دعم من الحكومات لأن الكيانات التجارية لا تستطيع تحمل التكلفة بمفردها.

وأضاف أن الكربون المحتجز يحتاج إلى أن يتم تسعيره في المنتجات ليكون مجديا تجاريا.

وأدى الإدراك البطيء لضرورة قيام منتجي الوقود الأحفوري بتقليل الانبعاث للبقاء على قيد الحياة إلى نقاش آخر حول موضوع تجاهلته الدول الرئيسية المنتجة للنفط من قبل.

وفي الواقع، فإن احتمال وجود أصول عالقة قد أطل برأسه مرة أخرى كأثر جانبي محتمل للأزمة الحالية.

ويستكشف تحليل يوليو/تموز 2020 من قبل مؤسسة "عبدالله بن حمد العطية الدولية للطاقة والتنمية المستدامة"، ومقرها الدوحة، مخاطر أصول النفط والغاز والفحم العالقة.

وتشير الأصول العالقة إلى احتياطيات الوقود الأحفوري التي لا يمكن إنتاجها بسبب سياسات تغير المناخ والمنافسة من التقنيات غير الأحفورية.

ويبحث التقرير في كيفية قيام كبار منتجي النفط والغاز بتحويل هذه الأصول إلى نقود بشكل أسرع ولماذا يجب على مالكي الموارد الرئيسيين أخذ مخاطر الأصول العالقة على محمل الجد.

وتواجه صناعة الوقود الأحفوري احتمال وجود سياسات بيئية أكثر صرامة قد تشمل حظرا صريحا على استخدام الهيدروكربونات أو نظائر الكربون أو وضع حدود قصوى وسياسات تعمل على تحسين القدرة التنافسية للتقنيات التي تعمل بالوقود غير الأحفوري مثل السيارات الكهربائية، كما يفترض التقرير.

لكن هناك معضلة، خاصة مع قيام بعض شركات النفط والغاز الكبرى بتخفيض الإنفاق على التنقيب عن النفط والغاز.

وهناك حاجة للاستثمار في قدرات جديدة لتعويض معدلات التدهور الطبيعي، التي يبلغ متوسطها نحو 8% للنفط و6% للغاز، سنويا.

ومع تزايد عزوف شركات النفط الدولية عن الالتزام بأموال لمشاريع النفط والغاز ذات الدورة الطويلة، واتجاهها للاستثمار أكثر في المشاريع قصيرة الدورة، وكذلك في الطاقة المتجددة وغيرها من التقنيات منخفضة أو معدومة الكربون، فإن العبء سينخفض ​​بشكل متزايد على أرامكو السعودية، وشركة بترول أبوظبي الوطنية في الإمارات، وغيرها من شركات النفط والغاز المتكاملة المملوكة للدولة، لتعويض الركود.

لكن مع توقعات الطلب غير المؤكدة واحتمال ظهور الأصول العالقة، لا يوجد حافز كبير للقيام بذلك، لا سيما في وقت يحاول فيه العديد من المنتجين الخليجيين تنويع اقتصاداتهم بعيدا عن الاعتماد المفرط على عائدات النفط والغاز.

ومع ذلك، فإنهم يتمتعون بميزة الإنتاج منخفض التكلفة، في حين أن المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة مثل أولئك المشاركين في المشاريع البحرية العميقة قد يكونون أول من يقوم بسد آبارهم.

وفي سوق الطاقة العالمي، من الصعب عزل السياسات وفق الجغرافيا. ويمكن أن تؤثر كثافة الكربون على الأصول العالقة بطريقتين.

وتتجه بعض البلدان، مثل تلك الموجودة في الاتحاد الأوروبي، إلى حظر النفط والغاز ذات البصمة الكربونية الأعلى من المعايير المحددة.

ويعني هذا أن الأصول عالية الكربون، التي قد تشمل حقول النفط والغاز وبعض محطات الطاقة التي تعمل بالفحم داخل الاتحاد الأوروبي، لن تكون قادرة على العمل بينما سيتعين على الآخرين في الخارج إيجاد سوق جديدة، كما يقول التقرير.

ويستشهد التقرير بالجزائر التي تزود أوروبا بالغاز عبر خطوط الأنابيب. كما ستتأثر روسيا، بصفتها المورد الرئيسي للغاز إلى السوق الأوروبية. وقد تفرض دول أخرى ضرائب أعلى على الكربون، مما قد يزيد من تكاليف الإنتاج.

وفي الوقت الحالي، تبدو منظمة "أوبك" وحلفاؤها أكثر اهتماما بالدفاع عن السعر بدلا من حصتهم المتضائلة في السوق العالمية.

لكن سيناريوهات التعافي بعد الأزمة لا يمكن أن تتجاهل إشارات التحذير التي كانت تومض حتى قبل أن يضخمها الوباء.

وقد يكون من الصعب أن نشاهد الأزمة من خلال المنظور المظلم لفيروس كورونا، لكن خيار العودة إلى نموذج ما قبل الأزمة يتلاشى بسرعة.

ووفقا لـ "كريستيانا فيجيريس"، التي لعبت دورا أساسيا في المفاوضات الناجحة التي أدت إلى اتفاقية باريس لعام 2015 بشأن تغير المناخ، فهناك حاجة لفصل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عن الناتج المحلي الإجمالي كما فعلت أوروبا، مع التعامل مع تحديات الاقتصاد والصحة والمناخ كحزمة واحدة حتى يخرج العالم من الأزمة.

المصدر | كيت دوريان/معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اتفاقية خفض الإنتاج تمديد خفض الإنتاج كوفيد-19 تغير المناخ

انهيار النفط وتداعيات كورونا ينهيان زمن فوائض الخليج 

توقعات أن يكتسب تعافي أسعار النفط زخما في 2021

بفعل مخاوف الطلب.. النفط يحوم حول أدنى سعر في عدة أسابيع

روسيا تتوقع شوطا طويلا أمام تعافي سوق النفط