"الشام الجديد".. حصار اقتصادي لإيران وخارطة جديدة لدور العراق

السبت 29 أغسطس 2020 10:10 ص

في قمة ثلاثية بين العراق ومصر والأردن، الثلاثاء الماضي، طرح رئيس الوزراء العراقي "مصطفى الكاظمي" على الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" والعاهل الأردني "عبدالله الثاني" مشروع اقتصادي باسم "الشام الجديد" يركز على تعزيز الجوانب الاستثمارية والتجارية بين البلدان الثلاثة في مشروع ستكون تدفقات رأس المال فيه أكثر حرية.

وأطلق "الكاظمي" اسم المشروع لأول مرة خلال زيارته للولايات المتحدة؛ حيث صرح لصحيفة "واشنطن بوست" باعتزامه الدخول في مشروع جديد تحت هذا المسمى، وهو مشروع اقتصادي على نسق الاتحاد الأوروبي، يجمع القاهرة ببغداد، وانضمت إليه عمان مؤخرا، لتكوين تكتل إقليمي جديد قادر على مواجهة التحديات.

فكرة المشروع ليست وليدة اللحظة، وإنما سبق أن طرحها رئيس الوزراء العراقي الأسبق "حيدر العبادي"، وتدور حول الاعتماد على مصر ككتلة بشرية والعراق ككتلة نفطية، والأردن للاستفادة من خدمات تعاون القاهرة مع بغداد.

تفاصيل المشروع كشفها القيادي في ائتلاف "النصر" العراقي "عقيل الرديني"، الذي قال إن "الشام الجديد" يقوم على التفاهمات الاقتصادية بين مصر والعراق، ودخلت الأردن مؤخرا على نفس الخط.

وتقوم هذه التفاهمات على خطة لإنشاء خط نفط من البصرة إلى الأراضي المصرية ممتدا عبر الأراضي الأردنية؛ لتحصل البلدان "مصر والأردن" على تخفيضات تصل إلى 16 دولارا على البرميل، بينما يستورد العراق الكهرباء من مصر والأردن، إضافة إلى استقطاب بغداد استثمارات من البلدين.

  • استهداف إيران

ومن شأن هكذا مشروع أن يعالج جزء من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر والأردن فيما يخص توفير مصادر الوقود، وجزء من أزمة إنتاج الكهرباء التي يعانيها العراق منذ سنوات؛ ما اضطر إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى استثنائه من العقوبات على إيران، وعليه تستورد بغداد حجم الفجوة في الإنتاج الكهربائي من طهران.

لكن هذه الاستثناء مؤقت، ولا ترغب الولايات المتحدة وحلفاؤها بدول الخليج وخاصة السعودية في استمراره، وهو ما يلقى هوى –على الأرجح– لدى "الكاظمي"، المعروف بتوجهاته البراجماتية ومعارضته لأن يكون العراق تابعا لإيران.

ولما كان رئيس الوزراء العراقي أتى لموقعه بعد احتجاجات شعبية حاشدة ترفع شعارات "إيران بره بره"؛ فهو بالتأكيد مصدر قلق لإيران ونفوذها في العراق، ومن يتابع تحركاته يدرك أنه جاد فعلا في تقويض نفوذ طهران في بلاده، حسبما نقلت وكالة "هاوار" الكردية (مقرها الحسكة في سوريا) عن المحلل السياسي العراقي "كتاب الميزان".

وعلى هذا الأساس، يمكن قراءة غياب سوريا عن خارطة المشروع رغم كونها قلب "الشام القديم"؛ وذلك باعتبارها – تحت سيطرة نظام "بشار الأسد" – ساحة فناء خلفي للنظام الإيراني.

وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر أمريكية وعربية مطلعة إن واشنطن تعتزم المضي قدما في دعم تقارب العراق مع جيرانه من دول الخليج العربية، لا سيما السعودية، عبر تعاون استثماري في مجال الطاقة.

كانت السعودية بدأت مؤخرا محادثات حول استثمارات محتملة في مشروع حقل "أرطاوي"، البالغ قيمته 2.2 مليار دولار، والذي يهدف إلى إعادة توجيه الكميات الكبيرة من الغاز الطبيعي التي يهدرها العراق نحو توليد الطاقة، وفقا لوزير المالية العراقي ومسؤول نفطي سعودي.

ومن شأن اكتمال هكذا استثمارات وتكاملها مع "الشام الجديد" إنهاء الأهمية الاستراتيجية التي يمثلها "مضيق هرمز" حاليا بالنسبة لنقل النفط إقليميا، وهو المضيق الذي تسيطر عليه إيران.

وفي هذا الإطار، يشير المحلل السياسي العراقي "عبد القادر النايل" إلى أن مشروع "الشام الجديد" يستهدف إيران بالأساس، خاصة أن الاخيرة تستخدم العراق في تبادل تجاري كبير ومصالح تفوق 20 مليار دولار سنويا؛ ما مكنها من التغلب على العقوبات الأمريكية، وفقا لما نقلته وكالة "سبوتنيك" الروسية.

  • تطلع إسرائيلي

ويعزز من هذه الرؤية، تأكيد تقارير غربية ارتباط المشروع بآخر سبق لدولة الاحتلال الإسرائيلي أن روجت له قبل عام، وتقوم فكرته على تكامل تطبيعي بين (إسرائيل) ودول الخليج من جانب وكل من مصر والأردن والعراق من جانب آخر، عبر قيام دولة الاحتلال بدور "الجسر البري" والأردن بدور "مركز النقل الإقليمي".

ويشمل المشروع الإسرائيلي ربط دولة الاحتلال بدول الخليج والعراق بشبكة للسكك الحديدية؛ لنقل البضائع والمسافرين.

وتدعم الارتباط بين "الشام الجديد" والمشروع الإسرائيلي تحولات إقليمية كبرى أبرزها تطبيع العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، وتصاعد حدة التوتر بين واشنطن وطهران، وتأكيد صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن "الكاظمي" يؤيد التطبيع الإماراتي ويرسل إشارات إيجابية تجاه (إسرائيل) عبر تأكيده أنه "لن يواجه مشكلة في تحسين العلاقات مع تل أبيب".

وتمثل الثمار الاقتصادية المتوقعة للمشروع عنصر الإغراء الرئيس في جذب العراق إلى دائرة "دول الاعتدال"، حسب التوصيف الأمريكي، وهي تلك الدول التي تعترف بـ(إسرائيل) وتطبع العلاقات معها رسميا، خاصة في ظل معاناة العراقيين من أزمة قطاع الطاقة ومن بطالة ضخمة كانت سببا مباشرا في أزمة الاحتجاجات الشعبية الحاشدة.

ويبلغ الناتج المحلي لكل من العراق ومصر والأردن معا نحو 500 مليار دولار، في حين تصل الكثافة البشرية فيها إلى نحو 150 مليون شخص.

وإذا كان العراق مستفيدا أساسيا من استثمارات الكهرباء والطاقة بشكل عام، فإن مصر ستستفيد من المشروع بمجموعة من الامتيازات والعلاقات الجيدة التي تسمح لها اليوم بتقديم مشروع جديد لحلحلة أزمات المنطقة، إضافة إلى امتصاص نسبة من البطالة، أما الأردن فيشكل حلقة وصل بين الدولتين، ويصلهما بريا، ولذلك فهو ضروري جدا في هذا المشروع.

ورغم أن الظروف الإقليمية مهيأة لتمرير المشروع، إلا أن التحدي الذي يواجهه يتمثل في البيئة الطاردة للاستثمار وفساد النظام الإداري والفوضى المالية وعدم الوضوع في الرؤية الاقتصادية، حسبما يرى الخبير السياسي العراقي "صالح الهاشمي".

فكل الاتفاقيات التي حاول فيها رؤوساء الحكومات السابقة أن يجدوا فيها منفذ من الأزمات الاقتصادية، لم تنجح نجاحا كبيرا؛ لعدم توفير بيئة مناسبة داخل العراق تستطيع أن تستقطب أموال وأيدي عاملة وحركة تجارية بين هذه البلدان، وعليه فإن دور "الكاظمي" محوري في نجاح "الشام الجديد" من عدمه، حسبما يرى عديد المراقبين.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مصطفى الكاظمي عبدالفتاح السيسي عبدالله الثاني حيدر العبادي

العرب مقابل إيران.. صراع النفوذ يتصاعد في العراق

الأردن يستضيف قمة رباعية تضم قادة مصر والإمارات والعراق

من القاهرة إلى العلمين.. 6 محطات لتوسع تحالف "مواجهة التحديات" العربي