ابتزاز السودان وتوسيع التطبيع.. هكذا فشلت زيارة بومبيو إلى المنطقة

السبت 29 أغسطس 2020 04:02 م

تحولت رحلة وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" إلى الشرق الأوسط خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري إلى جولة من الفضيحة والفشل.

وبدءا من (إسرائيل)، أحرج "بومبيو" مكتبه من خلال إلقاء خطاب سياسي يتضمن انتهاكا لقانون "هاتش" (قانون يمنع المسؤولين الحكوميين من العمل بطريقة حزبية). ويعتبر القيام بذلك من أرض أجنبية، انتهاك للتقاليد الدبلوماسية في الولايات المتحدة.

وخلال زيارته إلى البحرين، قوبلت محاولة "بومبيو" لإقناع الملك بالانضمام إلى الإمارات في تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) بالرفض الشديد.

وفي عُمان، ناقش "بومبيو" الحصار المستمر ضد قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين.

ومن الجدير بالذكر أن "بومبيو" لم يقل إنه ناقش الأزمة الخليجية مع البحرين أو الإمارات، وهو الأمر المطلوب في حال كان جادا في حل القضية. وبدلا من ذلك، ناقش الأمر مع عُمان، التي تقود منذ فترة طويلة الجهود لإصلاح العلاقات بين دول الخليج.

وحاول "بومبيو" أيضا إقناع عُمان بزيادة الجهود لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل). لكن ليس هناك ما يشير إلى أن عُمان مستعدة للمضي قدما إلى أبعد مما لديها بالفعل في تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) في الوقت الحالي، بالرغم من بعض الآمال التي أثيرت في كل من (إسرائيل) وواشنطن.

وعندما غادر "بومبيو" (إسرائيل)، قام بأول رحلة طيران مباشرة من (إسرائيل) إلى السودان. وهناك أظهر وزير الخارجية الأمريكي مدى تدهور السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد "دونالد ترامب"،  مع وجود "بومبيو" على رأس وزارة الخارجية.

وقال "بومبيو" للقادة السودانيين إن الولايات المتحدة تدرس شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إذا دفع السودان 330 مليون دولار أمريكي.

وفي العام الماضي، أدت ثورة شعبية سلمية إلى سقوط نظام "عمر البشير". وعقد قادة الثورة اتفاقا مع القيادة العسكرية للانتقال إلى حكومة مدنية وأكثر ديمقراطية، ولكن هذا الاتفاق هش حيث يرفض العديد من العناصر في الحكومة العسكرية التنازل عن السلطة للحكم المدني، ويتحرك الناشطون بحذر مع الجيش.

وكان الانتقال صعبا وغير سهل، وزاد من تعقيده وجود السودان، إلى جانب إيران وسوريا فقط، على قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب.

وتجعل العقوبات الأمريكية من الصعب على الدول الأخرى والمؤسسات المالية الدولية التعامل مع السودان.

وبالرغم من رفع العديد من العقوبات على السودان في الأعوام الأخيرة، إلا أن البلاد لا تزال معزولة عن النظام النقدي العالمي، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بسبب إدراجها في قائمة الدول الراعية للإرهاب.

ويمنع ذلك السودان من الحصول على رأس المال الذي تحتاجه للتعافي من الدمار الذي أحدثه حكم "البشير"، والأثر الاقتصادي لفقدان الكثير من الموارد الطبيعية عندما انفصل جنوب السودان عن بقية البلاد عام 2011.

بعبارة أخرى، فإن الشعب السوداني بحاجة ماسة إلى إزالة البلاد من القائمة. وفي الوقت الحالي، يواجه واحد من كل أربعة سودانيين نقصا في الغذاء، وبلغ معدل التضخم في شهر يونيو/حزيران نحو 130%، وهو ارتفاع كبير عن توقعات بنك التنمية الأفريقي الخطيرة بالفعل البالغة 61.5%.

وبلغ إجمالي الناتج المحلي للسودان 18.9 مليار دولار فقط عام 2019، ومن المتوقع أن ينخفض ​​إلى 9.7 مليار دولار فقط عام 2020.

وهذا هو البلد الذي نحاول ابتزازه للحصول منه على 330 مليون دولار، وهو مبلغ يمثل أقل من 0.00007% من ميزانيتنا لعام 2020. هذا أمر قاسٍ وغير إنساني.

ويجري تحميل السودان مسؤولية العمليات التي نفذها "أسامة بن لادن"، بالرغم أنه تم طرده من السودان قبل وقت طويل من هجمات 11 سبتمبر/أيلول. وعلى أي حال، لم يُسمح له بدخول البلاد إلا لبضعة أعوام، برغبة من "البشير" وأحد مساعديه وهو "حسن الترابي".

وحتي لو كان ذلك صحيحا فيما مضى، فلا ينبغي تحميل السودان المسؤولية الآن بعد الإطاحة بـ "البشير". ونظرا لتأثيرات الإدراج في قائمة الدول الراعية للإرهاب على الشعب السوداني، فلابد من إنهاء هذا الوضع.

وقد يكون السودان المستقر قادرا على التعامل مع هذه القضايا، وإذا لزم الأمر، تحمل التكاليف. لكن ابتزاز بلد فقير مقابل مبلغ كبير بالنسبة له أمر لا يمكن الدفاع عنه، خاصة وأن هذا البلد يحاول بنشاط أن يصبح أكثر حرية وانفتاحا.

وحاول "بومبيو" أيضا إقناع السودانيين بفتح علاقات طبيعية مع (إسرائيل)، وهو الأمر الذي تم طرحه في فبراير/شباط الماضي، عندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" الجنرال السوداني "عبد الفتاح البرهان"، رئيس مجلس السيادة الحاكم، الذي أعلن على عجل أن السودان و(إسرائيل) سيتحركان لإقامة علاقات طبيعية.

وكان رد الفعل الغاضب من الشعب السوداني جعل "البرهان" يتراجع بسرعة. وكان رد وزير الإعلام السوداني "فيصل صالح" على "بومبيو" هذا الأسبوع مشابها، حيث قال إن "الحكومة الانتقالية ليس لديها التفويض لاتخاذ قرار بشأن التطبيع مع (إسرائيل). سيتم البت في هذا الأمر بعد استكمال الفترة الانتقالية".

بعبارة أخرى، عد إلينا عندما يكون لدينا حكومة دائمة، لا يمكننا التعامل مع اضطراب قد ينتج عن هذا القرار الآن.

وفي فبراير/شباط، بدا أن القادة السودانيين كانوا يحاولون تدشين علاقات أكثر دفئا مع (إسرائيل)، مدركين أن مثل هذه الخطوة سترضي واشنطن وربما تقنعها بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

لكن سواء انتقلت الحكومة السودانية إلى الديمقراطية، أو عادت إلى الديكتاتورية العسكرية، أو وقعت في مكان ما بينهما، فإن اقتصادها بحاجة ماسة إلى المساعدة الدولية التي لا تستطيع الوصول إليها بينما لا تزال على القائمة سيئة السمعة.

ولا تحتاج إدارة "ترامب" إلى أن يدفع السودان ثمن مقاربة كانت قبل وقت طويل مع "أسامة بن لادن". ولن تجني في هذه المناورة الكثير سوى زيادة معاناة الشعب السوداني وجعل انتصار القوى المدنية الديمقراطية في ذلك البلد أكثر صعوبة.

لكن هذه هي طبيعة إدارة "ترامب". وإذا تمكن السودان أخيرا من تحقيق توازنه الاقتصادي والديمقراطي، فمن غير المرجح أن ينسى السودانيون كيف عاملتهم الولايات المتحدة وهم يحاولون بناء بلدهم.

المصدر | ميتشيل بليتنيك/ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نهج إدارة ترامب مايك بومبيو

تقارير عبرية: تطبيع السودان خلال أسابيع.. ودور خاص لدحلان

فلسطين ترحب بموقف السودان الرافض للتطبيع مع إسرائيل

إسرائيل: نأمل توقيع اتفاق التطبيع مع الإمارات بواشنطن سبتمبر المقبل

عرض أمريكي.. رفع السودان من قائمة الإرهاب مقابل التطبيع مع إسرائيل

هل يؤثر تطبيع السودان مع إسرائيل على مصالح مصر في أفريقيا؟