هكذا دفعت الجغرافيا السياسية إيران لامتلاك برنامج صاروخي وشبكة وكلاء

الأربعاء 2 سبتمبر 2020 10:26 م

بعد فشل الولايات المتحدة في استصدار قرار من مجلس الأمن لتمديد حظر الأسلحة على إيران، تسعى إدارة "ترامب" الآن إلى تفعيل آلية "سناب باك" لاستعادة العقوبات المنصوص عليها في الاتفاقية النووية، حيث تسمح هذه الآلية للمشاركين في الاتفاق بإعادة جميع العقوبات ضد إيران والتي تم رفعها في عام 2015.

يريد "ترامب" توقيع اتفاق جديد مع إيران لن يمنعها فقط من امتلاك سلاح نووي، بل سيحد أيضًا من برنامج البلاد الصاروخي ويوقف دعمها لوكلائها في المنطقة، لكن الرئيس الأمريكي غير مستعد على ما يبدو لفهم دوافع إيران لتطوير برنامج صاروخي أو تشكيل وكلاء إقليميين.

الحقيقة أن دافع القادة الإيرانيين للقيام بهذه السلوكيات في الشرق الأوسط المضطرب هو "البقاء"، حيث تفرض التجارب التاريخية والجيوسياسية في المنطقة على إيران اتباع مسارين أديا في نهاية المطاف إلى تفاقم العداء مع الولايات المتحدة.

تطوير برنامج صاروخي

عندما شن "صدام حسين" ضربات صاروخية على إيران (1980-1988)، لم تكن إيران قادرة على الرد، حيث كان الغرب قد فرض عقوبات على إيران واضطرت البلاد إلى اللجوء إلى ليبيا وكوريا الشمالية للحصول على أبسط المعدات العسكرية والصاروخية.

كما أن طهران كانت تفتقر إلى قوة جوية متقدمة، وأدى هذا الوضع إلى شعور القادة الإيرانيين بالحاجة إلى إنشاء وتطوير برنامج صاروخي محلي؛ واليوم لديهم أكبر ترسانة صواريخ في المنطقة.

بالتالي؛ فقادة إيران ليسوا مستعدين الآن لفقدان وسيلة الدفاع الرئيسية ببساطة.

وصرح "فريدون مجليسي"، وهو دبلوماسي سابق وكاتب عمود في العديد من الصحف الإيرانية حول الدبلوماسية، أن العدد الكبير من الصواريخ يوفر قوة ردع لإيران، وأضاف: "من الناحية الاقتصادية، كان من المُجدي أكثر بكثير تصنيع الصواريخ بدلاً من شرائها. لذلك، اكتسبت إيران معرفة الكيفية التقنية لهذه الصناعة".

تطوير الوكلاء الإقليميين

يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة فلوريدا الدولية، "محي الدين مصباحي"، إن إيران "وحيدة استراتيجيا" من حيث الجغرافيا السياسية.

وبعبارة أخرى، فإنها تشعر بالوحدة الاستراتيجية وهي محرومة من أي تحالفات ذات مغزى مع القوى العظمى، سواء كان ذلك بإرادتها أم بوعي منها أم عن غير قصد أم بدافع الضرورة.

تعرضت إيران على مدار التاريخ للغزو مرات عديدة من قبل العرب والأتراك من الغرب، والمغول والأفغان من الشرق، وروسيا من الشمال، والبرتغاليون من الجنوب، ولم يكن لها حلفاء في أي من هذه الحالات.

كما أنه ليس لديها أي حلفاء إقليميين يُعتمد عليهم اليوم، فإيران هي الدولة الشيعية الوحيدة الناطقة بالفارسية في الشرق الأوسط الأوسع الذي يهيمن عليه العرب السنة، ووحدتها الاستراتيجية على طول حدودها الواسعة دون حواجز طبيعية تعني أن الدفاع عن نفسها على طول حدودها يعني الهزيمة.

دفعت هذه الظروف قادة إيران إلى التفكير في إنشاء وكلاء في المنطقة لتوسيع نطاق دفاعها الاستراتيجي.

وفي الواقع، فإن الدافع وراء إنشاء الوكلاء دفاعي وليس هجومي أيضا كما هو موضح في النتائج التي توصلت إليها مؤسسة "راند" التي قالت: "إيران لا تسعى إلى التوسع الإقليمي أو فرض أيديولوجيتها الثورية".

يُنظر إلى "حزب الله" في لبنان على أنه معقل إيران الأول ضد (إسرائيل)، كما أن "الحوثيين" يعادلون القوة السعودية في اليمن، حتى إن دعم قوات الحشد الشعبي، يهدف لمنع العراق من غزو إيران مرة أخرى.

وقال الدبلوماسي السابق والمتحدث باسم فريق التفاوض النووي الإيراني، "سيد حسين موسويان" في مقابلة له، إنه يرى سلوك إيران كرد فعل على تصرفات الولايات المتحدة.

وأضاف: "استثمرت الولايات المتحدة في الدول العربية لمواجهة إيران، واستثمرت إيران بشكل متبادل في القوى الشعبية لمواجهة الهيمنة الأمريكية ومقاومتها".

نتاج استراتيجية "ترامب"

حاولت إدارة "ترامب" "تغيير سلوك إيران" على مدى السنوات الثلاث الماضية من خلال تجاهل هذين الدافعين. ومع ذلك، لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران على الرغم من خروجها من الاتفاق النووي، وفرض أقسى العقوبات الاقتصادية، وممارسة ضغوط سياسية وعسكرية صارمة، واغتيال أرفع جنرال إيراني.

وتسعى الولايات المتحدة إلى تمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران في نفس الوقت الذي تبيع فيه أسلحة بمليارات الدولارات لخصومها الإقليميين وتمنح (إسرائيل) -التي تمتلك أسلحة نووية- دعمًا اقتصاديًا وأمنيًا كبيرا، فضلا عن تطويق إيران بالقواعد العسكرية الأمريكية.

لا يسع قادة إيران إلا أن يستنتجوا أن الولايات المتحدة تسعى لتغيير النظام، مضيفين المقاومة كدافع ثالث من دوافعهم.

وغني عن القول أنه لا توجد دولة ذات سيادة مستعدة للتخلي عن استقلالها، وهكذا لا يرغب القادة الإيرانيون في التخلي عن أدواتهم الدفاعية، خاصة في وقت باتوا علي يقين أن الولايات المتحدة تنتهج سياسة الإطاحة بهم.

من المرجح أن يؤدي الاستمرار على هذا المنوال إلى دفع الإدارة الأمريكية إلى حرب غير ضرورية، وإذا فاز "ترامب" في الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني، فقد يزيد هذا بشكل كبير من احتمالية المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران.

ربما لهذا السبب استخدم الحرس الثوري نسخة من سفينة أمريكية في تدريباتهم البحرية الأخيرة للتحضير لموقف حقيقي.

يجب فهم دوافع قادة إيرانلتطوير برنامجها الصاروخي ودعم وكلاء إقليميين، حيث إن مجرد مراقبة السلوك دون فهم الدوافع الكامنة وراءه لا يوفر تحليلاً دقيقاً، وسوف يساهم في استمرار دوامة سوء الفهم على كلا الجانبين.

وبمجرد أن تدرك الولايات المتحدة هذه الدوافع بدلاً من السعي لتغيير السلوك، يمكنها اتباع سياسات لا تحفز إيران لتطوير برنامجها الصاروخي أو دعم وكلاء إقليميين.

ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال نظام أمني مستقر في الشرق الأوسط يتم فيه طمأنة الدول على سيادتها واستقلالها وتُحل الخلافات دون تدخل عسكري.

ويمكن للولايات المتحدة استخدام إمكاناتها القيادية في العالم لإنشاء مثل هذا النظام، أو يمكنها أن تستمر في زعزعة الاستقرار وتصعيد التوترات في المنطقة من خلال اتباع السياسات الحالية؛ فأيهما ستختار أمريكا؟

المصدر | جليل بيات/ ريسبونسيبل ستيتكرافت - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإيرانية الأمريكية العقوبات الأمريكية الاتفاق النووي الإيراني

إيران: على الولايات المتحدة العودة للاتفاق النووي قبل أي محادثات

ستراتفور: إيران لن تتخلى عن دعم وكلائها بالمنطقة مقابل تخفيف العقوبات