عاصفة الـ5G.. كيف تتأثر دول الخليج بالحرب التكنولوجية بين أمريكا والصين؟

السبت 5 سبتمبر 2020 06:47 م

تزداد مساحة التنافس بين الولايات المتحدة والصين، ولا يوجد مثال أوضح على ذلك من صراع الولايات المتحدة المتصاعد مع شركة "هواوي" الصينية حول الـ5G.

ويزيد الوزن الجيوسياسي للبلدين والحرب الباردة الحالية بينهما من حساسية السؤال الذي يواجهه العالم بشأن الاعتماد على "هواوي" في شبكات الجيل الخامس أم لا.

وتتهم الولايات المتحدة شركة "هواوي" بتركيب أبواب خلفية في أجهزتها تمكن الحكومة الصينية من المراقبة.

وكانت دول مجلس التعاون الخليجي تأمل في الحفاظ على مسافة متساوية من هذه الحرب الرقمية الباردة.

ومع ذلك، فقد أصبح هذا الأمر صعبا بشكل متزايد مع تكثيف الولايات المتحدة لحملتها المضادة لـ"هواوي" من خلال تقديم مبادرة الشبكة النظيفة ودعمها لقرار (إسرائيل) باستبعاد "هواوي" من جهود شبكة الـ5G الخاصة بها.

وينذر هذا التصعيد الأخير ضد "هواوي" في (إسرائيل) بزيادة الضغط الذي من المتوقع أن تواجهه دول مجلس التعاون الخليجي قريبا.

وتواجه دول الخليج خيارات صعبة فيما يتعلق بشركة "هواوي". ويتمثل أحد الخيارات في إعطاء الأولوية لشراكتها الأمنية والسياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، الضامن الرئيسي لأمن الخليج، وبالتالي حماية هذه العلاقة في هذا الوقت من التوترات غير المسبوقة مع إيران.

أما الخيار الآخر فيتمثل في إعطاء الأولوية لاعتمادها الاقتصادي على تصدير النفط الخام إلى الصين، والذي سيكون حاسما لانتعاش منطقة الخليج بعد الوباء.

وهناك دعم متزايد من الحزبين في الولايات المتحدة لسياسات قوية تجاه الصين. ويعني هذا أنه بغض النظر عمن سيفوز بالبيت الأبيض، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ستتعرض للضغط عاجلا أم آجلا من قبل واشنطن لاختيار جانب في الحرب الرقمية الباردة.

المشهد العالمي

واكتسبت المعركة العالمية ضد "هواوي" زخما مع قرار المملكة المتحدة في يوليو/تموز بتغيير المسار وحظر المعدات من الشركة الصينية.

وبموجب قانون المملكة المتحدة، يُحظر على الشركات الحصول على معدات جديدة من "هواوي" ويجب عليها إزالة المعدات الحالية بحلول عام 2027.

وكان قرار المملكة المتحدة جزئيا بسبب الضغط والعقوبات الأمريكية على "هواوي"، ولكنه كان أيضا ردا على سياسات الصين على جبهات متعددة، أبرزها قانون الأمن الجديد في هونج كونج.

ومع ذلك، فإن الحملة الأمريكية ضد "هواوي" في أوروبا تتجاوز لندن. وتطلب واشنطن من الحلفاء منع "هواوي" من بناء شبكات الجيل الخامس الخاصة بها والانضمام بدلا من ذلك إلى الشبكة الأمريكية، التي تضم بالفعل جمهورية التشيك وبولندا والسويد وأستونيا ورومانيا والدنمارك واليونان ولاتفيا.

مجلس التعاون الخليجي ولحظته الرقمية

وأصبحت دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة البحرين والإمارات والسعودية وقطر، مرقمنة بشكل متزايد منذ عام 2010، لا سيما فيما يتعلق بالخدمات الحكومية وذلك مع تغلغل الإنترنت وتدفقات البيانات واستخدام الهواتف الذكية.

وباستخدام الثروة المتراكمة من صادرات النفط، وجهت اقتصادات الخليج استثمارات ضخمة نحو بناء بنيتها التحتية الرقمية.

وحدث ذلك في نفس الوقت الذي كانت فيه دول الخليج توسع حضورها العالمي وتستعد لفرص هامة لإبراز نفوذها، بما في ذلك رئاسة السعودية لمجموعة العشرين عام 2020، ومعرض إكسبو دبي 2020، وكأس العالم لكرة القدم في قطر 2022.

السباق نحو الجيل الخامس.. السعودية وقطر والإمارات

ويعد حجر الزاوية في مبادرة "رؤية السعودية 2030" هو هدفها المتمثل في تحويل المملكة إلى مركز رقمي في المنطقة.

وبالنظر إلى هذه الاستراتيجية وحجم الاقتصاد السعودي وكونها الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في دول مجلس التعاون الخليجي، شعرت الرياض بالضغط لدخول عصر الجيل الخامس بشكل أسرع وعلى نطاق أوسع من نظرائها في الخليج. 

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، دخلت شركة "زين" الرائدة في مجال الاتصالات في المملكة في شراكة مع شركة "هواوي" لتقديم المرحلة الأولى من شبكة الـ5G، التي غطت 20 مدينة في المملكة من خلال 2000 برج مما جعل السعودية تحظى بأكبر شبكة 5G في المنطقة.

وجاءت شراكة "زين" مع "هواوي" نتيجة للأسعار التنافسية للشركة ووجودها الكبير في السوق السعودية.

ومنذ عام 2015، حاولت الإمارات نشر شبكة 5G لترسيخ مكانة دبي كمدينة عالمية والتحضير لمعرض إكسبو دبي 2020، وهو حدث دولي من المتوقع أن يجتذب أكثر من 25 مليون زائر.

ولتحقيق هذه الأهداف، احتاجت الإمارات إلى شريك يمكنه توفير البنية التحتية اللازمة للجيل الخامس على نطاق واسع.

وأقامت شركتا "دو" و"اتصالات" المشغلتان الرئيسيتان للشبكات في الإمارات شراكات مع "هواوي" لنشر الـ5G.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أكملت "اتصالات" بنجاح أول مكالمة مستقلة عبر الجيل الخامس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وعلى غرار الإمارات، تتوقع قطر لحظتها المنتظرة في دائرة الضوء العالمية، مع استضافة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022.

ولم تستضف الدولة الخليجية الصغيرة أبدا حدثا قريبا من حجم كأس العالم، والذي سيجلب نحو 1.7 ملايين زائر إلى بلد يبلغ عدد سكانه 2.7 ملايين نسمة فقط.

ولجعل هذه المناسبة أكثر تاريخية، تريد قطر أن تكون كأس العالم الأولى في ظل شبكات الجيل الخامس أيضا. ولإطلاق شبكة 5G على نطاق واسع، دخلت شركتا الهاتف الرئيسيتان في قطر، "فودافون" و"أوريدو"، في شراكة مع 3 من مزودي معدات الـ5G، وهم "هواوي" و"إريكسون" و"نوكيا". ومنذ عام 2019، قامت فودافون و"أوريدو" بنشر شبكات 5G في عشرات المواقع في جميع أنحاء البلاد.

وتمتلك "أوريدو" وحدها أكثر من 1200 موقع 5G في جميع أنحاء الدوحة. وسوف يلقي قرار المملكة المتحدة الأخير بحظر معدات "هواوي" بظلاله على العلاقات الإيجابية التي تربط شركة "فودافون" البريطانية بـ"هواوي" في السوق القطري.

وليس من الواضح حتى الآن التأثير المستقبلي لحظر "هواوي" في المملكة المتحدة على شراكات فودافون خارج الاتحاد الأوروبي.

معضلة الخليج.. الاعتماد المتزايد على الولايات المتحدة والصين

ولا تشعر حكومات مجلس التعاون الخليجي بالارتياح بشدة لتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين.

ومن ناحية أخرى، فإن الصين هي الزبون الرئيسي لنفط دول مجلس التعاون الخليجي. وقبل التباطؤ الاقتصادي بسبب "كوفيد-19"، صدرت السعودية 1.67 مليون برميل يوميا إلى الصين، وقدمت دول الخليج 28% من واردات الصين من النفط.

بالإضافة إلى ذلك، بسبب تداعيات الوباء، أصبحت اقتصادات الخليج أكثر ارتباطا بالاقتصاد الصيني، الذي يتعافى بشكل أسرع من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ومن ناحية أخرى، تواجه منطقة الخليج تحديات أمنية غير مسبوقة من إيران ووكلائها، ما يجعلها أكثر اعتمادا على شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. 

وعندما قصفت إيران منشآت نفط أرامكو في بقيق العام الماضي، نشرت الولايات المتحدة المزيد من القوات العسكرية في السعودية والإمارات لاستعادة قوة الردع مع طهران.

وتتنامى العلاقات الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين، في الوقت الذي تتمتع فيه هذه الدول بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة. ولكن هذه الدول ستضطر لاختيار جانب واحد في الحرب التكنولوجية الحالية بين الولايات المتحدة والصين.

ماذا بعد؟

ومنذ عام 2018، ركزت حملة الولايات المتحدة ضد "هواوي" على الاتحاد الأوروبي في المقام الأول، لكن واشنطن ترسل الآن رسائل عاجلة وتهديدية بشكل متزايد إلى حلفائها في كل مكان.

وبسبب المصالح الأمنية المشتركة بين (إسرائيل) والعديد من دول الخليج العربي، واعتمادها الاستراتيجي على الولايات المتحدة، فقد يجبر الحظر الإسرائيلي على "هواوي" عواصم الخليج على إعادة النظر في مشاركة الشركة في شبكات الجيل الخامس.

وحتى الآن، لم يطرح وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" مسألة "هواوي" علنا مع شركاء واشنطن في الخليج.

ومع ذلك، في يوليو/تموز الماضي، أعربت "ألينا رومانوفسكي"، السفيرة الأمريكية في الكويت، عن مخاوفها بشأن اندماج "هواوي" في شبكات 5G في الخليج. واتهمت"هواوي" بأنها ملزمة قانونا بالعمل مع المخابرات الصينية، مما يعرض البيانات والخصوصية للخطر.

وفي اليوم التالي، رفضت السفارة الصينية مزاعم السفيرة واتهمت الولايات المتحدة بالخوف من تفوق "هواوي" في تكنولوجيا 5G مشيرة إلى ارتكاب واشنطن جرائم سرقة البيانات عبر "برامج التجسس الإلكترونية"، في إشارة إلى برنامج مراقبة تابع لوكالة الأمن القومي تم الكشف عنه في عام 2013.

وقريبا، ستواجه عواصم الخليج تحدي محاولة التغلب على عاصفة الـ5G الخاصة بـ"هواوي" دون استعداء الولايات المتحدة أو الصين.

وسيتعين على مجلس التعاون الخليجي الموازنة بين مصالحها الاقتصادية والأمنية خلال هذا الركود العالمي الحاد، وقد تحتاج إلى التكيف مع الضغوط المتزايدة من واشنطن إذا فاز "جو بايدن" في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني وقرر أن قادة الخليج يجب أن يخضعوا لمعايير مختلفة عن تلك التي كانوا عليها في عهد "ترامب".

وإذا اختارت دول مجلس التعاون الخليجي الحفاظ على علاقتها مع "هواوي"، فستكون هذه علامة واضحة على تقلص نفوذ الولايات المتحدة على حلفائها. ومع ذلك، إذا اتخذت دول الخليج هذا الخيار، فعليها أيضا أن تكون مستعدة لمواجهة الرد الانتقامي من واشنطن.

المصدر | محمد سليمان - معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الجيل الخامس شركة هواوي مجلس التعاون الخيلجي

انقسام حاد في إدارة ترامب بشأن شبكة 5G

دول الخليج تعيد حساباتها مع الحرب الباردة الجديدة بين أمريكا والصين

الصين ترد على العقوبات الأمريكية بآلية تحجم نشاط الشركات الأجنبية

الصين تخطط لإطلاق 6G بعد بناء أكبر شبكة 5G في العالم

لمواجهة الصين.. بايدن يسعى لتأسيس تحالف دولي تقني