لماذا لجأت الحكومة الأردنية لحملة القمع الأخيرة؟

الأحد 13 سبتمبر 2020 04:15 م

بالرغم أن الأردن يحاول عرض صورة تقدمية عن نفسه في الخارج وهو عمومًا أكثر تسامحًا مع المعارضة من العديد من جيرانه، فقد أظهر أنه يمكن أن يلجأ إلى إجراءات صارمة لمحاولة السيطرة على الشعب الذي يعاني من ضغوط شديدة، ويتوق إلى مستوى معيشي لائق وفضاء سياسي أكثر انفتاحًا.

 أدى تأثير الإجراءات الحكومية المضادة لوباء "كورونا"، وعدم اليقين بشأن الموقف من القضية الفلسطينية، والتصور بأن بعض الدول الخليجية تتخلى عن القضية الفلسطينية، إلى صب الزيت على النار على المشاكل الداخلية.

يُحسب للحكومة الأردنية أنها كانت قادرة على الحد من انتشار "كورونا"، بشكل أفضل بكثير من جيرانها حيث فرضت إغلاقًا شبه كامل للاقتصاد في مارس/آذار، مما قلل بشكل كبير من انتشار الفيروس. وقد سمح تعامل الحكومة الماهر مع الوباء بإعادة فتح الاقتصاد في نهاية يونيو/حزيران. وحتى 8 سبتمبر/أيلول، سجل الأردن ما يقرب من 2600 إصابة و 19 حالة وفاة بسبب الفيروس.

ومع ذلك، فإن إجراءات الطوارئ التي تم سنها كجزء من إغلاق مارس/آذار كان لها تأثير سياسي ضار حيث فسر العديد من المعارضين الحظر المفروض على التجمعات، والذي لا يزال ساريًا، على أنه وسيلة لخنق المعارضة. 

ولعل الأهم من ذلك أن إجراءات الطوارئ دفعت أصحاب العمل إلى تخفيض الأجور، وقد أضر هذا بشكل خاص بالطبقة المتوسطة الكبيرة في الأردن، والتي كانت تعاني من ضغوط اقتصادية شديدة أصلا. وقد اشتعل غضب المعلمين الأردنيين (الشريحة الأكثر نشاطاً سياسياً) والذين يتقاضون 600 دولار شهرياً في المتوسط، عندما أعلنت الحكومة أنها ستؤجل زيادة الأجور الموعودة التي تم الاتفاق عليها في العام السابق.

نشاط المعلمين والقمع الحكومي

تم تشكيل نقابة المعلمين الأردنيين عام 2011 وتمثل أكبر نقابة في البلاد حيث يبلغ عدد أعضائها حوالي 140 ألف عضو.

نظمت النقابة في سبتمبر/أيلول 2019 إضرابًا لمدة 4 أسابيع أدى فعليًا إلى إغلاق المدارس بسبب مشكلة الأجور المزمنة. في أكتوبر/تشرين الأول 2019، رضخت الحكومة ووافقت على حصول المعلمين على زيادة في رواتبهم تتراوح بين 35 إلى 74%، حسب مستواهم المهني. وكان من المقرر صرف الأموال الإضافية في أوائل عام 2020، لكن الخطة تأخرت بسبب إغلاق "كورونا" الذي أدى أيضًا إلى تجميد رواتب القطاع العام.

بعد رفع الإغلاق في يونيو/حزيران، بدأت قيادة نقابة المعلمين الضغط على الحكومة للوفاء باتفاقية الأجور لعام 2019. وأطلقت النقابة على موقعها على الاإنترنت دعوة لفعاليات للضغط من أجل زيادة الاجور. واعتبرت الحكومة هذه الدعوة تهديدًا واستجابت بإجراءات قمعية للغاية.

وفي 25 يوليو/تموز، أمر النائب العام في البلاد بحل نقابة المعلمين واعتقال مجلس قيادتها المكون من 13 عضوًا. كما أمرت الحكومة بحجب أخبار النقابة والاعتقالات؛ بالإضافة إلى تهديد الصحفيين والمدونين بالسجن إذا خالفوا الأمر.

أدت الحملة ضد قيادة النقابة إلى مظاهرات واسعة النطاق للمعلمين في جميع أنحاء البلاد. لم يطالب المعلمون المحتجون بالإفراج عن القادة وإعادة نقابتهم فحسب، بل طالب بعضهم باستقالة الحكومة بقيادة رئيس الوزراء "عمر الرزاز"، معتبرين إياها فاسدة.

واجهت الحكومة هذه الاحتجاجات بشرطة مكافحة الشغب واعتقلت ما يصل إلى 1000 معلم في أواخر يوليو/تموز وأوائل أغسطس/آب، واتهم وزير الداخلية "سلامة حماد" بعض المتظاهرين بإلقاء الحجارة على عناصر الأمن، وهو عمل ندد به ووصفه بأنه "غير مقبول". كما قال إن الاحتجاجات كانت انتهاكًا لإجراءات الطوارئ المفروضة منذ مارس/آذار 2020. وانتقد مسؤول حكومي آخر المعلمين لكونهم "عنيدين" في مسألة الأجور.

رد فعل داخلي وخارجي

لم يفعل التعتيم الإعلامي الكثير للحد من أخبار ما كان يحدث، حتى عندما حاولت الحكومة منع الوصول إلى الإنترنت، حيث كان الأردنيون المتمرسون في استخدام الكمبيوتر بارعين في التحايل على مثل هذه القيود. وقد تعاطف العديد من الأردنيين، وخاصة من الطبقة الوسطى، مع المعلمين المحتجين الذين يتشاركون معهم ظروفًا مماثلة. 

في غضون ذلك، أدانت جماعات حقوق الإنسان الدولية بشدة تصرفات الحكومة. صرح "مايكل بيج"، نائب مدير الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش" أن: "إغلاق إحدى النقابات العمالية المستقلة القليلة في الأردن بعد نزاع مطول مع الحكومة وعلى أسس قانونية مشكوك فيها يثير مخاوف جدية بشأن احترام الحكومة لسيادة القانون". وأضاف "بيج" أن الحظر الذي فرضته الحكومة على وسائل الإعلام "يعزز فقط الاستنتاج بأن السلطات تنتهك حقوق المواطنين".

وحتى الأمم المتحدة، التي كان للأردن منذ فترة طويلة مكانة إيجابية فيها، انتقدت أيضا حملة القمع ضد نقابة المعلمين. ووصف المتحدث باسم حقوق الإنسان في الأمم المتحدة "روبرت كولفيل"، الإجراءات ضد النقابة بأنها "رمز لنمط متزايد من قمع الحريات العامة وتقييد الحيز المدني والديمقراطي من قبل الحكومة الأردنية، بما في ذلك ضد الناشطين الحقوقيين والصحفيين، وأولئك الذين انتقدوا الحكومة سلميا".

وبالرغم من اعتراف هذا المسؤول في الأمم المتحدة بأن عمان تخضع لقيود مالية بسبب جائحة "كورونا"، إلا أنه استمر في القول إننا "نشجع الحكومة على الدخول في مفاوضات بحسن نية مع نقابة المعلمين حول مخاوفهم بدلاً من فرض تدابير غير قانونية تقيد الحق في تكوين الجمعيات والتجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير".

من المحتمل أن الحكومة الأردنية لم تكن تتوقع هذا المستوى من التدقيق والنقد الخارجي، وهو الأمر الذي أضر بسمعتها في الخارج. ورداً على الانتقادات، أطلقت الحكومة، في أواخر أغسطس/آب، سراح أعضاء مجلس الإدارة المعتقلين وكذلك معظم المعلمين المحتجزين، لكن تمسكت بقرار إغلاق نقابة المعلمين لمدة عامين على الأقل.

زاوية "الإخوان المسلمون" والتأثيرات الإقليمية

يرجع جزء من غضب الحكومة تجاه نقابة المعلمين إلى أن بعض المسؤولين يرون أنها تابعة لـ"الإخوان المسلمون"، وهي جماعة المعارضة الرئيسية في الأردن. وبالرغم أن 27% فقط من أعضاء اللجنة المركزية للنقابة ينتمون إلى جماعة "الإخوان المسلمون" (وفقًا لناشط في المجتمع المدني) فإن المسؤولين الحكوميين يرون أن جماعة الإخوان تعمل على إثارة السكان وغرس الأفكار المتطرفة لدى الطلاب.

اتهم أحد المسؤولين الأردنيين الطلاب بأنهم "أسرى لمجلس لا يرى التعليم على أنه دعوة، وبدلاً من ذلك يتم استخدامه كجزء من أجندات أيديولوجية حزبية".

هناك سؤال يقبع في أذهان الأردنيين وهو إلى أي مدى تتعرض الحكومة الأردنية لضغوط من الإمارات لاتخاذ المزيد من المواقف المتشددة ضد "الإخوان"؟ وقالت المحللة السياسية الأردنية "لميس أندوني": "هناك حديث عن ضغوط إماراتية على الأردن للقضاء على الإخوان المسلمين. بالإضافة إلى ذلك، هناك تيار في الأردن مهتم بالاشتباك مع الإخوان".

يشار إلى أن معظم أعضاء جماعة "الإخوان المسلمون" الأردنية هم من أصل فلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الشريحة من السكان (التي تمثل حوالي 60% من إجمالي سكان الأردن) غاضبة بشكل خاص من اتفاقية السلام بين الإمارات و(إسرائيل)، والتي يتم تفسيرها على أنها بيع للقضية الفلسطينية. ومع ذلك، فإن هذه الحقائق تخلط بين العديد من القضايا الحساسة وتثير بلا شك الحكومة الأردنية بشكل خاص.

الكاريكاتير السياسي

في ضوء هذه الخلفية، جاء قرار الأردن باعتقال رسام الكاريكاتير السياسي الشهير "عماد حجاج" في 27 أغسطس/آب بدعوى سعيه إلى "تقويض علاقات الأردن مع دولة صديقة"، أي الإمارات. وقد نشر "حجاج" في اليوم السابق رسما كاريكاتوريا يصور حمامة عليها العلم الإسرائيلي وهي تبصق على وجه ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، مع كتابة توضيحية تقول أن "إسرائيل تطلب من أمريكا عدم بيع مقاتلات إف-35 إلى الإمارات".

كانت تلك إشارة إلى حقيقة أن (إسرائيل) تعتقد أن أي صفقة عسكرية تشمل الولايات المتحدة ودولة عربية يجب ألا تقوض "تفوقها العسكري النوعي" في المنطقة، وأنها سوف تستخدم نفوذها مع واشنطن لعرقلة أي جهود من هذا القبيل، مثل بيع طائرة متطورة من طراز "إف-35" إلى الإمارات. ويصور الكاريكاتير بشكل أساسي زعيمًا عربيًا يتعرض للإهانة والخداع من قبل الإسرائيليين.

كانت الحكومة الأردنية حساسة بشكل خاص لهذا الكاريكاتير لعدد من الأسباب. أولاً، لا تعد الإمارات ممولاً مالياً لعمّان فحسب، بل هي دولة تربطها مع الأردن علاقة أمنية طويلة وتستضيف العديد من العمال الأردنيين، بمن فيهم العسكريين. ثانيًا، بالرغم من اعتراف الحكومة الأردنية بإعلان العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات و(إسرائيل)، إلا أنها تعلم أن هذا القرار الإماراتي لا يحظى بشعبية كبيرة في المملكة. ولكن نظرًا لأن الأردن لديه معاهدة سلام خاصة به مع (إسرائيل)، فإنه لا يمكنه إدانة المعاهدة بين الطرفين لأن ذلك من شأنه أن يجذب المزيد من الاهتمام إلى علاقاته الدبلوماسية المثيرة للجدل مع (إسرائيل)؛ لذلك، وجدت الحكومة الأردنية نفسها في مأزق وربما اعتقدت أن اعتقال "حجاج" سيكون وسيلة منخفضة التكلفة لتهدئة الإمارات.

ومع ذلك، كان هناك احتجاج شديد على اعتقال رسام الكاريكاتير من قبل المفكرين الأردنيين وغيرهم من المثقفين العرب، الذين أطلقوا عاصفة على "تويتر" كما أثار القرار انتقاد مجموعات حقوق الإنسان الدولية، مما اضطر الحكومة للإفراج عن "حجاج" بعد أيام قليلة فقط من الاحتجاز. مثل اعتقال المعلمين، أوضحت حادثة "حجاج" قلق الحكومة من الأحداث الأخيرة، ومتابعة القمع ثم التراجع عنه جزئيا للحد من ردود الفعل السلبية.

سياسة الولايات المتحدة

يحتاج صانعو السياسة الأمريكيون إلى إقناع العاهل الأردني الملك "عبدالله"، الذي تربطهم به علاقة وثيقة منذ فترة طويلة، بأن الإجراءات الصارمة مثل اعتقال المعلمين وتكميم الصحافة تؤدي إلى نتائج عكسية ليس فقط على مستوى استقرار البلاد ولكن على مستوى سمعتها في الخارج.

ويجب على صانعي السياسة الأمريكيين أيضًا العمل مع المجتمع الدولي لمحاولة إيجاد المزيد من الأموال لمساعدة الاقتصاد الأردني المتعثر حتى يتمكن من دفع رواتب مناسبة لمعلميه ومساعدة الشرائح الأخرى من السكان التي تعاني من الآثار الاقتصادية للوباء.

وبالرغم أن واشنطن تقدم للأردن مساعدات كبيرة (معظمها للقطاع العسكري ورعاية اللاجئين السوريين)، فقد تم تخصيص 8.6 ملايين دولار فقط للمساعدة في مواجهة فيروس "كورونا". ومن الواضح أن ذلك غير كافٍ بالنظر إلى تزايد عدد السكان في الأردن والضغط على الطبقة الوسطى، كما أظهرت احتجاجات المعلمين هذا الصيف.

يجب على واشنطن أيضًا أن تستخدم نفوذها لدى دول الخليج العربية لتطلب منهم أن يكونوا أكثر كرماً مع الأردن دون قيود سياسية.

المصدر | جريجوري أفتانديليان - المركز العربي واشنطن دي سي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

احتجاجات المعلمين بالأردن نقابة المعلمين الحكومة الأردنية الإخوان المسلمون

قوات أمنية تقتحم مقرات المعلمين بالأردن.. واعتقال نائب النقيب

إخوان الأردن يقررون خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة

مطالبات للحكومة الأردنية بسحب تعديلات قانونية تقيد حرية الإعلام