لبنان.. هل خاب أمل ماكرون؟

رسالة ماكرون واضحة: إن أردتم للبنان عوناً أممياً فإنه يتعين عليكم إعادة النظر في النهج الذي تسيرون عليه.

رئيس المكلف أبدى رفضه لإملاء الشروط عليه، مهدداً بالاعتذار عن التكليف، فهل خاب أمل ماكرون، أم ما زال هناك بقية أمل؟

«المحاصصة الطائفية» تخفي تواطؤا على تقاسم منافع ومصالح بين زعماء طوائف متنافسين ظاهرا ومتفاهمين باطنا على حماية مصالحهم.

*     *     *

لم يفِ ساسة لبنان بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم أمام الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي أتاهم إلى بيروت برسالة بليغة، فرنسية - أوروبية، برضا أمريكي، أن عليهم إظهار قدر من الشعور بالمسؤولية إزاء ما يجري في وطنهم، وما حلّ به من كوارث، قد يكون الانفجار المروع في المرفأ أشدّها وأكثرها فداحة، لكنه ليس الكارثة الوحيدة، في بلد تتالى عليه المحن.

رسالة ماكرون واضحة: إن أردتم للبنان عوناً أممياً، فإنه يتعين عليكم إعادة النظر في النهج الذي تسيرون عليه، نهج «المحاصصة الطائفية»، الذي يغطي تواطؤاً على تقاسم المنافع والمصالح بين زعماء الطوائف، المتنافسين ظاهراً، والمتفاهمين، باطناً، على الحماية المشتركة لمصالحهم.

في لقاءاتهم مع ماكرون أيضاً أظهر هؤلاء الساسة خلاف ما يبطنون. قالوا إنهم سيسهلون مهام الرئيس المكلف مصطفى أديب، كي يتمكن من تشكيل الحكومة العتيدة في مهلة لن تتجاوز الأسبوعين.

ولكنهم حين ذهبوا إلى مناقشة التفاصيل لم يغادروا الخنادق التي هم فيها، حيث يحاول كل طرف إملاء شروطه على الرئيس المكلف، وحتى أولئك الذين أظهروا تعففاً زائفاً عن المشاركة في الحكومة، فقد كانوا يمارسون ابتزازاً خفياً، الغاية منه واضحة:«لن نشارك، ولكننا لن نسهل عمل الحكومة المقبلة في حال تشكّلت».

انتهت مهلة الأسبوعين دون أن تتشكل الحكومة. باريس لم تخفِ امتعاضها من ذلك، وعبرت جهراً عن أسفها لعدم التزام الساسة اللبنانيين بالتعهدات التي قطعوها للرئيس ماكرون، داعية إياهم من جديد إلى «تحمل مسؤولياتهم» من أجل مصلحة لبنان، ومواصلة مساعي تشكيل حكومة إنقاذ بالسرعة المطلوبة، ووفق الوعود المقطوعة، كما جاء في بيان صدر عن الإليزيه.

لم يفُت الإليزيه، حسب البيان، تذكير هؤلاء الساسة بالآمال المعقودة على الحكومة المنتظرة، في أن تكون مدعومة من الجميع، وقادرة على تطبيق برنامج إصلاحات ملحة تلبي حاجات لبنان وتطلعات اللبنانيين واللبنانيات.

الحديث يدور عن أن أحد أسباب تعثر الحكومة عائد إلى خلاف حول الجهة التي ستسند إليها حقيبة المال، حيث تطالب حركة أمل بتعيين «شخصية شيعية» في هذا المنصب الذي تتولاه منذ 2014، ما يظهر أن هؤلاء الساسة غير راغبين في مغادرة ما اعتادوا ممارسته عند تشكيل أي حكومة في لبنان بإملاء الشروط، والشروط المضادة، ما يجعل من المهمة طويلة ومعقدة، تستغرق شهوراً، وأحياناً أكثر من سنة.

الرئيس المكلف أبدى رفضه لإملاء الشروط عليه، مهدداً بالاعتذار عن التكليف، فهل خاب أمل ماكرون، أم ما زال هناك بقية أمل؟

* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين