الانتقام أم ضبط النفس.. كيف سترد إيران على مصادرة أمريكا لناقلاتها؟

الجمعة 18 سبتمبر 2020 10:12 م

اعترضت الولايات المتحدة 4 سفن إيرانية في أغسطس/آب (بيلا وبيرينج وباندي ولونا)، وصادرت نحو 1.1 مليون برميل من النفط كانت على متنها متجهة إلى فنزويلا. فيما وصفت وزارة العدل الأمريكية الإجراء بأنه "أكبر مصادرة أمريكية للوقود الإيراني".

واتهم أمر "مصادرة الشحنات" الصادر عن النيابة العامة الأمريكية إيران بإنفاق الدخل من صادرات النفط لأغراض عسكرية ودعم الإرهاب.

وذكرت وكالة "أسوشيتد برس"، أنه "لم يتم استخدام أي قوة عسكرية في الاستيلاء على الشحنة"، ولم يتم احتجاز أي من السفن بشكل مادي، وإنما هدد المسؤولون الأمريكيون أصحاب السفن وشركات التأمين والقباطنة بفرض عقوبات عليهم لإجبارهم على تسليم حمولتهم.

وكان تنفيذ أمر المصادرة يستهدف كلاً من الحرس الثوري الإيراني وحكومة فنزويلا؛ كجزء من حملة "أقصى ضغط" التي ينتهجها الرئيس "دونالد ترامب" ضد الدولتين على أمل أن يؤدي هذا الإجراء إلى تثبيط المزيد من التجارة بينهما.

وبالرغم من كون فنزويلا مصدرًا كبيرًا للنفط، إلا أنها لا تنتج ما يكفي من البنزين المكرر محليًا، وقد اضطرت لطلب الإغاثة من إيران بسبب نقص الوقود.

بعد وصول 5 ناقلات إيرانية بنجاح إلى فنزويلا في مايو/أيار، صممت الولايات المتحدة على منع أي شحنات أخرى.

ووصف مسؤولون إيرانيون الخطوة الأمريكية بأنها غير قانونية وحذروا من أن إيران لن تتسامح مع مثل هذا السلوك. وفي مايو/أيار، قال الرئيس الإيراني "حسن روحاني" إن "أي عمل يشبه القرصنة تقوم به البحرية الأمريكية ضد شحنات الوقود الإيرانية إلى فنزويلا من شأنه أن يؤدي إلى رد قاس".

كما هدد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان "إبراهيم  رضائي"، بأن أي إجراءات ضد السفن الإيرانية ستقابل برد سريع ومناسب.

فكيف سترد إيران على استيلاء الولايات المتحدة على ناقلات نفطها؟ فبالرغم من التهديدات، لم تتخذ إيران أي إجراءات انتقامية حتى الآن.

الخيار العسكري مستبعد

ويعتقد "تريتا بارسي"، المؤسس ونائب الرئيس التنفيذي لمعهد "كوينسي" أن إيران ستستخدم كل السبل القانونية والسياسية المتاحة لها، لا سيما إذا اختارت عدم الرد عسكريا على الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يؤدي أي هجوم قانوني أو دبلوماسي إلى تحقيق تقدم ملموس، حيث لم يُعرف "ترامب" ومساعدوه بامتثالهم للقانون الدولي والمعايير القانونية.

كما قال "روبرت موجيلنيكي"، الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربي في واشنطن: "يعتقد مسؤولو إدارة ترامب أن حملة أقصى ضغط ضد إيران هي ضرورة دبلوماسية لذلك يواصلون البحث عن مبررات قانونية لتكثيف الضغط على الجمهورية الإسلامية". 

وبينما يبدو أن إيران غير مهتمة بمزيد من التصعيد مع واشنطن، يرى بعض المراقبين في أنه سيتعين على طهران الرد على تصرفات الولايات المتحدة بطريقة ما، كما فعلت في يناير/كانون الثاني بعد اغتيال اللواء "قاسم سليماني".

دعا المتشددون الإيرانيون بالفعل إلى الانتقام وأوضحوا أن رد إيران يجب أن يكون مشابهًا لما فعلته الدولة عندما احتجزت الناقلة البريطانية "ستينا إمبيرو" كإجراء مضاد لاحتجاز ناقلة النفط الإيرانية "جريس 1"، في وقت سابق من هذا العام.

لكن مثل هذا الخيار من شأنه أن يفاقم التوترات، ويقدم لـ"ترامب" مبررًا لمواجهة عسكرية مفتوحة مع الجمهورية الإسلامية.

وفي حين أن أزمة الناقلات الحالية لم تصعد التوترات إلى مستوى غير مسبوق، فإن "إيران لديها القدرات لتعطيل التدفق الحر للتجارة والملاحة عبر مضيق هرمز وشن هجمات أخرى على البنية التحتية الحيوية في الخليج مع الحفاظ على درجة عالية من الإنكار القابل للتصديق"، وفق ما يراه "موجلنيكي".

عدائية أمريكية قبل الانتخابات

من ناحية أخرى، فإن "بارسي" مقتنع بأن الحادث الأخير لن يظل حالة منعزلة، حيث قال لموقع "إنسايدر أرابيا": "سنرى زيادة فيما يُعتبر أعمال قرصنة من قبل الولايات المتحدة بعد 20 سبتمبر/أيلول، عندما تتحجج الولايات المتحدة بأن عقوبات الأمم المتحدة على إيران قد استُعيدت. وفي هذه المرحلة؛ أيّ قبل 7 أسابيع فقط من الانتخابات الأمريكية؛ من المرجح أن يزيد ترامب وبومبيو من استهداف السفن الإيرانية وكذلك السفن التي تحمل النفط الإيراني، بدعوى أنهما ينفذان عقوبات مجلس الأمن الدولي".

يأتي هذا في ظل تطلع البيت الأبيض إلى تفعيل خيار "سناب باك" الذي يسمح للمشاركين في خطة العمل الشاملة المشتركة بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران.

ومع ذلك، فإن الأطراف المتبقية في الاتفاقية النووية قالوا مرارًا وتكرارًا إن واشنطن لم يعد لها الحق في القيام بذلك منذ انسحابها من الاتفاقية في عام 2017.

صممت إدارة "ترامب" على اللجوء إلى هذا الخيار بعد أن رفض مجلس الأمن قرارًا أمريكيًا بتمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران في تصويت مهين في 14 أغسطس/آب، حيث صوتت جمهورية الدومينيكان فقط لصالح القرار الأمريكي.

وهناك قلق دائم من احتمال قيام إيران بتنشيط وكلائها الإقليميين كجزء من عمل انتقامي ضد الولايات المتحدة أو حلفائها، ولكن "موجلنيكي" يرى أن إدارة "ترامب" تعتقد أن حملة "أقصى ضغط" قللت بشكل كبير تمويل إيران، وبالتالي قللت من تأثيرها على وكلائها الإقليميين.

ويقول "بارسي": "هناك احتمال أن ترى إيران أن ضبط النفس حتى الآن قد شجع ترامب، وأنه لن يتراجع إلا إذا رفعت إيران التكلفة الاستراتيجية بمواجهة الولايات المتحدة".

باختصار، ربما سترغب طهران في إلحاق تكلفة بالولايات المتحدة، إلا إنها لا تريد تصعيد الأمور نحو الحرب.

التأثير على الالتزامات النووية

هناك أيضًا مخاوف من أن الإجراءات العدوانية الأمريكية ضد الناقلات الإيرانية قد تدفع إيران أيضًا إلى مزيد من التخفيضات لالتزاماتها النووية ومن خلال زيادة مستويات التخصيب أو رفض التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ومن وجهة نظر "بارسي"، فمن المحتمل أن يكون هناك بعض الانخفاض في التزاماتها، ولكن إذا اختارت إيران الضغط المضاد على الولايات المتحدة، فإنه يشك في أن الجزء الأكبر من أفعالها سيكون في الخليج.

وأشار "مارك هيبس"، الزميل البارز في برنامج السياسة النووية في معهد "كارنيجي"، إلى أنه على مدار العام الماضي، اشتد التوتر بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن طلب الوكالة الحصول على معلومات من إيران لمعالجة النتائج والمعلومات التي تشير إلى أن إيران قد حجبت المعلومات المتعلقة بالأنشطة النووية عن مدققي الأمم المتحدة.

ولكن "هيبس" أضاف أنه يبدو أن هذا المأزق قد تم حله في الوقت الحالي، في أعقاب الدبلوماسية التي شاركت فيها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأهم الدول الأعضاء فيها وإيران.

ففي أواخر أغسطس/آب، وافقت إيران على السماح لمحققي الأمم المتحدة بالوصول إلى المواقع النووية، فيما قد يعكس الاستعدادات المبكرة لفصل مختلف في العلاقات الأمريكية الإيرانية، وفقًا لما يراه "موجلنيكي".

لذا، ففي حين أنه من السابق للأوان توقع أن هذا الاتفاق يعني نهاية عقدين من إحجام إيران عن التجاوب الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا إنه من غير المرجح أن تقوم إيران، على الأقل في المدى القريب، بالرد على اعتراض ناقلاتها من خلال تصعيد التوترات مرة أخرى بشأن برنامجها النووي، وفق ما يقوله "هيبس".

المصدر | ستاسا سالاكانين/ إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ناقلات النفط الإيرانية العلاقات الإيرانية الأمريكية الاتفاق النووي الإيراني

للمرة الأولى.. أمريكا تصادر 4 ناقلات نفط إيرانية كانت متجهة لفنزويلا

إيران عن إعادة العقوبات الأمريكية: عديمة المصداقية والأثر

هل تفكر إيران في الانتقام لمقتل قادتها؟