3 ساحات صراع.. كيف تحطمت العلاقة بين أردوغان وبوتين؟

الأربعاء 7 أكتوبر 2020 08:17 م

قبل عامين تقريبًا، قال لي الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في أحد الاجتماعات: "روسيا بالطبع شريك استراتيجي. انظر إلى عدد الساعات التي تستغرقها للسفر إلى واشنطن؟ وكم من الوقت سيستغرق الذهاب إلى موسكو؟ لدينا استثمارات استراتيجية مشتركة، من خطوط الأنابيب إلى المفاعلات النووية. لدينا مصالح مشتركة في صناعة الدفاع، فضلا عن التجارة الثنائية والسياحة، وما إلى ذلك."

علاقة استثنائية

كانت العلاقات بين "أردوغان" ونظيره الروسي "فلاديمير بوتين" آنذاك في أحسن أحوالها، وتمتعا بمكالمات هاتفية متكررة لصياغة استراتيجية مشتركة لكلا البلدين.

وفي مرحلة ما، وصلا إلى مستوى من الثقة يقدم فيه "بوتين" شخصيًا تقارير خاصة إلى "أردوغان"، لأجل خاطر عيونه فقط.

لم يكن من الغريب أن تتمتع تركيا وروسيا بعلاقات ودية، بالرغم من الاختلاف حول العديد من القضايا.

لكن العلاقة المزدهرة بين "أردوغان" و"بوتين" كانت استثنائية، لا سيما بالنظر إلى التوتر الذي نشب عام 2015 بعد أن أسقطت تركيا طائرة حربية روسية.

من جهته، شعر "أردوغان" بخيبة أمل من الغرب وبحث عن سياسة خارجية أكثر استقلالية بعد محاولة الانقلاب عام 2016، والتي كان على يقين من أنها مدعومة من الغرب.

تقارب المصالح وتباعدها

وفيما يخص القضية السورية، كان لـ"أردوغان" مصالح مشتركة مع "بوتين" في تقييد الوجود الأمريكي الداعم للأكراد في سوريا.

فقد كانت موسكو تعمل على إنقاذ النظام السوري مع السيطرة تدريجياً على الأراضي، وكانت الولايات المتحدة تشكل عقبة.

أما بالنسبة لأنقرة، فقد كان الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني المدعوم من الولايات المتحدة يمثل تهديدًا وجوديًا على طول حدودها، وكان من الواضح أن المعارضة السورية لم تعد في وضع يمكنها من كسب الحرب الأهلية.

وكانت هناك حاجة إلى استراتيجية جديدة للسيطرة على أزمة اللاجئين، مع منع ظهور دولة لحزب العمال الكردستاني على طول الحدود الشمالية بأكملها.

شعر "أردوغان" أن الرئيس الروسي -على عكس الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين- كان يفي بوعوده وينفذها في العديد من المجالات، من بيع نظام الدفاع الصاروخي "إس-400" المثير للجدل إلى مشاريع خطوط الأنابيب.

ولكن بأخذ نظرة سريعة على الوضع حاليًا، فإن تركيا الآن مشتركة في صراع إقليمي ضد روسيا في 3 دول منفصلة، تمتد من شمال إفريقيا إلى الشرق الأوسط والقوقاز.

وتعمل الطائرات المسيرة المسلحة التركية على تدمير أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع، كما ظهر في لقطات تسخر من التكنولوجيا الروسية في مناطق الصراع الثلاث.

ولعب تآكل الثقة بين "أردوغان" و"بوتين" دورًا مهمًا في قلب البلدين ضد بعضهما البعض.

أزمة ليبيا وسوريا

بدأت الشروخ الأولى في العلاقات الثنائية بالظهور في يناير/كانون الثاني، عندما فشل "بوتين" في الوفاء بوقف إطلاق النار في ليبيا.

وغادر الجنرال المتقاعد "خليفة حفتر" قمة موسكو فجأة بعد أن وافقت حكومة الوفاق الوطني الليبية على اتفاقية لوقف إطلاق النار، لكن "بوتين" واصل دعمه عسكريًا لحماية "حفتر" في ليبيا.

وفي وقت لاحق، قال "أردوغان" غاضبًا لوسائل الإعلام إن روسيا كانت تقود قوات "حفتر" بالفعل من خلال نشر مرتزقة مجموعة "فاجنر" على الأرض.

ومع إنهاء القوات المتحالفة مع حكومة الوفاق في وقت سابق من هذا العام للحصار الذي فرضه "حفتر" على طرابلس، انشغل "بوتين" بنشر المزيد من الطائرات الحربية والمرتزقة السوريين في محاولة للتشبث بسرت الغنية بالنفط.

لكن العلاقة بين "بوتين" و"أردوغان" تدهورت بالفعل في فبراير/شباط بسبب الأزمة السورية، فقد أنهى النظام السوري وداعموه الروس وقف إطلاق النار الهش الذي يحفظ آخر معقل للمعارضة في إدلب، بعد أن أدرك "بوتين" أنه حقق بالفعل أهدافه في سوريا العام الماضي.

وانتهت الاتفاقية التي أبرمها "بوتين" مع "أردوغان" فعليًا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما شنت تركيا عمليات لتطهير جزء كبير من الأراضي السورية من مقاتلي الميليشيات الكردية السورية.

وردًا على ذلك، أمر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، متنازلًا عن المنطقة لصالح السيطرة الروسية.

وبذلك، فقدت تركيا نفوذها الرئيسي مع روسيا، إذ لم يعد "بوتين" بحاجة إلى تركيا لموازنة الوجود الأمريكي في سوريا، لأن واشنطن كانت بالفعل في طريقها للخروج من الباب.

تصعيد إدلب

واصلت روسيا تصعيد الأمور في إدلب، عبر هجمات عرضية بهدف الاستيلاء على أراضٍ إضافية وإزالة آخر معقل للمعارضة.

ومع تصاعد الهجمات السورية والروسية على إدلب في مارس/آذار، بدأت القوات المتحالفة مع أنقرة في تعزيز نقاط المراقبة التركية.

ومع تقدم القتال، اتصل "أردوغان" هاتفيا بـ"بوتين"، ولكن دون جدوى، ومع دفع "أردوغان" لوقف الهجوم، حافظ "بوتين" على موقفه بأن النظام السوري كان يقوم بعملية لمكافحة الإرهاب، لأن أنقرة فشلت في طرد العناصر المتطرفة، مثل "هيئة تحرير الشام"، خارج إدلب.

هدد "أردوغان" برد عسكري لاستعادة الأراضي المفقودة، وكانت المكالمات الهاتفية متوترة، لكن؛ لم يتراجع أي من الجانبين، وللمرة الأولى لم يكن "بوتين" يكترث.

وفي الأيام التالية،زار وفد روسي أنقرة وطلب من المسؤولين الأتراك الانسحاب من عفرين، مما يهدد فعليًا السيطرة التي فرضتها تركيا على طول الحدود الشمالية.

أدى الصراع في فبراير/شباط ومارس/آذار في النهاية إلى مقتل أكثر من 59 جنديًا تركيًا. ويعتقد المسؤولون الأتراك أن هجومًا للقوات الجوية الروسية كان مسؤولاً بشكل مباشر عن مقتل عشرات الجنود الأتراك.

تمسك "أردوغان" بموقفه، لكنه ألغى هجومًا مضادًا وسط مخاوف متزايدة بشأن جائحة "كورونا" في تركيا، وأدرك أن "بوتين" لا يهتم بمخاوف أنقرة الرئيسية بشأن الأزمة الإنسانية وموجة اللاجئين إلى تركيا.

ومنذ ذلك الحين، تودد "أردوغان" إلى واشنطن، معلقًا تفعيل أنظمة "إس-400" وأصدر إعفاءات تصدير خاصة لشحن أجزاء أجهزة التنفس الصناعي مع غيرها من المعدات الطبية إلى الولايات المتحدة.

تغيير التوازن

بالكاد يتحدث "أردوغان" و"بوتين" مع بعضهما البعض الآن، ونادرًا ما يتوصل الدبلوماسيون الروس ونظراؤهم الأتراك إلى تفاهم، ناهيك عن الاتفاق، بشأن أي قضية.

لكن سياسة "أردوغان" في سوريا وليبيا أكسبت الجيش التركي مجموعة من المهارات التي لم تكن لديه من قبل أبدًا، حيث أدى استخدام الطائرات المسيرة المسلحة والوكلاء المدعومين بالقدرات العسكرية التركية إلى تغيير التوازن في إدلب وفي ساحات القتال في ليبيا.

لهذا السبب كانت تركيا أكثر صراحة وانخراطًا بشكل مباشر في الاشتباكات الأرمنية والأذربيجانية الأخيرة في كاراباخ المحتلة.

هذه المرة، لم يتراجع "أردوغان" عندما طلبت باكو المساعدة. وتبدو أنقرة أكثر ثقة في عملياتها الخارجية مع تزايد غضب "أردوغان" من تحركات "بوتين" ضد المصالح التركية.

رأى "أردوغان" أخيرًا الدب الروسي في "بوتين"، وهو يتحرك الآن وفقًا لذلك لأنه يعتقد أن روسيا لم تعد تهتم بالمصالح التركية.

المصدر | رجب صويلو - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الروسية التركية الأزمة السورية الحرب الليبية رجب طيب أردوغان إس-400

من أرمينيا إلى فرنسا: محور العداء المتصاعد لتركيا