جيوبوليتيكال: انهيار النخب العربية الحاكمة يتطلب نجاح الثورة في دولة واحدة

الاثنين 12 أكتوبر 2020 06:05 م

ظهرت الدولة العربية الحديثة في القرن الـ20، بالتزامن تقريبا مع إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945، ومنذ ذلك الحين، هيمنت عليها مجموعة صغيرة من النخب الدينية والعسكرية والأرستقراطية التي تتجنب المناقشات حول دور الدين في السياسة والمجتمع.

وحتى يومنا هذا، لا يزال هناك توتر بين الجماهير والطبقة الحاكمة حول شرعية الدولة، وكيف ولماذا يجب أن تتصرف نيابة عن الشعب.

وفي معظم الدول العربية، هيمنت الدولة بسرعة على المؤسسات الدينية؛ حيث تم تعيين رجال الدين التابعين للحكومة، وقمع حركات المعارضة الدينية، واستخدم القادة العرب الدين بشكل منهجي لإضفاء الشرعية على قبضتهم على السلطة.

ومن مصر، حيث فضل "أنور السادات" أن يُدعى بـ"الرئيس المؤمن"، إلى السودان، حيث طبق الرئيس "جعفر النميري" الشريعة، لم يتردد القادة العرب في استخدام الدين علانية.

لكن ما يميز الطبقة الحاكمة عن الشعوب ليس الاختلافات في مستويات تدينهم، ولكن البيئة السياسية التي تعمل فيها النخبة، حيث يجب على القادة التعامل مع الاعتبارات الإقليمية والدولية المعقدة التي تدفعهم للتخلي عن بعض قيمهم الثقافية للاحتفاظ بمواقعهم في السلطة.

وتتمحور الانقسامات بين النخب والشعوب حول وجهات نظرهما المختلفة حول القومية العربية والعدالة والتضامن الإسلامي.

العروبة

ولطالما أبدى القادة العرب حماسا أقل تجاه القضايا العربية من حماس الجمهور العربي نفسه، وفي عام 1946، دعا ملك مصر "فاروق" رؤساء الدول العربية إلى قمة في الإسكندرية لمناقشة تدهور الوضع في فلسطين.

وكان لدى الجمهور العربي آمال كبيرة في أن يؤدي الاجتماع إلى تغيير حقيقي لصالح الشعب الفلسطيني والعالم العربي ككل، ولكن بالرغم من التزام القادة العرب بالعمل عن كثب لتحقيق المصالح المشتركة، لكن القمة لم ترقَ إلى مستوى التوقعات، ومع ذلك، فقد أرست نمطا للقمم العربية اللاحقة.

وفي الواقع، كثيرا ما يقدم القادة العرب وعودا جريئة لكنهم يفشلون في الوفاء بها، وفي عام 1964، اتفقوا على تحويل روافد نهر الأردن للحد من تدفق المياه إلى إسرائيل.

لكن في النزاعات اللاحقة مع الدول العربية، تمكنت إسرائيل من الاستيلاء على منابع النهر، وفي عام 2018، قررت الدول العربية تخصيص 100 مليون دولار شهريا لتحسين حياة الفلسطينيين الفقراء في الضفة الغربية، لكن الخطة لم تُنفذ أبدا.

وفي وقت سابق من هذا العام، وقعت الإمارات والبحرين اتفاقيات سلام مع إسرائيل قوضت مبادرة السلام العربية، وهي اقتراح لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي تم الإعلان عنه في قمة جامعة الدول العربية في بيروت عام 2002.

ومن اللافت أن الجامعة نفسها رفضت اقتراحا من السلطة الفلسطينية لإدانة الإمارات والبحرين لانتهاكهما اتفاق السلام العربي.

وفي قمة الخرطوم في أعقاب حرب عام 1967، أبدت الدول الغنية المنتجة للنفط (السعودية والكويت وليبيا) تضامنا غير عادي من خلال تعهدها بتقديم مساعدات مالية لمصر والأردن، اللذين تكبدا خسائر مالية وإقليمية في الحرب.

وأرسلت عدة دول عربية أخرى، مثل العراق والسودان والجزائر والمغرب، وحدات عسكرية، لكن هذه كانت إيماءات رمزية ولم تساهم كثيرا في المجهود الحربي.

وفي الواقع، رحب السعوديون سرا بهزيمة مصر عام 1967، وذلك بسبب عدائهم مع "جمال عبد الناصر" لدعمه الانقلاب في اليمن عام 1962 والذي أشعل فتيل حرب أهلية بين الملكيين المدعومين من السعودية والجمهوريين المدعومين من مصر.

وفي أغسطس/آب 1990، بعد أسبوع واحد من غزو الجيش العراقي للكويت، عقد الرئيس المصري "حسني مبارك" قمة طارئة في القاهرة، بدعوى إيجاد حل عربي للأزمة.

لكن في الواقع، مهدت الحكومات العربية الطريق فعليا لتدخل عسكري أمريكي، ولم يتمكنوا من الاتفاق على مشروع قرار يدين غزو القوات العراقية ويطالب بانسحاب فوري وغير مشروط.

وأيد "مبارك" نفسه القرار واعترض على اقتراح يسمح للعراق بخروج يحفظ ماء الوجه من الكويت، لكن الجماهير العربية انحازت إلى العراق.

وفي عدد من الدول العربية بما فيها مصر، اندلعت مظاهرات ضخمة ضد الحشد العسكري بقيادة الولايات المتحدة في السعودية.

وعندما بدأت عملية عاصفة الصحراء في يناير/كانون الثاني 1991، أطلق العراق عشرات صواريخ سكود على إسرائيل، وعند سماع النبأ، سجد وزير الدفاع السوري، الذي كان قد أرسل فرقة مدرعة إلى السعودية للانضمام إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

ويعد رده مثالا على التناقض بين السلوك المتوقع من المسؤولين العرب في الدوائر الدبلوماسية والمعتقدات الراسخة لدى الكثيرين في جميع أنحاء العالم العربي.

العدل والإنصاف والتضامن الإسلامي

ويعد العدل والإنصاف والأخوة مكونات أساسية للشريعة الإسلامية، وتؤثر مثل هذه المبادئ الدينية بشكل كبير على الفكر السياسي العربي ومقاربات السياسة الخارجية مثل القضية الفلسطينية.

لذا، بينما يفكر الغربيون في هذه القضية من الناحية العملية، ويحاولون إيجاد حلول واقعية، يرى العرب أنها مسألة صواب وخطأ.

وهكذا، يعرف القادة العرب أن شعوبهم ستنظر إلى توقيع اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل من خلال هذه العدسة.

وأفضل ما يمكنهم فعله للالتفاف على المعارضة العامة هو التأكيد على أن مثل هذه الاتفاقيات يمكن أن تمهد الطريق لاتفاق سلام من شأنه أن يفيد الفلسطينيين، ما يعني أنهم يخدعون شعوبهم لتجنب الظهور كأنهم تخلوا عن الفلسطينيين لصالح إسرائيل.

وتمتد هذه المشكلة أيضا إلى قضايا تتعلق بالدول غير العربية، ووصف سفير الإمارات لدى الهند مؤخرا تحرك نيودلهي لتجريد كشمير من وضعها المستقل كخطوة نحو السلام، وهو تعليق لم يرض شعب الإمارات.

وبالرغم من اضطهاد الصين لمسلمي الإيجور، فقد عززت السعودية علاقاتها الاقتصادية مع الصين خلال الفترة الماضية، وهي خطوة لاقت انتقادات في وسائل الإعلام العربية وبين المعارضين العرب.

وانتقدت منظمات حقوقية ووسائل إعلام عربية السعودية بسبب معاملتها القاسية للاجئي الروهينجا المسلمين الفارين من ميانمار، والذين سجنت بعضهم لأعوام في ظروف مروعة.

وبالرغم أن دول الخليج قدمت مساعدات إنسانية للروهينجا، لكنها فعلت ذلك لتجنب الانتقادات لتجاهلها لمحنتهم.

الفجوة تتسع

ولا ترى الشعوب العربية والقادة العرب نفس الدور للدولة، ولطالما تمكنت الحكومات من قمع جماهيرها والمعارضة الإسلامية بفضل أدواتها القهرية.

لكنهم الآن بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد ومتفق عليه بشكل متبادل يمكن أن يحكم العلاقة بين النخبة الحاكمة والشعب.

وهزمت الثورات المضادة انتفاضات الربيع العربي، لكن المشاكل المجتمعية الحرجة والأسئلة حول دور الدولة والأيديولوجية ظلت دون حل.

وتمكنت الدول الغنية بالنفط في العالم العربي من شراء ولاء مواطنيها مؤقتا باستخدام ثروتها الهائلة، لكن عدم الاستقرار سيستمر في إصابتها حتى يدرك قادتها أنهم بحاجة إلى التوصل إلى اتفاق مع الجماهير يحترم قيمهم.

وسوف يتطلب الأمر دولة واحدة فقط لكسر دائرة هيمنة النخبة، وسوف تتبعها الدول الأخرى بعد ذلك، وهذا بالضبط هو السبب في أن المعارضين للثورة يقاتلون بشدة للحفاظ على الوضع الراهن في كل مكان.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

النخب العربية الشعوب العربية الثورات المضادة

ماذا تغير في الحالة العربية: صراع النخب والشعب؟