اغتيال المدرس الفرنسي: هل تكفي إدانة الجريمة؟

الثلاثاء 20 أكتوبر 2020 08:13 ص

 

اغتيال المدرس الفرنسي: هل تكفي إدانة الجريمة؟

 

المستغرب هو لهاث أحزاب الجمهورية خلف عقائد اليمين المتطرف ذاتها سعياً إلى كسب تعاطف ناخبيها.

إدانة اغتيال المدرس الفرنسي واجبة ولا غنى عنها لكنها لا يصح أن تحجب ضرورات البحث عن جذور الجريمة.

لماذا تتسابق أحزاب سياسية أوروبية لتحميل المهاجرين وزر الأزمات والربط المغلوط تماما وشديد الضرر بين الإسلام وتيارات تعصب وتشدد.

المستغرب أكثر أن يقع ماكرون في الفخ فتحدث أولاً عن قانون ضد «الانفصالية الإسلامية» ثم اضطر لتغيير التسمية حين ظهر قصورها وخطورتها.

تجهل الجذور الاجتماعية والتربوية والسياسية لجرائم نكراء يفاقم فداحتها ويواصل مناخات تحرض على الإرهاب بذريعة إيديولوجيات متشددة دينية وعنصرية وسياسية.

*     *     *

إذا كان من الخطأ الفادح أخلاقياً وقانونياً وإسلامياً إيجاد أي نوع من المبررات لتخفيف بشاعة ذبح المدرس الفرنسي صمويل باتي، أو الالتفاف على واجب إدانة هذا العمل الإرهابي بلا تردد أو تحفظ، فإن غض النظر عن الجذور الاجتماعية والتربوية والسياسية لهذه الجرائم النكراء لا يضاعف الخطأ ويزيد في فداحته فقط.

بل لعله يواصل إنتاج المناخات ذاتها التي تحرض على ارتكاب المزيد من أعمال الإرهاب تحت أستار إيديولوجيات متشددة دينية وعنصرية وسياسية.

الجذور الأولى تضرب في انعدام حس التسامح، وعدم إدراك ضرورة الاندماج الاجتماعي والمدني، والإحجام عن التأقلم المطلوب مع تطورات العصر ومتغيرات الحياة، والرفض المسبق لمفهوم دولة القانون.

هذه كلها سمات شائعة لدى الشرائح المتشددة من قيادات إسلامية ودعاة وأئمة مساجد في مجتمعات غربية تعتمد هذا الشكل أو ذاك من العلمانية وفصل الدين عن الدولة.

فمثلا، بدل إصدار فتوى تبيح قتل المدرس الفرنسي كما ذكرت النيابة العامة، كان في وسع أي من هذه القيادات اللجوء إلى القضاء والطعن في حق المدرس استخدام الرسوم الكرتونية المسيئة في قاعة الدرس ما دامت المناهج الرسمية لا تنص صراحة على استخدامها.

جذور أخرى تعود مسؤولية صناعتها إلى أنظمة حاكمة على غرار النظام السعودي مثلاً، تتقصد استغلال الإسلام والمسلمين لتمرير أجنداتها السياسية وترحيل سخط المجموعات الدينية المعارضة في داخل البلاد إلى خارج الحدود، عن طريق إنفاق مئات الملايين من الدولارات على محطات فضائية دينية ومدارس تزعم تعليم القرآن ومراكز دعاية إسلامية وما إليها.

وهذه مؤسسات تحارب التنوير والتطوير وملاقاة العصر، وتشجع في المقابل على الانغلاق والتعصب والانعزال، وليس مفاجئاً أن غالبية الفتوى الظلامية والجاهلية والمحرضة على الإرهاب تصدر عنها.

جذور من طراز ثالث تتمثل في المقدار العالي من الفشل الذي انتهت إليه تجارب العديد من الدول الغربية في إدماج الأجانب عموماً، والجاليات المسلمة بصفة خاصة، بحيث اختلطت على نحو خاطئ سياسات استقدام اليد العاملة الرخيصة من المستعمرات السابقة، مع معضلات ثقافية وتربوية واجهت أجيالا لاحقة من أبناء وأحفاد المهاجرين الأوائل، ومشكلات مستعصية نجمت عن تدهور سوق العمل الوطنية وارتفاع معدلات البطالة وعجز الخطط الاقتصادية عن معالجة الأزمات الكبرى البنيوية.

وتبقى بالطبع تلك الجذور التي أفرزتها تواريخ متعاقبة من تسابق الأحزاب السياسية الأوروبية على تحميل المهاجرين وزر تلك الأزمات والمسارعة إلى الربط، المغلوط تماماً وشديد الضرر، بين الإسلام كديانة وثقافة وتاريخ وبين تيارات التعصب والتشدد والإرهاب التي تزعم رفع راية الإسلام.

وإذا كان من المفهوم أن تلجأ إلى هذا أحزاب عنصرية ويمينية متطرفة على غرار حزب مارين لوبين في فرنسا، فإن المستغرب هو لهاث بعض الأحزاب الجمهورية خلف العقائد ذاتها سعياً إلى كسب تعاطف ناخبيها.

المستغرب أكثر أن يقع في الفخ ذاته رئيس جمهورية فرنسا إيمانويل ماكرون نفسه، الذي تحدث أولاً عن قانون ضد «الانفصالية الإسلامية» ثم اضطر إلى تغيير التسمية حين تكشف مقدار القصور والخطورة في مدلولات التسمية الأولى.

إدانة اغتيال المدرس الفرنسي واجبة ولا غنى عنها، لكنها لا يصح أن تحجب ضرورات البحث عن جذور الجريمة.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

فرنسا، ماكرون، الانفصالية الإسلامية، الفاشية، العنصرية، اغتيال المدرس الفرنسي، لتشدد، الإرهاب،

شيخ الأزهر عن قطع رأس مدرس فرنسي: الإساءة للدين دعوة للكراهية

ماكرون: لن نتخلى عن الرسوم.. و"الإرهاب الإسلامي الأعمى" لن يخيفنا