انقسام واضطرابات.. لماذا يختلف تطبيع السودان عن الإمارات والبحرين؟

الخميس 29 أكتوبر 2020 02:21 ص

كانت التحولات السياسية في أعقاب الربيع العربي فوضوية ومعقدة بشكل عام.

ولا تعد المرحلة الانتقالية في السودان والتي تستمر لمدة 3 سنوات استثناءً.

وفي هذا المنعطف، تركت الفيضانات المدمرة، و الوباء، والتضخم، وانعدام الأمن الغذائي، والبطالة، البلاد في مواجهة تحديات لا حصر لها وسط فترة حساسة.

ويعتبر اتفاق السودان على إقامة علاقات مع إسرائيل قضية أخرى قد يكون لها تأثير مثير للانقسام على السودان، فقد تؤدي الصفقة إلى مزيد من عدم الاستقرار الداخلي، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن الاتفاق يبدو أنه يعكس مصالح شركاء السودان الإقليميين والدوليين بدلاً من الرأي العام في السودان نفسه.

جاء الاتفاق الذي تم الإعلان عنه في 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بوساطة أمريكية بين الحكومة المؤقتة في السودان وإسرائيل، ليكون ثالث دولة عربية منذ أغسطس/آب تعلن تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين.

ويفاقم الاتفاق التوترات بين من هم في السلطة في السودان ممن يدعمون تطبيع العلاقات مع إسرائيل وأغلبية المواطنين الذين يعارضون هذه الخطوة.

وعلى عكس الإمارات أو البحرين، فإن السودان لا تحكمه عائلة حاكمة تتمتع بسلطة مطلقة.

وأشار "عمر قمر الدين"، القائم بأعمال وزير الخارجية السوداني، إلى أن العنصر العسكري في الحكومة الانتقالية السودانية اتخذ قرارًا بالانضمام إلى الإمارات والبحرين في فتح العلاقات مع إسرائيل، مما أجبر رئيس الوزراء المدني على المضي على مضض مع هذه الخطوة.

وغالبًا ما يوصف العنصر العسكري للحكومة المؤقتة بأنه "الدولة العميقة" في السودان، فهو سلطوي في جوهره ومدعوم بقوة من الإمارات.

وفي أوائل أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال الجنرال "محمد حمدان دقلو"، المعروف أيضًا باسم "حميدتي"، وهو نائب رئيس المجلس السيادي السوداني المثير للجدل، إن العلاقات الرسمية مع إسرائيل من شأنها تعزيز المصالح السودانية.

كان هذا التعليق غير مفاجئ.

لطالما اعتقد كبار الضباط في السودان أن بلادهم يجب أن تسعى لتحقيق الفوائد الاقتصادية التي حصلت عليها مصر بعد تطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 1979، معتبرين أن السودان عانى من مواقف الرئيس "عمر البشير" المعادية لإسرائيل.

وبعد وقت قصير من الإعلان عن هذه الاتفاقية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إن بلاده سترسل إلى السودان 5 ملايين دولار كمساعدات غذائية.

بالإضافة إلى ذلك، وفقًا لوزارة الخارجية السودانية، ففي غضون أسابيع قليلة، من المقرر أن يعقد الجانبان محادثات ثنائية لمناقشة الصفقات في مختلف القطاعات مثل الزراعة والطيران والهجرة والتجارة.

ويقف المكون الحكومي الذي يقوده المدنيون في الغالب ضد إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل، على الأقل في ظل الظروف الحالية، وقد يفسر هذا سبب فشل الصفقة السودانية الإسرائيلية حتى الآن في إبرام الاتفاقات التي وقعتها إسرائيل مع البحرين والإمارات الشهر الماضي.

سعى الإماراتيون إلى ممارسة نفوذ قوي في السودان منذ الإطاحة بـ"البشير" في أبريل/نيسان 2019 وضغطوا على القيادة العسكرية لتقديم مبادرات تجاه إسرائيل.

وكانت الإمارات هي التي نظمت اجتماعا سريا في فبراير/شباط 2020 في أوغندا بين اللواء "عبدالفتاح البرهان" رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو".

وكان ذلك الاجتماع هو الخطوة الأولى نحو التطبيع.

وعندما زار وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" الخرطوم في أواخر أغسطس/آب الماضي، أخبره رئيس الوزراء "عبدالله حمدوك" بأن الحكومة الانتقالية في السودان ليس لديها تفويض لإقامة علاقات كاملة مع إسرائيل.

وكان موقف "حمدوك" هو أن الخرطوم لا تستطيع إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل ما لم تصل حكومة شرعية ومنتخبة ديمقراطياً إلى السلطة في السودان.

مرة أخرى، تدخلت الإمارات بدعوة وفد رفيع من القادة السودانيين إلى أبوظبي للقاء المسؤولين الأمريكيين في 21 سبتمبر/أيلول لبدء المحادثات حول شطب السودان من قائمة وزارة الخارجية الراعية للإرهاب، في مقابل التطبيع، وذلك بعد رفض "حمدوك". 

وتفسر الحاجة إلى مواءمة مواقف القادة المدنيين والعسكريين في السودان الطبيعة المحدودة للاتفاق مع إسرائيل، باعتباره حل وسط هش بين الفصائل في الحكومة قد ينهار بسرعة.

أقرت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة في السودان بالاتفاق على إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات السودانية الإسرائيلية، لكنها شددت على أن هذا سيتطلب في نهاية المطاف مصادقة البرلمان المنتخب.

ومع ذلك، لن تجري هذه العملية إلا بعد الانتخابات البرلمانية، المقرر إجراؤها في أواخر عام 2022.

ومن غير الواضح كيف ستعمل الحكومة السودانية الهجينة من خلال هذا الوضع السياسي الفوضوي.

ومع ذلك، وبالنظر إلى كل مظاهر المعارضة العلنية للتطبيع في جميع أنحاء السودان منذ 23 أكتوبر/تشرين الأول، فمن المتوقع أن تظل هذه القضية حساسة حيث يعتقد الكثير من السودانيين أن القضية الفلسطينية هي قضية يدعمها كل العرب والمسلمين وليست قضية الفلسطينيين وحدهم.

ومن الأهمية بمكان أن نفهم كيف اتخذ القادة العسكريون في السودان هذا القرار تحت ضغط كبير من واشنطن وأبوظبي.

فمن خلال ربط شطب السودان من قائمة الإرهاب بتطبيع الخرطوم العلاقات مع إسرائيل، تمكنت إدارة "ترامب" من لي ذراع السودان نظرًا لحاجة البلاد الماسة إلى الدعم الاقتصادي بعد عقود من العقوبات الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة، بما في ذلك حق النقض على المنح أو القروض من المؤسسات المالية الدولية التي يهيمن عليها الغرب، مثل البنك الدولي.

وبدلاً من إزالة السودان من قائمة الإرهاب بمجرد وصول حكومة ما بعد "البشير" إلى السلطة في عام 2019، استخدمت إدارة "ترامب" نفوذها لكسب المزيد من التنازلات من الخرطوم وسط فترة من الضعف السوداني الشديد.

ومما زاد الطين بلة إصرار الإدارة الأمريكية على دفع السودان 335 مليون دولار كتعويضات عن الدور المزعوم لنظام "البشير" في تفجيرات 7 أغسطس/آب 1998 لسفارتي واشنطن في كينيا وتنزانيا بالرغم من أن الحكومة الحالية جاءت نتيجة للثورة التي أنهت حكم "البشير" الذي دام 30 عاما.

وفي الوقت الذي يتأرجح فيه ميزان القوى في السودان بين "الدولة العميقة" العسكرية والمكوّن المدني، يمكن أن تثير مسألة العلاقات بين السودان وإسرائيل الاضطرابات وتهدد الانتقال الهش إلى الحكم الديمقراطي.

وقد يسعى المسؤولون السابقون في نظام "البشير"، إلى استغلال هذه الصفقة لتقويض المرحلة الانتقالية.

ومن المرجح أن يتحرك الإسلاميون والقوميون والفصائل اليسارية ضد قرار الجيش السوداني دفن القضية الفلسطينية تحت ضغط الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات.

كان هناك حديث بالفعل في الخرطوم عن أن السودان يشهد "انتفاضة ثانية" هذا الشهر، حيث لا تزال الأوضاع كئيبة في جميع أنحاء البلاد بعد ما يقرب من 19 شهر من الإطاحة بـ"البشير".

يمكن لعلاقات الخرطوم الجديدة مع تل أبيب أن تضيف بسهولة طبقة أخرى من عدم الاستقرار داخل السودان، وإذا فشل "ترامب" في محاولته لإعادة انتخابه، فإن ذلك يشكل إرثًا قابلًا للاشتعال لنهج إدارته غير التقليدي.

وتراهن أبوظبي على نفوذها في أفريقيا نتيجة المساعدات المالية، لدفع المزيد من الدول مثل مالي وموريتانيا نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وبغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن جهود أبوظبي للمساعدة في دمج إسرائيل في الحظيرة الدبلوماسية للعالم الإسلامي الأوسع ستلقى الدعم الكامل من واشنطن.

المصدر | كريستيان كوتس أولريشسن، وجورجيو كافيرو/ ستيتكرافت – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات السودانية الإسرائيلية التطبيع الحكومة السودانية