لماذا تتراجع سوريا في قائمة أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة؟

السبت 14 نوفمبر 2020 02:13 ص

يتمتع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بسجل متناقض في سوريا. فمن ناحية، تخلى "ترامب" عن سياسة الرئيس السابق "باراك أوباما" في السعي الحثيث للإطاحة برئيس النظام السوري "بشار الأسد"، وقام بإنهاء الدعم للمعارضة المسلحة عام 2017. ومن ناحية أخرى، شن ضربات صاروخية على قوات "الأسد" بعد استخدامها أسلحة كيميائية عامي 2017 و2018، ووافق على فرض عقوبات "قيصر" القاسية.

وفي شرق سوريا، واصل "ترامب" سياسة "أوباما" المناهضة لتنظيم "الدولة" ودعم "قوات سوريا الديمقراطية" التي يهيمن عليها الأكراد، والتي ساهمت في اغتيال "أبو بكر البغدادي". لكنه تخلى بعد ذلك عن حلفائه السابقين، وسمح بشن هجوم تركي عام 2019 على الأكراد بعد سحب معظم القوات البرية الأمريكية، تاركا وراءه قوة صغيرة حول حقول النفط في شرق سوريا.

وبالمثل، اتخذ "ترامب" مواقف متناقضة بشأن اللاعبين الخارجيين الرئيسيين في سوريا؛ حيث كان في مواجهة مع حليف رئيسي لـ"الأسد" (إيران)، لكنه كان يتكيف مع حليف آخر (روسيا). كما بدا "ترامب" راغبا في الاستماع إلى طلبات الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، وأحيانا حتى ضد نصيحة القادة العسكريين الأمريكيين. لذلك تراجع نفوذ واشنطن في سوريا بعد 4 سنوات من حكم "ترامب".

فهل سيحاول "بايدن" تصعيد التدخل الأمريكي أم لا؟

تجدر الإشارة إلى دور "بايدن" في السياسة الأمريكية تجاه سوريا عندما كان نائبا للرئيس "أوباما". فعلى عكس وزيرة الخارجية السابقة "هيلاري كلينتون"، كان "بايدن" حذرا من التورط العميق في الحرب الأهلية السورية. ولم يكن متحمسا لتسليح المعارضة خوفا من "العناصر المتطرفة" بينهم.

وكان "بايدن"، مثل معظم أعضاء حكومة "أوباما"، دعم ضرب "الأسد" في عام 2013 عندما تم استخدام الأسلحة الكيميائية، لكن بعد أن اختار الرئيس بدلا من ذلك التفاوض على نزع السلاح أيده "بايدن".

في وقت لاحق، في عام 2016، أعرب نائب الرئيس عن أسفه للمنتقدين الذين قالوا إن "أوباما" لم يفعل الكثير ضد "الأسد"، ورفض توصياتهم ووصفها بأنها غير واقعية وغير مجدية.

الأولويات المحلية

تشير تصريحات "بايدن" الأخيرة إلى أن سوريا ستكون في مرتبة متدنية في قائمة مهامه. فمع هزيمة تنظيم "الدولة"، لم تعد الحرب تتصدر عناوين الصحف في الولايات المتحدة، وقد أشار "بايدن" بالفعل إلى أن مناطق أخرى ستحتل الصدارة في أجندة أولوياته.

تستحوذ الشؤون الداخلية، مثل وباء "كورونا" والركود المرتبط به على معظم اهتمام "بايدن"، ومن المرجح أن تركز أولويات السياسة الخارجية على الشراكة الدولية وعلى آسيا والصين وتغير المناخ.

في الشرق الأوسط، تعهد "بايدن" بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، شريطة أن تلتزم طهران بشروطه، بينما أشار فريقه إلى موقف أكثر انتقادا تجاه السعودية. كما ستكون إدارة العلاقات مع (إسرائيل) وتركيا موضع تركيز.

وبينما قال "بايدن" إنه يريد دعم الديمقراطيات الصديقة على مستوى العالم، فإن تركيزه في الشرق الأوسط ينصب على مكافحة الإرهاب أكثر من تغيير النظام. فإلى جانب تصريحاته الأخيرة حول إنهاء "الحروب إلى الأبد" ومعارضة زيادة القوات الأمريكية على الأرض، فإن هذا يشير إلى أن "بايدن" لن يسارع إلى زيادة حصة واشنطن في الصراع السوري.

لكن من غير المرجح أن يتراجع "بايدن" عن موقف واشنطن تجاه "الأسد" بشكل كبير.

فقد أصر مستشارو الديمقراطي المخضرم على أنه سيفرض عقوبات صارمة على دمشق، وتحدثت نائبة الرئيس المنتخب، "كامالا هاريس"، ضد "الأسد" في الماضي. 

المحافظة على الضغط

وفيما يتعلق "بالأسد"، قد تبدو سياسات "بايدن" شبيهة بسياسات "ترامب": الحفاظ على الضغط ماليا، لكن دون أي تصعيد عسكري جاد أو استثمار دبلوماسي يمكن أن يجبر نظام دمشق على الانهيار أو التنازل.

في الشرق السوري، قال "بايدن" إنه سيحتفظ بالوحدة الصغيرة من القوات الأمريكية الموجودة للحماية من أي محاولة لإحياء تنظيم "الدولة".

وبينما شعرت "هاريس" بالذهول من تخلي "ترامب" عن الأكراد عام 2019. فإن هذا قد يعني إعادة تنشيط التحالف بين "قوات سوريا الديمقراطية" والولايات المتحدة، لكن -كما وجد "ترامب"- فإن هذا سيعقد الجهود لتحسين العلاقات مع تركيا.

وكما في عهد "أوباما"، قد تجد سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا نفسها متأثرة بالأولويات في أماكن أخرى.

قد يستخدم "بايدن" سياسات ضد "الأسد" للضغط على إيران بشأن الاتفاق النووي، لكن قد يتراجع بالمثل إذا كانت طهران ممتثلة.

وعلى نفس المنوال، فإن "بايدن" أكثر عداءً تجاه روسيا من "ترامب"، وقد يستخدم السياسة تجاه سوريا للوقوف في وجه موسكو ، بالرغم من أن الإجراءات المناهضة لـ"بوتين" في عهد "أوباما" كانت تميل إلى التركيز أكثر على أوروبا.

وقد تتشكل السياسة تجاه سوريا أيضا من خلال حالة العلاقات الأمريكية مع إسرائيل وتركيا.

إذا كانت العلاقات دافئة مع إسرائيل، فقد تشهد سوريا استمرار الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية، بينما إذا توترت، فقد يحث "بايدن" على وقف هذه الضربات.

وبالمثل، فإن طموحات تركيا لطرد "قوات سوريا الديمقراطية" من حدودها ستكون مشروطة جزئيا بعلاقاتها مع واشنطن، كما كان الحال في السنوات الأخيرة.

تحديات ضخمة

باختصار، ليس من المتوقع إجراء تغييرات كبيرة من "بايدن" في سوريا.

ومن المرجح أن يتعامل مع الصراع بنفس الحذر الذي أظهره كنائب للرئيس، ومن غير المرجح أن يصعد من التدخل العسكري الأمريكي.

كما أنه ليس لديه حافز كبير للتراجع عن السياسات الأمريكية الحالية؛ ما يعني الإبقاء على بعض القوات في الشرق والإبقاء على العقوبات ضد "الأسد".

ومع أولويات "بايدن" في أماكن أخرى، من المرجح أن تتغير السياسة تجاه سوريا حال فقط كان هناك تغيير في العناوين الرئيسية بناءً على تغييرات في الأرض، أو إذا تأثرت أولويات واشنطن الخارجية الأخرى بالملف السوري.

ويمكن أن يكون للسياسة تجاه إيران وتركيا وروسيا وإسرائيل أصداء في سوريا. لكن في الوقت الحالي، يبدو من غير المرجح أن ينفق "بايدن" جهده على الصراع السوري بمعزل عن بقية القضايا.

وهناك أمر آخر غير معروف هو ما إذا كان سلفه "ترامب" سيترك سوريا كما هي خلال الأسابيع العشرة المتبقية في منصبه.

فبينما يركز "ترامب" على تحدي هزيمته في الانتخابات، توقع البعض أنه قد يستخدم أيضا أسابيعه الأخيرة في منصبه للتخريب على "بايدن".

ويمكن أن تكون سوريا ساحة مرشحة لهذا التخريب، وربما مع وفاء "ترامب" بوعده بسحب آخر القوات المتبقية من الشرق.

ومع أن هذا غير مرجح، فإن "ترامب"فعل أمورا صادمة كثيرة طوال فترة رئاسته.

وحتى من دون هذه النهاية، يواجه "بايدن" تحديات ضخمة في إعادة بناء سمعة واشنطن العالمية. وفي حين أن سوريا ستحظى ببعض الاهتمام في هذا الأمر، فمن غير المرجح أن تكون في مركز الصدارة.

المصدر | كريستوفر فيليبس/ ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

جو بايدن بشار الأسد سوريا العلاقات السورية الأمريكية الملف السوري

معهد الشرق الأوسط: رئاسة بايدن تهدد أجندة محور الثورات المضادة في ليبيا

جيفري: سياسة ترامب في سوريا ناجحة ونصحت بها بايدن