جيوبوليتكال: الجغرافيا السياسية لتوزيع لقاح كورونا

الجمعة 4 ديسمبر 2020 01:33 ص

فاجأت شركة الأدوية الأمريكية "فايزر"، بالتعاون مع شركة "بيونتيك" الألمانية، العالم عندما أعلنت أن لقاحها ضد فيروس كورونا أظهر فعالية بنسبة 90%. وبعد أيام، أعلنت شركة أمريكية أخرى تدعى "مودرنا" أن لقاحها أثبت فعالية بنسبة 95%. وبعد ذلك بوقت قصير، أعلنت شركة "أسترازينيكا" أن لقاحها أثبت فعالية بنسبة 62% إلى 90%.

وتشترط إدارة الغذاء والدواء الأمريكية أن تكون اللقاحات فعالة بنسبة 50% على الأقل للحصول على إذن بالاستخدام في حالات الطوارئ. ولم يتوقع معظم المراقبين أن يكون أداء الشركات المرشحة لإنتاج اللقاحات أفضل من ذلك بكثير. لذلك كانت النتائج المعلنة مفاجأة سارة أثارت اهتمام الحكومات والأسواق على حد سواء.

ولا نبالغ بالحديث عن حجم هذا الإنجاز، حيث عادة ما يكون الجدول الزمني من البداية وحتى الموافقة التنظيمية على عقار جديد نحو 10 أعوام. وبعد الحصول على الموافقة، تستعد شركات الأدوية لعملية التصنيع التي قد تستغرق بحد ذاتها عقدا آخر. ومع ذلك، بفضل مجموعة من العوامل، منها البرامج الحكومية مثل عملية "راب سبيد"، والموافقة التنظيمية الاستثنائية، والتعاون العالمي غير المسبوق، سيتم تسليم الدفعات الأولى من لقاح "كوفيد-19" من مصدر موثوق في أقل من عام.

وتقول الصين وروسيا أيضا أنهما ابتكرتا لقاحات، لكن عدم كفاية البيانات والشفافية يجعل معظم العلماء الغربيين متشككين في فعاليتها وسلامتها.

ومع ذلك، فإن الحماسة الشديدة سابقة لأوانها. ولا يزال هناك أشهر قبل أن يتوقع الغالبية العظمى من الناس، بمن فيهم الأمريكيون، تلقي جرعة من اللقاح. وتعتبر العقبة المباشرة هي الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء.

وبالرغم أن الموافقة يجب أن تستغرق ما يقرب من 3 أسابيع، حيث يقوم الخبراء الحكوميون بمراجعة البيانات، إلا أن العملية قد تستغرق وقتا أطول. ووفقا للدكتور "هنري ميللر"، الزميل في معهد أبحاث المحيط الهادئ، المدير المؤسس لمكتب التكنولوجيا الحيوية التابع لإدارة الغذاء والدواء، فإن إدارة الغذاء والدواء لديها مخاوف بشأن عمليات إنتاج اللقاح.

بمعنى آخر، تريد إدارة الغذاء والدواء معرفة ما إذا كان بإمكان الشركات تصنيع دفعة تلو دفعة مع الالتزام بمعايير الجودة، مثل الفعالية والأمان. وبحلول نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، من المفترض إنتاج 20 مليون جرعة من "مودرنا"، و50 مليون جرعة من "فايزر"، و200 مليون جرعة من "أسترازينيكا". لذلك، سوف يتلقى بعض الأشخاص التطعيمات قبل نهاية عام 2020.

ويتطلب النظام حقنتين بينهما شهر واحد، ما يعني أن عدد الأشخاص الذين سيحصلون على اللقاح سيكون نصف عدد الجرعات المتاحة من جميع الشركات مجتمعة. لكن التصنيع ليس الأزمة الوحيد. ويبرز التوزيع كأزمة أخرى، وهو في الواقع مشكلة ذات شقين، الأولى أنه يجب الاحتفاظ بلقاح "مودرنا" مجمدا أثناء التخزين والشحن على المدى الطويل، بينما يجب الاحتفاظ بلقاح "فايزر" عند 70- درجة مئوية أثناء شحنه. أما الثانية فهي أنه ليس من الواضح أخلاقيا ولا استراتيجيا من الذي يجب أن يتلقى اللقاحات أولا.

معضلة التوزيع

يعد السبب في احتواء متجر البقالة بجوار منزلك على طعام طازج نسبيا، رغم أنه يأتي من الجانب الآخر من الكوكب، هو شيء يعرف باسم "سلسلة التبريد"، وهي سلسلة من الحاويات المبردة التي تسمح بشحن الأطعمة القابلة للتلف دون إفسادها.

وتتطلب العديد من الأدوية، وخاصة اللقاحات، نفس الشيء. ومع ذلك، فإن لقاح شركة "فايزر"، الذي يتكون من جزيء يحتوي على معلومات جينية غير مستقرة تسمى "RNA"، مغطى داخل فقاعة غير مستقرة من الدهون، ويتطلب تخزينا عند 70- درجة مئوية.

وبشكل عام، فإن مختبرات الأبحاث وحدها التي تمتلك مجمدات بهذه الدرجة من البرودة. ولا تملك الصيدليات ولا المستشفيات مثل ذلك. ويتمثل حل شركة "فايزر" في توفير حاويات خاصة يمكن تعبئتها بالثلج الجاف للحفاظ على درجة الحرارة المطلوبة، ولكن بمجرد إزالة اللقاح ووضعه داخل ثلاجة عادية، تكون مدة الصلاحية 5 أيام.

ويمكن تخزين لقاح "مودرنا" وشحنه عند 20- درجة مئوية، ويعد صالحا للاستخدام خلال 30 يوما فقط من وضعه ثلاجات عادية، لذا فإنه يواجه تحديا لوجيستيا أقل بكثير. أما لقاح "أسترازينيكا" فهو الأسهل توزيعا، حيث يمكن شحنه في درجة حرارة التبريد العادية من 2 إلى 7.5 درجة مئوية، ويمكن الاحتفاظ به على الرف لمدة 6 أشهر.

وسوف يتم طرح مسألة من يحصل على اللقاح أولا على المستوى الدولي في البداية. وستكون البلدان التي قدمت طلبيات الشراء هي أول من يستقبلها. على سبيل المثال، وفقا لـ "مينت"، سيحصل الاتحاد الأوروبي على 200 مليون جرعة، مع خيار 100 مليون جرعة إضافية، من لقاح "فايزر"، وتحصل اليابان على 120 مليون جرعة، والولايات المتحدة على 100 مليون جرعة، مع خيار 500 مليون جرعة أخرى، والمملكة المتحدة على 30 مليون جرعة.

وإذا تم تم طلب جميع الكميات الإضافية، فلن تتمكن شركة "فايزر" ببساطة من تلبية هذا الطلب حتى بحلول نهاية عام 2021، ما قد يعني أن الدول الغنية ستتقاتل فيما بينها حول من يحصل على دفعة ومتى. وتتمتع الولايات المتحدة بالفعل بعلاقة متوترة مع أوروبا، وسيؤدي الصراع على دفعات اللقاحات إلى مزيد من الضغط على العلاقة الهشة عبر المحيط الأطلسي، خاصة وأن الدولة التي تتلقى أكبر جرعات من اللقاح لديها فرصة أكبر لتحسين اقتصادها بشكل أسرع.

ونظرا لأن "مودرنا" و"أسترازينيكا" وشركات أخرى ستنتج لقاحات أيضا، فمن الممكن تخفيف هذه التوترات إلى حد ما، بالرغم أن أي دولة يقع بها مقر الشركة من المحتمل أن تتعرض لضغوط كبيرة لتقديم اللقاحات لمواطنيها أولا. وهذه النقطة الأخيرة معقدة بسبب حقيقة أن بعض هذه الشركات هي كيانات متعددة الجنسيات ولديها مقرات في العديد من البلدان حول العالم.

وبينما تتسابق الدول الغنية في الحصول على اللقاح، سيتعين على بقية العالم الانتظار. لكن المال ليس كل شيء. فالتحديات اللوجيستية التي تفرضها سلسلة التبريد تجعل من المستحيل تقريبا توصيل لقاح إلى منطقة ذات بنية تحتية ضعيفة وكهرباء غير موثوقة.

ومن شأن الثغرات الموجودة في سلسلة التبريد، أي الفترات التي لا يتم فيها تخزين اللقاح في درجة الحرارة المناسبة، أن تدمر اللقاح. ولم نتحدث هنا عن النشاط الإجرامي، فالجميع هدف محتمل للمؤسسات الإجرامية التي تقدم لقاحات مزيفة بالطبع، لكن البلدان الفقيرة هي الأكثر عرضة لمثل هذه الحالات، لأن تسليم اللقاحات الموثوقة قد يستغرق شهورا إن لم يكن أعواما.

وداخليا، ستواجه البلدان تحديات سياسية بشأن تخصيص اللقاح. وفي الولايات المتحدة، يوجد توتر بين الوكالات الفيدرالية، مثل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وحكومات الولايات، حول عدد الجرعات التي ستتلقاها كل ولاية. وستتعرض إدارة "بايدن" القادمة لضغط هائل لتقديم اللقاحات للأمريكيين أولا، بغض النظر عن أي التزامات تعاقدية قد تكون على الشركات. وإذا لزم الأمر، قد يتدخل الرئيس والكونجرس، متجاوزين عقود شركات الأدوية تحت اسم الأمن القومي.

وفضلا عن ذلك، تبقى هناك قرارات أخلاقية واستراتيجية يجب اتخاذها بشأن من يتلقى اللقاح أولا. وهناك أيضا مسألة فعالية اللقاح، فقد أثبتت بعض اللقاحات فعالية أفضل من غيرها. ولنتذكر أن اللقاحات التي تصنعها شركة "فايزر" و"مودرنا" فعالة بنسبة 95%، لكن لقاحات "أسترازينيكا" فعالة بنسبة تتراوح بين 62% و90% فقط. فمن الذي يحصل على اللقاح الأقل فعالية؟ ومن يتخذ هذا القرار؟

سباق محموم

ومن المرجح أن تكون الدول الأفقر آخر من يحصل على لقاح ضد فيروس كورونا. ولكن هناك مجال للتفاؤل، حيث ستواصل العديد من الشركات الأخرى تطوير لقاحات فيروس كورونا. ومعظمها، مثل تلك التي تصنعها "أسترازينيكا"، لن تتطلب سلسلة تبريد شديدة البرودة التي يحتاجها لقاح "فايزر".

بالإضافة إلى ذلك، تعهدت "أسترازينيكا" بالتنازل عن الأرباح حتى انتهاء الوباء. وتعمل الشركة أيضا مع منظمات غير حكومية، مثل مؤسسة "بيل وميليندا جيتس"، لتوفير اللقاحات للدول النامية.

لذلك فقد تحول السؤال حول التوزيع العالمي للقاحات من إذا كان سيحدث إلى متى سيحدث. ولكن هل يصل اللقاح في الوقت المناسب لمنع المزيد من الأضرار الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية؟ فقد يؤدي تأخر اللقاحات إلى تفاقم مخاطر التخلف عن السداد في البلدان الفقيرة، مع انتشار العدوى المالية إلى البلدان الغنية.

ولم يعد كثير من الناس على استعداد لتحمل عمليات الإغلاق. ويحتج المواطنون في جميع أنحاء أوروبا على إجراءات السلامة الإضافية، حيث تحولت المظاهرات في إيطاليا إلى أعمال عنف الأسبوع الماضي.

وخلقت الآثار التابعة لعمليات الإغلاق مظالم أخرى ضد الحكومات أيضا. وفي العديد من الأماكن، تم فصل العائلات والأزواج بسبب إغلاق الحدود وسياسات الهجرة التعسفية. وفي إندونيسيا، على سبيل المثال، لا يُسمح للأزواج غير المتزوجين ثنائيي الجنسية بلم شملهم، لكن يُسمح للأجانب المسنين بالدخول كسياح بالرغم من حقيقة أن كبار السن هم الأكثر عرضة للموت بسبب فيروس كورونا.

وأدت هذه السياسات إلى إغراق الحكومة الإندونيسية بشكاوى المواطنين الغاضبين. ويكشف ذلك عن المشاكل المتداخلة بين المخاوف بشأن الصحة العامة والاقتصاد والنسيج الاجتماعي، وليس من الواضح أنه يمكن تحسينها قبل نشر اللقاح بالكامل.

وفي الواقع، لا توجد الكثير من المجتمعات مستعدة للسيطرة على الفيروس على حساب تمزيق النسيج الاجتماعي. وكشف فيروس كورونا عن توتر هائل بين الركائز الاقتصادية والاجتماعية. وليس أمام الحكومات خيارات جيدة. وسوف يميل البعض إلى إعادة فرض عمليات الإغلاق، مع الادعاء بأنه سيتم تخفيفها بمجرد توفر لقاح. لكن هذه ستكون طمأنة كاذبة.

وبالنسبة لمواطني الدول الغنية، لا يزال التطعيم واسع الانتشار على بعد أشهر. أما بالنسبة لمواطني الدول الفقيرة، فقد يستغرق التطعيم على نطاق واسع أعواما. ولن يتسامح الجمهور المضطرب مع عمليات الإغلاق إلى أجل غير مسمى عام 2021، ويجب أن تكون الحكومات التي تحاول فرضها مستعدة للاضطرابات المدنية.

المصدر | أليكس بريزوف/جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

لقاح كوفيد-19 توزيع لقاح كورونا لقاح فايزر لقاح أسترازينيكا لقاح مودرنا

فايزر وبيونتيك تبدآن عملية تسجيل لقاح كورونا في الاتحاد الأوروبي

فورين أفيرز: لهذه الأسباب لن تكون اللقاحات حلا فوريا لأزمة كورونا

"أنا أولا".. الصحة العالمية تحذر من فشل أخلاقي كارثي بسبب توزيع لقاحات كورونا