استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

السيسي الباريسي: عندما يخجل أحفاد الثورة الفرنسية

الأحد 13 ديسمبر 2020 05:06 م

السيسي الباريسي: عندما يخجل أحفاد الثورة الفرنسية

حصاد هزيل في نهاية المطاف وحصيلة مخجلة عجفاء.

خجل أحفاد الثورة الفرنسية لا يغطّي عارا يجلل سياسات تخون الشعوب وتطعن إرث الثورة وتراث حقوق الإنسان.

صور الاحتفال تسربت عن طريق الوفد المصري الذي كان طبيعيا ألا يخجل من نشرها وأن يُحتفى بها أيما احتفاء بموقع الرئاسة المصرية.

*     *     *

لم يجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيّ حرج في رفض مناشدات عشرات منظمات حقوق الإنسان العالمية، حول بسط السجادة الحمراء لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي؛ كما لم يجد غضاضة في الإعلان عن معارضته الربط بين انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ترتكبها أجهزة الأمن المصرية، وصفقات الأسلحة الفرنسية إلى مصر.

رغم أنّ صنوفاً منها لا تُهرّب إلى الماريشال الليبي الانقلابي خليفة حفتر فحسب، بل تُستخدم أيضاً ضدّ أبناء الشعب المصري في المدن والبلدات والقرى خلال الاحتجاجات السلمية.

الذريعة المتوفرة، سواء أعلنتها باريس والقاهرة أم سرّبتها أوساط النظام المصري بصفة حصرية، هي تطابق المصالح حول مواقف البلدين من ملفات ليبيا، أو مواجهة السياسات التركية في شرق المتوسط في مستويات مختلفة لا تقتصر على التنقيب عن النفط والغاز.

بل تشمل اختراق النفوذ الفرنسي المتوسطي؛ فضلاً عن تناغم عجيب بعض الشيء، اتفقت باريس والقاهرة على تسميته "محاربة الإسلاموية"!

وضمن قواعد السياسة الواقعية البراغماتية، أو Realpolitik حسب التعبير الكلاسيكي الشائع، لا يبدو هذا التناغم عجيباً أو شاذاً أو غير مسبوق؛ بل لعله تطبيق القاعدة على أوضح صورها إفصاحاً عن محتوى التعاطي السياسي أو الدبلوماسي أو الأمني أو العسكري أو التجاري.

طريف، في المقابل، أنّ ماكرون خجل من استقدام العدسات والمراسلين الفرنسيين إلى حفل احتضنه قصر الإليزيه في ختام زيارة السيسي، وشهد منح الأخير أرفع أوسمة الشرف الفرنسية؛ الذي، للمفارقة غير الخافية، كان غازي مصر نابليون بونابرت قد استحدثه قبل 218 سنة.

صور الاحتفال تسربت عن طريق الوفد المصري الذي كان من الطبيعي ألا يخجل من نشرها وأن يُحتفى بها أيما احتفاء على موقع الرئاسة المصرية.

وهو حياء تسلل أيضاً إلى الفريق الإعلامي لعمدة بلدية باريس، السيدة آن هيدالغو، التي أعربت عن التطلع إلى مشاريع مشتركة في قطاعات الثقافة والخدمات.

وإن كانت تناست تماماً تظاهرات أكثر من 20 منظمة حقوقية وهتافاتها ضدّ الاحتفاء بجنرال مستبدّ وانقلابي يسرح ويمرح في عاصمة الثورة الفرنسية وبلد حقوق الإنسان.

والحال أنّ أحفاد الثورة الفرنسية الذين استقبلوا السيسي ليسوا أوائل في هذا المضمار، إذْ سبق أن فعلها الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك مع دكتاتور سوريا بشار الأسد، وفعلها رئيس أسبق آخر هو نيكولا ساركوزي مع الأسد والقذافي وحسني مبارك حين وضعهم على منصة الشرف المكرسة للاحتفال بالثورة الفرنسية.

وحين تجاوز الأسد كلّ "خطّ أحمر" ممكن، فخجل ماكرون من وسام شرف مماثل كان شيراك قد علّقه على صدر الأسد الابن، وارتأى سحب الوسام؛ سارع الأسد إلى استباق الدراما ونزع الوسام بنفسه فلم يكن بذلك يردّ البضاعة إلى أهلها بل يعلن أنها أصلاً زائدة عن حاجة نظامه وحاجته شخصياً.

وليت الأمر يقتصر على الساسة الأفراد، لأنه في الواقع يمتدّ أيضاً إلى مؤسسات الجمهورية الخامسة وعلى رأسها الجمعية الوطنية، أي البرلمان، الذي سبق أن أقرّ مشروع قانون يحظر على المحاكم الفرنسية قبول دعاوى ضدّ مجرمي الحرب، إلا إذا كانوا يحملون الجنسية الفرنسية، أو كانت الجرائم المنسوبة إليهم قد ارتُكبت على الأراضي الفرنسية.

وكان هذا القانون مدعاة خزي صريح وفاضح، وشكّل ارتداداً عن تشريعات فرنسية سابقة، كما تناقض مع القوانين المعمول بها في معظم الدول الأوروبية. ومن المأساوي أن تكون فرنسا، بلد حقوق الإنسان، هي الملاذ الآمن لأصناف شتى من الطغاة والقتلة والجلادين ومصاصي دماء الشعوب.

خجل أحفاد الثورة الفرنسية لا يغطّي، بأية حال، مقادير العار التي تجلل سياسات لا تخون الشعوب وحدها، بل تطعن إرث الثورة ذاتها، وكامل تراث حقوق الإنسان؛ وكلّ هذا رغم أنّ الحصاد هزيل في نهاية المطاف، والحصيلة مخجلة عجفاء.

* صبحي حديدي كاتب سوري مقيم بفرنسا

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

فرنسا، ماكرون، السيسي، أحفاد الثورة الفرنسية، العار، إرث الثورة، حقوق الإنسان،

كاتب إيطالي يتخلى عن وسام الشرف الفرنسي بسبب منحه للسيسي (صور)