العلاقات القطرية التونسية تحفز المنافسة بين دول الخليج

الأربعاء 16 ديسمبر 2020 09:19 ص

وصل الرئيس التونسي "قيس سعيد" في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى قطر لإجراء محادثات استمرت 3 أيام مع الأمير "تميم بن حمد آل ثاني".

وقد كان أمير قطر أول رئيس دولة يزور رئيس تونس الجديد بعد انتخابه في أكتوبر/تشرين الأول 2019؛ سافر الأمير "تميم" إلى تونس العاصمة في فبراير/شباط لإجراء محادثات مشتركة حول "القضايا المحلية والثنائية والعربية والإقليمية".

كانت تلك الزيارة إلى تونس هي الرابعة التي يقوم بها الأمير"تميم" خلال 4 سنوات، ما يسلط الضوء على الثقل الاستراتيجي للعلاقات الثنائية بين تونس والدوحة.

قدمت خلال الاجتماعات خطط لمشاريع استثمارية مهمة في تونس، ولزيادة حجم التجارة واتفاقية التجارة الحرة، والشراكة في المبادرات الدولية بما في ذلك "مؤتمر غربي إسلامي".

كانت إحدى أهم قضايا السياسة الخارجية التي نوقشت هي تدهور الوضع الأمني ​​في ليبيا، وهو الصراع الذي أدى إلى تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي ويهدد بالامتداد عبر الحدود الشرقية لتونس.

مع اشتداد المنافسة الإقليمية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من المرجح أن تصبح تونس خط صدع استراتيجي آخر، حيث تحفز الجهود المبذولة لزيادة العلاقات الاستراتيجية بين قطر وتونس المنافسة مع الدول الخليجية المتنافسة السعودية والإمارات.

الأزمات السياسية والمصاعب الاقتصادية في تونس

جرت المحادثات بين "سعيد" وأمير قطر على خلفية الركود الاقتصادي العالمي، والاستقطاب الحاد في السياسة الداخلية التونسية، وتعميق عدم الاستقرار الإقليمي والمنافسة الجيوسياسية في البحر المتوسط ​​بين القوى الأوروبية وروسيا وتركيا ودول الخليج العربية والولايات المتحدة، والصين.

يتقلص الاقتصاد التونسي بسبب نقاط الضعف الهيكلية، مثل تضخم القطاع العام وارتفاع معدلات البطالة، والتي تفاقمت بسبب العواقب الاقتصادية لوباء فيروس "كورونا"، وانخفاض أسعار النفط، وبالتالي تضاؤل ​​الاستثمار الأجنبي والمساعدات، حيث يعتبر الاستثمار والمساعدات من أوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج شريان حياة لتونس.

بلغ متوسط ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي في تونس 1.5% فقط بين عامي 2011 و2019، وتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد التونسي بنسبة 4.3% في عام 2020، وهو أسوأ ركود منذ استقلال تونس في عام 1956.

وضعت انتخابات 2019 "سعيد" الذي ليس له انتماء حزبي رسمي، في قصر قرطاج، وأسفرت عن برلمان ممزق بشدة بقيادة حزب النهضة، وانتخب زعيمه "راشد الغنوشي" رئيساً للبرلمان.

كما استغرق الأمر أسابيع حتى تمكن رئيس الوزراء "إلياس الفخفاخ" من حشد الدعم الكافي لتشكيل حكومة، ثم أُجبر على الاستقالة بعد أقل من 5 أشهر في منصبه، بسبب مزاعم فساد، ما أدى إلى اندلاع أزمة سياسية.

استقر المشهد منذ أن حصل رئيس الوزراء "هشام المشيشي" على موافقة البرلمان على حكومته التكنوقراطية، لكن التوترات استمرت بين "سعيد" والأغلبية البرلمانية بقيادة النهضة، وبالنظر إلى النظام التونسي، فإن السلطة الرئاسية في صنع السياسات المحلية محدودة، ما يمنح تحالف النهضة في البرلمان دورًا أكبر.

بصفته رئيس البرلمان وحزب النهضة، قام "الغنوشي" بزيارة مثيرة للجدل إلى تركيا في يناير/كانون الثاني الماضي بالإضافة إلى مكالمات هاتفية مع قادة أجانب مثل رئيس حكومة الوفاق الليبي "فايز السراج".

أدت هذه الاتصالات مع زعماء أجانب إلى انتقادات واسعة من أعضاء المعارضة في البرلمان وحتى دعوات لاستقالة "الغنوشي"، وأصدرت 7 أحزاب سياسية تونسية بيانًا مشتركًا بعد هذه الدعوة، بحجة أن "الغنوشي" كان يحاول "تجاوز مؤسسات الدولة وجر البلاد إلى الصراع الليبي، دعماً للإخوان المسلمين وحلفائهم".

أثيرت مخاوف بشأن من كان يقود البلاد بالفعل، وكاد "الغنوشي" أن يُطاح به من السلطة في تصويت بحجب الثقة، وألقى "سعيد،" في ما كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه رفض لتجاوز "الغنوشي" في السياسات الداخلية والخارجية التونسية، خطابًا أكد فيه أنه "يجب على الجميع الاعتراف بأن هناك تونس واحدة فقط ورئيسًا واحدًا على الصعيدين الوطني والدولي".

العلاقات الخليجية العربية وتأثيرها

منذ عام 2011، كانت تونس ساحة معركة بين دول الخليج العربية التي تسعى إلى تشكيل السياسة الداخلية والخارجية للدولة الصغيرة والاستراتيجية في شمال أفريقيا.

يدور الانقسام الرئيسي حول دور الأحزاب الإسلامية والسياسة الداخلية، فضلاً عن موقف تونس من القضايا الإقليمية الرئيسية مثل التدخل الأجنبي في الحرب الليبية والمنافسة الإقليمية بين الكتلة التي تقودها تركيا وقطر من جهة والإمارات والسعودية من جهة أخرى.

كانت انتفاضة تونس الشرارة التي أشعلت احتجاجات الربيع العربي عام 2011، عزز حزب النهضة مكانته كواحد من أكثر الأحزاب السياسية شعبية في تونس منذ الاحتجاجات، وبدا المنتصر الرئيسي للتجربة الديمقراطية في تونس.

تعتقد بعض دول الخليج العربية، ولا سيما الإمارات، أن حزب النهضة يسعى لنشر الإسلام السياسي في جميع أنحاء المنطقة من خلال التحالفات مع خصوم الإمارات؛ قطر وتركيا.

نتيجة لذلك، تنظر أبوظبي إلى الشرعية الانتخابية الإسلامية على أنها تهديد للاستقرار الإقليمي وكذلك لنظامها في الداخل.

في المقابل، تحافظ قطر على روابط قوية مع حركة النهضة والأحزاب الإسلامية الأخرى المرتبطة بحزب العدالة والتنمية التركي.

تشترك تونس أيضًا في حدود مع ليبيا، حيث تؤدي الحروب بالوكالة بين القوى الإقليمية الكبرى (بما في ذلك دول الخليج العربية وتركيا ومصر) والقوى الأوروبية (خاصة فرنسا وإيطاليا) وروسيا، إلى تفاقم المشهد الأمني ​​في شمال أفريقيا، وقد وضع هذا تونس في قلب صراعات القوة الجيوسياسية على البحر الأبيض المتوسط ​​الاستراتيجي.

باعتبارها نقطة انطلاق احتجاجات الربيع العربي، تتمتع تونس بقيمة رمزية ربما باعتبارها قصة النجاح الوحيدة لإرساء الديمقراطية في العالم العربي.

تراقب العديد من الدول عن كثب المسارات السياسية والاقتصادية لتونس وتهدف إلى إقامة علاقات أوثق مع تونس، عرضت دول الخليج العربية الاستثمار والدعم بدرجات متفاوتة منذ عام 2011، وغالبًا ما مررت الدعم الدبلوماسي والمالي لأحزاب سياسية وفاعلين معينين يتشاركون معها مصالح استراتيجية.

هناك معارك دعائية شرسة حول السياسة التونسية في وسائل الإعلام الخليجية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغالبًا ما تقدم وسائل الإعلام الخليجية، بما في ذلك "الجزيرة" و"العربية" و"سكاي نيوز عربية"، منصات وتغطية أكثر تفضيلًا للسياسيين والأحزاب التونسية المفضلة لديهم.

من جانبها، حافظت تونس على الحياد الرسمي منذ أن فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة على قطر في عام 2017، مكررة مواقف دول مغاربية أخرى مثل المغرب والجزائر.

ومع ذلك، فهي تكافح لتأكيد استقلالها عن التأثير الحقيقي والمتصور لدول الخليج، والتي لا يزال الاقتصاد التونسي المتعثر يعتمد عليها للحصول على مساعدات واستثمارات أجنبية حاسمة.

قبل عام 2011 ، في ظل نظام "زين العابدين بن علي"، كانت الإمارات والسعودية من بين أكبر الشركاء التجاريين لتونس في المنطقة.

بعد احتجاجات عام 2011 والإطاحة بـ"بن علي"، فضلاً عن صعود التحالف بقيادة النهضة، ازدهرت العلاقات الاقتصادية بين قطر وتونس حيث وجهت الدوحة اهتمامها نحو دعم اقتصاد البلاد الضعيف.

وفي عام 2012، وافقت قطر على منح تونس قرضًا بقيمة مليار دولار وتعهدت بتوفير فرص عمل لـ20 ألف خريج تونسي، ذهب نصف القرض نحو دعم أصول البنك المركزي التونسي (اكتتبت قطر بمبلغ 500 مليون دولار في سندات الخزانة التونسية لأجل 5 سنوات بنسبة 2.5%) وكان النصف الآخر مخصصا للاستثمار في البنية التحتية.

كما وعدت قطر باستثمار ملياري دولار في مشروع مصفاة للنفط الليبي على ساحل خليج قابس التونسي، بالرغم من إلغاء هذا في عام 2014 بسبب مخاوف من تقلب إمدادات النفط الليبية.

رسمياً، تحتفظ قطر بمحفظة استثمارية تزيد قيمتها على 3 مليارات دولار موزعة على قطاعات السياحة والبنوك والاتصالات في تونس، بالإضافة إلى ذلك، يقدم صندوق الصداقة القطري وصندوق قطر للتنمية ومؤسسة "صلتك" لتمويل لمشاريع التنمية، خاصة للشباب التونسي العاطل عن العمل.

تعد قطر الآن أكبر مستثمر عربي في تونس وثاني أكبر مستثمر أجنبي بعد فرنسا، لكن الاستثمار الخليجي الإجمالي لا يزال مهمًا لاستراتيجية البلاد لمكافحة مشاكلها الاقتصادية.

تعكس المستويات المتغيرة للاستثمار الخليجي في تونس، فضلاً عن الدعم الدبلوماسي للحكومة التونسية، الكثير حول أولويات السياسة الخارجية لدول الخليج في شمال أفريقيا، كما تقول الباحثة المقيمة في معهد "أمريكان إنتربرايز"، "كارين يونج": "تؤثر الصراعات بين دول الخليج على التدفقات الاستثمارية داخل المنطقة... وستخلق مصالحهم السياسية أولويات في لكل من تدفقات الاستثمار الأجنبي وكذلك المساعدات والتدخل المالي في شكل ودائع في البنك المركزي".

على سبيل المثال، لاحظ الكثيرون في مؤتمر "الاستثمار في تونس 2020" في نوفمبر/كانون الثاني 2016، "ضعف الحضور الإماراتي" على عكس الحزمة المالية القطرية البالغة 1.25 مليار دولار، وتعهد السعودية بتقديم 725 مليون دولار، ووعد الكويت بتقديم 500 مليون دولار.

وأشار المحلل التونسي "يوسف شريف" إلى أن مؤتمر "تونس 2020" بدا وكأنه استجابة قطر لمؤتمر مصر للاقتصاد والتنمية الذي نظمته الإمارات في مارس/آذار 2015، والذي سمح لدولة الإمارات بتوسيع نفوذها في مصر.

في ذلك الوقت، كانت تونس بقيادة حكومة توافق انضمت إليها النهضة ونداء تونس كشريكين في الحكم، وهي خطوة اعتبرتها أبوظبي لعنة على مصلحتها الاستراتيجية في الحد من نفوذ الأحزاب الإسلامية.

حتى لو كان الحزب التونسي المفضل في الإمارات، نداء تونس، في السلطة أيضًا في ذلك الوقت، فقد كانت الشراكة مع النهضة مصدر قلق بسبب جذوره الإسلامية وعلاقاته مع قطر وتركيا، ويعكس هذا المؤتمر الاستثماري أيضًا استراتيجيات متباينة تنتهجها السعودية والإمارات.

يركز توجه السياسة الخارجية لأبوظبي بشكل أكبر على محاربة ما يعتبره نفوذًا قطريًا وتركيًا وإسلاميًا إقليميًا، في حين تبدو المملكة العربية السعودية أكثر انشغالًا بالقوة الإقليمية الإيرانية، كما زعم "شريف"، تشير استراتيجيات الاستثمار المختلفة التي تتبعها السعودية والإمارات في تونس إلى خلافات سياسية أخرى حول العلاقات مع قطر وتركيا، بالإضافة إلى مقاربات متضاربة تجاه اليمن وسوريا وليبيا.

كانت تونس في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، محطة مهمة لولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" في أول رحلة خارجية له عبر العالم العربي في أعقاب مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في اسطنبول. بعد ذلك بوقت قصير، أعلن الملك "سلمان بن عبد العزيز" عن حزمة مساعدات مالية بقيمة 850 مليون دولار (500 مليون دولار للميزانية و 230 دولارًا للتجارة الخارجية) وذلك خلال زيارة رئيس الوزراء "يوسف الشاهد" إلى السعودية في ديسمبر/كانون الثاني 2018.

ظلت الاستثمارات والمساعدات السعودية في تونس مستقرة إلى حد كبير بالرغم من استمرار وجود حزب النهضة في الحكومة التونسية، ومع ذلك، تراجعت الاستثمارات والمساعدات الإماراتية لتونس، وظلتا أكثر محدودية مع استمرار أداء حركة النهضة الجيد في الانتخابات وتوسيعها للروابط مع خصوم الإمارات، قطر وتركيا.

ومع ذلك، فإن الركود الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة فيروس "كورونا"، إلى جانب انخفاض أسعار النفط، يؤدي إلى انخفاضات كبيرة في الاستثمار الأجنبي، بما في ذلك الاستثمار القادم من دول الخليج، كما تقول "سارة يركس"، الزميلة الرئيسية في جامعة كارنيجي.

من المرجح حدوث تراجع في الاستثمار الخليجي في تونس، ويمكن أن يخلق ذلك مساحة للقوى العالمية مثل الصين لملء الفراغ، وكانت الهيئة التونسية للاستثمار قد أعلنت بالفعل عن تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بأكثر من 14% في النصف الأول من 2020، وانكمش الاقتصاد بأكثر من 20% بنهاية الربع الثاني.

توترات الخليج حول تونس

تمثل تونس بشكل متزايد ممرًا استراتيجيًا لعمليات إعادة التموضع الجيوسياسية في البحر الأبيض المتوسط، مع تكثيف الإمارات لجهودها لتشكيل نتيجة الحرب الليبية، قامت تركيا بتوسيع وجودها العسكري في ليبيا وأيضًا علاقاتها الاقتصادية والدفاعية مع تونس والجزائر، لدرجة أن الإمارات هددت بفرض عقوبات على الجزائر بسبب التعاون مع "الجهات المناهضة للإمارات".

بالنظر إلى نفوذ "النهضة" المستمر على السياسة التونسية، فضلاً عن الاستثمار القطري المتنامي على مدى العقد الماضي، قد يبدو أن تونس أكثر انسجامًا مع مجال النفوذ القطري التركي، على عكس المدار الإماراتي السعودي، ولكن هناك العديد من الأنشطة المحلية فبعض الفاعلين السياسيين يقاتلون بقوة ضد هذا الاتجاه، ويرمز لذلك بقوة صعود "عبير موسي"، الشخصية المعادية للثورة التي كانت مسؤولة حزبية في نظام "بن علي" وتقود الآن الحزب الدستوري الحر.

تدعو "عبير موسى" إلى حظر حركة النهضة وتنتقد بانتظام الأحزاب الإسلامية باعتبارها إرهابية، بالرغم من احتلاله 17 مقعدًا برلمانيًا فقط من أصل 217، يتقدم حزبها حاليًا في استطلاعات الرأي، ويشير هذا على الأرجح إلى انفتاح للإماراتيين وفرصة لتنمية معارضة النهضة في السياسة الداخلية، وبالتالي، حصنًا محتملاً ضد النفوذ القطري والتركي في شمال أفريقيا.

المصدر | آنا جاكوبس | معهد دول الخليج العربية- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قيس سعيد عبير موسى راشد الغنوشي العلاقات الخليجية التونسية العلاقات القطرية التونسية

قطر تتعهد بدعم تونس حتى تتجاوز الصعوبات

فرصة للنفوذ.. كيف استفادت دول الخليج من نتائج الربيع العربي؟

هاتفيا.. رئيسا وزراء قطر وتونس يبحثان تطوير التعاون المشترك

بعد قيس سعيد.. لماذا تراجعت الاستثمارات والمساعدات الخليجية في تونس؟