ارتدادات متواصلة لاغتيال فخري زاده داخل أجهزة الاستخبارات الإيرانية

الجمعة 25 ديسمبر 2020 01:47 ص

يعتبر اغتيال العالم النووي الإيراني "محسن فخري زاده" أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إخفاقا كبيرا لأجهزة المخابرات الإيرانية. فقد كان "فخري زاده" جنرالًا في الحرس الثوري، ورئيس منظمة الابتكار والبحث الدفاعي بوزارة الدفاع الإيرانية، وكان معروفًا كقائد القسم العسكري في البرنامج النووي الإيراني.

في الأسابيع الأخيرة، نشرت مواقع إلكترونية تابعة للحكومة الإيرانية صورًا تظهر "فخري زاده" وهو يتلقى سراً جائزة رفيعة المستوى من الرئيس الإيراني "حسن روحاني" في عام 2016. في ذلك العام، بعد توقيع الاتفاق النووي، حصل 28 مسؤولًا إيرانيًا مشاركًا في الصفقة والبرنامج النووي الإيراني على ميداليات وأوسمة شرف. ويتضح الآن أن "فخري زاده" و 3 أشخاص آخرين على الأقل تسلموا ميدالياتهم في غرفة مغلقة لأسباب أمنية، حتى لا يكونوا أمام كاميرات المصورين والصحفيين.

في الأيام الأخيرة، تم نشر العديد من التغريدات على "تويتر" نقلاً عن المرشد الأعلى "علي خامنئي" تفيد بأنه طلب من "فخري زاده" أن يأخذ حمايته الشخصية على محمل الجد وأن يتقيد بالبروتوكولات الأمنية الصارمة. وبالرغم من كل السرية والتشديد على حماية "فخري زاده"، إلا أنه تم اغتياله في منطقة أبسارد، على بعد 70 كيلومترًا من طهران. فلماذا قُتل بالرغم من هذا المستوى العالي من الحماية، وما تأثير ذلك على أجهزة المخابرات والأمن للنظام الإيراني؟

كيف حدث هذا؟

قال الجنرال "علي شمخاني"، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إن قوات الأمن كانت تعلم أن "فخري زاده" أصبح هدفًا لمحاولة اغتيال، وقد خمنت الموقع لكن العدو استخدم أساليب جديدة لاغتياله.

كانت هناك وجهة نظر أخرى عبر عنها "علي ربيعي"، المتحدث باسم حكومة "روحاني" الذي شغل منصب نائب وزير المخابرات في الثمانينيات ونائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في التسعينيات، حيث قال إن أجهزة المخابرات حذرت من اغتيال "فخري زاده" لكن لم يتم اتباع البروتوكولات الأمنية. ولم يذكر "ربيعي" كيانًا بعينه باعتباره المسؤول، لكن جرى تفسير ذلك في الدوائر السياسية الإيرانية على أنه دفاع عن وزارة الاستخبارات وانتقاد للحرس الثوري وأجهزة المخابرات والأمن التابعة له.

تم تكليف وحدة تابعة للحرس الثوري تسمى "أنصار المهدي" منذ عام 2012 بحماية "فخري زاده" وشخصيات رئيسية أخرى في البرنامج النووي الإيراني. وفي مقابلة مع وكالة أنباء "تسنيم" التابعة للحرس الثوري، قال اللواء "علي نصيري"، القائد السابق لـ"أنصار المهدي"، إنه تم تكليفهم بالحماية بعد اغتيال العديد من العلماء النوويين الإيرانيين بين عامي 2010 و 2012.

يبلغ عدد كادر وحدة أمن "أنصار المهدي" ما بين 10 آلاف و 15 ألف موظف، وهي مسؤولة عن حماية رئيس الجمهورية ونوابه، ورئيس القضاء ونوابه، ورئيس مجلس النواب ونوابه، والوزراء وغيرهم ممن يحتاجون حراسة شخصية دائمة أو مؤقتة، وفقا للمجلس الأعلى للأمن القومي. (ومع ذلك، فإن حماية خامنئي وأبنائه وأعضاء مكتبه تقع على عاتق وحدة أخرى من الحرس الثوري تسمى "ولي الأمر"، والتي يقدر عدد أفرادها بما يتراوح بين 15 ألف و 20 ألف فرد).

القوة المتنامية للحرس الثوري

بالرغم أن "ربيعي" ألقى باللوم بشكل غير مباشر على الحرس الثوري في اغتيال "فخري زاده"، إلا أنه لا يوجد فرد أو مؤسسة في الجمهورية الإسلامية لديها القدرة على انتقادها بشكل مباشر بسبب مكانتها في المجتمع الإيراني.

وتعتبر منظمة استخبارات الحرس الثوري، التي تأسست قبل 11 عامًا، أكثر أجهزة المخابرات نفوذاً في إيران. ومنذ إنشائها، تم نقل جزء كبير من سلطة وزارة الاستخبارات، الخاضعة لسيطرة الرئيس، إلى منظمة استخبارات الحرس الثوري، التي تخضع للإشراف المباشر للمرشد الأعلى.

تربط رئيس منظمة استخبارات الحرس الثوري "حسين طيب" علاقة شخصية وثيقة مع "مجتبى خامنئي"، نجل المرشد الأعلى والشخصية القوية من وراء الكواليس والمنافس الجاد لخلافة والده كزعيم مقبل للجمهورية الإسلامية.

كما أن الحرس الثوري هو رسميًا عضو في شعبة استخباراتية تُعرف باسم "مجلس تنسيق الاستخبارات" المعني بالتنسيق بين ما لا يقل عن 16 جهاز استخبارات في إيران ويرأسه وزير المخابرات. ومع ذلك، فإن جهاز استخبارات الحرس الثوري لا يستجيب لتعليمات المجلس فهو أكثر نفوذاً منه.

توضح قضية تتعلق باعتقال ناشطين بيئيين أن الحرس الثوري أصبح الآن أقوى من وزارة الاستخبارات. ففي شتاء 2018، اعتقلت المخابرات التابعة للحرس 9 ناشطين بيئيين بتهمة التجسس. وبينما صرحت وزارة المخابرات بأنها لا تعتبر المعتقلين جواسيس، تجاهلت مخابرات الحرس تصريحات الوزارة.

وللأسف، توفي "كافوس سيد إمامي"، أحد المعتقلين، في السجن في ظروف مريبة، بينما حكم على الآخرين بالسجن لمدد تتراوح بين 4 و 10 سنوات. وعندما سأل الصحفيون وزير المخابرات، "محمود علوي"، عن تقليص سلطة الوزارة، أجاب أنه إذا أراد "خامنئي"، فسيكون على استعداد لتسليم بقية سلطاتها إلى الحرس الثوري الإيراني.

بالرغم أن الحرس الثوري ووحدة "أنصار المهدي" على وجه التحديد هم المسؤولون الرئيسيون وراء الإخفاقات الاستخباراتية التي أدت إلى اغتيال "فخري زاده"، فمن غير المرجح أن تتم محاسبتهم، حيث يعتبر  "خامنئي" أن الحرس الثوري هو أحد الركائز الرئيسية الثلاثة لبقاء النظام، إلى جانب القضاء ومجلس صيانة الدستور. فالحرس الثوري يقمع المعارضة الداخلية ويساعد في تشكيل سياسة إيران الخارجية ضد الخصوم مثل الولايات المتحدة وإسرائيل؛ والقضاء يلاحق المنتقدين والمعارضين ويسجنهم. فيما يعمل مجلس صيانة الدستور بمثابة حارس البوابة الذي يمنع النقاد والمعارضين من دخول المؤسسات الرئيسية (مثل الرئاسة والبرلمان) من خلال مراجعة واستبعاد المرشحين للمناصب.

بعد فترة، قد تكون هناك تغييرات داخل قيادة الحرس الثوري الإيراني، مثل قائد "وحدة أنصار المهدي"، لكن من غير المرجح أن تتم محاسبتهم على اغتيال "فخري زاده".

ومع ذلك، فإن الاغتيال هو علامة واضحة على أن خصوم النظام الإيراني وأعدائه لهم اليد العليا عندما يتعلق الأمر بالاستخبارات. وقد نقلت "نيويورك تايمز" عن 3 مسؤولين استخباراتيين لم تسمهم قولهم إن الاغتيال كان عملية إسرائيلية. وبينما رفضت الحكومة الإسرائيلية ورئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" تأكيد أو نفي هذه المزاعم، يُنظر في الأخبار والدوائر السياسية الإيرانية إلى الاغتيال على أنه انتصار تكتيكي لإسرائيل وهزيمة للنظام وأجهزة مخابراته.

ويعتقد العديد من الناشطين الإيرانيين على شبكات التواصل الاجتماعي أن الاغتيال أذل النظام وأجهزته الأمنية. وفي إشارة إلى مقتل 400-1500 متظاهر في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في 2019، يقول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في إيران إن النظام وأجهزته الأمنية قادرين فقط على قتل المتظاهرين في الشوارع وهم ضعفاء في مواجهة الأجهزة الأمنية الأجنبية.

كما يتفق المحللون مع وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية خارج إيران، مثل تليفزيون "إيران الدولي"، وتليفزيون "بي بي سي الفارسي"، وتليفزيون "مانوتو"، وراديو "فاردا"، ويعتقدون بقوة أن الاغتيال قد أذل النظام.

أسئلة مقلقة

بالنظر إلى أن النظام خسر خلال هذا العام مسؤولًا عسكريًا كبيرًا آخر، هو الجنرال "قاسم سليماني"، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، فإن اغتيال "فخري زاده" يعزز الادعاء بأن النظام غير قادر على الرد على عمليات قتل شخصيات مهمة. ومع ذلك، هذا ليس اتجاه جديد. قبل 10 سنوات، قُتل الجنرال "حسن طهراني مقدم"، القائد البارز في الحرس الثوري، رئيس برنامج الصواريخ الإيرانية، في انفجار في ثكنة بالقرب من طهران.

يعتبر اغتيال هؤلاء المسؤولين الثلاثة مصدر قلق كبير داخل النظام، وبالنظر إلى أنه كان من الممكن قتل كبار المسؤولين في برامج إيران الصاروخية والنووية والعسكرية بهذه الطريقة، فما الذي يضمن عدم قيام أجهزة المخابرات الأجنبية أيضًا باغتيال كبار القادة السياسيين؟

في أعقاب اغتيال "فخري زاده"، دعت وزارة الاستخبارات المواطنين إلى التعاون مع النظام في القبض على الجناة، مما دفع العديد من المحللين والمواطنين للاعتقاد بأن فرق الاغتيال الأخرى ربما لا تزال نشطة داخل إيران وأن أجهزة المخابرات غير قادرة على القبض عليهم.

ومما زاد المخاوف تصريح المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية "بهروز كمالوندي"، أن فريق اغتيال "فخري زاده" هو نفسه الذي تسبب في التخريب والانفجار في منشآت "نطنز" النووية خلال الصيف. واعتبرت تصريحات "كمالوندي" تأكيدا على ضعف أجهزة المخابرات. وقد بقي الكثيرون يتساءلون حول إنه إذا كان منفذو تفجير "نطنز" ومنفذي اغتيال "فخري زاده" مرتبطين، فلماذا لم يتم القبض عليهم في الأشهر الستة بين الحدثين؟

بصرف النظر عن انتشار انعدام الثقة في أجهزة المخابرات بعد الاغتيال، فإن النفوذ الإسرائيلي المحتمل داخل أجهزة المخابرات الإيرانية هو الشاغل الأكثر إلحاحًا، وهو القلق الذي لا يقتصر على المحللين والجمهور. وقد تحدث الجنرال "حسين دهقان"، وزير الدفاع السابق، المستشار العسكري للمرشد الأعلى، عن خطر التسلل. كما دعا القائد السابق للحرس الثوري اللواء "محسن رضائي"، الرئيس "روحاني" إلى إلزام أجهزة المخابرات الإيرانية بتحديد المصادر والعملاء الرئيسيين الذين تستخدمهم أجهزة المخابرات الأجنبية.

وأفادت الأنباء بأن الشخص المسؤول عن المكتب الإسرائيلي في جهاز استخبارات الحرس الثوري قد تم اعتقاله واتهامه بالعمل كجاسوس إسرائيلي. وفي حين أن هذا قد يؤدي إلى إغلاق قضية مقتل "فخري زاده"، إلا أن القلق بشأن تأثير العدو الأكثر أهمية للجمهورية الإسلامية في جهاز المخابرات الرئيسي لا يزال ملموسًا. ويثير اغتيال "فخري زاده" أيضًا سؤالاً أكبر عن مدى اتساع وعمق تأثير الدول الأجنبية في أجهزة المخابرات الإيرانية.

المصدر | رضا فيسي/ معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فخري زاده المخابرات الإيرانية الحرس الثوري الإيراني أنصار المهدي

نيويورك تايمز: الموساد وراء اغتيال فخري زاده بطهران