الثورات والتكنولوجيا.. هذا ما تكشفه 10 سنوات بعد الربيع العربي

الثلاثاء 5 يناير 2021 01:22 ص

عندما اندلعت انتفاضات الربيع العربي في 6 دول عربية على الأقل في عام 2011، وهي تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين، كانت مصحوبة بآمال وتطلعات كبيرة في حقبة جديدة من التحول الديمقراطي والإصلاح، مع إمكانات لتحول المنطقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ومع ذلك، بعد عقد من الزمن، تغير الكثير في المنطقة، وإن كان ذلك في اتجاهات غير متوقعة وغير مرغوب فيها إلى حد كبير.

وفي حين أن تونس كانت استثناء ملحوظا، كانت النتائج مدمرة، بما في ذلك الحرب الأهلية والأزمة الإنسانية الهائلة في سوريا، والصراع بين الفصائل وغياب الدولة في ليبيا، والحرب القاسية والعنف في اليمن، والقمع الدموي للانتفاضة في البحرين، والانتكاس إلى ديكتاتورية عسكرية أقسى في مصر.

وبالمثل، تلاشت الثقة المفرطة أيضا في إمكانات دمقرطة وسائل الإعلام بشكل عام، ووسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، إلى حد تسمية الانتفاضات بـ"انتفاضة تويتر في تونس"، و"ثورة الفيسبوك في مصر"، و"انتفاضة يوتيوب في سوريا".

وخلف ذلك مشهدا إعلاميا شديد التناقض، انعكس مؤخرا في التقرير السنوي السابع لمؤشر الرأي العربي الذي أجراه "المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات" بمشاركة 28 ألف شخص من 13 دولة عربية.

وأظهر الاستطلاع تحولات مهمة في اتجاهات الرأي العام العربي نحو مواقف سياسية واقتصادية واجتماعية متشابكة للغاية، بما في ذلك التحولات في أنماط تناول وسائل الإعلام.

استخدام الوسائل الإعلامية والقيود

وكشف مؤشر 2019-2020 عن عدد من النتائج المهمة المتعلقة بمصادر الأخبار والمعلومات المختلفة في المنطقة العربية، ومنها قفزة كبيرة في الاعتماد على الإنترنت، وصلت إلى 73% من إجمالي المستجيبين. وتظهر النتائج زيادة مستمرة وذات دلالة إحصائية في انتشار الإنترنت في المنطقة العربية على مدى الأعوام الـ 9 الماضية.

ويرافق ذلك زيادة في انتشار واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، حيث يمتلك 86% حسابات على "فيسبوك" و84% على "واتس آب" و43% على "تويتر" و56% على "إنستجرام" و44% على "سناب شات". ويشير هذا إلى أنه بالرغم من استخدامها لأهداف سياسية أثناء انتفاضات الربيع العربي وبعدها، فإن الدافع الأساسي وراء شعبية وسائل التواصل الاجتماعي يظل بناء الشبكات الاجتماعية والحفاظ على الروابط.

وعندما اندلعت الثورة المصرية في يناير/كانون الثاني 2011، كان هناك الكثير من المصريين في ميدان التحرير الذين لم يسمعوا بـ"فيسبوك" من قبل. ويمكن قول الشيء نفسه عن البلدان العربية الأخرى، خاصة في المناطق الريفية والنائية، خارج العواصم والمدن الكبرى، وبين الأجيال الأكبر سنا. ومع ذلك فقد تزايد تدريجيا الاعتماد على أدوات وتقنيات وسائل الإعلام الجديدة، حتى بين أولئك الذين يفتقرون إلى الأدوات التكنولوجية اللازمة أو مهارات محو الأمية الرقمية الذين تمكنوا من الاعتماد على الأجيال الشابة الأكثر ذكاء من الناحية التكنولوجية لمساعدتهم على الوصول إلى المعلومات الرقمية.

ولكن مع تزايد القدرة على تحمل التكاليف وتوفر الأجهزة المحمولة، وخاصة تلك التي توفر الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت هناك فرصة للاستمتاع بنافذة جديدة لرؤية العالم حتى لهؤلاء الذين لديهم معرفة محدودة بالقراءة والكتابة الرقمية أو الأبجدية أو يعانون من ضعف البنية التحتية، بما في ذلك الوصول المحدود إلى الإنترنت.

ويفسر ذلك زيادة الوصول إلى تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي والاعتماد عليها في العالم العربي في الأعوام الأخيرة، بالرغم من استمرار التحديات الخطيرة في هذه المنطقة، بما في ذلك معدلات الأمية المرتفعة في بعض البلدان، ومحدودية الموارد الاقتصادية، وضعف البنية التحتية.

علاوة على ذلك، ظهرت تغييرات جوهرية على مدى الأعوام الـ9 الماضية في مصادر الأخبار السياسية، مع منافسة الإنترنت للتلفزيون. ويعتمد 35% من المشاركين في الاستطلاع على الإنترنت في الأخبار السياسية، وهي زيادة قدرها 7 أضعاف ما كانت عليه منذ عام 2011، حيث انخفض الاعتماد على التلفزيون خلال نفس الفترة. علاوة على ذلك، أفاد 80% باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة لأخبار والمعلومات السياسية، بينما يستخدمها 61% للتعبير عن آرائهم والتفاعل مع القضايا السياسية في مجتمعاتهم.

ويمكن تفسير هذا الاعتماد المتزايد على الإنترنت، وخاصة لغرض الحصول على المعلومات السياسية، في ضوء النتائج التي ظهرت في المشهد الإعلامي في بلدان ما بعد الربيع العربي، باستثناء تونس، حيث أدى انتكاس الدعوات إلى الديمقراطية إلى ولادة مشهد إعلامي مجزأ للغاية ومستقطب ومخنوق في ظل الحكم الاستبدادي، وإن كان ذلك بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة.

وتسببت رعاية وتسييس وسائل الإعلام من قبل الأنظمة بشكل متزايد، حيث استغلتها إلى حد كبير كأدوات للتعبئة العامة والتأثير على الرأي العام، في خنق استقلال الصحافة والحرية والمهنية. كما قوضت ثقة الجمهور في وسائل الإعلام الرئيسية وقلصت من مصداقيتها. ويشمل تشديد الرقابة الحكومية على المشهد الإعلامي في العالم العربي، ملكية وسائل الإعلام ورعايتها، وإنفاذ قوانين الجرائم الإلكترونية التي يمكن أن تجرم أي نوع من المحتوى غير المعتمد مسبقا أو المرخص من قبل الأنظمة.

وبهذه الطريقة، يتعرض الصحفيون لخطر فقدان وظائفهم أو حريتهم، أو حتى حياتهم في بعض الحالات. وتم أيضا إنشاء هيئات تنظيمية رسمية لوسائل الإعلام الحكومية للتحكم في المحتوى وفحصه والموافقة عليه. وبالتالي، فإن النتيجة النهائية هي البحث عن منصات بديلة لجمع المعلومات بشكل عام والمعلومات السياسية بشكل خاص.

ملاحظات تحذيرية حول وسائل التواصل الاجتماعي

ومع ذلك، عند النظر إلى نتائج مؤشر الرأي العربي، من المهم إظهار الحذر الكافي بشأن دور وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، وتفسيرها في السياق الصحيح، مع تجنب إغراء الإفراط في التفاؤل بشأنها.

أولا، لا يزال 48% من المشاركين في الاستطلاع يعتمدون على القنوات التلفزيونية لتغطية الأخبار السياسية، يليها الإنترنت بنسبة 35%. وبالرغم من زيادة استخدام الإنترنت للحصول على المعلومات السياسية وتراجع مشاهدة التلفاز لنفس الغرض، لا يزال التلفزيون هو المصدر الأساسي للأخبار السياسية والمعلومات في العالم العربي.

وتشمل بعض العوامل الكامنة وراء ذلك المعدلات المرتفعة للأمية الأبجدية والرقمية، والقيود الاقتصادية، وتحديات البنية التحتية للخدمات الإلكترونية التي لا تزال تعيق انتشار الإنترنت، وإمكانية الوصول، والقدرة على تحمل التكاليف في أجزاء كثيرة من المنطقة.

ثانيا، باستثناء مواقع التواصل الاجتماعي المستقلة والموجهة للمعارضة، فإن العديد من أماكن تقديم الأخبار والمعلومات إلكترونيا تردد إلى حد كبير، أو حتى تكرر، نفس المحتوى الذي يتم نقله عبر وسائل الإعلام الرئيسية، سواء كانت مطبوعة أو إذاعية، وإن كان ذلك في شكل إلكتروني رقمي.

مفارقات محيرة

وتشير نتائج الاستطلاع أيضا إلى عدد من المفارقات.

أولا، سيكون من الخطأ الربط بين الاعتماد المتزايد على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات السياسية والتعبير عن الآراء السياسية عبر الإنترنت مع الزيادة الفعلية في حرية التعبير والقدرة على انتقاد الأنظمة القمعية. وسيكون من الصعب أيضا التفكير في كثافة استخدام الوسائل الرقمية على أنها تعكس المزيد من المشاركة السياسية والمدنية.

وقال 30% من المشاركين في الاستطلاع إنه من المستحيل انتقاد حكوماتهم دون خوف من رد انتقامي. بالإضافة إلى ذلك، أفاد 11% فقط بأنهم ينتمون إلى حزب سياسي، و 16% إلى المجتمع المدني أو منظمة تطوعية، وقال 61% إنهم إما لا ينتمون إلى حزب سياسي أو لا يعتقدون أن وجهات نظرهم ممثلة بأي مجموعة سياسية قائمة.

ويوجد أيضا دليل على زيادة اللامبالاة السياسية، حيث قال 46% إنهم لا يريدون المشاركة في الانتخابات، مقارنة بـ27% فقط في استطلاعات مماثلة في 2011 و2013. علاوة على ذلك، قال 28% إنهم "غير مهتمين تماما" بالسياسة في بلدانهم.

بعبارة أخرى، فإن المفارقة هنا هو أنه مثلما لم ينتج عن النشاط السيبراني إرساء ديمقراطي فعال، فإن زيادة الوصول إلى الأخبار السياسية واستهلاكها لم ينتج عنها تلقائيا زيادة في النشاط السياسي، خاصة بسبب غياب التحولات الديمقراطية الفعالة و خروجها عن مسارها وفشلها وانتكاسها في أعقاب الربيع العربي.

والدرس المهم الآخر هو أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة الوصول إلى الأخبار والمعلومات لا يمكن أن يعوض عن غياب المشاركة المدنية والمجتمع المدني النابض بالحياة والآليات الديمقراطية، كما أنها ليست كافية لإنشائها.

ثانيا، أبرزت نتائج الاستطلاع مفارقة أخرى؛ حيث أدى القمع المتزايد في الدول العربية إلى زيادة النشاط في مجتمعات الشتات العربية بدلا من الوطن؛ حيث توجد حاجة وضرورة أكبر. وأفاد المشاركون من البلدان التي لديها معدلات عالية من القمع السياسي والكثير من الخنق لحرية التعبير، مثل السعودية ومصر، بأنهم يكتفون بمتابعة الأخبار السياسية. لكن هذا القمع أدى إلى ظهور شخصيات ناشطة في الشتات، مثل المقاول المصري "محمد علي"، وكاتب العمود السعودي في واشنطن بوست "جمال خاشقجي"، والمعارض السعودي الشاب "عمر عبد العزيز"، على سبيل المثال لا الحصر.

بعبارة أخرى، أدى القمع المتزايد إلى ولادة لامبالاة سياسية في الداخل، من ناحية، لكنه ألهم حركات مقاومة مضادة في الشتات من ناحية أخرى، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأدوات أساسية لممارسة النشاط السياسي والتعبير عن المعارضة. ومع ذلك، فإن إحدى النقاط التي يجب وضعها في الاعتبار هي أن حركات الشتات المقاومة هذه لها فعالية محدودة في إحداث تغيير سياسي أو تحولات ديمقراطية فعلية في بلدانها الأصلية بسبب عدم قدرتها على الحشد والتنسيق على الأرض من بعيد عبر الإنترنت.

ثالثا، سجلت منطقة الخليج بمعدلاتها العالية من الذكاء التكنولوجي والثراء الاقتصادي وتطور البنية التحتية، وتغلغل الإنترنت وتوافر العنصر الشاب، معدلات اهتمام منخفضة في البحث عن المعلومات السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتعبير عن وجهات النظر السياسية عبر الإنترنت.

ويمكن أن يُعزى هذا، مرة أخرى، إلى مستويات عالية من اللامبالاة والقمع والاستبداد التي تؤدي إلى مستويات عالية من الرقابة الذاتية والتي بدورها تعرقل التعبير عن وجهات النظر السياسية المعارضة خوفا من انتقام النظام.

الاتجاهات الجديدة والتطورات المستقبلية المحتملة

رافق جائحة الفيروس التاجي وباء مدمر آخر في العالم العربي، وهو الأنظمة التي تكبح حرية الصحافة. وشهد العالم العربي طفرة كبيرة في آليات الرقابة الحكومية و"الاستبداد الرقمي"، حيث تبذل الأنظمة جهودا لا هوادة فيها لنشر سرديتها حول الوباء وفقا لأولوياتها ومصالحها وأجنداتها، بينما تقاوم بشدة أي روايات مضادة.

وتشمل آليات الرقابة الحكومية المشددة وسط الوباء تدابير عقابية، مثل إنفاذ القوانين ضد "الأخبار الكاذبة"، ومصادرة حرية التعبير وتهديد الصحفيين ومضايقتهم وسجنهم وسحب اعتمادهم، وتقييد حرية التنقل والوصول إلى المعلومات، والتهديد بالترحيل وقيود التأشيرة، واستغلال أدوات المراقبة لتعقب المخالطين، وكذلك تدابير الطوارئ.

وبالتالي، من الآمن الافتراض أن الاتجاهات الأخيرة تشير إلى استمرار حقبة التنافس بين الأنظمة العربية وخصومها، بمن فيهم الصحفيون الذين يجرؤون على قول الحقيقة للسلطة وتقديم رواية بديلة مختلفة عن تلك التي تروج لها حكوماتهم.

ومن المتوقع أن يقوم كل طرف بصقل مجموعة أدواته الخاصة، بما في ذلك استغلال وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد "الاستبداد الرقمي"، حيث تستمر الأنظمة العربية في تشديد آليات سيطرتها على الروايات التي يتم الترويج لها عبرها. وفي المقابل، من المحتمل أن يكون هناك تصعيد في المقاومة؛ حيث يخترع الناشطون والمعارضون والصحفيون آلياتهم الخاصة لمواجهة ومقاومة الخنق المستمر للحريات في العالم العربي.

وسيكون من المفيد أن نرى كيف ستنعكس هذه الاتجاهات والتطورات الجديدة، في عصر الوباء وما بعده، في نتائج مؤشر الرأي العربي للعام المقبل وكذلك الاستطلاعات المستقبلية.

المصدر | سحر خميس - المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ثورات الربيع العربي الأنظمة الاستبدادية قمع حرية التعبير وسائل التواصل الاجتماعي انتشار الإنترنت الأمية الرقمية

السودان يحذر الصحف ووسائل الإعلام من مواقع التواصل