كيف علّم اغتيال سليماني وزاده الإيرانيين عدم الثقة بالوعود الغربية؟

الأربعاء 6 يناير 2021 12:18 م

عندما ادعى سياسيون وناشطون ومفكرون مؤيدون للغرب حدوث تزوير في انتخابات إيران الرئاسية لعام 2009 وبوليفيا لعام 2019، حشدت وسائل الإعلام الغربية ومراكز الدراسات والمنظمات غير الحكومية و"الخبراء" لتقويض نتائج الانتخابات، على الرغم من نقص الأدلة.

وتم الترويج لسردية "تزوير الانتخابات" بشكل كبير لزعزعة استقرار هذه البلدان ونزع شرعية رؤسائها المنتخبين ديمقراطياً، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تسيطر عليها الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الممولة غربيًا والناطقة باللغتين الفارسية والإسبانية.

لاحظ التناقض الصارخ في الطريقة التي تعاملت بها وسائل الإعلام الأمريكية وشريحة المنتقدين مع الأمريكيين الذين يزعمون حدوث تزوير كبير في الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

فقد تعرض الرئيس "دونالد ترامب" وملايين من أنصاره للرقابة والحرمان من منصات التواصل الاجتماعي المملوكة للولايات المتحدة، كما تم السخرية منهم أو تجاهلهم في معظم الشركات الغربية ووسائل الإعلام المملوكة للدولة بعد ادعائهم الاحتيال.

هذا هو السبب في أن ردود الفعل الغربية على مقتل الفيزيائي الأكاديمي "محسن فخري زاده" كانت متوقعة تمامًا بالنسبة لنا في إيران.

فقد زعمت وسائل الإعلام أن "فخري زاده" قاد العمل في برنامج أسلحة نووية إيراني بعد سنوات من استنتاج وكالات المخابرات الأمريكية أن إيران أوقفت العمل على الأسلحة النووية، والأهم من ذلك، أن ذلك قد قيل على الرغم من حقيقة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تقل في أي وقت من الأوقات أن إيران لديها برنامج أسلحة.

ومع ذلك، استمرت وسائل الإعلام والدعاية الغربية بإخلاص في تقديم خيال النظام الإسرائيلي على أنه حقيقة.

ادعاءات "نتنياهو" الكاذبة

هناك خلفية لهذه الادعاءات الإسرائيلية المستمرة؛ ففي عام 1992، ادعى "بنيامين نتنياهو" الذي كان نائبًا برلمانيًا آنذاك، أن إيران كانت على بعد 3 إلى 5 سنوات من امتلاك قدرات أسلحة نووية.

وفي عام 2009، ادعى أن إيران يمكنها تجميع قنبلة واحدة وستكون قادرة على صنع عدة قنابل أخرى في غضون عام أو عامين.

أما في عام 2012، فقد قال "نتنياهو" مرة أخرى إن إيران على بعد بضعة أشهر فقط من أن تكون قادرة على صنع سلاح نووي، والقائمة تطول.

ومع ذلك، فعلى مدار السنوات العديدة من الادعاءات الكاذبة الواضحة، كرر الإعلام الغربي و"الخبراء" بشكل أعمى مزاعم "نتنياهو" حول استعداد إيران لتجميع قنبلة نووية.

في كل مرة قام فيها النظام الإسرائيلي باختلاق صلات بين العلماء المقتولين وبرنامج أسلحة نووية غير موجود، كانت وسائل الإعلام الغربية تكرر هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة وعادة ما تستشهد بـ"مصادر استخبارية مطلعة" كدليل.

وعومل بالطريقة ذاتها "فخري زاده" الذي قُتل بوحشية أمام زوجته، فبعد الاغتيال مباشرة، تدخلت وسائل الإعلام الغربية لاغتيال شخص الضحية.

تبرير التطرف

هذا يقوم على نفس الأسلوب الذي استخدمه الإعلام الغربي "المستقل" و"الخبراء" لتبرير دعم المتطرفين في أفغانستان، والحصار على غزة، وغزو العراق، وتدمير ليبيا، والحرب في سوريا، والعقوبات على فنزويلا، والانقلاب في بوليفيا والهجوم الكارثي على اليمن.

وتمامًا كما حدث مع اغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني "قاسم سليماني"، الذي (كما يرى الإيرانيون) قاد الحرب الإقليمية ضد تنظيم "الدولة" (داعش)، تعمد الاتحاد الأوروبي والكيانات الغربية الأخرى عدم استخدام الكلمة المُدينة المناسبة لوصف اغتيال "فخري زاده" في تصريحاتهم العلنية، وبالتالي إضفاء الشرعية على مزيد من الهجمات الإرهابية ضد المواطنين الإيرانيين.

وبسبب الأفعال غير القانونية للولايات المتحدة وإسرائيل وما يصاحب ذلك من خضوع الأوروبيين؛ يبدو أن الإيرانيين لم يُتركوا أمام أي خيار سوى الانتقام من النظام الإسرائيلي لردع أي اغتيالات غير قانونية محتملة في المستقبل.

رأينا هذا النوع من الانتقام بعد الهجوم على "سليماني"، عندما أطلقت إيران صواريخ على قاعدة "عين الأسد" العسكرية في العراق، وشمل رد طهران أيضا توسيع البرنامج النووي للبلاد، ولكن يجب أن يكون الرد على إسرائيل أشد قسوة، لتثبيط المزيد من الإرهاب.

 لقد تغير العالم بشكل كبير منذ توقيع الاتفاقية النووية لعام 2015، وعلى الرغم من العقوبات المعوقة التي فرضتها أنظمة "أوباما" و"ترامب"، لم تفقد إيران وحلفاؤها أيًا من نفوذهم الإقليمي.

وفي المقابل، فشل الحلفاء الإقليميون للولايات المتحدة في حروب متعددة، ويواجهون صعوبات اقتصادية، وتدهوروا بشكل لا رجعة عنه في بعض الحالات.

أما الولايات المتحدة المنقسمة بشدة والتي تواجه كسادًا اقتصاديًا -مع استمرار صعود الصين- فلن تتمتع برفاهية إلقاء عبء متزايد على الأكتاف الضعيفة والهشة للوكلاء الإقليميين والحلفاء، كما أن قدرات إيران القوية في الحرب غير المتكافئة جعلت منها خصمًا هائلًا للولايات المتحدة بشكل متزايد.

مزايا إيران العسكرية

لا يمكن للولايات المتحدة التي حاصرت إيران بقواعد عسكرية وهددت الإيرانيين منذ فترة طويلة بالموت والدمار، أن تصدق بجدية أن إيران سوف تتفاوض على مزاياها العسكرية، أو تسحب دعمها من الحلفاء الذين كبحوا بشدة الطموحات الإمبريالية الغربية.

كيف يمكن لإيران أن تتفاوض مع نظام "بايدن" الجديد الذي شهدت فترة نيابته للرئيس اغتيال 4 علماء نوويين إيرانيين، بمن فيهم أحد زملائي في جامعة طهران؟

كيف يمكن لإيران أن تثق بالفريق الجديد في البيت الأبيض مع وجود مستشار الأمن القومي الجديد "جيك سوليفان"، الذي أوردت الأنباء أنه قال لوزيرة الخارجية السابقة "هيلاري كلينتون" في أوائل عام 2012 أن القاعدة كانت "إلى جانبنا في سوريا"؟

وقالت مرشحة الرئيس المنتخب "جو بايدن" لمنصب المدير القادم لمكتب الإدارة والميزانية، "نيرا تاندين"، إن على الولايات المتحدة إجبار ليبيا على استخدام ثروتها النفطية لتقليل عجز الميزانية الأمريكية.

لقد شنت واشنطن حربا غير شرعية ودمرت البلاد وتريد من الضحايا أن يدفعوا ثمنها، هذه هي الإمبريالية بأبشع وأوضح صورها، لهذا سيكون من الحماقة أن تتخلى إيران عن حذرها.

ما الذي يمكن أن تتوقعه إيران من "بايدن" الذي أيد غزو العراق بسبب أسلحة كيماوية لم تكن موجودة؟

لقد رددت وسائل الإعلام الغربية ادعاءات المخابرات الأمريكية بشأن صلات "صدام حسين" بالقاعدة، وهي منظمة إرهابية ساعد التحالف الأمريكي السعودي على إنشائها في أفغانستان.

لا يمكن لإيران أن تثق في نظام يمكن لنخبته المطيعة ووسائل إعلامه أن تبرر العدوان على الفور إذا وجدت نقطة ضعف لدى إيران.

قُتل "سليماني"، الذي كان قد سافر إلى بغداد بدعوة من رئيس الوزراء العراقي، إلى جانب نظيره العراقي في الحرب ضد تنظيم "الدولة" "أبومهدي المهندس"، ومع ذلك، ردت النخب الغربية كما لو أن النظام الأمريكي لديه سلطة تنفيذ أعمال إرهابية.

ماذا سيحدث مستقبلًا؟

بغض النظر عن مدى ادعاء المحللين الغربيين خلاف ذلك؛ فلن تكون هناك مفاوضات حول القدرات الدفاعية لإيران، أو تحالفاتها الإقليمية، أو تغييرات في الاتفاقية النووية، فإيران لم تقاوم سنوات من وحشية "ترامب" اللاإنسانية من أجل إرضاء "بايدن".

وإذا كان "بايدن" يتطلع بجدية إلى تخفيف التوترات والتوصل إلى حل ودي، فلا يوجد سوى خيار واحد، وهو تنفيذ الاتفاقية النووية بالكامل.

لن تقبل إيران بعد الآن أفعالاً على غرار ما حدث في عهد "أوباما"، بأن تلتزم إيران بجميع التزاماتها وتتظاهر الولايات المتحدة بالتحرك نحو التنفيذ.

وإذا اختار "بايدن" بحماقة طريقًا مختلفًا، فسوف يكتشف قريبًا أن قتل الأبطال الإيرانيين قد جعل البلاد أكثر تصميماً على زيادة تكاليف الاحتلال الأمريكي.

لقد مر عام على اغتيال "سليماني"، لكن المستشرقين لم يتعلموا بعد أن قوة إيران لا تقوم على الأشخاص، بل على نظام سياسي متطور وكفء.

وعلمت تصرفات "ترامب" و"نتنياهو" الإيرانيين درسًا مهمًا: "لا تثق أبدًا في الوعود الغربية الفارغة، واحمل دائمًا عصا كبيرة".

المصدر | سيد محمد مرندي | ميدل ايست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

اغتيال قاسم سليماني إدارة بايدن دونالد ترامب الاتفاقية النووية