هل تمهد قمة العلا لاستراتيجية شاملة للأمن الإقليمي؟

الجمعة 15 يناير 2021 01:50 ص

هل كان احتضان ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" لأمير قطر "تميم بن حمد" إشارة إلى نهاية أكيدة للأزمة الخليجية التي بدأت في يونيو/حزيران 2017؟

قد يأمل المرء ذلك، لكن الأمور قد تكون أكثر تعقيدا مما يعتقده معظم المراقبين.

ويعتبر التحدي الهيكلي في مجلس التعاون الخليجي هو عدم وجود دولة تمتلك نفوذا كافيا لإجبار الدول الأخرى على الخضوع لإرادتها. وبالتالي، ما دامت المصالح الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي متباينة، ستستمر التوترات.

ولم تبدأ المواجهة الخليجية الحالية في 2017؛ بل تكمن جذورها في المنافسات الأسرية الخليجية بما يعود إلى عدة عقود.

وحاولت الدول الأربع نفسها التي حاصرت قطر تسهيل الإطاحة بأسرة "آل ثاني" في قطر عام 1996، وسحبت لاحقا سفراءها من الدوحة عام 2014، وربما يكون إنهاء حصار 2017 خطوة مرحب بها، ولكن قد يكون هذا فقط مجرد فصل في قصة لا تنتهي.

وبتحليل معظم الروايات عن "قمة العلا"، لم تقدم قطر أي تنازلات حقيقية للرباعية، ووافق أمير قطر، على سحب الدعاوى الدولية التي رفعتها بلاده ضد إغلاق المجال الجوي والمياه الإقليمية من قبل دول الجوار.

ومع ذلك، لم يكن هذا تنازلا كبيرا؛ حيث كان من الممكن أن تصبح الدعاوى محل نقاش مع إعادة فتح المجال الجوي السعودي في أي حال، وبالنظر إلى هذا، يبرز سؤال: لماذا توافق السعودية وإلى حد أقل شركائها في الرباعية على رفع الحصار؟

وتتمثل إحدى الإجابات في أنه كان هناك اتجاه شامل نحو إعادة الترتيبات الأمنية الإقليمية المتعلقة بالانتقال في القيادة داخل الولايات المتحدة والانسحاب المتصور لواشنطن من الشرق الأوسط.

علاوة على ذلك، بالرغم أن قطر لم توافق على أي من المطالب الأولية للرباعية، فقد وجدت السعودية أن رفع الحصار سيكون له عوائد سياسية.

لماذا وقعت الإمارات ومصر والبحرين على المصالحة رغم التحفظات؟

ووقعت الإمارات على الاتفاقية على مضض لتفادي العزلة، ومع ذلك، تضمنت تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية تحذيرا خطيرا؛ حيث صرح بأن إعلان العلا كان "بداية حوار جديد" وليس مصالحة كاملة، وأبدت البحرين ومصر تحفظات مماثلة.

وبدا أن ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" قد اكتسب ثقة واحترام "محمد بن سلمان" قبل 3 أعوام عندما تم اتخاذ قرار حصار قطر.

ويشير إعلان العلا إلى أن "بن سلمان" اختار النأي بنفسه عن نظيره الإماراتي، ولا يمكن أن تكون السعودية قد أغفلت حقيقة أن أبوظبي تطورت لتصبح أول دولة خليجية قد تكون قوية بما يكفي لتحدي الرياض دون مساعدة خارجية.

ومن ناحية أخرى، لم يكن أمام البحرين خيار سوى الموافقة على إعلان العلا، فقد حوّلت السعودية البحرين إلى دولة تابعة سياسيا، وتوفر الإمارات شريان الحياة لإبقاء اقتصادها قائما.

ويمكن قول الشيء نفسه عن مصر، التي تواجه تحديات من تركيا في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط ​​ومن المعارضة الإسلامية في الداخل، ولا تزال القاهرة في حاجة ماسة إلى استمرار تدفق الاستثمارات الخليجية لإبقاء اقتصادها واقفا على قدميه ومواجهة أعدائها المحليين.

التحول في قيادة واشنطن يجعل الحل الإقليمي أكثر إلحاحا

وفيما يتعلق بالعلاقات السعودية - الأمريكية، تعد اتفاقية العلا بمثابة مكسب لعلاقات الرياض مع كل من الإدارات الأمريكية الراحلة والقادمة، أولا، دفع فوز "جو بايدن" السعودية إلى التقارب مع قطر، ولدى "بن سلمان" كل الأسباب للخوف من أن تكون إدارة "بايدن" معادية له شخصيا بينما يستعد لتولي العرش.

ومع وجود أغلبية ديمقراطية في كل من مجلسي النواب والشيوخ في الكونجرس، فإن تعهد "بايدن" بإنهاء الدعم الأمريكي للتدخل العسكري السعودي في اليمن ومحاسبة "بن سلمان" بشأن قضايا حقوق الإنسان لن يواجه معارضة تذكر.

ولدى "بن سلمان" أيضا مخاوف بشأن الكيفية التي قد لا ترحب بها إدارة "بايدن" بوصوله إلى العرش إذا تنازل الملك "سلمان" أو توفي قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة في عام 2024.

ثانيا، يمنح هذا التقارب الرئيس المنتهية ولايته "دونالد ترامب" انتصارا دبلوماسيا آخر في الشرق الأوسط بينما يسعى إلى بناء إرثه. ومن وجهة نظر "ترامب"، يبدو حل الخلاف الخليجي بسيطا عند مقارنته بالصراعات الأخرى المستعصية في جميع أنحاء المنطقة، وبالطبع، قد تكون هناك ترتيبات سرية أخرى بين "بن سلمان" وإدارة "ترامب" لم تظهر بعد.

وبالرغم أن كلا من الإدارتين السابقة واللاحقة سترحب برفع الحصار، لكن لكل منها أولويات مختلفة بشكل كبير لسياسة الولايات المتحدة في منطقة الخليج.

وعلى عكس "ترامب"، الذي جعل مجلس التعاون الخليجي ومواجهة إيران محور تركيزه الأساسي، سيضع "بايدن" مزيدا من التركيز على الدبلوماسية مع إيران والعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.

ولن يتجاهل الرئيس المنتخب مصالح دول المجلس كليا، ولكن يبدو من غير المرجح أن يسمح لها بعرقلة عودته إلى الاتفاق مع إيران.

وتخشى دول مجلس التعاون أن تحيي الولايات المتحدة سياسات عهد "أوباما"، وهي حقبة كانت بمثابة بداية تراجع دور أمريكا الأمني ​​في المنطقة، ويدفعها هذا للبحث عن حلول أمنية إقليمية خاصة بها، مع تطوير جبهة أكثر اتحادا بين دول مجلس التعاون الخليجي كأولوية أولى.

لذلك يجب أن نرى رفع الحصار والتطبيع الإماراتي والبحريني مع إسرائيل في إطار محاولة تطوير الأمن الإقليمي.

السعودية تستغل فرصة القمة

واستغلت السعودية اتفاقية العلا لتمرير عدد من الرسائل الاستراتيجية التي تعود بالنفع عليها اقتصاديا وسياسيا.

وجدير بالذكر أنه بالرغم من أن قمة العلا كانت بمثابة قمة لمجلس التعاون الخليجي، لكن الملك "سلمان" لم يحضر أيا من الجلسات، فيما بدا كرغبة منه في تمهيد الطريق لخلافة نجله، وقد يكون غيابه الواضح محاولة لإظهار "بن سلمان" كرجل دولة، وإعادة تقديمه بصفته حلا للمشاكل الإقليمية.

وكانت استضافة القمة في مدينة العلا القديمة في السعودية، التي أعيد بناؤها حديثا، رمزية مهمة، حيث أشارت إلى المملكة كقائد إقليمي تاريخي، في حين بشرت أيضا بعصر جديد من التحديث والتطوير في المملكة في ظل "بن سلمان".

وكانت جلسات التصوير في القمة أمام قاعة مرايا للحفلات الموسيقية، أكبر مبنى مكسو بالمرايا في العالم، بمثابة استراتيجية تسويق سياحي خفية للعلا، وهي مركز تجاري يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد، بينما عرضت مزيدا من التقدم في مجال التنمية الاقتصادية في السعودية.

اتجاه شامل للأمن الإقليمي

ولا ينبغي النظر إلى إعلان العلا على أنه حدث جيوسياسي في حقبة معينة، ولكن بالأحرى خطوة في بحث شامل عن الأمن الإقليمي.

ومع ذلك، توفر الاتفاقية بعض الفرص للمناورة الجيوسياسية، وترى السعودية في هذه الخطوة تطورا مهما لتسهيل إصلاح العلاقات مع تركيا.

ويشير إعلان العلا فعليا إلى تخلي الرياض عن "المطالب الـ13" للرباعية المحاصرة لقطر، التي تضمنت المطالبة بإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، ما يزيل عقبة خطيرة أمام التقارب مع أنقرة.

وكانت المكالمة الهاتفية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بين الملك "سلمان" والرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، لمناقشة تحسين العلاقات السعودية التركية، خطوة أولى حاسمة.

وقد التقطت الإمارات التقارب السعودي - التركي المحتمل، وبالرغم أن علاقات الإمارات مع تركيا قد ازدادت حدة على مدى العقد الماضي، لكنه كانت هناك علامات على بعض التراجع في التصعيد بعد قمة العلا.

وبعد القمة بوقت قصير، صرح وزير الدولة للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" أن الإمارات هي الشريك التجاري الأول لتركيا في الشرق الأوسط، قائلا: "لا نعتز بأي خلافات مع تركيا"، وهو رد غير مفاجئ بالنظر إلى سياسة الإمارات، المعروف عنها التكيف السريع مع الأحداث الإقليمية، ويعد خفض التصعيد مع إيران العام الماضي مثالا آخر على هذا السلوك.

ولا تمثل القمة تغييرا جوهريا في العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي وإيران، وخشية تكرار الأزمة، أوضحت قطر أنها لن تغير علاقاتها مع إيران بغض النظر عن اتفاقها مع دول الحصار، ومن جانبها، سوف تستمر السعودية في اعتبار إيران التهديد الأمني ​​الرئيسي لها.

ومع ذلك، اعتمادا على مقدار التقدم الذي ستؤدي إليه اتفاقية العلا في حل النزاعات في ليبيا وسوريا ولبنان، وإمكانية إعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة، يمكن أن يؤثر الحد من التوترات الإقليمية بشكل غير مباشر على مكانة إيران في المنطقة.

الكثير من العمل الذي يتعين القيام به

وكان اتفاق العلا إجراء لبناء الثقة يوفر لقطر إطارا للتحرك نحو مزيد من المصالحة الإقليمية، وسيتطلب هذا من قطر جهدا دبلوماسيا رشيقا لتطوير العلاقات الثنائية مع أعضاء الرباعية، ويبدو أن هذا قد بدأ بإعلان وزير الخارجية القطري، "محمد آل ثاني"، عن إجراء محادثات ثنائية بين قطر ومصر.

وعلى المدى القريب، يبدو أن قمة مجلس التعاون الخليجي لعام 2021 قد خلقت تحركا ملموسا نحو حل النزاعات بين دول المجلس، وظاهريا على الأقل، أظهرت الدول الـ6 أنها تستطيع التغلب على خلافاتها.

وتحتاج الرياض، على وجه الخصوص، إلى أن تثبت لإدارة "بايدن" القادمة أنها تتحدث باسم المجلس، لذلك ستحاول الحفاظ على عملية المصالحة، لكن الخلافات داخل المجلس والتنافسات العميقة بينهم لم تختف، ويمكن أن تعاود الظهور بشكل غير متوقع في أزمة خليجية مستقبلية.

المصدر | ديانا ظافر | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المصالحة الخليجية قمة العلا إعلان العلا اتفاقية العلا الرباعية الأزمة الخليجية حصار قطر

تركيا تريد حصّتها من «المصالحة» الخليجية

هكذا تمثل المصالحة الخليجية انتصارا للكويت وعمان