كيف تعرقل السيطرة الإلكترونية خطط التنويع الاقتصادي في المنطقة؟

الثلاثاء 19 يناير 2021 02:55 ص

يتسبب التحول السريع وغير المسبوق في الشرق الأوسط، سواء أكان سياسيًا أم اجتماعيًا أم تكنولوجيًا، في إجبار الحكومات على التعامل مع التغييرات الهائلة. 

لكن العديد من هذه الحكومات يتفاعل بمحاولة اتباع مسارين متناقضين للتقدم إلى الأمام؛ وهما السيادة الإلكترونية والتحول الرقمي، وقد ينتهي بها الأمر بعدم تحقيق أي منهما.

تغيّر المشهد الجيوسياسي والتكنولوجي في الشرق الأوسط، منذ بداية الربيع العربي قبل عقد من الزمن، حيث لم تكن الحكومات الإقليمية مستعدة للتعامل مع جيل الألفية الناشئ والمتمرس بالتكنولوجيا في شوارع القاهرة وبنغازي وصنعاء.

وأنهى الجيل الذي تعامل مع "تويتر" و"فيسبوك" حكم كل من "حسني مبارك"، و"معمر القذافي"، و"علي عبدالله صالح" بعد أن حكموا لعقود، وتسببت إزالة هؤلاء المستبدين في إحداث صدمة في جميع أنحاء المنطقة وجعل عواصمها أكثر انتباهاً لتأثير التكنولوجيا على مجتمعاتهم.

وحينما أدركت الحكومات أهمية السيادة الإلكترونية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على بيانات المواطنين داخل الحدود الوطنية، والمعروف باسم "توطين البيانات"، بدأت الحكومات في إصدار قوانين تلزم الشركات الدولية والمحلية بتوطين بياناتها محليًا.

ويبدو في الآونة الأخيرة أن حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتجنب نهج الولايات المتحدة تجاه خصوصية البيانات لصالح نموذج اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات، حيث تسن المنطقة مجموعة جديدة من اللوائح المتعلقة بمعالجة بيانات المستهلك.

ووافقت مصر، على سبيل المثال، على قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 في فبراير/شباط 2020، والذي يحظر نقل البيانات الشخصية إلى المستلمين الموجودين خارج مصر إلا بإذن من مركز حماية البيانات المصري.

كما أصدرت الهيئة الوطنية السعودية للأمن السيبراني مسودة وثيقة لضوابط الأمن السيبراني السحابي في 2020، والتي تحدد الحد الأدنى لمتطلبات الأمن السيبراني للحوسبة السحابية.

أما الإمارات، فهي تستعد لإطلاق قانون بيانات وطني يشبه اللائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات، ومن المتوقع أن يطبق ​​خلال الأشهر المقبلة، كجزء من استراتيجيتها الوطنية للأمن السيبراني.

ونفذت المناطق الحرة في مركز دبي المالي العالمي وسوق أبوظبي العالمي بالفعل قوانين حماية البيانات المماثلة للائحة الأوروبية العامة لحماية البيانات.

ولكن في حين أن المنظمين في الاتحاد الأوروبي صرحوا أن اللائحة العامة لحماية البيانات تهدف إلى حماية خصوصية المواطنين الأوروبيين، فإن حماية الخصوصية لم تكن محور تركيز حكومات الشرق الأوسط، وإنما يمكنها استخدام النهج المتمحور حول السيادة الإلكترونية في أهداف أمنية.

مشاريع تحول رقمي طموحة

في الوقت الذي اتبعت فيه السعودية والإمارات ومصر نهجًا لحوكمة البيانات يركز على السيادة، أكدت الدول الثلاث التي تعد أكبر الاقتصادات الإقليمية، على هدفها المتمثل في تنفيذ استراتيجيات التحول الرقمي الضخمة.

وبالنسبة للسعودية، فإنها نفذت استراتيجية تحول وطنية بموجب "رؤية 2030" لتنويع اقتصادها وتحويله من الاعتماد على النفط.

وتطمح المملكة إلى أن تصبح رائدة عالمية في مجال التكنولوجيا ومركزًا رقميًا في الشرق الأوسط.

ولإثبات جديتها، قامت الرياض بتقديم الأطر القانونية والتشريعات والاستراتيجيات المختلفة التي تغطي الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي؛ وإقامة شراكات مع شركات تكنولوجيا عالمية؛ وقيادة الجهود والمبادرات التقنية الدولية؛ كما اعتنقت مفهوم المدينة الذكية عالية التقنية من خلال مدينة "نيوم" المخطط لها والتي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار على البحر الأحمر.

أما بالنسبة للإمارات فهي اقتصاد رقمي رائد في المنطقة نتيجة سنوات من الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وإقامة شراكات دولية، وترسيخ دبي وأبو ظبي كمراكز إقليمية لشركات التكنولوجيا العالمية.

لذا، فعندما فاجأت جائحة "كورونا" العالم، برزت الإمارات كواحدة من أكثر الاقتصادات تمكينًا رقميًا مع القدرة على التعبئة لتلبية المتطلبات الرقمية للوباء، أي الانتقال السريع إلى العمل والتعليم عن بعد، وتنفيذ آليات متقدمة لتتبع جهات الاتصات المخالطين لحالات الإصابة، والإغلاق الذي تم إنفاذه رقميًا.

أما مصر فقد كانت على عكس السعودية والإمارات، بعدما مرت بسنوات من الاضطرابات السياسية التي جعلت القاهرة متخلفة عن نظرائها الإقليميين، وخاصة في مجال التكنولوجيا.

فعلى سبيل المثال، أطلقت مصر البنية التحتية لشبكة الجيل الرابع في عام 2017، بينما أدخلتها السعودية والإمارات في 2011 و2012 على التوالي.

ولكن، بعد تحقيق مصر لاستقرار سياسي نسبي، تهدف الحكومة الآن إلى تعويض الوقت الضائع، وتخطط لتحويل البلاد إلى مركز تقني إقليمي ودولي، في إطار استراتيجية مصر لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لعام 2030، ومستفيدة من التركيبة السكانية لمصر التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة وموقعها الجغرافي المركزي بالنسبة لكل من آسيا وأوروبا.

وعلاوة على ذلك، تقدم مصر الأطر التنظيمية التي تشتد الحاجة إليها، وتبني الجامعات الذكية، كما تعمل على استضافة أول منصة بيانات سحابية من "هواوي" في أفريقيا، وبناء أول مدينة ذكية لها متمثلة في "العاصمة الإدارية".

وتعد مصر من بين الأسواق الناشئة القليلة جدًا التي نمت خلال جائحة "كورونا"، مما قد يحفز المزيد من شركات التكنولوجيا على التفكير في دخول السوق في فترة ما بعد "كورونا".

وقامت السعودية والإمارات ومصر بجهد كبير لتحديث بنيتها التحتية الرقمية، والاستثمار في قوتها العاملة الرقمية، وإقامة شراكات مع شركات التكنولوجيا الكبرى، وبناء مدن ذكية لترسخ نفسها كمراكز تقنية إقليمية وعالمية.

ومع ذلك، فقد تبنت الدول الثلاث في الوقت نفسه نهجًا يركز على السيادة الإلكترونية في لوائح البيانات بناءً على معاملتها للفضاء السيبراني باعتباره ركيزة أساسية لسيادة الدولة.

وكان ذلك مدفوعاً إلى حد كبير بالخوف من التأثير السياسي الخارجي، وهو الخوف الذي تعود جذوره إلى اضطرابات الربيع العربي والتجربة السياسية للعقد الماضي، فضلاً عن الخوف من السيطرة الخارجية على البيانات المحلية.

وبينما تعد الحاجة إلى حماية بيانات المواطنين أمرًا مشروعًا، إلا أن التركيز المفرط على لوائح البيانات التقييدية قد تضر بطموحات هذه الدول في أن تصبح مراكز تقنية على المدى القصير.

استنزاف الموارد والانعزال

ستؤذي المتطلبات الصارمة بتوطين البيانات شركات التكنولوجيا الدولية العاملة في هذه الأسواق من خلال تحويل مواردها من نقل البيانات بكفاءة عبر الحدود إلى إنفاق الملايين لإنشاء مراكز سحابية محلية بدلاً من ذلك.

وعادةً ما تحتفظ شركات التكنولوجيا الكبيرة ببيانات المستخدمين في مراكز بيانات كبيرة متصلة بالسحابة في مواقع استراتيجية على مقربة من قاعدة عملائها ونقاط تبادل الإنترنت.

وهكذا، يمكن أن تؤدي هذه المتطلبات الجديدة إلى زيادة التكاليف على الشركات من خلال إلزامها ببناء مراكز بيانات جديدة في كل سوق دون عائد ذي مغزى على المستخدمين.

ولا يقتصر تأثير توطين البيانات على الضغط الإضافي على موارد الشركات فقط، بل إن القيود المفروضة على حركة البيانات عبر الحدود تحد أيضًا من الوصول إلى رأس المال والاستثمار وتحد من قدرة البنوك والحكومات على تقييم الجدارة الائتمانية للمقترضين وحظر الأنشطة الاحتيالية.

وعلى سبيل المثال، قال "مايكل ميباخ"، كبير مسؤولي المنتجات في "ماستركارد"، إن قوانين توطين البيانات في الهند "تزيل القدرة على رؤية العالم الأوسع"، مما يعني أن المقرض في سوق ما لن يكون قادرًا على الوصول إلى السجلات المالية من سوق آخر، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرار إقراض مستنير.

الإضرار بالتحويلات

تعد السعودية والإمارات مصدرًا رئيسيًا للتحويلات المالية لمصر، وهناك جهود متزايدة لتوسيع خدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول من دولة إلى أخرى بهدف تعزيز التجارة بين الدول الثلاث.

وبين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2020، أرسل المغتربون المصريون، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، ما مجموعه 22.1 مليار دولار.

ويتم إرسال هذه التحويلات عادة من خلال التحويلات المصرفية أو نقدا، وتعد خدمات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول من دولة إلى أخرى أحد العوامل المحركة لجهود شركة "الاتصالات السعودية" لشراء حصة في شركة "فودافون" مصر، أكبر شركة اتصالات في مصر والتي تعتبر لاعبًا رئيسيًا في الأعمال التجارية المتنامية للدفع عبر الهاتف المحمول.

ولكن، ستكون خدمة الأموال عبر الهاتف المحمول بين مصر والسعودية مرتبطة بتسهيل نقل البيانات عبر الدول، وسيثبت أن توطين البيانات عقبة في نهاية المطاف.

عرقلة الابتكار

قد تؤدي متطلبات توطين البيانات في السعودية والإمارات ومصر، إلى حرمان الشركات المحلية والشركات الناشئة من مزايا تحليل البيانات -عن طريق نقل بياناتهم بحرية عبر الحدود- لتعزيز منتجاتهم، وتحسين تجارب المستخدمين، وتعزيز قدراتهم التنافسية.

وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تضعف متطلبات توطين البيانات اهتمام الشركات الدولية بالأسواق الثلاثة وتحد من وصول العملاء إلى الخدمات والتقنيات الرقمية الرائدة.

ونتيجة لذلك، يمكن أن يقف النهج الحمائي للبيانات في نهاية المطاف في طريق خطط وطموحات البلدان الثلاثة لتشجيع الابتكار، وتعيق رغبتها في أن تصبح مراكز تقنية إقليمية وعالمية.

وهكذا، فمن خلال سعي حكومات الدول الثلاث إلى كل من السيادة الإلكترونية والتحول الرقمي في وقت واحد، قد تفشل في تحقيق أي منهما.

المصدر | محمد سليمان - معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تويتر فيسبوك أمن سيبراني فيروس كورونا العاصمة الإدارية الجديدة التحول الرقمي السيادة الإلكترونية

صناديق الثروة السيادية الخليجية تعيد ابتكار نفسها في عصر كورونا