هل تؤثر المصالحة الخليجية على وتيرة التصعيد في ليبيا وشرق المتوسط؟

السبت 23 يناير 2021 08:15 م

يعد توقيع اتفاقية 5 يناير/كانون الثاني في العلا لإنهاء الأزمة الخليجية خطوة مهمة لاستعادة الوحدة في منطقة الخليج ولمجلس التعاون الخليجي كمؤسسة، ومع ذلك، يرى العديد من الخبراء أن رفع الحصار واستعادة العلاقات الدبلوماسية لا يعالج المشاكل الجوهرية التي تقسم دول الخليج، لا سيما المصالح المتباينة في السياسة الخارجية بين التحالف التركي القطري من جهة، والمحور السعودي الإماراتي من جهة أخرى.

لعبت الوساطة الكويتية والمشاركة الأمريكية واستعداد السعودية للمضي قدمًا دورًا محوريًا في حل النزاع أخيرًا بعد عدة محاولات فاشلة على مدى السنوات الثلاث ونصف الماضية، وبالنظر إلى أن السعودية هي التي دفعت هذه المبادرة في المقام الأول، فهناك العديد من الأسئلة حول ما إذا كان الشركاء الأقل حماسًا، مثل الإمارات، سيعدلون سياستهم الخارجية وفقًا لذلك. علاوة على ذلك، هل سيكون لهذا التخفيف من التوترات تأثير خارج منطقة الخليج؟

أدت الخصومات الخليجية، لا سيما بين الإمارات وقطر، إلى تفاقم الصراع والتوترات في أماكن أخرى، مثل شمال أفريقيا ومنطقة البحر المتوسط. ويتعلق جزء كبير من المنافسة الاستراتيجية بين القوى الإقليمية والعالمية على ليبيا وشرق المتوسط ​​بالسيطرة على الموانئ الاستراتيجية والممرات المائية والموارد؛ علاوة على ذلك، هناك أيضًا خلافات أيديولوجية بين التحالفين (الإماراتي السعودي) و(التركي القطري) حول دور الأحزاب الإسلامية وموروثات انتفاضات الربيع العربي.

قال الباحث "حسين إيبش": "لو كان الأمر بيدها لوحدها ربما كانت الإمارات ستواصل الحصار حتى توافق قطر على إعادة تشكيل سياستها الخارجية فيما يتعلق بالإسلاموية".

تعطي السياسة الإماراتية في شمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط ​​الأولوية لمواجهة انتشار الجماعات الإسلامية أو المرتبطة بالإسلاميين من خلال الحوافز المالية والأعمال العسكرية. ويعتبر ذلك جزءا من سياسة أوسع لمواجهة الثورة وتعزيز الوضع الإقليمي الراهن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما ركز الإماراتيون على مواجهة تحركات تركيا، الشريك الإقليمي الأهم لقطر، لدعم الحركات الإسلامية.

وأصبحت السياسة الخارجية التركية على نحو متزايد أكثر عسكرة وإصرارا على إظهار القوة الصارمة حيث تسعى لتوسيع مناطق نفوذها، كما هو الحال في شرق البحر المتوسط ​​وليبيا. ولا تزال السياسة الخارجية القطرية تعمل بشكل أساسي من خلال آليات مثل الدبلوماسية العامة، والإعلام، والمساعدات الخارجية والاستثمار، والمزيد من العلاقات الدفاعية التقليدية، مثل التدريبات العسكرية المشتركة والدورات التدريبية. وقد توسع تحالف تركيا وقطر منذ بدء الحصار في عام 2017. ومع القاعدة العسكرية التركية قرب الدوحة، من غير المرجح أن يعكس اتفاق العلا هذا المسار.

وكانت التوترات الخليجية بشأن إيران، ودعم قطر للجماعات الإسلامية، وقضايا السياسة الخارجية الأخرى مترسخة بعمق قبل حصار عام 2017، وقد تجلت في السابق في الخلاف الدبلوماسي عام 2014. وتمثل اتفاقية العلا خطوة أولى في طريق طويل للمصالحة. ومهما كانت المصالحة ضعيفة، فإن الاتفاقية تظل مهمة.

ويعتبر حل الخلاف الخليجي قبل تولي إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" علامة على أن الجهات الفاعلة الإقليمية في الشرق الأوسط تعترف بالحاجة إلى تعديلات في السياسة الخارجية. لقد وعدت إدارة "بايدن" بالتركيز على حقوق الإنسان والقيم. كما أشار "بايدن" إلى أن إيجاد طريقة للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني سيكون أولوية قصوى. ووعد "بايدن" خلال الحملة، أيضًا بأنه سيراجع علاقات الولايات المتحدة مع حلفاء الخليج مثل السعودية لضمان مزيد من المساءلة بشأن مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" ووقف الدعم للحرب في اليمن.

وتعد ليبيا أحد أماكن الحرب بالوكالة في الشرق الأوسط. لقد أصبحت هذه الحرب معولمة بشكل متزايد، حيث تسعى القوى الإقليمية الصاعدة إلى توسيع مجالات نفوذها عبر البحر الأبيض المتوسط ​​الاستراتيجي. وتدعم دول الخليج وحلفاؤها الرئيسيون الأطراف المتصارعة في الحرب الأهلية الليبية، حيث تدعم تركيا وقطر حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، بينما تدعم الإمارات والسعودية ومصر برلمان طبرق وقوات الجنرال "خليفة حفتر" في شرق ليبيا.

وقد أثار تخفيف التوترات الخليجية تساؤلات حول ما إذا كانت الإمارات وقطر ستقلصان من مشاركتهما في الحرب الليبية. ومع ذلك، فمن المرجح أن يظلا متشابكين لأن المصالح الأساسية التي دفعتهما في الأصل إلى المشاركة لم تتغير. وتعود جذور المشاركة الإماراتية والقطرية إلى احتجاجات الربيع العربي عام 2011 ودعمها للجماعات المسلحة للإطاحة "بمعمر القذافي". وقد انقسمت هذه الجماعات في نهاية المطاف واشتد الدعم الخليجي للفصائل السياسية والمسلحة المعارضة مع إجراء ليبيا للانتخابات ومواجهة بيئة عسكرية متزايدة.

تضم حكومة الوفاق الوطني أعضاء من الأحزاب الإسلامية وتحافظ على علاقات مهمة مع الأحزاب الإسلامية القوية في المنطقة مثل حزب العدالة والتنمية في تركيا، وحزب النهضة في تونس والإخوان في مصر (بالرغم من أنها ترفض التسمية الإسلامية، وتفضل مصطلح الديمقراطيين المسلمين). كما تتلقى حكومة الوفاق مساعدات مالية وعسكرية من تركيا وقطر وإيطاليا.

في المقابل، تنظر السعودية والإمارات إلى الدعم التركي والقطري لهذه الجماعات على أنه تهديد للاستقرار الإقليمي ولاستمرار الأنظمة الخليجية. وقد صنفت السعودية جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في عام 2014 وحظرت التنظيم مثل الإمارات ومصر.

وتنظر الإمارات إلى نفوذ تركيا الإقليمي بريبة متزايدة، وهو عامل آخر يحفز مشاركتها المالية والعسكرية الكبيرة في قوات "حفتر" ودعمها السياسي لبرلمان طبرق. ويرتبط حجم الاستثمار الإماراتي في الصراع الليبي أيضًا بتوسيع محفظتها من المصالح المشتركة مع الجهات الأوروبية الفاعلة مثل فرنسا واليونان وكذلك الشركاء الإقليميين مثل مصر، والتي تتحد أيضًا بشكل أساسي حول مواجهة تركيا. ويشمل ذلك مواجهة الوجود الأمني ​​المتزايد لتركيا والوصول إلى احتياطيات الغاز البحرية في البحر المتوسط، ودورها في الصراع القبرصي مع اليونان، والدعم المالي والعسكري للإسلاميين في شمال أفريقيا.

يعد إنهاء حصار قطر بمثابة فرصة مرحب بها من قبل دول شمال أفريقيا التي ظلت محايدة رسميًا في النزاع الخليجي، مثل المغرب والجزائر وتونس. وتأمل هذه الدول في أن تؤدي هذه المصالحة إلى إعادة إحياء العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الخليجية-المغاربية، التي عانت من المد والجزر حيث وقعت هذه القوى الإقليمية الأصغر أحيانًا في مرمى نيران التوترات الخليجية منذ عام 2011 وخاصة بعد عام 2017. وتهتم هذه الدول في المقام الأول بالمساعدات الخارجية والاستثمار بينما يكافحون مع التداعيات الاقتصادية لوباء فيروس "كورونا".

ومع ذلك، من المرجح ألا يؤدي رفع الحصار إلى إعادة تشكيل خطوط الصدع الجيوسياسية في البحر المتوسط ​​أو الصراع الليبي. فالانقسامات الأيديولوجية والاستراتيجية حول الربيع العربي والديمقراطية والثورة والأحزاب الإسلامية والوضع الإقليمي الراهن عميقة الجذور وواسعة الانتشار.

ربما يكون الدافع المفاجئ لحل النزاع الخليجي ناجمًا إلى حد كبير عن قلق السعودية ورغبتها بعرض بعض النوايا الحسنة مع إدارة أمريكية جديدة قد تكون أقل ودية. ويشير هذا إلى أن هذه المصالحة يمكن أن تخفي مؤقتًا اختلافات أيديولوجية واستراتيجية أعمق. لكن نظرًا لأن اتفاقية العلا لم تحل الأسباب الجذرية للصراع بين دول الخليج، فمن المحتمل ألا تؤثر بشكل كبير على المنافسة الخليجية في شمال أفريقيا.

المصدر | آنا ل.جاكوبس - معهد دول الخليج العربية- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المصالحة الخليجية حصار قطر شمال إفريقيا اتفاق العلا شرق المتوسط شمال أفريقيا الإمارات قطر

تركيا والخليج وليبيا.. الأثر الاقتصادي للانقسام الجيوسياسي المتنامي

معهد إسرائيلي: هل تمهد المصالحة الخليجية لتحالف إقليمي أوسع؟

صحف يونانية: مصر قررت التقارب مع تركيا في ملف شرق المتوسط