محلل إسرائيلي يكتب لهآرتس: غزة بصفتها تدريبا لحرب لبنان القادمة

الأحد 10 أغسطس 2014 01:08 ص

عاموس هرئيل، هآرتس، 8 أغسطس/آب 2014

ملخص: إذا نشبت في المستقبل حرب أخرى مع حزب الله فان قوة النيران التي استعملتها اسرائيل في قطاع غزة في المواجهة الاخيرة ستبدو ضئيلة جدا قياسا بالقوة التي ستستعملها في لبنان.

حينما لقي مقاتلو لواء جولاني مقاومة قاسية وخسائر كثيرة في معركة مع حماس في حي الشجاعية شرقي غزة في 20 تموز، هب سلاح الجو الاسرائيلي لمساعدتهم. وفي غضون 50 دقيقة هاجم سلاح الجو 126 هدفا في الحي، أكثرها بقنابل تزن الواحدة طنا. وخلف القصف دمارا ضخما في الحي الذي هرب أكثر سكانه منه قبل ذلك بطلب من الجيش الاسرائيلي. وغير ايضا تماما وجه المنطقة ومكّن القوات على الارض من التقدم وإتمام مهمتها.

وأمنت القوات النفق الذي عثرت عليه من الداخل وبدأ بذلك العمل على تفجير النفق. وقد تمت الهجمات الدقيقة على علم وباذن، مع تضييق المسافة الدنيا بين الاهداف والجنود على الارض الى أقل من 250 مترا. وفاجأ طيارين قدماء سمعوا عن ذلك بعد ذلك، فاجأهم أن تبين لهم أنه تمت تلك المخاطرة لأنه لم يُصب أي جندي في الهجمات.

تمت الحرب في غزة هذه المرة بتعاون عميق ومساعدة جوية أقوى مما كانت في الماضي للقوات البرية. ولم تتكرر في هذه المرة الدعاوى التي سُمعت احيانا في حرب لبنان الثانية عن اهمال سلاح الجو الاسرائيلي الذي كان مشغولا بمهام اخرى، للقوات البرية.

ولم تكن القيود التي اعترضت سلاح الجو الذي كان الخطر الرئيس على عمله نيرانا مضادة للطائرات غير ناجعة، لم تكن من هذا المجال. فقد كانت الصعوبة الرئيسة تتعلق باصابة أهداف في قلب مناطق مكتظة بالسكان مع محاولة مضاءلة المس بالمدنيين بقدر المستطاع. وكلما طالت المعركة البرية ولقيت القوات تهديدا لأمنها من البر أصبح التحدي أصعب.

إن المعركة بالنار – الهجوم من بعيد على العدو بواسطة سلاح الجو في الأساس مع اعتماد ملحوظ على معلومات استخبارية دقيقة من "أمان" و"الشباك" – هي الجزء الاول والضروري في كل عملية عسكرية كبيرة لاسرائيل. فاعداد عملية برية يطول زمنه لسببين: يتعلق الاول بنظام اتخاذ القرارات. ولا يهم كم مرة يُبينون لنا فيها أن أخطاء الماضي قد تم تعلمها وأنه لا وقت للجيش الاسرائيلي يضيعه، فالمستويان السياسي والعسكري يحتاران أبدا في مسألة إدخال جنود الى داخل منطقة مأهولة بكثافة في غزة أو في جنوب لبنان. ويتعلق الثاني بزمن التنظيم المطلوب. ففي حين تكون طائرات سلاح الجو مستعدة لأول هجوم في دقائق تحتاج القوات البرية الى مدة أطول للوصول الى ميدان المعركة ولنقل المعدات والمركبات ولاتمام خطط العمليات وشحذها. وهذا صحيح في القوات النظامية فضلا عن القوات الاحتياطية.

في أيام القتال الاولى تحدثوا في هيئة القيادة العامة وفي سلاح الجو عما وصف بأنه "خريطة ألم" حماس. واعتمد التصور على فرض أن ضربا تدريجيا يزداد مع الوقت لأملاك حماس يضائل رغبتها في القتال ويفضي بقيادتها الى موافقة أسرع على هدنة. لكن تلك الفكرة لم تنجح في الحقيقة اذا أردنا أن نحكم عليها الآن.

قد يكون التفسير موجودا في الفروق بين غزة ولبنان التي هي ميدان المعركة الرئيس الذي يستعد الجيش الاسرائيلي له. فحزب الله موجود في الشمال ومعه حكومة لبنان، وهناك أملاك تُخسر كثيرة: حي الضاحية الشيعي الذي تم تخريبه في حرب 2006 ومواقع بنية تحتية مدنية كبيرة من مطار بيروت الى شبكات الشوارع ومحطات توليد الطاقة.

أما أملاك حماس في غزة فأقل والمنظمة أكثر اعتيادا للقتال من موقع ضعف واضح. وبخلاف الوضع في لبنان ليس من الممكن ايضا دق إسفين بين حماس ونظام الحكم في غزة لأن حماس هي النظام. هاجم سلاح الجو الاسرائيلي في الحقيقة مقرات قيادة حماس وبيوت كبار قادتها، لكن المنظمة تجنبت أن تُظهر الشعور المعلن بالضيق وقت الحرب. وقد يساعد الدمار الذي حدث على كف جماحها قبل أن ينشب قتال في القطاع مرة اخرى.

اذا نشبت لا سمح الله حرب اخرى مع حزب الله فان قوة النيران التي استعملتها اسرائيل في القطاع ستبدو ضئيلة جدا اذا قيست بالقوة التي ستستعملها في لبنان.

وستبدأ الحرب كلها بدرجة أعلى كثيرا ولن يتحدث أحد عن اشارات تحذير أو "هجمات على عقارات" لمكاتب فارغة. وستتطور الامور كذلك لأن منظومة القذائف الصاروخية التي يملكها حزب الله أكثر تقدما بما لا يقبل المقارنة من تلك التي امتلكها الفلسطينيون في غزة في بداية الحرب الحالية، فلحزب الله أكثر من 100 ألف قذيفة صاروخية مختلفة المدى تغطي كل مساحة اسرائيل، والقذائف الصاروخية أشد فتكا وأدق كثيرا، ويستعمل حزب الله نفس طرق الاخفاء والاستعمال من بعيد كما فعلت حماس.

إن تغطية منظومات الاعتراض من مثل القبة الحديدية أقل شمولا في مواجهة هذا التهديد. فقد كانت بطاريات القبة الحديدية التسع التي استُعملت في الحرب في غزة كافية وتزيد للتقليل من أضرار القذائف الصاروخية التي أطلقت من هناك الى الحد الأدنى. وستحتاج اسرائيل في لبنان الى عدد أكبر من البطاريات والى أن تُتم معها تطوير منظومة الاعتراض "العصا السحرية" للمدى المتوسط، وقد تحتاج الى استعمال منظومة "حيتس" للمدى البعيد.

وفي الحرب في الشمال ستتلقى الجبهة الاسرائيلية الداخلية خسائر واضرارا من البداية ولن تستطيع الحكومة أن تنتظر انشاء شرعية دولية لعملها. ويجب أن يكون الرد الاسرائيلي أقسى منذ اللحظة الاولى. وسيعتمد الانجاز العسكري على عرض سلاح الجو لقوة كثيفة الى أن تُنشر القوات البرية.

إن الذِكر الدائم للبنان الثانية والاستعداد للبنان الثالثة ليسا ثمرة وسواس خاص أو عام. فهذا هو السياق الصحيح للنظر الى الحرب في غزة، أي باعتبارها نقطة مقارنة بمواجهة محتملة اخرى في الشمال. وبرغم الاختلاف بين لبنان 2006 وغزة 2014 (كان العدو في لبنان أقوى وكانت خيبة الأمل من نتائج الحرب أكبر وانفجرت خيبة الأمل العامة الى الخارج)، توجد خطوط تشابه ايضا مثل: التردد في شأن اتجاهات العملية، والخشية من الخسائر في العملية البرية، وحقيقة أن الحرب انتهت دون حسم وادراك أنه تحتمل هنا جولة عنف اخرى بعد ذلك.

هذا الى أنه من الواضح تماما أن حزب الله ينظر في اهتمام الى ما يحدث في الجنوب ويستخلص دروسه. واذا كان يوجد شيء يُجمع عليه كبار قادة الجيش الاسرائيلي فهو أن حزب الله، بايحاء من موجهيه الايرانيين، هو منظمة تتعلم وتُحسن التحليل والاستنتاج.

إن الاستنتاج النهائي – وهو هل ضربت اسرائيل حماس ضربة قاسية كما تزعم وما هو الردع الذي سيُحرز بعقب الحرب – سيضطر الى أن ينتظر. ويجب أن نفرض الآن أن حزب الله ايضا عنده أنفاق هجومية تُحفر تحت الحدود وإن لم يجد الجيش الاسرائيلي الى الآن أدلة على ذلك. وقد حفرت المنظمة فيما مضى أنفاقا دفاعية بعضها قرب الحدود قبل الحرب في 2006. وجاء في صحيفة "هآرتس" في نيسان هذه السنة أنه يوجد تغيير تلوح تباشيره في سياسة حزب الله، فقد التزمت المنظمة بتوجه أكثر هجومية نحو ما رأته خطوات تحرش اسرائيلية وبدا أقل ارتداعا من رد الجيش الاسرائيلي كما كان منذ الحرب الاخيرة.

وأثار نبأ منشور آخر بقلم ضابط استخبارات برتبة مقدم في المجلة العسكرية "معرخوت"، أثار احتمال أن تهديدات الامين العام لحزب الله حسن نصر الله بشأن احتلال الجليل تعبر عن خطط مختلفة من جهته، فبدل حرب استنزاف قد يريد بدء المعركة القادمة بعملية مركزة في داخل اسرائيل. ويمكن أن نفرض بعد البرهان الذي حصلنا عليه من غزة في الشهر الماضي أن السيناريو الشمالي يشتمل على الانفاق ايضا.

وقت لاستخلاص الدروس

على خلفية ما يبدو الآن هدنة أطول، يُشعر بفرق بين شيء من الأسى لدى الجمهور ووسائل الاعلام بسبب الشعور بأن الحرب لم تُحسم، وبين الرضى الظاهر لقادة الألوية الذين عملوا في القطاع عن انجازات رجالهم. فقد عملت الألوية التي أُرسلت الى غزة عملا جيدا وتغلبت على القوات التي استعملتها حماس لمواجهتها وأتمت مهمة تدمير الانفاق التي فُرضت عليها.

لكن يبدو أن اسرائيل تخطيء اذا أولت هذا النجاح أهمية مبالغا فيها. فقد استعمل الجيش الاسرائيلي في الحاصل عشرة ألوية في شريط كثيف عرضه من 2 كيلومتر الى 3 مدة أكثر من اسبوعين دون أن يتقدم الى عمق المنطقة المأهولة. وحينما أُثيرت مسألة توسيع العملية لاحتلال القطاع في المجلس الوزاري المصغر، عرضت هيئة القيادة العامة تقديرات متشائمة عن المدة المطلوبة (فقد زُعم أن مرحلة التطهير قد تطول أكثر من سنة) وعدد الخسائر المتوقعة. وأضيفت تلك التوقعات الى ارتياب رئيس الوزراء ووزير الدفاع بمبلغ استعداد القوات البرية وارادتها إنهاء العملية سريعا. واسقطت من جدول العمل ايضا طلب الوزيرين افيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت احتلال القطاع.

يبدو الآن أن الجو العام بعد أن انتهت الحرب لا يُنذر بتحول سياسي حقيقي. وستكون في الاساس معارك سياسية من الوزيرين ليبرمان وبينيت على نتنياهو ويعلون اللذين أصبحا يصاحبهما الوخز من قبل وزراء اليمين في المجلس الوزاري المصغر ومن الحكومة نحو قيادة الجيش الاسرائيلي العليا. لكن يجدر أن يُركز الجيش الاسرائيلي على البحث عن الدروس دونما صلة بالمصالح السياسية المركبة والمدح المقسط في حد ذاته لاخلاص الألوية والمقاتلين. إن الجيش الاسرائيلي منظمة يصعب عليها أن تحقق مع نفسها ولا سيما في أحداث كبيرة.

وحينما تكون الحياة المهنية لجنرالات وقادة فرق موضوعة في كفة الميزان يبيح قليلون لأنفسهم انفتاحا كاملا. بعد حرب لبنان الثانية تفاخر رئيس الاركان دان حلوتس (الذي استقال بعد ذلك) بأكثر من 50 فريق تحقيق عينها. وتغير نوع النتائج من وحدة الى اخرى ولم يستكمل عدد من التحقيقات المركزية ألبتة. ولم تتغلغل طريقة التحقيق دون أن يُحسب حساب لشيء، المستعملة في سلاح الجو الاسرائيلي وفي بعض الوحدات المختارة، لم تتغلغل بدقة الى الجيش كله.

اذا نظرنا نظرة موزونة واعية رأينا أن القدرة التي كانت كافية لمواجهة حماس تحتاج الى تطوير لاحراز نتيجة افضل في مواجهة حزب الله. وحتى لو بدا الآن أن المنظمة الشيعية غارقة في مناطق اخرى – الازمات في لبنان والحرب الاهلية في سوريا بل في العراق في الآونة الاخيرة – فان الامور قد تقع مفاجأة ايضا. فقد تنبأ قليلون هذه السنة بأن الجيش الاسرائيلي سيقضي مدة هذا الصيف في اعتراض القذائف الصاروخية وصيد الأنفاق في غزة.

  كلمات مفتاحية

«نتنياهو»: الدبابة المعادة من روسيا ستكون نصبا تذكاريا لجنودنا المفقودين