منافسة محمومة مرتقبة بين دبي والرياض حول مقرات الشركات العالمية

الجمعة 19 فبراير 2021 08:53 ص

بفضل بُنيتها التحتية الحديثة وقوانينها السلسة أصبحت دبي المقر الإقليمي المفضل للشركات الدولية العاملة في الدول العربية المشرقية، خاصة الخليجية.

لكن خروج السعودية من عباءة التشدد في السنوات الأخيرة، وبدء إصلاحات اقتصادية وإدارية وتشريعية أيقظ منافساً عملاقاً للإمارة قد يهدد مكانتها في سلسلة الإمداد والمبادلات التجارية على المدى المتوسط.

فمنذ فترة غير قصيرة سهّلت الإمارة الخليجية الثرية فتح الأعمال التجارية في منطقة تعاني من البيروقراطية، ما ساعدها على استضافة حوالي 140 مقراً لشركات كبرى خلال 3 عقود، أكثر من أي مدينة أخرى في الشرق الأوسط.

وبينما كانت بيئة الأعمال تزدهر في دبي، تعثر النمو في الرياض، عاصمة أكبر اقتصاد عربي، بسبب السياسات المتشددة والتهديدات الأمنية والفساد.

لكن ولي العهد "محمد بن سلمان" سعى إلى وضع حد لذلك عندما تولى منصبه في عام 2017، حيث باتت المدينة المحاطة بالكثبان الرملية تنعم بازدهار نسبي، وتشهد افتتاح أعمال جديدة بوتيرة متسارعة، من المطاعم إلى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.

وفي الشهر الماضي قال الأمير (35 عاما) إن هدفه "أن تصبح الرياض واحدة من أكبر عشر اقتصادات مدن في العالم".

ولتسريع هذا الهدف، أعلنت الحكومة السعودية أنّها ستوقف اعتباراً من مطلع العام 2024 التعامل مع شركات أجنبية تقيم مقرات إقليمية لها خارج البلاد.

وتمثّل الخطوة المفاجئة تحدّيا مباشرا لدبي وتهدّد بسباق مفتوح محتدم بين الجارتين الحليفتين، السعودية والإمارات.

وقال "ستيفن هيرتوغ"، الأستاذ المساعد في كلية لندن للاقتصاد والسياسة: "لا أعتقد أن هذه هي النية، ولكن هذا ما سيحصل عملياً، لأن دبي هي الموقع المفضّل حالياً كمقر إقليمي للشركات الدولية".

في عهد الأمير "محمد"، تبنّت السعودية سلسلة من التغييرات الاجتماعية التي لم يكن من الممكن تصورها في السابق، وعدّلت بعض قوانينها المتشددة.

فقد فتحت الرياض، المدينة التي يبلغ عدد سكانها 7.5 مليون نسمة وكان يُنظر إليه على أنها معقل لسياسات المحافظين، أبوابها للترفيه والاستثمار، وهمّشت "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ونفّذت حملات لمكافحة الفساد.

ولكن عملية التجديد تلطخت بشدة بجريمة قتل وتقطيع جثة الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية إسطنبول عام 2018، والحملة القمعية ضد المعارضة التي شهدت وضع العديد من المنتقدين السلميين وراء القضبان.

ولكن الوجه الجديد للعاصمة جذب مع ذلك مستثمرين كثيرون يأملون في الاستفادة من مشاريع بمليارات الدولارات مثل مدينة "نيوم" المستقبلية الضخمة المخطط لها على ساحل البحر الأحمر.

ومن بين هؤلاء رائدة الأعمال السعودية "هيا أخضر" وزوجها الفرنسي "أوغو بوديز" اللذان أنشآ شركة استشارية متخصّصة في العلامات التجارية الفاخرة في دبي عام 2017.

فبالنسبة للزوجين الشابين، حان الوقت للتوجه نحو الرياض وفتح مكتب هناك، إنما من دون أن يتخلّيا عن مقر شركتهما في دبي.

وقال "بوديز" في مقابلة: "لقد شاهدنا نمو السوق وتحول اهتمام العديد من العلامات التجارية إلى السعودية، وتحديدا الرياض"، مضيفا: "نحتاج لأن نكون قريبين من عملائنا في كلا السوقين المهمين".

ويقول المسؤولون السعوديون إن البلاد تستضيف أقل من 5% من المقرات الرئيسية للشركات الكبرى في المنطقة رغم أنها تمثّل "حصة الأسد" من الأعمال والعقود إقليميا.

من جانبها استجابت الإمارات، التي يسكنها مليون مواطن وتسعة ملايين أجنبي، بسرعة للتحدي الجديد بعدما وصلتها رياح المنافسة الآتية من الرياض.

وتمثل ذلك في رفع الحظر المفروض على إقامة غير المتزوجين معاً، وخففت القيود المفروضة على بيع وتناول الكحول، وعرضت تأشيرات طويلة الأجل ومنح الجنسية لأفراد معينين، ووقّعت اتفاق تطبيع علاقات مع إسرائيل ليجتمع معا أكثر اقتصادات المنطقة تنوّعا.

وقال "ريان بوهل"، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة "ستراتفور" الاستشارية، إن على الإمارات أن "تُسرّع بعض الإصلاحات التي لا تزال غير ممكنة في السعودية"، حتى تظل قادرة على منافسة المملكة التي يسكنها 34 مليون شخص أكثر من نصفهم من الشباب.

ولا تزال المدن السعودية تفتقر إلى البُنية التحتية الملائمة في قطاعات رئيسية مثل النقل والمصارف، بينما تعاني بعض الوزارات من بيروقراطية متجذّرة.

وحسب "بوهل"، فإنّ الرياض بعيدة جداً عن "دبي وحتى أبوظبي من حيث الليبرالية الاجتماعية والإسكان والتعليم وأماكن الترفيه".

وتابع أن "الحقيقة الصعبة الأخرى هي أن في السعودية 19 مليون مواطن محافظ إلى حد كبير سيكونون أقل قابلية للتفاعل مع العادات الاجتماعية الغربية لسنوات مقبلة مقارنة بالإمارات".

وهذه ليست التحديات الوحيدة، فبينما يُنظر إلى دبي على أنها واحدة من أكثر المدن أماناً في المنطقة، تواجه الرياض تهديدا من متمردي اليمن حيث تقود تحالفاً عسكريا منذ 2015، والجماعات المتطرفة على حد سواء.

ومن المتوقع أن تتعرض جهودها لتحسين صورتها لضغوط من قبل الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة بعدما لوّح الرئيس "جو بايدن" بجعل المملكة "منبوذة" على خلفية جريمة مقتل "خاشقجي"، وسجلّها الحقوقي، وحرب اليمن.

وكتب "عبدالله عبدالخالق" أستاذ العلوم السياسية الإماراتي في تغريدة على "تويتر" أن "الشركات والمصارف العابرة للقارات التي تتخذ دبي مقرا منذ 30 سنة (…) اختارت دبي دون غيرها بسبب نوعية الحياة والميزات التنافسية وبيئة تشريعية واجتماعية وبنية تحتية فريدة"، وأضاف: "لن تتركها، ورغم ذلك مليون أهلاً وسهلاً بالمنافسة".

المصدر | أ ف ب

  كلمات مفتاحية

دبي الرياض محمد بن سلمان مقرات إقليمية

تنافس الإمارات.. السعودية تستقطب 24 شركة متعددة الجنسيات لإقامة مقراتها بالرياض

تنافس سعودي إماراتي مصري لاستقطاب استثمارات شركات عالمية

السعودية تعلن عن إصلاحات لجلب استثمارات بـ100 مليار دولار