فورين أفيرز: مصالح أمريكا في الخليج تغيرت وهذه ملامح الأجندة الجديدة

الأحد 21 فبراير 2021 02:45 ص

في خطابه عن حالة الاتحاد عام 1980، والذي جاء في أعقاب صدمات النفط في عامي 1973 و1979، وصف الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر" بعبارات خطيرة التهديد بفقدان الوصول إلى نفط الشرق الأوسط، قائلا إن "أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج العربي ستعتبر اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وسيتم صد مثل هذا الهجوم بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية".

وأصبح هذا التعهد معروفا باسم "عقيدة كارتر"، وظل سمة مميزة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ ذلك الحين.

وفي وقت تصريح "كارتر"، كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على واردات النفط لتزويد اقتصادها بالطاقة، وكانت 29% من احتياجات الولايات المتحدة النفط تأتي من الخليج العربي.

وحتى بعد عقدين من الزمن، لم يتغير شيء يذكر، ففي عام 2001، كانت الولايات المتحدة لا تزال تستورد 29% من احتياجاتها النفطية من الخليج.

لكن الوضع لم يعد كذلك الآن.

واليوم، تنتج الولايات المتحدة نفس القدر من النفط الذي تحصل عليه من الخارج، وتستورد 13% فقط من احتياجاتها النفطية من دول الخليج.

وتستورد الولايات المتحدة الآن نفطا من المكسيك أكثر مما تستورده من السعودية.

وبالرغم أن الأساس المنطقي وراء ما يسمى بـ"عقيدة كارتر" قد عفا عليه الزمن، إلا أنه يستمر في تشكيل سياسة الولايات المتحدة تجاه الخليج، وهو رمز لفشل أوسع لسياسة الولايات المتحدة في اللحاق بالتغييرات الأوسع للمصالح الأمريكية في المنطقة منذ الثمانينيات.

ويجب على الرئيس الأمريكي "جو بايدن" الاعتراف بالواقع الجديد وإعادة ضبط علاقات الولايات المتحدة مع الخليج بطريقة تعزز القيم الأمريكية، وتبقي واشنطن بعيدة عن التشابكات الخارجية غير الضرورية، وتعطي الأولوية للسلام والاستقرار الإقليميين.

ويوجد عدد لا يحصى من الأسباب لعلاقات قوية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.

وتعد قرارات البحرين والإمارات لإقامة علاقات رسمية مع إسرائيل علامة واضحة على الدور الإيجابي الذي يمكن أن تمارسه هذه الدول.

وتلعب الكويت وعُمان أدوارا قوية في التوسط في النزاعات الإقليمية.

ولا تزال شراكات الولايات المتحدة في "مكافحة الإرهاب" مع دول مجلس التعاون الخليجي حاسمة، بالرغم من مساوئها، لأن هذه الحكومات غالبا ما يكون لديها معلومات عن الشبكات المتطرفة التي لا تستطيع الاستخبارات الأمريكية جمعها بمفردها.

وتعمل الولايات المتحدة على توسيع علاقاتها الشعبية مع المنطقة.

واليوم، يدرس عشرات الآلاف من الطلاب من الخليج في الكليات والجامعات الأمريكية.

لذلك يجب على الولايات المتحدة أن توضح لحلفائها الخليجيين أن هدفها ليس الانسحاب من المنطقة ولكن إنشاء صلة أكثر موضوعية واستقرارا بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي.

لكن الوقت قد حان للاعتراف بوجود خلل مركزي في نهج الولايات المتحدة الحالي تجاه الخليج.

ويبقى أهم هدفين لدول مجلس التعاون الخليجي من هذه العلاقة هما الحفاظ على المساعدة العسكرية الأمريكية للحروب الإقليمية بالوكالة والحفاظ على الصمت الأمريكي بشأن القمع الذي يطغى على السياسة الداخلية.

لكن ذلك سيدمر دول مجلس التعاون الخليجي نفسها على المدى الطويل.

ويجب أن يكون هدف الولايات المتحدة هو استبدال هذا الأساس المعيب بنظام جديد يدعم حكومات مرنة وخليجا مسالما مليئا باقتصاديات وطنية ويتبنى المستقبل الذي يدعي قادة مثل ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" أن منطقة الخليج تبحث عنه.

ولا بد أن تنبني العلاقة بين الولايات المتحدة والخليج على العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، بدلا من مجرد شراكات أمنية، وهو ما يعود بالفائدة على مصالح الولايات المتحدة والشرق الأوسط معا.

تجنب الحروب بالوكالة

ولتنفيذ ذلك فإن الخطوة الأولى هي أن تنفصل الولايات المتحدة عن حروب الدول الخليجية بالوكالة مع إيران.

وبالتأكيد فإن الحكومة الإيرانية هي خصم للولايات المتحدة، لكن سلسلة الصراعات الساخنة والباردة في المنطقة، في العراق ولبنان وسوريا واليمن، عملت ببساطة على تعزيز نفوذ إيران وخلق مستويات كارثية من المعاناة الإنسانية.

ولا شك أن التراجع الأمريكي عن التدخل في أماكن مثل سوريا واليمن سيسبب ذعرا فوريا في الخليج.

ومع ذلك، فإن التكاليف الهائلة للاعتقاد الخاطئ بأن الولايات المتحدة يمكنها توجيه النتائج بشكل غير مباشر في سوريا واليمن باتت واضحة تماما.

وفي كلا المسرحين، لم يكن التدخل العسكري الفاتر والمتردد للولايات المتحدة كبيرا بما يكفي لقلب الموازين، وخدم بدلا من ذلك تمديد الصراعات.

وتعاني واشنطن من ثقة متغطرسة في قدرتها على تحقيق أهداف سياسية من خلال التدخلات العسكرية.

وبدلا من ذلك، كان التأثير الأكثر أهمية للمغامرات الأمريكية الأخيرة في الشرق الأوسط هو تأجيج الحروب الدائمة التي تشجع الجماعات المتطرفة وتسمح بنمو المشاعر المعادية لأمريكا.

وبالرغم من أن الولايات المتحدة يجب أن تحتفظ بشراكاتها الأمنية مع دول الخليج، إلا أن البصمة الأمريكية يجب أن تكون أقل.

وقبل حرب الخليج، كانت الولايات المتحدة قادرة على حماية مصالحها في المنطقة بدون قواعد عسكرية ضخمة في البحرين والكويت وقطر والسعودية، وبدون مليارات من مبيعات الأسلحة السنوية لهذه الدول نفسها.

ويتصرف مجتمع السياسة الخارجية في واشنطن كما لو أن هذا الوجود العسكري الضخم أصبح الآن إلزاميا لحماية المصالح الأمريكية، بالرغم أنه لم يكن كذلك إلا بعد 11 سبتمبر/أيلول.

وتكلف القواعد الأمريكية كثيرا، ما يحول التركيز بعيدا عن المسارح ذات الأهمية المتزايدة مثل أفريقيا وآسيا.

بل إن هذه الدول تستغل القواعد العسكرية للضغط على الولايات المتحدة لغض الطرف عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خشية أن تعرض الانتقادات وجود القوات للخطر.

وتبرز القواعد كأهداف عسكرية ومصدر دعاية لإيران وتنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية".

وبينما يجري وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن" مراجعة عالمية للوضع العسكري للولايات المتحدة، يجب على إدارة "بايدن" التفكير بجدية في تقليص قواعدها العسكرية في المنطقة.

وستكون إعادة النظر في تكاليف ومزايا تأسيس الأسطول الخامس في البحرين بداية جيدة، حيث إن البصمة الهائلة للولايات المتحدة أصبحت مشكلة أكثر منها حلا.

وأخيرا، بالرغم أن الولايات المتحدة يجب أن تستمر في بيع المعدات العسكرية لشركائها، يجب على واشنطن التأكد من أنها تبيع أسلحة دفاعية حقيقية.

واليوم، يتم استخدام الكثير من الأسلحة الأمريكية بشكل غير مسؤول في انتهاكات للقانون الدولي.

وتلعب بعض الصفقات، مثل بيع طائرات "ريبر" بدون طيار التي تم الإعلان عنها مؤخرا للإمارات، دورا في تغذية سباق تسلح إقليمي يتعارض مع المصالح الأمنية الأمريكية.

ومع تراجع الولايات المتحدة عن بيع أنظمة ذات قدرات هجومية أكثر، يجب أن تظل الولايات المتحدة على استعداد لتقديم أسلحة دفاعية أكثر تقدما، مثل صواريخ "ثاد"، التي تناسب التهديدات الأمنية الحقيقية في الخليج.

وإذا فعلت واشنطن ذلك، فستشتكي السعودية والإمارات حتما من أن الولايات المتحدة تتخلى عنهما وتمكن إيران.

وستكون مهمة إدارة "بايدن" إقناعهما بوجود بديل عن المنافسة العسكرية التي لا تنتهي مع طهران.

ويمكن لحوار أمني إقليمي يشمل جميع الأطراف أن يحل محل سباق التسلح والحروب بالوكالة.

وقد يبدو هذا وكأنه خيال، لكنه بعيد كل البعد عن ذلك. وكانت بذور هذا الحوار تظهر منذ أعوام، ويمكن للقيادة الأمريكية أن تبدأ في إنشاء استراتيجية للانفراجة المنشودة.

وبالرغم أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تمنح الإماراتيين أو السعوديين حق "الفيتو" على اتفاقية نووية ثنائية مع إيران، فإن الحوار الإقليمي من شأنه أن يحدث تقاربا بين دول الخليج والولايات المتحدة بشأن السياسة تجاه إيران، ومن المرجح أن يعطي مجلس التعاون الخليجي مساهمة أكبر في أي اتفاق مستقبلي.

اختبار إزالة التصعيد

وتعد إدارة "بايدن" في وضع أفضل لاختبار استعداد المنطقة لهذا النوع من التهدئة في اليمن.

وسعت إدارة "بايدن" لإنهاء دعم الولايات المتحدة للعمليات الهجومية وتعيين مبعوث خاص جديد لدعم عملية السلام التابعة للأمم المتحدة.

وإذا تمكنت واشنطن من إيجاد طريق نحو السلام في اليمن، حيث تتعايش حكومة يمنية واسعة بعد "هادي" مع القادة الحوثيين بينما تعيد البلاد بناء نفسها بمساعدة دولية، فقد يكون ذلك دليلا على مفهوم الحوار الأوسع.

ويجب أن يكون وقف التصعيد جذابا بشدة لشركاء الولايات المتحدة في الخليج.

ويعني انخفاض عائدات النفط أن هذه الدول ستحتاج قريبا إلى اتخاذ خيارات صعبة بين الاستثمار في الإصلاحات الاقتصادية وخوض الحروب في الدول الأجنبية.

وبالنظر إلى هذه الصراعات المستمرة وسيطرة الدولة على الاقتصادات المحلية، فإن جذب الاستثمار الأجنبي إلى المنطقة هو درب من الخيال إلى حد كبير. 

ويجب على الولايات المتحدة أيضا أن تقود اتفاقا أكثر صعوبة مع دول الخليج بشأن قضايا حقوق الإنسان.

وفي أعقاب هجمات "دونالد ترامب" على الديمقراطية الأمريكية، سيكون من المهم بالنسبة لـ"بايدن" أن يطابق حديثه عن سيادة القانون والحقوق المدنية بأفعال في الداخل والخارج.

وأمام الولايات المتحدة عمل صعب لإعادة بناء علامتها التجارية العالمية كدولة راعية للديمقراطية، لكن إنهاء نهج واشنطن الذي لا يسمع ولا يرى أي شر في الخليج سيساعد علي ذلك.

ومع ذلك، يجب أن تكون محادثة الولايات المتحدة مع دول الخليج حول حقوق الإنسان واقعية.

ولن تصبح هذه البلدان ديمقراطيات حديثة بين عشية وضحاها.

ولكن إذا كانت دول الخليج تريد حقا جذب الاستثمار الأجنبي، فعليها أن تتصدى للحملات القمعية الوحشية المستمرة ضد المعارضة وأن تحجم حالة "غياب سيادة القانون".

ومن غير المحتمل وصول الاستثمار الأجنبي الجاد طالما تعذب هذه الدول السجناء السياسيين، وتحافظ على "نظام وصاية" صارم يحد من قدرة المرأة على السفر، ويضايق المعارضين في الخارج باستمرار.

بصراحة، يجب على قادة الخليج أن ينظروا إلى توسيع الحقوق السياسية على أنها قضية وجودية.

ويجب على الولايات المتحدة أن تساعد هذه الأنظمة على فهم أن الصفقة الاجتماعية القائمة منذ فترة طويلة والمتمثلة في "لا تمثيل سياسي مقابل لا ضرائب" لا يمكن أن تستمر.

ونظرا لأن النمو السكاني يفوق عائدات النفط، فلن تتمكن العائلات المالكة قريبا من تحمل هذا النهج.

وبمجرد ضمور الإعانات واستمرار القمع، ستندلع عاصفة من الاضطرابات الكارثية.

ولحسن الحظ، هناك نماذج للإصلاح المحدود في الخليج يمكن أن تساعد.

وينتخب الكويتيون، على سبيل المثال، برلمانا يحافظ على بعض الاستقلالية عن التاج الملكي.

وبالرغم أن هذا بعيد كل البعد عن الديمقراطية التشاركية الحديثة، إلا أنه يوفر بعض النقاط الإرشادية التي يمكن أن تنظر إليها الأنظمة الأكثر قمعا.

لا داعي للحرب الباردة

وفي متابعة هذا المسار الجديد، سوف يجادل بعض مؤيدي الوضع الراهن بأنه إذا دفعت إدارة "بايدن" نحو صفقة صعبة للغاية مع إيران، فسوف يبتعد قادة الخليج عن الولايات المتحدة ويتجهون نحو الصين أو روسيا.

لكن هذه الحجة مضللة، وهي حجة تلعب على سوء تقدير أمرين، أولا إمكانية الاستغناء عن الاصطفاف العسكري مع الولايات المتحدة واستعداد الصين وروسيا لتسخير إمكاناتهما في الشرق الأوسط.

هذه ليست الحرب الباردة، فليس لدى روسيا الكثير لتقدمه في المنطقة، ومع تراجع استخدام النفط عالميا، ستتنافس موسكو حتما مع دول الخليج على المشترين.

وبالرغم أن الصين ستواصل البحث عن فرص اقتصادية في المنطقة، إلا أنها لن تكون راغبة في لعب دور أمني حقيقي في أي وقت في المستقبل القريب.

ولن تقدم البحرية الصينية المساعدة لدولة خليجية تتعرض للهجوم.

وإذا هدد البحرينيون، أو الإماراتيون، أو السعوديون بالتحول إلى قوى أخرى، يمكن لواشنطن أن تتركهم يحاولون.

وبشكل عام، أصبحت السياسة الخارجية للولايات المتحدة بالية بشكل خطير، وقد أصبحت مثل آلة تم ضبطها لعزف أغنية لم تعد الأوركسترا تؤديها على الإطلاق.

وتبدو السياسة الأمريكية في الخليج غير متسقة، حيث تغيرت مصالح الولايات المتحدة ولكن سياستها لم تتغير.

ولدى "بايدن" فرصة لإعادة ضبط شراكات واشنطن مع دول الخليج.

وستكون المهمة صعبة ومؤلمة وسوف تثير احتجاجا شديدا، لكن النظام الناتج سيكون مفيدا للطرفين، حيث سيعزز المصالح الأمريكية بينما يقرب دول الخليج من المستقبل الذي يزعمون أنهم يطمحون إليه.

وكما يقال: "من أراد الورود فعليه أولا أن يتجاوز الشوك".

المصدر | كريس مورفي - فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الشرق الأوسط العلاقات الأمريكية الخليجية نهج بايدن في الخليج الاتفاق النووي الإيراني المصالحة الإيرانية الخليجية النفط الخليجي حروب الوكالة بايدن

ف.تايمز: لا حلول سريعة للشرق الأوسط رغم تحركات بايدن الإيجابية

فورين أفيرز: استقرار الشرق الأوسط مرتبط بقضايا حرجة غير الاتفاق النووي