أزمة الكويت السياسية.. مصير مجلس الأمة يحسم ولادة حكومية متعثرة

الأحد 21 فبراير 2021 11:57 ص

حالة من التوتر باتت تخيم على المشهد السياسي منذ ولادة مجلس الأمة الكويتي الحالي (البرلمان)، الذي تهيمن عليه معارضة أفصح نوابها منذ اليوم الأول عن نيتهم التصعيدية ضد الحكومة، مهددين بعدم التعاون معها في حال عدم تجاوبها مع مطالبهم.

ومن أبرز هذه المطالب إصدار عفو شامل عن النواب المدانين في القضية المعروفة إعلاميا بـ"اقتحام مجلس الأمة"، حيث يقيم العديد منهم خارج البلاد حاليا، ويدعو أعضاء بمجلس الأمة إلى العفو عنهم، وسط مخاوف من عدم استجابة الديوان الأميري لهذه المطالب؛ ما يهدد بتفجير العلاقة بين مجلس الأمة من جانب والحكومة والديوان من جانب آخر.

أزمة ممتدة

وتعود وقائع قضية اقتحام مجلس الأمة إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2011؛ حين دخل نواب وعدد من المتظاهرين القاعة الرئيسية في المجلس، احتجاجا على أدائه، في ظل سيطرة النواب الموالين للحكومة عليه وطالبوا باستقالة رئيس الوزراء آنذاك، الشيخ "ناصر المحمد الصباح" الذي اتهموه بالفساد.

وتسبب هذا التوتر باستقالة الحكومة الكويتية السابقة بعد نحو شهر من تشكيلها، ليتم، في 24 يناير/كانون الثاني الماضي، تكليف "صباح الخالد" مرة أخرى بتشكيل الحكومة الثالثة له، ليتبع هذا التكليف تلويح باستجواب جديد أيده 11 نائبًا، أعلنوا رفضهم التعاون مع "الخالد"؛ تحت عنوان مخالفته إرادة الشعب، وعدم تعاونه مع النواب.

ومنذ إعادة تعيينه، يجري "الخالد" مشاورات مع الكتل البرلمانية قبل ترشيح حكومة جديدة للأمير لإقرارها، وطلب وقتًا لاختيار الوزراء، ما أثار غضب بعض أعضاء المجلس، الذين اتهموا رئيس الوزراء بعدم التعاون، وقدّموا استجواباً له، في يناير/كانون الثاني الماضي، ولكنه رفض المثول أمامه، ما أدى لتفاقم الأزمة.

وبحسب مصادر مطلعة، فإن تأخر "الخالد" في إعلان تشكيلته الحكومية الجديدة، يعود إلى جملة من الأسباب، أبرزها الاعتذارات الكثيرة، والعزوف عن قبول المناصب الوزارية، على خلفية حالة الاحتقان مع مجلس الأمة، والتوقعات باستجواب الوزراء المعينين، حتى بات أغلب المرشحين للوزارات على يقين بقصر عمر الحكومة أيا كان تشكيلها، وفقا لما نقلته صحيفة "القبس" (محلية).

وفيما يعكف "الخالد" على اختيار وزرائه، تعهد عدد كبير من النواب في حملاتهم الانتخابية بما وصفوه بـ"رفع الظلم" عن المدانين في قضية اقتحام مجلس الأمة أو في قضايا تتعلق بتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبينما سافر كثير من هؤلاء المعارضين إلى تركيا، رجع عدد منهم إلى الكويت ونفذوا "شروطا" شملت تسليم أنفسهم للسطات وقضاء جزء من عقوبة السجن وتقديم اعتذار مكتوب لأمير البلاد الراحل الشيخ "صباح الأحمد الجابر الصباح"، الذي أصدر عفوا خاصا عمن استجاب لهذه الشروط، ومنهم: النائبان السابقان "وليد الطبطبائي" و"فهد الخنة".

وسادت حالة من التفاؤل أوساط المعارضة بعد تولي أمير الكويت الجديد الشيخ "نواف الأحمد الجابر الصباح"، بإمكانية طي الملف، لكن الوضع بقي على ما هو عليه حتى اليوم، ما عزز مخاوف من بقاء موقف الديوان الأميري من قضية نواب "اقتحام مجلس الأمة" دون تغيير.

وضاعف من تلك المخاوف أن الأمير "نواف" أصدر مرسومًا بتعليق انعقاد جلسات مجلس الأمة (البرلمان)، اعتبارًا من 18 فبراير/شباط ولمدة شهر، استنادا إلى المادة 106 من الدستور، التي تنص على أن للأمير "أن يؤجل، بمرسوم، اجتماع مجلس الأمة لمدة لا تجاوز شهرا، ولا يتكرر التأجيل في دور الانعقاد الواحد إلا بموافقة المجلس ولمدة واحدة، ولا تحسب مدة التأجيل ضمن فترة الانعقاد".

الحلقة الأضعف

وتبدو الحكومة متعثرة الولادة أضعف حلقات الأزمة السياسية بالكويت في ظل التركيبة المعارضة لمجلس الأمة من جانب، والضغوط التي يلقيها تفاقم المعاناة الاقتصادية جراء تداعيات جائحة كورونا من جانب آخر.

فالأزمة بين مجلس الأمة والحكومة جاءت في لحظة يئن فيها اقتصاد البلاد المعتمد على النفط من التداعيات الناجمة عن انتشار الوباء، فضلا عن هبوط أسعار الخام.

وإزاء ذلك، خفضت وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية النظرة المستقبلية لتصنيف الدين السيادي للكويت إلى "سلبية" من "مستقرة"، قائلة إنها تتوقع مخاطر على صعيد السيولة في الأجل القريب مرتبطة بصندوق خزانة الدولة.

وخلال السنة المالية (2019-2020)، سجلت الكويت عجزاً بمقدار 18.4 مليارات دولار، بزيادة 69% عن العام السابق، وفق بيانات صدرت عن وزارة المالية بالكويت، فيما أعلنت الأخيرة عجزاً بمقدار 12.1 مليار دينار (نحو 40 مليار دولار) في موازنة الدولة للعام المالي الجاري (2021-2022).

كما تواجه الحكومة الجديدة صعوبات في مواجهة الفساد، وطريقة إدارة موارد الدولة، والفساد في الإدارات الحكومية، إضافة إلى قضية العاملين الوافدين والحاجة إلى تقليص عددهم في المواقع الحساسة والمهمة بالبلاد.

ولذا ينذر الخلاف القائم بين الحكومة ومجلس الأمة بمفاقمة الأزمة الاقتصادية، خاصة بعدما اضطرت الدولة لنقل آخر أصولها العاملة، التي تُدِر أرباحا، إلى صندوق الثروة السيادية، بحثا عن سيولة نقدية، وفقا لما أوردته وكالة "بلومبرج".

ولا تحظى كذلك فكرة الاستعانة بالمدخرات الوطنية بشعبية كبيرة، فيما يرفض نواب بمجلس الأمة سن قانون يسمح للحكومة بالاقتراض، وهو ما دفع وكالات الائتمان العالمية إلى خفض التصنيف الكويتي استنادا إلى توقعات متشائمة بشأن إمكانية إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

ورغم أن اللجنة المالية في مجلس الأمة بدأت، في مطلع الشهر الجاري، مراجعة مشروع قانون الاقتراض، إلا أن سياسة حافة الهاوية بين المجلس والحكومة لا تزال مثيرة لتحذيرات مفادها أنَّ التأخيرات المتكررة لإقرار القانون قد تنطوي على تكاليف طويلة الأجل.

وقد تبلغ هذه التكاليف حد "فرض ضرائب عالية، أو لجوء البنك المركزي إلى تخفيض قيمة الدينار، إذا فشلت الحكومة في إقناع مجلس الأمة بالمصادقة على مشروع قانون الاقتراض، حسبما يرى الرئيس التنفيذي السابق لبورصة الكويت "طلال فهد الغانم".

سيناريوهات

ما هي سيناريوهات الأزمة المتوقعة إذن؟ ترتبط الإجابة بمحددين، الأول هو موقف المحكمة الدستورية من 20 طعنا على نتائج انتخابات مجلس الأمة الأخيرة، والثاني هو موقف أمير الكويت من استمرار المجلس في ظل مؤشرات تعثر تعاونه مع الحكومة.

فالمحكمة الدستورية الكويتية حددت يوم الأربعاء المقبل (24 فبراير/شباط)، موعداً للنطق بالحكم في الطعون بإبطال مرسوم الدعوة لانتخابات مجلس الأمة، وبطلان التصويت لرئاسة مجلس الأمة، وإذا ما قبلت هذه الطعون فإن انفراج الأزمة السياسية بالبلاد سيكون عبر بوابة حل المجلس لأسباب قانونية.

ويرجح المحلل السياسي الكويتي "عايد المناع" أن يكون تأخر "الخالد" في تشكيل حكومته متعمداً؛ لانتظاره نتائج الطعون المنظورة أمام المحكمة الدستورية، وفقا لما نقله موقع "الخليج أون لاين".

أما السيناريو الثاني، فهو أن ترفض المحكمة الدستورية الطعون، ويقوم أمير الكويت باستخدام صلاحياته الدستورية بحل مجلس الأمة وإعلان انتخابات جديدة، أو تأجيل اتعقاده، إذ يعطيه الدستور هذا الحق.

وتنص المادة 107 من دستور الكويت على أن "للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم يبين فيه أسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس للأسباب ذاتها مرة أخرى، وإذا حُلَّ المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل".

أما السيناريو الثالث فهو أن يستمر مجلس الأمة بتشكيلته الحالية ويتجاوز اختبار الطعن أمام المحكمة الدستورية، ويعود إلى جلساته دون حل، ما يعني صعوبة تشكيل الحكومة الحالية، بما قد يضطر "صباح الخالد" لتقديم استقالته، وقيام الأمير بتكليف شخص آخر بتشكيل حكومة جديدة.

لا مؤشر قاطع على أي من تلك السيناريوهات، لكن تسريبات صحف كويتية، بينها "الجريدة"، منذ أسابيع، تؤشر إلى استبعاد السيناريو الثالث لصالح احتمالات حل مجلس الأمة.

ونقلت الصحيفة عن مصادرها توجيه رسائل مباشرة إلى عدد من النواب "بأن التصعيد النيابي المستمر منذ ما قبل دور الانعقاد الحالي، والمحاولات المستميتة لفرض العفو الشامل، سيواجهان بتصعيد مقابل، قد يصل إلى حل مجلس الأمة".

وفي حال تحقق هكذا سيناريو، فسيكون بمثابة تكرار لما حصل حين أصدر أمير الكويت الأسبق "صباح السالم الصباح" قراراً بحل مجلس الأمة، بتاريخ 29 أغسطس/آب 1976، في أعقاب استقالة الحكومة نتيجة خلاف نشب بينها وبين النواب، تمثل في اتهامات متبادلة بتعطيل مشروعات القوانين، الأمر الذي أدى إلى فقدان التعاون بين السلطتين.

كما سبق أن أصدر أمير الكويت الراحل "صباح الأحمد الصباح"، في مارس/آذار 2008، مرسوماً بحل مجلس الأمة وتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة، بعد يومين من استقالة الحكومة برئاسة الشيخ "ناصر المحمد الصباح"؛ على خلفية إشكالات بين الحكومة والمجلس ناجمة عن تدخل الأخير في عمل الحكومة"، وفقاً لبيان الاستقالة.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

مجلس الأمة الكويت صباح الخالد الحمد الصباح نواف الأحمد الجابر الصباح

وسط أزمة مع الحكومة.. أمير الكويت يعلق جلسات مجلس الأمة شهرا

سياسة الجمود الدائم في الكويت