سياسة الجمود الدائم في الكويت

الثلاثاء 16 مارس 2021 01:20 ص

بدت الجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة الكويتي الـ16، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، وكأنها مشهد معاد من الماضي. وكالعادة فشل اجتماع كتلة المعارضة قبل الجلسة الافتتاحية في رسم الأولويات و"تنسيق" الأصوات حول متحدث عن الكتلة في عام 2020 مثلما حدث في عام 2016. وقد حدث هذا بالرغم من الاجتماعات العديدة التي عقدتها المعارضة بهدف ضمان ذلك.

ولم يستعد رئيس مجلس الأمة "مرزوق الغانم" منصبه هذه المرة. وكان "الغانم" شخصية رئيسية في مواءمة احترام الفرع التشريعي للسلطة التنفيذية التي تقودها الأسرة الحاكمة منذ عام 2013، حتى أنه ذهب إلى حد معارضة قانون العفو عن أعضاء المعارضة البرلمانية المنفيين.

مجلس الأمة الكويتي السادس عشر.. مأزق مستمر

ولم يحدث أي فرق في هذه الانتخابات التي جرت خلال "العهد الجديد" في الكويت، وهو مصطلح تم استخدامه منذ وفاة الأمير "صباح الأحمد الصباح" في سبتمبر/أيلول 2020. وكانت هذه أول انتخابات في عهد الأمير "نواف الأحمد الصباح"، ومع ذلك لا يزال الأمير الجديد يختار الاحتفاظ لنفسه بتعيين رئيس الوزراء، وهو الآن "صباح الخالد الصباح"، الذي تم تعيينه للمرة الأولى في منصبه في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 وأعيد تعيينه في ديسمبر/كانون الأول 2020.

وانتقدت المعارضة "صباح الخالد" في تعامل الحكومة مع جائحة فيروس كورونا، ودعم حكومته لـ"الغانم"، والإبقاء في البداية على وزير الداخلية "أنس الصالح" في حكومته رغم تحفظات بعض أعضاء مجلس النواب.

وتوقع الكثيرون أن مجلس الأمة الجديد سيكون من الصعب على القيادة الكويتية إدارته، حيث يضم عدة شخصيات معروفة بخطابها الناري المناهض للحكومة. ومع ذلك، لم يتنبأ أي من التحليلات بأن العلاقات التنفيذية والتشريعية سوف تصل إلى طريق مسدود على الفور.

وأعرب 36 عضوا في مجلس الأمة عن دعمهم لاستجواب برلماني لرئيس الوزراء طرحه نواب المعارضة المثيرون للقلق في البرلمان، "بدر الداهوم" و"ثامر السويط" و"خالد العتيبي". وأشار الاستجواب على وجه التحديد إلى الأحداث المحيطة بانتخاب رئيس المجلس الوطني وعملية اختيار اللجان البرلمانية.

وردا على ذلك، استقالت الحكومة في 13 يناير/كانون الثاني، بعد الجلستين الافتتاحيتين لمجلس الأمة، ما جعل هذه الحكومة ثاني أقصر حكومة في تاريخ الكويت.

ومرت الآن 7 أسابيع منذ استقالة الحكومة، وتذرع الأمير بالمادة 106 من الدستور لتأجيل الجلسات العامة لمجلس الأمة لمدة شهر. ولتقديم القليل من المنظور التاريخي للأزمة البرلمانية الحالية، كانت المرة الأخرى الوحيدة التي حدث فيها ذلك عام 2012. وتبع ذلك أمر من المحكمة الدستورية اعتبر انتخابات فبراير/شباط 2012 باطلة، ما أدى بحكم الواقع إلى حل برلمان فبراير/شباط 2012 . وكانت هذه هي المرة الـ8 في تاريخ الكويت التي يتم فيها حل مجلس الأمة منذ عام 1963، وقد تم حل 10 من أصل 18 مجلسا في تاريخ الكويت.

سياسة الصدام وأزمات الحكم

ولا يعد تاريخ العلاقات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الكويت سلسا. ولقد مرت محاولات السلطة التنفيذية لاحتواء المعارضة في المجلس التشريعي بعدة مراحل متميزة، بدءا من محاولات غير دستورية بشكل صارخ بين عامي 1963 و1991.

ومنذ عودة البرلمان بتشجيع من الولايات المتحدة بعد تحرير الكويت عام 1991، تخلى قادة البلاد عن هذا النهج، وبدلا من ذلك استخدموا سلطتهم التي يمنحها الدستور لحل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات جديدة.

ومنذ عام 2009، كانت الحكومة تستغل بشكل متزايد المواد الغامضة في الدستور، والنظام الداخلي للجمعية الوطنية، لعرقلة أو تأخير التشريع والرقابة من قبل الجمعية الوطنية، ما تسبب في معارك حول تفسير المواد مع المعارضة. وغالبا ما تحسم المحكمة الدستورية هذه المعارك لصالح الحكومة.

وتعد الأزمة الحالية مظهرا من مظاهر هذه المرحلة الثالثة، التي تجمع بين الصراع على السياسة والخلافات حول قواعد اللعبة. علاوة على ذلك، فإن إحباط المعارضة من عدم قدرتها على التشريع أدى بها إلى استخدام مفرط في أدوات الرقابة، مثل الاستجواب المتكرر للوزراء يليه التصويت بحجب الثقة، ما قد يؤدي إلى الإطاحة بالوزراء أو بالحكومة. وتهدد هذه الاستراتيجيات بقلب التوازن الدقيق الموجود بالفعل في الكويت.

ويمكن النظر إلى كيفية عمل هذه الديناميكية في مجلس الكويت الخامس عشر، الذي تم انتخابه في عام 2016 وأكمل مدة ولايته كاملة حتى عام 2020، للحصول على نظرة ثاقبة للجذور المحددة للأزمة الحالية.

وجرت انتخابات 2016 بعد قرار من جانب الكثير من المعارضة بإنهاء مقاطعتها للجمعية الوطنية. ونتج عن ذلك عرض معقول للمعارضة بالإضافة إلى مجموعة من المرشحين الشباب الذين مثلوا حركة "الحراك" الإصلاحية.

وساعد هذا الأداء القوي المعارضة على الاستحواذ على بعض اللجان الحاسمة في الجمعية الوطنية، بما في ذلك لجنة الشؤون التشريعية والقانونية القوية، التي سيطرت عليها في عامي 2017 و2018. ومع ذلك، سرعان ما شعرت المعارضة بالإحباط بسبب قدرتها المحدودة على التشريع، خاصة فيما يتعلق بالقضايا السياسية والقانونية والحقوق المدنية.

وحاولت المعارضة، على سبيل المثال، دفع مقترح قانون عفو ​​عام من خلال لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في عام 2020 تغطي جميع المدانين باقتحام مجلس الأمة في عام 2011. وقد تم إحباط هذه المحاولة بدمج هذا الاقتراح مع اثنتين من قضايا العفو الأخرى المثيرة للجدل، وهما "خلية العبدلي" و"خلية النائب الشيعي السابق عبدالحميد دشتي". وفي القضية الأولى، أُدين 25 كويتيا وإيرانيا، جميعهم شيعة، بتهمة تخزين أسلحة والتجسس لصالح إيران وحزب الله اللبناني. وأُدين "دشتي" بتهمة إهانة السعودية والبحرين وانتقاد القضاء في الكويت.

ثم انهار قانون العفو بسبب اختلاف التفسيرات حول القواعد الإجرائية الداخلية للجمعية الوطنية التي تحكم مشاريع القوانين هذه. ويوضح هذا الديناميكية متزايدة التعقيد في الجمعية الوطنية، حيث غالبا ما يتقاطع الصراع حول قواعد اللعبة مع الصراع على السياسة. وفي كثير من الأحيان، يميل تفسير القواعد، إما من خلال المحكمة الدستورية أو رئيس الجمعية الوطنية، لصالح الحكومة التي تقودها الأسرة الحاكمة، ونتيجة لذلك، يتم تعطيل التشريع.

وكان رد الفعل على هذه الديناميكية هو الاستخدام المفرط لأدوات الرقابة، ولا سيما استجوابات الوزراء. ومن السهل طرح الاستجوابات بشكل خاص في الجمعية الوطنية، مع اشتراط طلب عضو واحد فقط للاحتجاج بهذا الحق. وكان هناك 32 استجواب خلال مجلس الأمة الـ15، بمعدل 8 استجوابات في العام، ومعظمها تم تقديمه من قبل المعارضة.

ووصف "الحميدي السبيعي" أحد رموز المعارضة في المجلس الماضي، تلك الديناميكية، قائلا: "عندما لا يكون لديك أغلبية في المجلس ويتم إحباط محاولاتك للتشريع لا يكون أمامك خيار سوى استخدام الاستجواب والاستجواب والاستجواب".

وبالإضافة إلى أن الاستجوابات هي مظهر من مظاهر الإحباط بسبب عدم القدرة على التشريع، يمكن أيضا أن تكون مدفوعة بالمنافسات الشخصية والابتزاز والانتقام من الأعداء السياسيين، أو حتى تأتي في صورة خدمات شخصية، وربما حتى إظهار القوة للجماهير.

ويكون للاستجوابات، خاصة إذا كانت موجهة إلى رئيس الوزراء، تأثير كبير. وبالنظر إلى مدى التبعية التي يمكن أن تكون عليها الاستجوابات، أصبحت الحكومة بارعة في استغلال المناطق الرمادية في الدستور الكويتي والقواعد الداخلية لمجلس الأمة لإضعافها أو إبطالها. ومن الأمثلة الواضحة إحالة استجواب رئيس الوزراء لعام 2018 إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية.

وأدت هذه العوامل مجتمعة إلى وضع أصبح فيه المأزق التشريعي التنفيذي متوطنا في الكويت.

علاوة على ذلك، تعاني المعارضة من عجز مزمن في التنسيق بشأن التشريع والرقابة. ويعود جزء من سبب عدم التماسك هذا إلى النظام الانتخابي الكويتي، الذي يشجع المنافسة الفردية ويخلق حواجز كبيرة أمام تشكيل الائتلافات.

وبالرغم من أن اسمها يشير إلى وجود كتلة، إلا أنه من الأفضل وصف المعارضة بأنها تحالف فضفاض من المرشحين القبليين والإسلاميين والناشطين المؤيدين للديمقراطية الذين يتفقون على بعض القضايا ويختلفون على أخرى.

علاوة على ذلك، فإن حقيقة عدم وجود أحزاب سياسية رسمية في الكويت يزيد من تعقيد جهود التنسيق بين الكتل السياسية والبرلمانية الفضفاضة في نهاية المطاف. وتكثر الأمثلة على افتقار المعارضة للتنسيق، مثل الانشقاق المذكور أعلاه حول قانون العفو وعدم القدرة على التنسيق بشأن إقالة وزيرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، "هند الصبيح"، في يناير/كانون الثاني 2018.

مسارات تجنب الفشل

وكانت الخلافات حول القواعد وفشل التنسيق حاضرة في الأيام الأولى للجمعية الجديدة، ما رسم صورة غير مشجعة للعلاقات التنفيذية التشريعية المثمرة. وتتهم المعارضة الحكومة بالتدخل لصالح نجاح "الغانم" في الترشح لكرسي رئيس مجلس الأمة، فيما زعم البعض أنه تدخل في الانتخابات الداخلية للجان مجلس الأمة، ما حد من قيادة المعارضة وتمثيلها رغم أدائها المعقول.

وفي غضون ذلك، انقسمت المعارضة إلى مجموعتين. وتتألف المجموعة الأكثر تطرفا من 8 إلى 11 عضوا ويقودها عضو البرلمان القبلي المعارض "بدر الداهوم" (أصدرت المحكمة الدستورية بإبطال عضويته بتهمة "مس الذات الأميرية" وقت ترجمة المقال). والمجموعة الثانية، بقيادة "حسن جوهر"، وتتألف من 16 عضوا من الكتلة الوطنية "حدس" وائتلاف قبيلة "مطير". وكانت استراتيجية الحكومة حتى الآن هي التفاوض مع المجموعة الثانية. وفي حين أدت هذه المفاوضات إلى تشكيل لجنة مشتركة بين الحكومة وأعضاء في البرلمان، فقد أحدثت هذه الخطوة شرخا داخل المعارضة، الأمر الذي أدى إلى صراع محتدم على وسائل التواصل الاجتماعي بين المجموعتين.

واعتُبر تشكيل حكومة جديدة برئاسة "صباح الخالد" في 2 مارس/آذار في البداية نتيجة إيجابية لهذا التنسيق، بالنظر إلى أنه تم تشكيلها قبل وقت طويل من انتهاء فترة تعليق الجلسات العامة لمجلس الأمة لمدة شهر واحد، بحسب ما ورد.

ومع ذلك، فإن نجاح الجمعية الوطنية الحالية سيعتمد إلى حد كبير على حسن نية الحكومة واستعداد المعارضة لوقف وابل الاستجوابات. وإذا اختارت الحكومة إحباط محاولات المعارضة للتشريع باستخدام ثغرات النظام الداخلي، بمساعدة رئيس الجمعية الوطنية، فمن المرجح أن تستمر النزاعات المستعصية على السياسة والقواعد. وقد هدد بعض أعضاء البرلمان المرتبطين بمجموعة الـ16 علنا بالعودة إلى الاستجوابات إذا فشلت الحكومة في سن تشريع متفق عليه.

بالإضافة إلى ذلك، وفي استعراض للقوة من قبل المعارضة، أعلن "جوهر" وعضو آخر من مجموعة الـ16 عن رغبتهما في استجواب وزير الصحة "باسل الصباح" بشأن التعامل مع جائحة فيروس كورونا وقرار فرض حظر تجول متعلق بالصحة العامة لمدة شهر بدأ في 7 مارس/آذار. علاوة على ذلك، قدم "الداهوم" وعضو آخر في المعارضة الأكثر تشددا استجوابا لرئيس الوزراء بشأن قرار وزارة الداخلية باستدعاء المشاركين في تجمع نظمه "الداهوم" إلى مكتب المدعي العام بالنظر إلى أن المسيرة انتهكت القوانين الصحية لفيروس كورونا.

ومن غير المرجح أن يتم حل الركود الذي يجسد التطور السياسي في الكويت ما لم تشرع الدولة في إصلاحات جادة. أولا، يجب تعديل النظام الداخلي للجمعية الوطنية ليكون أكثر وضوحا وتفصيلا، مع التعلم من الأزمات الدستورية السابقة.

وتتسبب الثغرات الموجودة في القواعد الحالية، التي غالبا ما تستغلها الحكومة وتؤدي إلى أزمات دستورية، في تقويض شرعية كل من الجمعية الوطنية والمحكمة الدستورية بشكل خطير. ويجب ألا يتوقف التشريع فقط على رغبة وحسن نية السلطة التنفيذية.

ثانيا، هناك حاجة ملحة لإصلاح المحكمة الدستورية لتشمل أعضاء معينين بالتشاور مع الجمعية الوطنية أو بموافقتها. وبهذه الطريقة، يتم حل النزاع بين الجمعية الوطنية والسلطة التنفيذية حول الدستور والنظام الداخلي من خلال محكمة دستورية محايدة ومستقلة ومتوازنة، بدلا من الأحكام الصادرة دائما لصالح السلطة التنفيذية وتفتقر إلى الشرعية المفيدة في حل مثل هذه النزاعات.

أخيرا، يجب تعديل قانون الانتخابات في الكويت لتشجيع ديناميكيات الجماعات الفعالة وتثبيط النزعات الفردية بين أعضاء البرلمان. وفي حين أن هذا قد يخلق كتلة معارضة موحدة أكثر قادرة على إحباط مبادرات تشريعية حكومية معينة، إلا أنه يمكن أن يحدد هذا بشكل أفضل الدوائر السياسية التي يمكن للحكومة أن تتفاوض معها بشكل فعال لتحقيق الأهداف التشريعية والمضي قدما في أهداف الحكومة.

المصدر | معهد دول الخليج العربي في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

بدر الداهوم مجلس الأمة الكويتي الأزمة التشريعية التنفيذية الجمعية الوطنية الكويت نواف الأحمد الصباح صباح الخالد مرزوق الغانم مجلس الأمة الحكومة

أزمة الكويت السياسية.. مصير مجلس الأمة يحسم ولادة حكومية متعثرة