قصة عالم سوري كشف أسرار برنامج بلاده الكيماوي للمخابرات الأمريكية

الأحد 21 فبراير 2021 06:50 م

سلّطت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية الضوء على قصة عالم سوري كشف أسرار البرنامج الكيماوي التابع لبلاده للمخابرات الأمريكية، وتم إعدامه على يد سلطات بلاده بتهمة ارتكاب "الخيانة العظمى".

وذكرت الصحيفة أن العالم السوري الذي وصفته بالموهوب، كان يلقب بـ"الصيدلي" وكان لديه زوجتان، بدأت قصة تواصله مع الاستخبارات الأمريكية في دمشق عام 1988.

وأشارت الصحيفة إلى أن العالم السوري درس في الولايات المتحدة، وكان يتقن الإنجليزية بلكنة أمريكية، قبل أن يعود إلى بلاده ليصبح خبيرا في صناعة الأسلحة الكيماوية.

ولفتت إلى أن أول محاولة من قبل العالم السوري الذي اكتفت باسمه الأول وهو "أيمن"، للتواصل مع الأمريكيين، كانت في مؤتمر علمي عقد في أوروبا، حيث طلب من صديق له أن يمرر رسالة إلى السفارة الأمريكية القريبة، ومرت أشهر عدة قبل أن تتصل به "سي آي إيه"، بعد محاضرته في جامعة دمشق.

وكان العالم السوري واحد من المسؤولين البارزين في وحدة سرية تعرف باسم "معهد 3000"، وكانت داخل مركز الدراسات والابحاث المقام على تلة تطل على العاصمة دمشق، وفقا لـ"واشنطن بوست".

وكان عمل "أيمن" يتمثل في إنتاج مواد سامة قاتلة لكي توضع في رؤوس الصواريخ هذه. وأطلق العلماء على المشروع اسم "الشاكوش".

وبفضل مشاركة العالم السوري، حقق "معهد 3000" تقدما في برنامج الأسلحة الكيماوية الذي بدأ بغاز السارين الذي استخدم في خنادق الحرب العالمية الأولى في أوروبا.

ولكن السوريون انتقلوا إلى مراحل أعلى، مركّزين على عوامل الأعصاب، والتي بدأ "معهد 3000" بإنتاجها في مصنع خارج العاصمة.

ووفقا للصحيفة فإن هذه أسلحة "كابوسية"، حيث أنتج السوريون أنواعا عدة منها للتكيف مع ظروف المعركة.

وكان من بين تلك الأسلحة غاز السارين المعروف منذ قرن، ويعتبر من أكثرها خطورة. وهناك أيضا غاز "في إكس" الذي يعتبر أكثر فتكا من السارين ويترك أثرا بعيد المدى. ويخلف وراءه مادة زيتية غير مرئية تقتل بمجرد لمسها للجسد. واستمع عميل "سي آي إيه" بتركيز لما قاله السوري.

فقد كانت المخابرات الأمريكية تعرف عن اهتمام السوريين بالأسلحة الكيماوية ولكن ليس بهذا المدى.

وعندما اندلعت الحرب الأهلية في 2011، شعرت المخابرات الأمريكية بالخوف من فقدان سوريا السيطرة على سلاحها الكيماوي؛ وبخاصة غاز السارين وغازات الأعصاب القاتلة الأخرى.

وتعززت هذه المخاوف بتعاون استمر 14 عاما مع خبير عسكري في السلاح الكيماوي. وكانت المخابرات الأمريكية تعرف حجم الأسلحة الكيماوية التي تملكها سوريا ومخابئها.

طريقة مبتكرة

ويعتبر غاز السارين قاتلا بنسبة 26 مرة أكثر من السيانيد. ويموت الضحية متألما ومخنوقا؛ لأن الغاز يشل عضلات التنفس.

وإنتاج السارين أثناء الحرب الباردة يعتبر أمرا صعبا على بلد صغير، لأنه عادة ما يفقد فاعليته مع طول الوقت.

غير أن العالم السوري قام بتطوير طريقة ذكية يتم من خلالها إنتاج "سارين ثنائي" يتم تخزينه بطريقة منفصلة ولا يمزج إلا في اللحظة الأخيرة.

وواحد من السائليْن هو كحول "إيزوبروبيل" العادي، والثاني قاتل يعرف باسم "دي أف" ويحتوي على العناصر الأخرى ومواد إضافية ساهم "أيمن" في اكتشافها.

وأسهم ذلك في الحفاظ على قوة السارين بين فترة المزج. ولم تقم دولة أنتجت السارين بتطوير معادلة كهذه.

وأشارت الصحيفة إلى أن العميل الأمريكي الذي كشف له العالم السوري تلك التفاصيل نقل زبدة ما جرى من حديث بينهما في برقية سرية أرسلها إلى مقر وكالة المخابرات الأمريكية، وتم تحليل ما ورد فيها، وثبت أنها حقيقية وأكثر من مهمة.

وأصبح العالم السوري يتلقى راتبا ينقل إلى حساب خاص له في ملجأ آمن.

هدية الكريسماس

وفي نهاية ديسمبر/ كانون الأول 1988، أرسل "أيمن" رسالة مشفرة إلى مسؤول "سي آي إيه" وطلب لقائه، لكن ليس في بيته ولا في مقهى عام؛ حتى لا يتم تسجيل عملية المبادلة.

وحددت المقابلة في سيارة بيجو قريبة من السفارة الأمريكية في دمشق، حيث سلمه طردا صغيرا وقال: عيد الميلاد قريب وأنت مسيحي… هذه هدية الكريسماس.

وأخذ مسؤول "سي آي إيه" الطرد ونقله إلى شقته، ثم فتحه بمساعدة خبراء لتجنب أن يكون هناك أي نوع من المفاجأة.

وبعد إزالة الجزء الخارجي للطرد، ظهرت قارورة صغيرة فيها مادة سائلة. وتم وضع القارورة في صندوق زجاجي مقوى ونقلت إلى حقيبة دبلوماسية وأرسلت إلى الولايات المتحدة.

وبعد وصولها أُخذت على عجل إلى مختبر عسكري، حيث قام خبراء بملابس واقية بفتحها وتحليل المادة السائلة.

وكانت النتيجة مبهرة، حيث استطاعت دولة صغيرة وعلى قائمة العقوبات إنتاج "تحفة كيماوية قاتلة".

14 عام تواصل

ومع بداية القرن الحالي، توسع مجمع المختبرات السوري بشكل مضطرد إلى شبكة من المختبرات ومراكز الإنتاج ومجمعات الإنتاج والمخازن، و40 خندق تخزين في عدد من المواقع من دمشق حتى حلب في الشمال.

وظل الباحثون يجربون منتجات جديدة، لكن مخزون السارين الثنائي زاد إلى ما بين 1.300 – 1.500 طن، وغاز الخردل و"في إكس".

ولأن سوريا كانت في وضع مستقر، فلم تدع الحاجة لإنتاج مواد إضافية.

واستمرت اللقاءات بين العالم السوري والمخابرات الأمريكية لمدة 14 عاما، مع أن وجوه الأمريكيين اختلفت. حيث تم تبديل المسؤولين، وجرى التوصل إلى طرق للتواصل يستطيع "أيمن" من خلالها إيصال الرسائل إلى "سي آي إيه" بدون اللجوء إلى السفارة الأمريكية.

وكبر حساب الجاسوس السوري في الخارج من الدولارات والدنانير التي حصل عليها كعمولات من المشترين، ونقل "أيمن" في الخمسين من عمره زوجتيه إلى شقق فارهة وفصل بينهما.

خيانة عظمي وإعدام 

وأشارت الصحيفة إلى أنه في نهاية 2001 جاء الأمن السوري بشكل مفاجئ إلى مركز الدراسات والأبحاث للحديث مع "أيمن"، وسألوه هل يمكنه مرافقتهم إلى المكتب للقاء؟ وشعر "أيمن" بالفزع، وهل كان لهؤلاء معرفة بأمره؟ ولكن كيف؟.

بدأ التحقيق مع "أيمن" في مقر المخابرات، حيث قال مدير المخابرات وصهر الرئيس "بشار الأسد"، "آصف شوكت": "لقد تمت خيانتك".

وقال للعالم الخائف إن الحكومة كانت تعرف عن نشاطاته السرية كلها، ومن الأفضل الاعتراف، وطلب العفو بناء على الخدمات التي قدمها للجمهورية.

واعترف "أيمن" بكل شيء، وأخبر المخابرات السورية بلقاءاته مع "سي آي إيه" والمعلومات التي نقلها للأمريكيين والحسابات المالية في الملاجئ الآمنة.

وقال إن أحدا لم يكن يعرف بنشاطاته، لا رفاقه في البحث ولا زوجتاه، بل عمل على هذا بنفسه.

واستمع "شوكت" لما قاله "أيمن" بنوعٍ من الدهشة، وقرر أن يسأله عن العمولات التي بدأ يتلقاها من الشركات الأجنبية.

وأشارت الصحيفة إلى أن جشع العالم السوري كان هو السبب الذي دفع المخابرات للتحقيق معه، ولم تكن تعرف أي شيء عن نشاطاته التجسسية.

ووجدت المحكمة "أيمن" مذنبا بـ"الخيانة العظمى" في محاكمة سرية لم يعرف بها، ولكن تم وصفها للموظفين في مركز الدراسات والأبحاث لتلقينهم درسا.

ولكنه مُنح معاملة خاصة، فهو "خائن وبطل قومي" في الوقت نفسه. وسُمح لزوجتيه وأولاده بمغادرة سوريا إلى الخارج وبداية حياة جديدة.

أما "أيمن"، فنقل إلى سجن "عدرا"، حيث تم إيقاظه في صباح أبريل/ نيسان 2002، ونقل معصوب العينين إلى ساحة السجن وأعدمته فرقة جنود سوريين.

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

عالم سوري تجسس سي أي أيه السارين السلاح الكمياوي السوري

 7 دول تتعهد بعدم التسامح مع استخدام الكيماوي في سوريا

جهود سورية جديدة لمحاكمة الأسد دوليا بسبب الأسلحة الكيماوية