لعبة التصعيد.. هكذا تخاطر الولايات المتحدة بمواجهة عسكرية مع إيران

الثلاثاء 16 مارس 2021 08:01 ص

أشاد العديد من الأمريكيين والأوروبيين بتوجيه الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ضربة عسكرية ضد الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في سوريا. وهم يرون أن استعراض القوة هذا كان ضروريا لإثبات مصداقية الإدارة الأمريكية الجديدة في ردع الهجمات المستقبلية ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف.

وهناك شعور أيضا لدى الأوروبيين أنه نظرا لأن "بايدن" ليس "دونالد ترامب"، فيمكن للولايات المتحدة الآن شن ضربات عسكرية بطريقة محسوبة تتجنب التصعيد. لكن في ساحات المعارك الفوضوية في الشرق الأوسط، تعتبر هذه الخطوة مخاطرة كبيرة.

وبدون تحرك سريع وموضوعي نحو استراتيجية دبلوماسية بشأن إيران، وهو الأمر الذي تتحدث عنه إدارة "بايدن" ولكن لم تتخذ إجراءات فعلية تجاهه بعد، فهناك خطر من حدوث تصعيد عسكري أوسع. وتشير سلسلة من الحوادث الأخيرة في اليمن والسعودية وخليج عُمان إلى مدى التوتر الذي وصلت إليه البيئة الإقليمية.

وبالرغم من تعهداتها المتكررة بإنهاء "الحروب الأبدية" لأمريكا، لم تستغرق إدارة "بايدن" وقتا طويلا لتنفيذ أولى ضرباتها العسكرية في 26 فبراير/شباط، حيث استهدفت الولايات المتحدة الجماعات المسلحة العراقية المدعومة من إيران، بما في ذلك "كتائب حزب الله" العاملة على الحدود السورية العراقية.

ووصف البيت الأبيض والحكومات الأوروبية المشاركة في التحالف المناهض لتنظيم "الدولة الإسلامية" هذه الخطوة بأنها رد متناسب على الهجمات التي يُزعم أن هذه الجماعات نفذتها على قاعدة في "أربيل" في وقت سابق من ذلك الشهر. وقال بعض المعلقين إن الضربة وضعت بعناية خطوطا حمراء لإيران والجماعات التي تدعمها. لكن في غضون 5 أيام فقط، استهدفت ضربة صاروخية أخرى قوات التحالف في قاعدة عين الأسد في العراق.

ويجب أن يكون واضحا الآن أنه، بدون استراتيجية سياسية متماسكة لحل التوترات في العراق وبين الولايات المتحدة وإيران، فإن الضربات الأمريكية لن تؤدي إلا إلى تسريع دورة التصعيد المتبادل الذي يجر واشنطن وطهران ليصبحا أقرب إلى الحرب المباشرة.

وهذا هو بالضبط هدف تلك الميليشيات العراقية التي ترى أن الضغط العسكري هو الوسيلة الأكثر فاعلية لإخراج الولايات المتحدة من العراق. وبالنسبة لبعض المتشددين في إيران، فإن لعبة التصعيد مفيدة لإلحاق الضرر بآفاق الدبلوماسية الأمريكية الإيرانية وزيادة النفوذ الإيراني قبل المفاوضات النووية والإقليمية المحتملة، بما في ذلك تلك المتعلقة باليمن.

وقد ثبت خطأ الرواية التي تقول إن التصعيد الأمريكي المضاد سيحدد قواعد الاشتباك في العراق. ومثل اغتيال "ترامب" للجنرال الإيراني "قاسم سليماني"، فإن استعراض "بايدن" الأخير للقوة لم يفعل شيئا يذكر لخلق ردع ذي مغزى أو تثبيت قواعد جديدة.

وبالرغم من تعهداته بإعادة تعديل السياسة الأمريكية تجاه إيران، لا يزال "بايدن" يتابع حملة "أقصى ضغط" التي بدأت في عهد "ترامب"، والتي تهدف إلى إجبار طهران على تقديم تنازلات أولا. وقد يكون ذلك نتيجة الضغوط الداخلية للحفاظ على موقف حازم تجاه إيران، فضلا عن إعطاء "بايدن" الأولوية للأجندة المحلية، وهو الأمر الذي يحتاج إلى دعم من الكونجرس.

لكن هذا هو نفس النهج الذي انتقده فريق "بايدن" خلال حملته الرئاسية، حيث أوضح مخاطر الصراع وذكر أن "أقصى ضغط" دفعت إيران فقط إلى توسيع برنامجها النووي. وفي الفترة التي سبقت الانتخابات الأمريكية ولعدة أسابيع بعد تنصيب "بايدن"، حرص القادة الإيرانيون على خلق فترة من الهدوء، حيث خففت الجماعات المسلحة العراقية من استفزازاتها. لكن السلسلة الأخيرة من الهجمات تشير إلى أن إيران وهذه الجماعات تشعر بالإحباط المتزايد بسبب المؤشرات على أن سياسة الولايات المتحدة ستبقى دون تغيير إلى حد كبير.

وقد تشعر الولايات المتحدة بالحاجة المشروعة للرد على الهجمات بالقوة العسكرية، لكن ما لم تقدم واشنطن خطة دبلوماسية قابلة للتطبيق، فإنها تخاطر بالتعرض لمزيد من التصعيد. وفي حين أن إدارة "بايدن" قد تدعي أنها تعرض على إيران مسارا سياسيا، فإن أفعالها تتناقض مع أقوالها.

ومنذ أصبح رئيسا، اتخذ "بايدن" خطوات قليلة لتخفيف الضغط على إيران، حتى على الجبهة الإنسانية. ويأتي ذلك بالرغم من الاعتراف الواسع بأن إدارة "ترامب"، وليس طهران، كانت هي المسؤولة في البداية عن تقويض الاتفاق النووي لعام 2015.

ويعتبر السبيل الوحيد للمضي قدما هو إعادة تنشيط الدبلوماسية بسرعة مع إيران، وهو المسار الذي يجب أن يلعب فيه الأوروبيون دورا رئيسيا نظرا للعوائق التي تحول دون التعاون الأمريكي الإيراني. ويجب أن يركزوا في البداية على الضغط على كل من واشنطن وطهران لاتخاذ خطوات نحو إحياء الاتفاق النووي، والتي بدونها من المستحيل تخيل وقف التصعيد الإقليمي.

ووفر الاتفاق الأخير بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية والذي يتضمن السماح بمواصلة المراقبة للمنشآت النووية الإيرانية، نافذة لمدة 3 أشهر للمحادثات السياسية، قبل الانتخابات الرئاسية في إيران.

ويحتاج "بايدن" بشكل عاجل إلى الشروع في خطوات جادة لبناء الثقة لإحياء الاتفاق كجزء من عملية متزامنة، بدلا من الاستمرار في الإصرار على عودة إيران إلى الامتثال الكامل، أو اتخاذ الخطوة الأولى نحو الامتثال للاتفاق قبل أن تحذو الولايات المتحدة حذوها. ويجب على الدول الأوروبية المساعدة في قيادة هذه العملية بدلا من تبني المواقف التي تعقد الجهود للتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران.

وبصفتها أعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو" والتحالف المناهض لتنظيم "الدولة الإسلامية"، فإن للدول الأوروبية أيضا مصلحة في منع تدهور الوضع الأمني ​​في العراق بين الولايات المتحدة وإيران، وهو تطور قد يعرض القوات الأوروبية هناك للخطر.

وهنا، يمكن أن يكون التقدم على الجبهة النووية بمثابة طريق نحو التهدئة، كما يتضح من الاستعداد الأولي الواضح لإيران للضغط على الجماعات العراقية لتقليل هجماتها. لكن تصميم الولايات المتحدة وإيران والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى على إثبات أن المحادثات النووية لن تضعف عزمها في القضايا الإقليمية الأخرى قد يؤدي، على العكس من ذلك، إلى تصعيد التوترات بينها حتى مع تقدم هذه المناقشات.

ولتجنب هذه النتيجة، يجب على الأوروبيين أن يستبقوا ذلك بالدعوة إلى تهدئة الوضع على الأرض، باستخدام الاتصالات مع الجهات السياسية والأمنية العراقية، بالإضافة إلى أدوات مثل التوعية الأوروبية بالحالة البحرية في مضيق هرمز، لمنع الاشتباكات بين المتنافسين.

ويجب على الأوروبيين أيضا إقامة شراكة وثيقة مع دول الشرق الأوسط ذات التفكير المماثل، للضغط على كل من طهران وواشنطن للكف عن المزيد من التصعيد. ولا تشمل هذه الدول سلطنة عُمان والكويت فحسب، بل تشمل أيضا الإمارات، التي أبدت مؤخرا حماسا جديدا للدبلوماسية.

ويجب على الأوروبيين أيضا الاستفادة القصوى من وصولهم إلى القادة الإيرانيين رفيعي المستوى، بهدف توسيع سبل المفاوضات الإقليمية، بما في ذلك تلك التي تشرف عليها الأمم المتحدة في اليمن.

وقد تعتقد الولايات المتحدة وإيران أنهما بارعتان في إدارة لعبة التصعيد والتصعيد المضاد. ولكن كانت هناك مناسبات متعددة اقتربت فيها الأحداث من الخروج عن السيطرة. وأمام البلدين الآن فرصة ضئيلة للانفصال التام عن حقبة "ترامب" المدمرة، لكن المسار يضيق بسرعة. ويتعين على الجهات الغربية التحرك بذكاء إذا أرادت تجنب التصعيد المستمر.

المصدر | جوليان بارنس داسي وإيلي جيرانمايا - المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاتفاق النووي الإيراني المفاوضات الأمريكية الإيرانية التصعيد العسكري أقصى ضغط إدارة بايدن الميليشيات العراقية

إلهان عمر تطالب إدارة بايدن بالعودة أولا للاتفاق النووي مع إيران

طهران تعلن تسلمها رسائل من واشنطن عبر جهات أوروبية