تجدد الحراك.. فشل تكتيكات السلطة يعيد الجزائر إلى المربع الأول

الأحد 21 مارس 2021 07:26 ص

عاد الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون" إلى بلاده في 12 فبراير/شباط بعد رحلة علاج لمدة شهر في ألمانيا لإجراء عملية جراحية بسبب مضاعفات ما بعد "كورونا". ومنذ ذلك الحين، أجرى "تبون" بعض التغييرات السريعة بعد اجتماعات ثنائية مع مختلف الفاعلين السياسيين، الذين يدعمونه ويعارضونه.

وفي خطاب للشعب طال انتظاره في 18 فبراير/شباط، أعلن "تبون" حل مجلس النواب، ودعا إلى انتخابات تشريعية مبكرة، وأصدر عفواً عن عشرات الناشطين المسجونين من حركة "الحراك" الاحتجاجية. وفي نفس الخطاب، وعد الرئيس بتعديل حكومي خلال 48 ساعة، يهدف لإرسال رسالة بتحسين أداء الحكومة والعمل على تلبية احتياجات المواطنين.

وقد جاءت خطوة الرئيس قبل أيام فقط من 22 فبراير/شباط، الذكرى السنوية الثانية لإطلاق "الحراك"، الذي بدأ أول احتجاجات على مستوى البلاد وأطاح بالرئيس السابق "عبدالعزيز بوتفليقة" من السلطة في 2 أبريل/نيسان 2019. واستمر "الحراك" في مطالبته بإصلاح النظام الحاكم القائم منذ استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962 وإقامة دولة القانون. ولكن المحتجين اضطروا إلى تعليق المظاهرات الأسبوعية في مارس/آذار من العام الماضي مع بدء الوباء.

وتم استئناف الاحتجاجات في الشوارع في الأسابيع التي سبقت إحياء الذكرى السنوية الثانية للإطاحة بـ"بن علي"، وتصاعدت المسيرات منذ ذلك الحين. وبحسب ما ورد استخدمت السلطات القوة المفرطة والاعتقالات التعسفية رداً على ذلك، مكررة نفس طريقة العمل التي شوهدت في العامين الماضيين.

وقال الناشط الحقوقي الجزائري "رابح أرقم"، المقيم في الولايات المتحدة: "لقد عاد الحراك بطريقة غير متوقعة بفضل سلميته وتصميم الشعب الجزائري على النضال من أجل حقوقه حتى النهاية".

وبحسب وزارة العدل، تم الإفراج عن 59 معتقلا بموجب عفو رئاسي، في إطار مبادرة جديدة لتخفيف حدة التوتر في الشوارع. وكان من بين الذين تم العفو عنهم الصحفي البارز "خالد دراريني"، مراسل منظمة "مراسلون بلا حدود" التي تراقب حرية الصحافة، والذي كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة عامين بسبب تغطيته لاحتجاجات الحراك.

لكن اعتبارًا من 7 مارس/آذار، كان لا يزال هناك 35 شخصًا في السجن بسبب صلاتهم بالحراك، حسبما ذكرت "اللجنة الوطنية لتحرير المعتقلين" على صفحتها على "فيسبوك".

وبالرغم من الإفراج الأخير، استمرت الاعتقالات التعسفية والعنف ضد الناشطين والمتظاهرين السلميين. وقد أعربت عدة منظمات جزائرية ودولية عن قلقها بشأن قمع الحق في حرية التعبير.

وفي بيان صدر في أوائل مارس/آذار، قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إنه "قلق للغاية بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان في الجزائر والقمع المستمر والمتزايد لأعضاء حركة الحراك المؤيدة للديمقراطية".

وذكر المتحدث باسم المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، "روبرت كولفيل"، إن مكتب حقوق الإنسان تلقى تقارير موثوقة تفيد بأن حوالي 1000 شخص قد حوكموا لمشاركتهم في الحراك أو بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد الحكومة. وأضاف أن المكتب جمع أيضًا شكاوى حول التعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز، بما في ذلك العنف الجنسي.

ولم ينجح التعديل الوزاري المحدودا في طمأنة المتظاهرين باحتمالات التغيير. وبدلاً من ذلك، فإن التشكيلة الوزارية التي شهدت احتفاظ الوزراء في الوزارات الرئيسية بمناصبهم، وتعيين شخصيات مرتبطة بالنظام القديم، لم تحدث تأثيرا لدى الشعب.

ومن بين من احتفظوا بمنصبيهم رئيس الوزراء "عبدالعزيز جراد" ووزير العدل "بلقاسم زجماتي"، اللذين أصبحا رمزًا للقمع ضد المتظاهرين والمعارضين السياسيين. وقد عمل وزير السياحة الجديد "محمد علي بوغازي" ووزيرة البيئة "دليلة بوجمعة" مع  نظام "بوتفليقة".

ومن المرجح أن حل مجلس النواب وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، كما أعلن الرئيس "تبون"، لن يلبي مطالب المحتجين أيضًا.

ولم تنجح انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2019 التي جعلت "تبون" رئيسًا -مع نسبة مشاركة منخفضة بشكل كبير في اقتراع قاطعته الحركة الاحتجاجية- ولا اعتماد دستور جديد أو تعديلات وزارية متعاقبة في إعطاء الشارع الجزائري ضمانات كافية لتغيير حقيقي. وقد اعتبر المتظاهرون أن "تبون" نتاج النظام الحاكم منذ فترة طويلة.

وتعتبر الاحتجاجات المتجددة بمثابة استئناف لحركة الشارع المستمرة منذ عامين والتي دعت إقصاء المؤسسة السياسية القديمة وتخلي الجيش عن السياسة.

وبعد ما يقرب من عام من وقف المظاهرات العامة،عاد الحراك بالرغم من القمع والوباء. قد تكون الاحتجاجات أصغر، لكن الحراك أعاد إحياء روحه. وقد دفع الحماس المتجدد للحراك العديد من المراقبين إلى التساؤل: ما التالي؟

ويبدو أن الجزائر عادت إلى المربع الأول مع استمرار الشارع في الدعوة إلى تفكيك النظام وعجز السلطات عن إقناع المتظاهرين بدعم المسار السياسي ما بعد "بوتفليقة" وعدم استعدادها لتقديم تنازلات حقيقية.

ويفتقر الحراك إلى خارطة طريق مفصلة مما يفسر سبب عدم تمكنه من ممارسة المزيد من التأثير على صانعي القرار. علاوة على ذلك، يبدو أن المعارضة الجزائرية غير قادرة على الاتحاد حول خارطة طريق بديلة بينما يبدو "تبون" حريصا على مواصلة تنفيذ خطط إدارته.

ولا يوجد إجماع بين أعضاء الحراك حول ما إذا كان ينبغي عليهم التحرك كمجموعة منظمة وإنشاء منصة سياسية بقائمة من المطالب المحددة. كما أن غياب بنية القيادة ترك الحراك غير قادر على إجراء تحولات حاسمة عند الحاجة.

إن السؤال الآخر المثير للانقسام داخل الحراك هو ما إذا كان ينبغي عليهم التفاوض مع النظام. ويخشى المعارضون لهذا القرار من استقطابهم بينما يرى المؤيدون أنه بعد عامين من الحشد، يبدو الحوار شبه حتمي حتى لو تم تقديم تنازلات ذات مغزى.

وفي رأي "أرقم"، يحتاج الحراك إلى إعادة تعريف نفسه بطريقة منظمة مع قيادة توجه مساره في مواجهة النخبة الحاكمة التي تحاول قمعه بأي وسيلة. ورأى أن الخطوة الأولى ستكون اختيار مجموعات من 4 إلى 5 ممثلين يتمتعون بدرجة من النزاهة ويمثلون مختلف شرائح المجتمع. وتابع قائلاً "سيعقد هؤلاء الممثلين بعد ذلك اجتماعات لمناقشة ورسم خارطة طريق انتقالية بهدف وحيد هو التوجه نحو جزائر حرة وديمقراطية".

وأضاف: "لم يعد يكفي تنظيم احتجاجات يومي الثلاثاء والجمعة، نحتاج الآن إلى التنظيم وإلى خارطة طريق.. سيستغرق الأمر بعض الوقت، لكن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها النجاح"، معتبراً أن انهيار النظام بأكمله سيكون غير واقعي للغاية بمعنى أن ذلك لا يمكن أن يحدث في المستقبل القريب.

وكتب "توماس هيل"، من "المعهد الأمريكي للسلام"، في تحليل له أن تكتيكات الحراك لم تتطور بعد لأكثر من مظاهرات مرتين أسبوعياً، وبالتالي فشلت في تطوير ضغطها على السلطة الحاكمة. كما أشار إلى أزمة القيادة، قائلا: "من الممكن أن تكون هناك حركة بلا قيادة، لكن ليس حركة بدون قادة".

ومع عودة ظهوره، أعاد الحراك الأمل بين الجزائريين بينما يواصل النظام الحاكم المناورة للبقاء في السلطة. ولكن يبقى أن ننتظر لنرى كيف ستتطور الحركة الاحتجاجية، وما إذا كان النظام سيكون جاهزًا للاستماع إلى المتظاهرين وما هو مقدار التنازل الذي يمكن أن يقدمه. وبالتالي، فإن التحديات الكبرى تنتظر الشعب والحملات المؤيدة للديمقراطية.

المصدر |  أليساندرا باجيتش - إنسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحراك الجزائري تبون الاحتجاجات في الجزائر حقوق الانسان

الرئيس الجزائري ينفي الخلاف مع الجيش أو نيته الاستقالة

الجمعة 110.. حراك الجزائر يتواصل معلنا رفضه الانتخابات المبكرة

الجزائر.. السجن 16 عاما لمدير الأمن الداخلي السابق واسيني بوعزة

في ذكرى تنحي بوتفليقة.. الجزائريون يواصلون مظاهراتهم في الجمعة الـ111

ناشطون جزائريون يطالبون بوقف الحرب المعلنة على الحراك