جيوسياسية الفضاء.. لماذا أرسلت الإمارات مسبارا إلى المريخ؟

الثلاثاء 30 مارس 2021 01:32 ص

في 9 فبراير/شباط 2021، دخلت الإمارات التاريخ عندما وصل "مسبار الأمل" إلى المريخ. وهو ما جعلها العضو السادس فقط في مجموعة النخبة من الدول التي وصلت إلى الكوكب الأحمر، وأول دولة عربية تفعل ذلك. وأكدت الإمارات أن مهمة المريخ تعد نجاحا لجميع العرب، وأن هذا الإنجاز العلمي المهم يضع أبوظبي ليس فقط كقائدة في الشرق الأوسط، ولكن أيضا كلاعب عالمي مهم في مجال الفضاء.

سباق الفضاء كمظهر من مظاهر الحرب الباردة

وفي منتصف القرن الـ20، جسد سباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي المنافسة في حقبة الحرب الباردة. وكانت القوتان العظميان تتنافسان عبر كل منطقة من مناطق العالم تقريبا، من أفريقيا إلى الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا، وحتى إلى النجوم، في مجالات تتراوح من الأسلحة النووية إلى التجسس.

لكن سباق الفضاء برز أيضا كساحة تجمع بين الفخر الوطني واستعراض أحدث التقنيات. وعندما أرسل الاتحاد السوفيتي بنجاح القمر الصناعي "سبوتنيك" إلى الفضاء الخارجي عام 1957، تم الاحتفاء به باعتباره انتصارا علميا وإقرارا بتفوق النظام السوفيتي بشكل طغى على المزايا الاقتصادية أو السياسية التي ربما كانت للولايات المتحدة على الاتحاد السوفيتي آنذاك. وتطلب ذلك ردا أمريكيا على مستوى الفضاء، وجاء في شكل بعثة "أبولو 11" عام 1969، وهي أول بعثة مأهولة تهبط على القمر.

وفي أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي مباشرة، ظلت برامج الفضاء حكرا حصريا على موسكو وواشنطن. ومع ذلك، في الفترة بين عامي 2000 و2010، انضم المزيد من الدول إلى نادي ارتياد الفضاء، لأسباب تجارية وجيوسياسية.

ويعد امتلاك برنامج فضائي مسألة اعتزاز وطني ومسرح ذي قيمة استراتيجية حقيقية، حيث تسعى دول مثل الإمارات لإبراز قوتها وقدراتها وتطلعاتها في الهيمنة في نهاية المطاف. علاوة على ذلك، برز الفضاء الخارجي أيضا كحدود جديدة للحرب، حيث تختبر العديد من القوى الفضائية مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا بنشاط قدرات جديدة من الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت إلى الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، وتحاول قوى الفضاء الناشئة، مثل الهند والمملكة المتحدة وفرنسا، اللحاق بالركب.

نادي المريخ

ويجعل نجاح مسبار الأمل الإمارات ثاني دولة فقط تدخل مدار المريخ في محاولتها الأولى، بعد الهند. ويؤكد هذا الموهبة والقدرات والاستثمارات التي كرستها دولة الإمارات للبرنامج. وتعد البعثات إلى المريخ مهاما فنية معقدة بشكل لا يصدق. وهي تمثل ذروة طموحات الفضاء الحالية وتنفيذها بنجاح يعتبر انتصارا للقوة الصلبة والناعمة على حد سواء، فهو دليل واضح على البراعة العلمية والتكنولوجية.

ولا تقل الإنجازات العلمية لبعثة الإمارات لاستكشاف المريخ أهمية عن الجيوسياسية على الأرض. ويحتوي مسبار الأمل على 3 عناصر مهمة، المصور الاستكشافي "إكسبلوريشن"، الذي يلتقط صورا للغلاف الجوي للمريخ في 3 نطاقات مرئية و3 نطاقات فوق بنفسجية؛ ومطياف المريخ بالأشعة تحت الحمراء، الذي يفحص الغلاف الجوي للمريخ لتتبع بخار الماء وحركة الحرارة وقياس توزيع جزيئات الغبار والغيوم الجليدية، ومقياس الطيف فوق البنفسجي للمريخ، الذي يقيس التغيرات في الغلاف الحراري المريخي وانبعاثات الغلاف الجوي فوق البنفسجية.

وقام أكثر من 200 مهندس إماراتي، 34% منهم من النساء، بتصميم وبناء مسبار الأمل في مختبر جامعة كولورادو لفيزياء الغلاف الجوي والفضاء ومركز "محمد بن راشد" للفضاء في دبي.

قيادة العالم العربي إلى الفضاء

ومنذ بداية مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ، قدمتها الإمارات على وسائل التواصل الاجتماعي على أنها مهمة عربية إلى الفضاء من خلال وسم #العرب_إلى_المريخ وخصصت لها تغطية إعلامية واسعة. ووصف "يوسف العتيبة"، سفير الإمارات في الولايات المتحدة، مسبار الأمل بأنه "نسخة العالم العربي من صورة مون شوت للرئيس جون إف كينيدي". والرسالة هنا واضحة للغاية، حيث تحرص أبوظبي على إبراز أن الإمارات تقود العرب إلى الفضاء، وهو جهد يقف في تناقض صارخ مع الحقائق المظلمة التي تواجه العديد من الدول العربية حاليا، من الحروب الأهلية إلى المشاكل الاقتصادية والاحتلال ونزوح السكان.

ومن خلال قيادة العالم العربي نحو المستقبل من خلال تطوير التكنولوجيا الجديدة والتطلع إلى النجوم، تقدم الإمارات نفسها على أنها حامل لواء جديد للحضارتين العربية والإسلامية.

سباق الفضاء في الشرق الأوسط

وأدى نجاح مهمة المريخ والجهود التي تبذلها الإمارات لتقديم نفسها كرائد تقني في المنطقة إلى إحداث صدمة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ما دفع القوى الكبرى الأخرى إلى الاستثمار في برامج الفضاء الخاصة بها. وأصبح الفضاء مجالا آخر للمنافسة حيث يمكن لقوى الشرق الأوسط أن تظهر قوتها وقدراتها، وساحة تتنافس فيها الدول لتمثيل المنطقة على المسرح الدولي.

وعززت مصر جهودها الفضائية المتفرقة تحت إشراف وكالة الفضاء المصرية، التي تخطط لإرسال أول رائد فضاء مصري إلى الفضاء بحلول عام 2026. وفي عام 2019، أطلقت القاهرة أول قمر صناعي للاتصالات، وهو "طيبة -1"، وسوف تتعاون مع شركة رحلات الفضاء "سبيس إكس" لإرسال قمر صناعي آخر للاتصالات إلى الفضاء في عام 2022.

وتعمل مصر على تنويع شراكاتها الفضائية دوليا، وتعمل مع الصين وألمانيا على بناء قمرين صناعيين. وبعد أن أثبتت القاهرة التزامها بتعزيز مكانتها كلاعب في الفضاء، تم اختيارها لاستضافة مقر وكالة الفضاء الجديدة التابعة للاتحاد الأفريقي عام 2019.

وتعد تركيا لاعبا رئيسيا آخر في سباق الفضاء الإقليمي. وفي فبراير/شباط، أعلن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، الذي يسعى لتحقيق إنجاز وطني يتزامن مع الذكرى المئوية للجمهورية التركية ليكون فرصة لتوطيد سلطته السياسية محليا، أن تركيا تخطط للهبوط على سطح القمر بحلول عام 2023. وأضاف أن الدولة تهدف إلى بناء "ميناء فضائي بتعاون دولي" والمنافسة في مجال تطوير الأقمار الصناعية من الجيل التالي.

وتبقى أهم الأخبار حول طموحات تركيا الفضائية حتى الآن هي أن أنقرة تخطط لبناء موقع لإطلاق الصواريخ في الصومال بتكلفة تصل إلى مليار دولار. وستخصص تركيا أيضا 150 مليون دولار لأبحاث الفضاء وتطويره، بالإضافة إلى منح لعلماء الفيزياء الفلكية.

وتأتي السعودية من بعيد أيضا للحاق بسباق الفضاء في المنطقة. وفي إطار خطة رؤية المملكة لعام 2030 لتنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد على النفط، أنشأت الرياض هيئة الفضاء السعودية عام 2018 لقيادة الجهود في صناعة الفضاء والبحوث.

وكانت السعودية أول دولة في الشرق الأوسط ترسل رائد فضاء إلى الفضاء، وقد تعهدت باستثمار 2.1 مليار دولار في برنامجها الفضائي الناشئ. وفي عام 1985، وبالشراكة مع وكالة ناسا، أصبح الأمير "سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود" أول رائد فضاء سعودي وعربي ومسلم ينضم إلى مهمة "ديسكفري"، حيث أجرى التجارب وساعد في إطلاق القمر الصناعي "عربسات 1-بي". والأمير "سلطان بن سلمان" هو الرئيس الحالي لهيئة الفضاء السعودية، ويخطط للتعاون مع قوى الفضاء مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند والإمارات. على سبيل المثال، وقعت الرياض هذا الشهر اتفاقية مع بكين لإجراء مهمة علمية سعودية على متن محطة الفضاء الصينية عام 2022.

وإيران هي قوة إقليمية أخرى ذات تطلعات فضائية. وبالرغم من تأثير العقوبات والتوترات المستمرة مع كل من القوى الغربية والإقليمية، حافظت طهران على برنامج فضائي قوي منذ العقد الأول من القرن الـ21. وفي عام 2020، نجحت طهران في وضع قمر صناعي عسكري اسمه "نور" في المدار، ما يمثل تحولا في استراتيجيتها الفضائية لإجراء عمليات إطلاق أقمار صناعية من خلال الجيش بدلا من وكالة الفضاء المدنية، بعد الإخفاقات في عمليات الإطلاق السابقة.

وكان لإيران وكالة فضاء خاصة بها منذ عام 2004، ونجحت في إرسال قمر صناعي روسي الصنع إلى المدار في عام 2005. وتحت ضغط دولي، خفضت روسيا تعاونها الفضائي مع إيران في الأعوام التي تلت ذلك، ونتيجة لذلك، نظرت طهران إلى الصين كشريك فضائي لإطلاق قمر صناعي وطني للاستشعار عن بعد وآخر للاتصالات الوطنية. وإذا رفضت بكين بناء هذه الأقمار الصناعية لإيران بسبب مخاوف من العقوبات الأمريكية، تأمل طهران في استخدام الخبرة والتقنيات الفضائية الصينية لمساعدتها على القيام بذلك محليا بدلا من ذلك.

الخلاصة

يظهر الفضاء كمجال جديد للمنافسة بين قوى الشرق الأوسط، وقد تم تعزيز هذا التنافس بشكل كبير من قبل مهمة الإمارات لاستكشاف المريخ. وفي نجاح علمي وجيواستراتيجي لدولة الإمارات، مكنت المهمة أبوظبي من تقديم نفسها كرائدة بين الدول العربية في مجال جديد. كما كان لرمزيتها تأثير إقليمي أوسع أيضا، ما دفع مصر وتركيا والسعودية وإيران لمحاولة أن تحذو حذوها وتنضم إليها في ممارسة قوتها في الفضاء كانعكاس لموقعها الاستراتيجي في المنطقة.

المصدر | محمد سليمان - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مسبار الأمل السباق نحو الفضاء نادي المريخ الحرب الباردة السباق التكنولوجي

تركيا تستعد لإطلاق أول قمر صناعي مصغر إلى الفضاء

هبوط مائي نادر في الظلام.. عودة 4 رواد من محطة الفضاء الدولية إلى الأرض

بعد محاولة فاشلة.. مسبار ناسا يجمع أول عينة صخرية من المريخ

بن راشد يعلن إطلاق مهمة جديدة للإمارات إلى الفضاء

اتفاقية بين الإمارات وروسيا وكازاخستان لتطوير مركز فضائي

صاروخ أمريكي يحمل أول مسبار إماراتي إلى القمر