كيف تحولت دبي إلى مركز للأعمال الأفريقية؟

الثلاثاء 30 مارس 2021 11:14 ص

لمئات السنين، كانت عواصم المال والأعمال لأفريقيا موجودة في أوروبا، في لندن وباريس وبرلين ولشبونة.

وبالرغم من انتهاء الاستعمار، لا تزال الأموال تتدفق من أفريقيا إلى المراكز المالية الأوروبية، ولكن على مدار العقد الماضي، تغيرت مقار الأعمال التجارية جغرافيا. ولم تعد هذه المقار إلى أفريقيا، ولكن ذهبت إلى مستعمرة بريطانية سابقة وهي دبي.

ويوجد الآن أكثر من 21 ألف شركة أفريقية في دبي بزيادة بنحو 25% عن عام 2017، وفقا لأرقام غرفة التجارة والصناعة في دبي.

واستقطبت دبي أيضا 45 مقرا رئيسيا لشركات متعددة الجنسيات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مقارنة بـ26 مقرا لقارة أفريقيا فقط، وفقا لتقرير عام 2018 الصادر عن شركة "إنفومينيو"، وهي شركة بيانات وأبحاث متخصصة في أفريقيا والشرق الأوسط.

وبدأ حجم رأس المال وعدد الشركات التي تتعامل مع أفريقيا في الارتفاع في نفس وقت انتفاضات الربيع العربي قبل عقد من الزمن تقريبا.

وقال "ثيودور كاراسيك"، كبير المستشارين في شركة "جالف ستيت أناليتكس"، وهي شركة استشارية مقرها واشنطن، إن الربيع العربي ساعد على جعل دبي والإمارات محط اهتمام أكبر من الدول الأفريقية، قائلا: "كانت هناك تدفقات كبيرة من الأفارقة إلى دبي من عام 2011 فصاعدا".

وارتفع عدد السياح القادمين من أفريقيا إلى دبي من 6 آلاف و954 فقط في عام 1984 إلى 600 ألف في عام 2016، ليصل إلى 810 آلاف في عام 2019، أي ما يعادل 6% من إجمالي الزوار، وفقا لأرقام السياحة في دبي.

وارتفع إجمالي التجارة مع أفريقيا أيضا، من 3% من إجمالي تجارة دبي في مطلع القرن إلى 10% في 2018.

وأصبحت القارة الأفريقية ثالث أكبر منطقة تجارية لدبي بعد آسيا وأوروبا، وفقا لجمارك دبي.

وقال "سكوت كيرنز" العضو المنتدب لشركة "كرييشن بيزنس" الاستشارية في دبي: "منذ أعوام، كان الروس يأتون، ثم الصينيون، ومع تراجع ذلك، رأينا الأفارقة مع انفجار الثروة في هذا الاتجاه. لقد تباطأ الأمر قليلا خلال العام الماضي، بسبب جائحة كوفيد-19، ولكن بمجرد السماح بالسفر مرة أخرى، سنشهد ظهور أفريقيا من جديد".

طفرة غير مقصودة

ولم تصبح المدينة الخليجية، التي تقع على الجانب الآخر من شبه الجزيرة العربية المقابل للجانب المجاور لأفريقيا، مركزا للأعمال الأفريقية عن قصد، وقال "مارتن ترونكويت"، الشريك الإداري في "إنفومينيو": "لم تكن حكومة دبي، ولكن الأشخاص الذين في السلطة في أفريقيا، هم من اختاروا القيام بأعمال تجارية في دبي".

وساهم النمو في المقار التي تضمها دبي للشركات العاملة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، في نجاح الإمارة في فطام نفسها عن الاعتماد على عائدات النفط. ونمت التجارة غير النفطية مع أفريقيا بنسبة 700% على مدار الـ15 عاما الماضية، حيث قفزت من 33 مليار دولار في عام 2015 إلى 50 مليار دولار في عام 2019، وفقا لغرفة التجارة والصناعة في دبي.

وبينما تعمل 6 مقرات رئيسية إقليمية في قطاع الطاقة، يعمل 8 في الخدمات المالية، و7 في السيارات وقطع الغيار، و5 في التكنولوجيا، يليها تجار الجملة، وشركات الطيران والدفاع، والرعاية الصحية، والنقل.

وبالنظر إلى مكان تواجد صانعي القرار في قائمة "فورتشن 500"، نجد أن ما يقرب من نصف المقار الإجمالية التي تغطي منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في دبي، أي أكثر من 3 أضعاف عدد مقرات جوهانسبرغ عاصمة جنوب أفريقيا، التي احتلت المرتبة الثانية، يليها نيروبي في كينيا، والدار البيضاء في المغرب، ولاجوس في نيجيريا.

وعن هذا يقول "ترونكويت": "لقد بدا الأمر غير منطقي؛ لأن دبي ليست واقعة تقنيا في أفريقيا".

وقال "كيرنز" إن روابط الطيران في دبي والبنية التحتية للسياحة وسهولة الوصول كانت أيضا محركا كبيرا في جعل الإمارة مركزا للأعمال الأفريقية.

وقال "إسحاق كواكو فوكو جونيور"، مؤسس شركة استشارية استثمارية مقرها دبي، إنه بالنسبة للكثيرين منهم، "من الأسهل السفر من دبي إلى أفريقيا والعكس، أكثر من السفر داخل أفريقيا. كما أن سهولة استخراج تأشيرات تعد ميزة كبيرة، مقارنة بلندن أو نيويورك، حيث توجد العديد من العوائق غير الضرورية مثل توفير البيانات المصرفية للحصول على تأشيرة لحضور اجتماع عمل فقط".

وأضاف: "بعض الدول الأفريقية مثل جنوب أفريقيا، وهي مركز أعمال آخر، لديها لوائح صارمة للتأشيرات. ويعني هذا أن الزيارة يمكن أن تكون تجربة مرهقة. وفي المقابل، فإن دبي ترحب بالأفارقة من جميع أنحاء القارة".

عاصمة افتراضية

وقال "ترونكويت" من "إنفومينيو" إن "المنطقي أن تكون لاجوس عاصمة الأعمال لأفريقيا، فنيجيريا لديها أكبر اقتصاد في القارة. وتأتي جنوب أفريقيا في المرتبة الثانية. ومع ذلك، تم تصنيف لاجوس كواحدة من أسوأ مدن العالم للعيش فيها، وتعتبر السلامة الشخصية مشكلة كبيرة، كما هو الحال في جوهانسبرج".

وأضاف: "من الصعب أيضا جذب كبار المسؤولين التنفيذيين وعائلاتهم إلى البلدان التي لا يرقى فيها التعليم والرعاية الصحية والسلامة إلى المعايير العالمية. لذا كان هناك فرصة أمام دبي لتكون العاصمة التجارية لأفريقيا".

وقال "كاراسيك" من "جلف ستيت أناليتيكس": "في حين أن السكان المحليين في دبي اعتبروا الإمارة العاصمة التجارية لأفريقيا لأكثر من عقد من الزمان، إلا أن الأفارقة لا يرون هذا دائما شيئا جيدا".

وقال "فوكو": " تلعب دبي دورا حاسما فيما يخص الأعمال في أفريقيا، لكن سيكون من غير العدل القول إنها عاصمة الأعمال لقارة بأكملها. وتلعب مدن مثل نيروبي وجوهانسبرج والقاهرة وأكرا أيضا أدوارا مهمة كمراكز للأعمال".

طريق ذو اتجاهين

ومن المقرر أن تزداد التجارة والأعمال بين أفريقيا والإمارات؛ حيث تتطلع الإمارات إلى توسيع العلاقات مع الأسواق الناشئة. وتعد الإمارات ثاني أكبر دولة مستثمرة في أفريقيا بعد الصين، حيث استثمرت 25.3 مليارات دولار بين عامي 2014 و2018، في حين كان صندوق أبوظبي للتنمية (وكالة المساعدات الخارجية في الإمارة) أكبر مستثمر، بقيمة 16.6 مليارات دولار، في 28 دولة أفريقية، وفقا لـ"فايننشال تايمز".

كما تتطلع دول أخرى في المنطقة إلى الفرص المتاحة. وقال "كاراسيك": "أفريقيا هي بؤرة مركزية لدول الخليج بسبب فيروس كوفيد-19 والحاجة إلى التعافي الاقتصادي، مع التركيز على مشاريع التعدين والطاقة الخضراء. لذلك تتنافس دول الخليج على القارة".

ويسعى الإسرائيليون أيضا إلى الحصول على أعمال تجارية في أفريقيا من خلال دبي، حيث تشير الشركات الاستشارية في الإمارة إلى زيادة الاتصالات مع إسرائيل منذ توقيع اتفاق التطبيع مؤخرا بين إسرائيل وعدة دول عربية.

ويتم تعزيز هذا الاهتمام المتجدد بأفريقيا من خلال منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والتي دخلت حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني، وتجمع 1.3 مليارات شخص في كتلة اقتصادية تبلغ قيمتها 3.4 تريليونات دولار من 54 دولة أفريقية.

وكانت الإمارات من أشد المؤيدين لهذا المخطط.

وقال "فوكو": "نظرا لأن الأسواق الأفريقية مجزأة للغاية، فإن المشاريع الموحدة، مثل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، تجعل المشاركة أسهل. ودبي تحدد الفرص".

سلبيات

ومع ذلك، فإن أحد عيوب التواجد في دبي هو أن الشركات بعيدة كل البعد عن أسواقها المستهدفة. وقال "فوكو": "هناك الكثير من المقرات الرئيسية لأفريقيا في دبي، لكن هذا لا يسمح لك بالتعرف على ما يحدث على الأرض، لأنك لست في نيروبي أو غانا".

ومع وضع ذلك في الاعتبار، أنشأت غرفة تجارة وصناعة دبي 4 مكاتب دولية في أفريقيا على مدى الأعوام الـ7 الماضية، في إثيوبيا وغانا وموزمبيق وكينيا. وأضاف "فوكو": "سيكون أمرا رائعا أيضا أن يتم تنظيم المزيد من الأحداث بين دبي وأفريقيا في أفريقيا نفسها بدلا من دبي".

وهناك مصدر قلق آخر وهو أن دور دبي المتنامي كملاذ ضريبي يضر بالدول الأفريقية. ووفقا لمجموعة "شبكة العدالة الضريبية"، التي تتخذ من لندن مقرا لها، فإن "دبي بلا شك واحدة من أشهر الولايات القضائية السرية في العالم، وهي مبنية على مجموعة متزايدة التعقيد من المرافق الخارجية التي تشمل مناطق التجارة الحرة، وبيئة ضريبية منخفضة وسرية ومتعددة التسهيلات وتشهد تراخيا في الإنفاذ". وتمكّن مثل هذه السياسات التدفقات غير المشروعة لرؤوس الأموال من أفريقيا إلى دبي.

وقال "لاكشمي كومار"، مدير السياسات في "جلوبال فايننشال إنتجريتي"، في واشنطن: "تخسر القارة الأفريقية إيراداتها القيّمة التي تحتاجها من خلال التحايل على قضية الضرائب. وهي مشكلة بالتأكيد".

وأشار "كومار" إلى أن دبي تلعب دورا رئيسيا كملاذ ضريبي، حيث يضم مركز دبي المالي العالمي أكبر مجموعة من المؤسسات المالية في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا.

كما تعرضت دبي لانتقادات لدورها في تجارة الذهب غير المشروعة، حيث يتم تهريب "الذهب الدموي" من أفريقيا إلى الإمارة.

وقال محللون إن دبي أصبحت مركزا مهما لصادرات الذهب من أفريقيا، في الوقت الذي يعد فيه انخفاض معدل الضرائب في الإمارة جذابا لإنشاء الشركات، خاصة بالنسبة للشركات الأفريقية والأوروبية التي تهرب من ارتفاع معدلات الضرائب.

وتم اعتبار سوق العقارات في المدينة أيضا منفذا مثاليا لتحقيق مكاسب غير مشروعة، مثل أعمال النخبة النيجيرية.

وقال "كومار": "تعد دبي مركزا رئيسيا لكل جريمة تقريبا، مما يجعلها فريدة بشكل ما".

المصدر | باول كوشران - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عاصمة المال عاصمة التجارة عاصمة الأعمال الأعمال الأفريقية الذهب الدموي الملاذ الضريبي دبي

بمليارات الدولارات.. دبي وجهة تهريب الذهب من أفريقيا

التناقضات سمة سياسة الإمارات تجاه أفريقيا