جبهة جديدة في الصراع السري بين إيران وإسرائيل

الخميس 1 أبريل 2021 09:23 ص

تصاعدت التوترات بين إسرائيل وإيران بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة. وفي يناير/كانون الثاني، أعلن رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء "محمد باقري" أن القوات البحرية ستستأنف مهام الدوريات في البحر الأحمر، لحماية السفن التجارية وناقلات النفط، بعد "سلسلة من الحوادث المحدودة" هناك. ولكن يبدو أن القيادة الإيرانية لم ترغب في كشف تفاصيل الدوافع وراء هذا القرار.

وفقًا لصحيفة "وول ستريت جورنال"، قصفت إسرائيل وألحقت أضرارًا بما لا يقل عن 12 سفينة ترفع العلم الإيراني في البحر الأحمر كانت متجهة إلى سوريا ومناطق أخرى من المنطقة خلال العامين الماضيين.

كما زعمت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن العمليات البحرية ضد إيران خلال الفترة الأخيرة كانت "أعمق وأكثر شمولاً" مما حدث سابقًا.

وفي حين أن إسرائيل لم تعلق على الهجمات المزعومة ورفض المسؤولون الإيرانيون حتى الآن التحدث بصراحة عنها، ينفي "حسين داليريان"، الخبير الأمني ​​والعسكري في طهران، مزاعم النطاق الكبير للهجمات الإسرائيلية ضد السفن الإيرانية حيث قال إن التقارير الصحفية "جزء من حرب نفسية جديدة من قبل إسرائيل ضد الجمهورية الإسلامية".

وجاءت هذه التقارير في أعقاب حادثتين أخيرتين، بما في ذلك انفجار تعرضت له سفينة شحن إسرائيلية خلال مرورها في خليج عُمان في فبراير/شباط، والذي ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" باللوم فيه على إيران.

علاوة على ذلك، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية في 25 مارس/آذار، أن صاروخًا إيرانيًا أصاب سفينة شحن مملوكة لإسرائيليين كانت تبحر من تنزانيا إلى الهند. وفي المقابل، اتهمت إيران إسرائيل بالوقوف وراء هجوم في البحر الأبيض المتوسط ​​في أوائل مارس/آذار الماضي أضر بسفينة حاويات إيرانية متجهة إلى أوروبا.

وأضاف "داليريان": "بالرغم من عدم إعلان أي من إيران أو إسرائيل مسؤوليتهما عن العمليات الأخيرة، يمكننا القول إن إيران وإسرائيل يخوضان الآن حربًا بحرية سرية، والإسرائيليون هم من بدأوا هذه المعركة، والجمهورية الإسلامية سترد بالتأكيد وستقدم ردا متناسبا، أو ربما ردا كبيرا على مثل هذه الهجمات".

ومع ذلك، يعتقد "عبدالرسول ديفسلار"، الباحث المقيم في روما أن القيود التشغيلية والاقتصادية، إلى جانب التعقيدات السياسية، قد تجبر طهران على "التزام الحذر في الرد على الاستفزازات الإسرائيلية".

لقد ألحقت العقوبات الأمريكية التي أعاد الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" فرضها على إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي أضرارًا كبيرة بالاقتصاد الإيراني، كما أدت جائحة "كورونا" إلى تفاقم هذا الوضع الرهيب بالفعل.

وقال "ديفسالار": "قد يكون رد طهران قصير المدى بهدف إرسال رسالة للإسرائيليين مفادها أن لديها الوسائل والإمكانيات للقيام بذلك، لكنها تتجنب الانتقام على نطاق واسع".

ومقارنة بإيران، قد يكون لإسرائيل - بميزانية عسكرية سنوية تتجاوز 20 مليار دولار وحزمة مساعدات عسكرية بقيمة 3.8 مليار دولار تتلقاها كل عام من الولايات المتحدة - اليد العليا بسبب قدراتها التكنولوجية واللوجستية وإمكانية الوصول إلى المعلومات الاستخبارية المقدمة من قبل جيوش الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وينبغي الإشارة إلى أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج العربي وتشكيل كتلة إقليمية جديدة مناهضة لأي حل وسط مع إيران يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تكثيف الصراع بين طهران وتل أبيب.

وقالت "رافاييلا إيه ديل سارتو"، أستاذة دراسات الشرق الأوسط في جامعة "جونز هوبكنز": "تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين من جهة، والعلاقات الجيدة (التي لا تزال سرية) مع السعودية ودول الخليج الأخرى، يعطي زخمًا جديدًا لإسرائيل واستراتيجية الردع تجاه إيران"

وفي حين أن إسرائيل قد يكون لها اليد العليا مع حلفائها الإقليميين الجدد، فإن هذا لا يعني بالضرورة أن أيدي إيران مقيدة وأن طهران، بميزانية عسكرية سنوية تقل قليلاً عن 13 مليار دولار، لديها خيارات أقل للرد. وقد حذرت إيران بالفعل من الوجود الإسرائيلي في الخليج العربي وإمكانية إثارة التوترات.

في السنوات الأخيرة، اهتمت إيران بتطوير قدرات طائراتها بدون طيار والصواريخ الباليستية. وعززت إيران أيضًا قواتها البحرية، مضيفة المزيد من السفن المتقدمة ومجموعة واسعة من الصواريخ المحلية المضادة للسفن.

وفي رد فعل رمزي ولإظهار قوتها البحرية بعد أيام فقط من الانفجار على السفينة الإيرانية "شهر كورد"، كشف الحرس الثوري عن قاعدة صواريخ جديدة تحت الأرض قادرة على تنفيذ ما أسمته "الحرب عن بعد".

ويشير الكشف عن القاعدة إلى جانب مجموعة من العوامل الأخرى إلى أن الهجوم الأخير على السفن الإيرانية ربما دفع طهران عن غير قصد إلى التفكير في مجال جديد للحرب وتطوير قدرات غير تقليدية كانت غائبة جزئيًا في إيران.

وقال "ديفسالار": "يمكن أن يكون رد طهران على المدى الطويل هو بناء القدرات العملياتية لها ولحلفائها بما يمكنها من تنفيذ هجوم بحري مماثل ضد إسرائيل خارج الخليج، (في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط)، ويمثل ذلك تهديدًا طويل الأمد لإسرائيل".

قبل سقوط "الشاه" عام 1979، كانت إيران وإسرائيل صديقتين حميمتين وحليفتين لمدة 30 عامًا. باعت إيران النفط لإسرائيل عندما فرضت الدول العربية المنتجة للنفط حظراً على إسرائيل. كما حافظت طهران وتل أبيب على تعاون وثيق في المجال العسكري والاستخباراتي. حتى إن إسرائيل كانت تطور سرا مشروع صواريخ أرض - أرض بمليارات الدولارات لصالح إيران (يمكن تزويدها برؤوس حربية نووية)، كما قدمت الاستخبارات الإسرائيلية التدريب لشرطة "الشاه" السرية المعروفة باسم "السافاك".

لكن الثورة الإسلامية قلبت هذه العلاقات رأساً على عقب، حيث قطعت إيران العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتحول البلدان منذ ذلك الحين إلى عدوين لدودين وانخرطا في أعمال عدائية مباشرة وغير مباشرة. ومع ذلك، استمر تعاونهما العسكري خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، حيث زودت إسرائيل إيران بالسلاح.

غيّر الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 ميزان القوى الإقليمي، حيث اتجهت إيران تدريجياً إلى توسيع نفوذها في المنطقة من خلال دعم مختلف الأحزاب السياسية وكذلك الجماعات المسلحة في العراق في إطار سعيها لطرد القوات الأمريكية ثم في وقت لاحق محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".

وكان لسوريا دور لوجستي حيوي في تمكين إيران من تقديم الدعم لـ"حزب الله" في لبنان. ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، دعمت طهران نظام "بشار الأسد". ويوصف التحالف الذي يمتد من طهران إلى بيروت عبر دمشق ويشمل أيضا غزة وبغداد بـ"محور المقاومة". وفي اليمن، دعمت إيران أيضًا الحوثيين في قتالهم ضد السعودية.

ولاحتواء الوجود الإيراني في جوارها، تبنت إسرائيل نهجا حازما حيث شن الجيش الإسرائيلي مئات الغارات الجوية على ما يصفه بأهداف إيرانية في سوريا والعراق منذ عام 2012. ومع ذلك، فشلت هذه الضربات في إحداث أي تحولات كبيرة في استراتيجية إيران الإقليمية. وقد ردت طهران في مناسبات قليلة على تلك الضربات بينما اعتمدت بشكل عام استراتيجية خاصة بها لتقليل تعرض أصولها لمثل هذه الهجمات.

ليس سراً أنه قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" يضغط من أجل شن هجمات على المواقع النووية الإيرانية. كما تم الاشتباه في قيام إسرائيل بتنفيذ مجموعة واسعة من الأعمال السرية بما في ذلك التخريب والهجمات الإلكترونية واغتيال علماء نوويين إيرانيين لإبطاء برنامج إيران النووي.

حتى قبل أن يتولى "جو بايدن" - الذي أعرب عن رغبته في استعادة الاتفاق إذا عادت إيران إلى الامتثال الكامل أولاً - منصبه كرئيس للولايات المتحدة، كان الإسرائيليون يخططون بالفعل لعرقلة فرص إحياء الاتفاق النووي.

وجدد المسؤولون الإسرائيليون، في الأسابيع الأخيرة، تهديداتهم بشن "ضربات استباقية" على المواقع النووية الإيرانية مثل تلك التي نفذوها في العراق وسوريا.

وقالت "ديل سارتو": "يرى الإسرائيليون أن البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب توسع وترسيخ النفوذ الإيراني بالقرب من حدود إسرائيل (وعلى الأخص في سوريا ولبنان)، هو التهديد الأمني ​​الأهم الذي تواجهه إسرائيل اليوم".

وأثارت تصريحات كبار الضباط العسكريين في إسرائيل تجاه إيران نقدا شديدًا في طهران، وقال الجنرال الإيراني "باقري" في 16 مارس/آذار إن بلاده اكتسبت ما يلزم "لإزالة إسرائيل من الجغرافيا السياسية للمنطقة".

وشدد "باقري" على خطة مستوحاة من أمر صدر عام 2013 من المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" يتضمن تدمير مدينتي حيفا وتل أبيب الإسرائيليتين في حالة قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد إيران.

وأثار تصعيد الخطاب بين إيران وإسرائيل وسط الحوادث البحرية الأخيرة مخاوف من خطر تحول هذه التوترات إلى صراع إقليمي شامل، ما يطرح سؤلا حول الخيارات المتاحة لتهدئة الاحتكاكات ومنع وقوع كارثة محتملة.

وقالت "ديل سارتو": "أعتقد أن المفتاح يكمن في واشنطن. من المؤكد أن الإدارة الأمريكية تمتلك النفوذ اللازم على إسرائيل لإقناعها بتقليص أعمالها العدائية ضد إيران وتجنب استفزاز طهران، مع الاعتراف بمخاوف إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها عند مهاجمتها".

لقد ساهم الاتفاق النووي الذي انسحب منه "ترامب" في عام 2018 بشكل كبير في تعزيز الأمن الإقليمي من خلال المساعدة في كبح البرنامج النووي الإيراني واحتواء الغرائز التخريبية للحكومة الإسرائيلية.

ومع ذلك، يدفع الإسرائيليون اليوم من أجل تمديد حملة "أقصى ضغط" التي أطلقها "ترامب" وفرض قيود أكثر صرامة على برنامج إيران النووي، كما تريد إسرائيل احتواء توسع إيران الإقليمي ومنع تطوير مشروعها الصاروخي.

في غضون ذلك، يجب على العواصم الغربية التحرك بسرعة لدرء خطر نشوب صراع عسكري مباشر بين إيران وإسرائيل.

المصدر | محمد الهاشمي | إنسايد ارابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الصراع البحري الإيراني الاسرائيلي البحرية الإيرانية الاتفاق النووي خامنئي نتنياهو العلاقات الإيرانية الإسرائيلية

ستراتفور: هجوم إيران على سفينة إسرائيلية يهدد بنشوب تصعيد أكبر

خطر جسيم.. نتنياهو يهدد إيران إذا ألحقت أذى بإسرائيل