إس-400 ليست سبب الجفاء.. أمريكا على وشك فقدان نفوذها تماما على تركيا 

الجمعة 2 أبريل 2021 12:14 م

تعد الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وتركيا نتاج إحباط واشنطن المتزايد تجاه أنقرة، الذي بدأ بوجه خاص في مطلع القرن الحالي، عندما بدأت تركيا في اتباع سياسة خارجية مستقلة، لم تكن بالضرورة متوافقة مع المصالح الأمريكية المحددة.

وببساطة فإنه كلما قاومت أنقرة مطالب أمريكا بصورة متزايدة، كلما زادت أمريكا الضغط عليها.

ويضيف "علي ديميداس"، أستاذ العلوم السياسية الأمريكي، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، أن أزمة منظومة الصواريخ الروسية "إس-400" مجرد أحدث ملامح هذه الدائرة المفرغة، كما أنها دليل واضح على أن واشنطن على حافة فقدان قبضتها على أنقرة تماما كما يتضح من تأكيد وزير الخارجية التركي مؤخرا "مولود جاويش أوغلو" على أن شراء المنظومة "صفقة منتهية".

وأشار "ديميداس" إلى أن تحدي تركيا المتزايد لأمريكا بدأ يتصاعد مع تولي حكومة حزب "العدالة والتنمية" السلطة، في نفس الوقت الذي كانت تستعد فيه الولايات المتحدة لغزو العراق عام 2003.

ونظرا لأن تركيا كانت قد عانت بالفعل من التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لحرب الخليج التي قادتها الولايات المتحدة عام 1991، رفضت حكومة حزب "العدالة والتنمية" بزعامة "رجب طيب أردوغان"، في مارس/آذار 2003، طلب واشنطن استخدام الأراضي التركية لفتح جبهة شمالية باتجاه العراق للإطاحة بـ"صدام حسين".

وأدى ذلك إلى غضب إدارة الرئيس "جورج دبليو بوش"، التي قررت حينئذ اتباع سياسة خارجية أكثر تركيزا على المجال العسكري.

وكانت هذه السياسة سببا في زرع بذور الشقاق الذى شكل إلى حد كبير العلاقات الثنائية حتى يومنا هذا.

وزاد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 من تعميق الانقسام المتزايد بين "الدولتين الحليفتين"؛ ما أظهر تماما عدم كفاءة واشنطن في التعامل مع الأزمة.

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "باراك أوباما" مضطربة للغاية فيما يتعلق بسوريا لدرجة أن مختلف الأجهزة الأمريكية بدأت في دعم جماعات معارضة مختلفة، لكل منها أجندات مختلفة.

فبينما بدأت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في تدريب وتجهيز الجيش السوري الحر، وهو جماعة معارضة سنية حليفة لتركيا، لم تتردد "البنتاجون" في اتخاذ خطوات من شأنها أن تثير غضب تركيا من خلال دعم وحدات حماية الشعب الكردية، التي أعلنت تركيا مرارا وتكرارا أنها فرع من حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره الولايات المتحدة وتركيا منظمة إرهابية.

ولم تستجب أمريكا لطلبات تركيا المتكررة بالعدول عن دعم تلك الوحدات.

وقال "ديميداس" إن ما زاد الأمر سوءا بالنسبة لتركيا قرار الولايات المتحدة في ذروة الحرب الأهلية بسحب منظومات الدفاع الجوي الصاروخي باتريوت من حدود تركيا مع سوريا؛ ما أدى إلى أن تصبح تركيا معرضة للهجوم.

كما أن واشنطن لم تستجب سريعا لمطلب تركيا المتكرر لشراء صواريخ باتريوت، وعندما وافقت بعد مرور 17 شهرا رفضت السماح بنقل التكنولوجيا العسكرية لتركيا لتولي أمر الصواريخ التى تريد شراءها.

وعندما شعرت تركيا بتخلي واشنطن عنها، لم تجد أمامها خيارا سوى الاتجاه لروسيا طلبا للمساعدة، التي قدمها بوتين بكل سرور، منتهزا الفرصة لتقويض حلف شمال الأطلنطي.

وعندما تدخلت روسيا في الحرب الأهلية السورية وفتحت المجال الحوي السوري، استطاعت تركيا أن تقيم منطقة آمنة في جزء كبير من المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات، وبذلك تحقق لتركيا مطلبا رفضته واشنطن مرارا وتكرارا.

والأكثر من ذلك، عرض الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" شيئا عزز ابتعاد تركيا شبه الكامل عن فلك الولايات المتحدة، وهو منظومة الدفاع الجوي "إس-400".

ورغم إعلان واشنطن المتكرر عن رفضها لهذه الصفقة، وصلت الدفعة الأولى من المنظومة في يوليو/تموز 2019.

وأدركت أنقرة الآن أن بوسعها تنفيذ سياسات قد تتعارض مع رغبة واشنطن دون أن يحدث أي شيء.

وبالفعل شنت تركيا عملية "نبع السلام" شرق الفرات في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأزاحت تماما وحدات حماية الشعب التي تحظى بالدعم الأمريكي من على حدودها ودفعتها أكثر عمقا نحو الصحراء السورية.

وأثار ذلك غضب القيادة المركزية الأمريكية لدرجة أن الجنود الأمريكيين سيطروا على مدينة منبج لمنع الأتراك من الاستيلاء عليها وتقديمها للروس فيما بعد.

ويقول "ديميداس" إن إحباط واشنطن الحالي تجاه تركيا له جذور عميقة تمتد لعقود من الزمان، لكن الأمر الأكثر أهمية هو أنها دليل واضح لتدهور سريع في النفوذ الأمريكي.

فقد ولت الأيام التي كانت تستطيع فيها الولايات المتحدة، كما حدث في عام 1991، حشد تحالف عالمي بالإجماع وتجميع جيش يضم أكثر من 500 ألف جندي أمريكي.

فاليوم وصلت أمريكا إلى حد الاعتماد على مليشيا وحدات حماية الشعب التي تتقاسمها بالفعل مع روسيا وإيران.

كما يبدو أن تهديدات واشنطن بفرض عقوبات على ألمانيا بسبب خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" لا تردع برلين عن استكمال المشروع مع موسكو.

وإضافة إلى ذلك، فإن رؤية عدم تأثر تركيا نسبيا من جراء قانون "مواجهة خصوم أمريكا من خلال العقوبات" (كاتسا) شجع الهند على المضي قدما في السعي للحصول على منظومة "إس-400" رغم تحذيرات واشنطن.

وأضاف "ديميداس" أنه من الخطأ اعتبار منظومة "إس-400" السبب في الجفاء الأمريكي-التركي الحالي.

فبصورة تقليدية هناك تصادم بين المصالح الأمريكية المتصورة والمخاوف الأمنية التركية في الشرق الأوسط.

وقد زاد عجز واشنطن عن إدارة تصرفات تركيا -والإحباط الناجم عن ذلك- من رغبة واشنطن في تبني أسلوب عقابي، وهو ما قوبل بعناد من جانب أنقرة.

ويتوافق صعود نجم تركيا في شرق البحر المتوسط وفي ليبيا وسوريا والعراق والقوقاز مع الأفول المطرد لأمريكا ونظامها العالمي.

لذلك من الخطأ أن تحاول إدارة بايدن "الترويض" المتوقع كثيرا لتركيا؛ لأن من المرجح أن لا يحقق ذلك النتائج التي ترجوها أمريكا.

واختتم "ديميداس" تقريره بالقول إنه نظرا لأن الصين تسعى لتحل محل أمريكا كقوة عالمية مهيمنة، تهدد مصالحها الاقتصادية والسياسية، ربما حان الوقت لصانعي السياسات في واشنطن للتوقف عن إضاعة الجهد الثمين من خلال تنفير حلفاء مثل تركيا، بالانشغال باستعراض القوة، وأن يدركوا حدود النفوذ الأمريكي.

المصدر | د ب أ

  كلمات مفتاحية

تركيا أمريكا إس-400

تركيا وأمريكا.. حراك دبلوماسي لتسوية خلافات وتمهيد أرضية مشتركة

مبعوث أمريكي سابق بسوريا: لم نقدم وعودا لبي كا كا وستتحسن علاقتنا بتركيا

تركيا: إذا قبلت واشنطن بحاجتنا إلى إس 400 يمكننا تحقيق تفاهم أفضل