فورين أفيرز: آفاق إيجابية تنتظر العالم بعد عام مظلم من الوباء

الخميس 15 أبريل 2021 05:11 ص

أخيرا، يبدو أن الولايات المتحدة تدخل مرحلة التعافي من جائحة "كوفيد-19" وآثارها الاقتصادية.

فقد بدأت آثار حملة التطعيم في الظهور مع انخفاض الوفيات بشكل كبير.

وأعلنت إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" عن مشروع قانون شامل للبنية التحتية بعد حزمة التحفيز البالغة 1.7 تريليون دولار، والتي من المحتمل أن تحسن العديد من المؤشرات الاقتصادية.

ويبدو أن الصين ماضية في طريقها؛ فقد سيطرت إلى حد كبير على انتشار الفيروس بحلول مارس/آذار 2020، وانتعش إنتاجها مرة أخرى بحلول الربع الأخير من العام الماضي.

وتعتبر مؤشرات التعافي في أكبر اقتصادين في العالم علامات على أن العالم ككل قد يكون مستعدا لانتعاش قوي بعد أعمق ركود في زمن السلم منذ الكساد الكبير.

وقد تكون هناك العديد من التطورات التي ربما تعرقل هذا المسار، من بينها، الفيروسات المتحورة الجديدة المقاومة للقاحات، أو الحرب الباردة الجديدة.

لكن العديد من المؤشرات تشير إلى أن العقد الذي بدأ بمأساة ربما يختتم بأجواء أكثر سعادة.

  • الاقتصاديات تنتعش

ولا يزال الوباء العالمي بعيد عن الانتهاء. وفي الواقع، لا يزال العدد اليومي للحالات الجديدة المبلغ عنها في جميع أنحاء العالم أعلى بكثير مما كان عليه في معظم العام الماضي، ومن المحتمل أن تكون الأعداد الحقيقية أكبر بكثير مما يجري إعلانه.

ومع ذلك، فإن إطلاق اللقاحات يساعد في التعافي العالمي.

ومن المتوقع أن يؤدي النمو السريع في الإنتاج إلى تخفيف الفجوات الحالية في توزيع اللقاحات لدول العالم.

ومن المتوقع أن تصل 1.8 مليار جرعة إضافية إلى البلدان النامية هذا العام، عبر منشأة لتوزيع اللقاحات يدعمها المانحون الغربيون إلى حد كبير.

وأبرم منتج لقاح "سبوتنيك في" الروسي صفقات لإنشاء مراكز تصنيع في أوروبا والهند، وقد يوفر 300 مليون جرعة على الأقل في الأشهر الـ 12 المقبلة.

ومن المقرر أن ينتج معهد المصل واللقاح في الهند 100 مليون جرعة شهريا من لقاح "أكسفورد-أسترازينيكا".

وستصنع الهند أيضا مليار جرعة من لقاح "جونسون آند جونسون" بموجب اتفاق مع الولايات المتحدة.

وقد تتمكن الصين من إنتاج نحو 5 مليارات جرعة من لقاحاتها الثلاثة هذا العام، أي ما يكفي لتلقيح 2.5 مليار شخص.

وقدّر المركز العالمي للابتكار الصحي بجامعة "ديوك" أنه سيتم إنتاج لقاحات كافية في عام 2021 لتغطية 70% من سكان العالم.

ومع انخفاض معدلات الإصابة، سيساعد تعافي أكبر اقتصادين في العالم على دفع النمو في أماكن أخرى.

وقد بدأت التجارة العالمية والإنتاج الصناعي في الانتعاش الصيف الماضي، وتجدر الإشارة إلى نسبة التراجع في التجارة العالمية كانت أقل من التوقعات التي انتشرت خلال بداية الوباء؛ فمع حلول الربع الثالث من العام الماضي، كانت أقل بنحو 6% فقط من مستوى العام السابق.

وتتعقب منظمة التجارة العالمية المؤشرات الرئيسية لحجم التجارة، والتي أظهرت التعافي بحلول نهاية عام 2020.

وبالمثل، انخفضت تدفقات التحويلات المالية في عام 2020 بما يقرب من 7%، بدلا من نسبة الـ 20% التي توقعها البنك الدولي في وقت سابق، وقد انتعشت في عام 2021.

وبشكل عام، يتوقع صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة 5.5% في عام 2021 و4.2% في عام 2022.

وفي الربع الثاني من العام الماضي، فقد العالم 18.2% من ساعات العمل قبل "كوفيد-19" بسبب الإغلاق والقيود المرتبطة بالوباء.

وبحلول الربع الرابع، كانت تلك الخسارة 4.6% فقط.

وهناك توقعات متفائلة بأن تنخفض خسائر الوظائف إلى 1.3% في عام 2021.

وقد يحصل الاقتصاد العالمي قريبا على دفعة إضافية من صندوق النقد الدولي.

ومثلما يمكن للبنك المركزي طباعة عملته الخاصة، يمكن لصندوق النقد الدولي طباعة "حقوق السحب الخاصة"، التي يمكن للدول استبدالها بالدولار واليورو والين.

وعارضت إدارة الرئيس السابق "دونالد ترامب" اقتراحا بتخصيص 500 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة في عام 2020، لكن "جانيت يلين"، وزيرة الخزانة في عهد "بايدن"، تخلت عن هذا الموقف، وقد تقبل حزمة أكبر.

وستحصل البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل على نحو 165 مليار دولار في شكل تمويل خارجي إضافي من هذا التخصيص، وربما أكثر إذا أعادت البلدان الغنية تخصيص أو إقراض بعض حقوق السحب الخاصة بها.

على سبيل المثال، يمكن لمجموعة السبع والصين تحرير 37 مليار دولار لدعم أفقر البلدان إذا أعادت تخصيص 15% من حصتها.

  • سوف تستمر بعض الابتكارات

وعززت الاستجابة لـ "كوفيد-19" التقنيات والابتكارات التي يمكن أن تدعم زيادة الرفاهية العالمية والإنتاجية.

وتُستخدم تقنية "mRNA" التي تم استخدامها للقاح "موديرنا" و"فايزر-بيونتك" لتطوير لقاحات لمكافحة مسببات الأمراض المنتشرة والقاتلة مثل تلك التي تسبب الإيدز والسل والملاريا.

وأظهرت تجربة المرحلة الأولى من تقنية لقاح الإيدز التي ستستخدم تلك التقنية نتائج إيجابية في فبراير/شباط.

ويمكن لمثل هذه اللقاحات، إلى جانب قدرات إنتاج وتوزيع اللقاحات التي تعززت استجابة للوباء، أن تغير بشكل دائم البيئة الصحية في العديد من الدول الفقيرة.

وبحلول نهاية عام 2020، أدخلت 166 برامج إعانات نقدية استجابة للوباء.

ووصلت هذه البرامج إلى 1.1 مليار شخص، ولم يكن ذلك فقط في البلدان ذات الدخل المرتفع؛ حيث وصل برنامج التكافل الباكستاني إلى 45% من السكان، ووصل برنامج التحسين الاجتماعي في الفلبين إلى 78%.

وعندما يمر الوباء، يمكن لآليات الإعانات النقدية هذه أن تحل محل سابقاتها المعقدة وغير العادلة لتقوم بتحسين آثار الإعانات على الفقر بشكل كبير.

وفي الولايات المتحدة، عرض العديد من أرباب العمل على موظفيهم القدرة على العمل عن بُعد أثناء الوباء.

ومع تحول العمل عن بُعد إلى ظاهرة عالمية، يمكن أن يشجع ذلك نمو التجارة في الخدمات، بما في ذلك خدمات الأعمال.

وقد يخرج جيل جديد من رواد الأعمال العالميين من الأزمة الحالية.

وفي الولايات المتحدة في العام الماضي، انهار عدد مذهل من الشركات، لكن إنشاء الشركات الجديدة كان أيضا أعلى بكثير مما كان عليه في العام السابق.

وربما سيستفيد بعض رواد الأعمال الجدد من الفرص المتزايدة لتقديم الخدمات عن بُعد.

وقد أظهر الوباء أيضا البلدان التي تعتمد على المهاجرين في حصاد وتعبئة المحاصيل وتقديم السلع وخدمات الرعاية الصحية.

وقد يعالج الاعتراف بأهمية هذه الفئات الاتجاه العالمي المتراجع في قبول المهاجرين بحسب ما أفادت به "جالوب" العام الماضي، بعد التحسن الكبير الأخير في المواقف تجاه المهاجرين في الولايات المتحدة.

وفي النهاية، قد يساعد "كوفيد-19" في ربط العالم معا من خلال إظهار حتمية المصير المشترك.

واندلع الوباء في الصين، وانتشر من خلال عدوى غير خاضعة للرقابة في أوروبا والولايات المتحدة، وقد ازداد الأمر صعوبة بالطفرات التي حدثت في جنوب أفريقيا والبرازيل والمملكة المتحدة؛ حيث أوضحت تجربة العام الماضي بشكل واضح أنه لكي يكون الجميع بخير فذلك يعتمد على قدرات واستجابات الآخرين.

وقد شجع الوباء بالفعل على اتخاذ إجراءات عالمية بشأن الصحة العامة وتغير المناخ.

ويتم إعداد مجموعة كبيرة من مقترحات لإصلاح وتمكين منظمة الصحة العالمية.

وقبل الوباء في عام 2019، غطت التعهدات بتصفير انبعاثات الكربون نحو 16% من الاقتصاد العالمي.

وبحلول مارس/آذار 2021، وصلت النسبة إلى 68%.

  • عودة إلى التقدم السابق

ولا يزال التعافي الكامل بعيدا عن اليقين. وتنتشر أنواع جديدة من "كوفيد-19"، وقد يظهر المزيد مع إعادة فتح الدول قبل السيطرة على الوباء.

ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن 110 اقتصادات في جميع أنحاء العالم قد لا تزال تشهد انخفاضا في الدخل للفرد في عام 2022 مقارنة بعام 2019.

وتفيد تقارير منظمة العمل الدولية أن خسائر الدخل كانت أكبر نسبيا بالنسبة للعمال الشباب والنساء وأصحاب المهن الحرة والعاملين ذوي المهارات المنخفضة والمتوسطة.

وخسرت النساء في جميع أنحاء العالم في المتوسط ​​5% من ساعات عملهن في عام 2020 مقارنة بخسارة 3.9% للرجال.

وتشير الدلائل إلى أنه مع زيادة حدة تدابير الصحة العامة، بما في ذلك إغلاق المدارس، كان من المرجح بشكل متزايد أن تفقد النساء وظائفهن مقارنة بالرجال.

وكان لإغلاق المدارس على وجه الخصوص أثر غير متكافئ على رائدات الأعمال؛ ففي يونيو/حزيران 2020، أشارت دراسة عالمية إلى أن 23% من صاحبات الأعمال التجارية كن يقضين 6 ساعات أو أكثر يوميا في أعمال الرعاية مقارنة بنسبة 11% من الرجال.

وقضى العديد من أطفال العالم معظم العام الماضي خارج المدرسة، وقدر البنك الدولي أن 10 ملايين طفل قد يفشلون في العودة إلى التعليم الأساسي بعد إعادة فتح المدارس.

ولحسن الحظ، تشير الأدلة المتاحة إلى أن الغالبية العظمى من الآباء سيعيدون أطفالهم إلى الفصل الدراسي.

وفي جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، تعافى متوسط ​​الحضور الأسبوعي تماما إلى مستويات ما قبل الإغلاق، من 37% في يوليو/تموز إلى 98% بحلول نوفمبر/تشرين الثاني.

وتشير الخبرة السابقة من إغلاق المدارس أثناء إعصار كاترينا، وتفشي مرض الحمى القلاعية، والسارس، إلى أن التأثير التعليمي للتغيب عن المدرسة يتلاشى إلى حد كبير بمرور الوقت.

ولكن في العديد من البلدان، كانت فترة الانقطاع عن المدرسة أطول بكثير من تلك الكوارث السابقة، وسيقع عبء التعلم المفقود بشكل أكبر على المجموعات المتأخرة بالفعل، أي الأقليات والعائلات الفقيرة.

وبدون دعم قوي، يمكن أن يترجم الوقت الضائع في العمل والفصول الدراسية إلى عدم مساواة بشكل دائم.

وقد تتفاقم بعض الاتجاهات الاقتصادية المدمرة في أعقاب أزمة العام الماضي؛ حيث قد تؤدي النزاعات التجارية حول السلع الطبية إلى مطالب بالاكتفاء الذاتي، ما يؤدي إلى زيادة الأسعار والمخاطر وعدم العدالة في الوصول للسلع.

وقد أدى الوباء إلى ظهور مفهوم "دبلوماسية اللقاح" المثير للاشمئزاز؛ حيث لا ينبغي استخدام الأدوية المنقذة للحياة كحيلة لكسب الرضى العام.

ومع ذلك، فإن العديد من هذه التطورات يمكن تجنبها أو عكسها.

وأصبحت التدابير اللازمة للسيطرة على انتشار الفيروس مألوفة عالميا الآن. ويمكن أن يؤدي تقديم المساعدة لتلك الفئات المحرومة بسبب الوباء أو قبله في ضمان تعافي أكثر عدالة.

وربما يدعم "كوفيد-19" العودة إلى العقل في صنع السياسات الوطنية والدولية، بعد خروج رئيس أمريكي مثير للجدل وصولا إلى وفاة الزعيم الشعبوي في تنزانيا ربما بسبب عدوى ادعى أنها لم تكن موجودة في بلاده، مرورا بالشعبية المتدهورة لرجل البرازيل القوي في مواجهة طفرات "كوفيد-19" التي تخرج عن نطاق السيطرة.

المصدر | شارلز كيني/فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كوفيد-19 اللقاحات التعافي الاقتصادي آثار الوباء كورونا

بعد «كوفيد-19».. العالم يحصي الخسائر