تحديات بايدن للحفاظ على نفوذ أمريكا في الخليج

الاثنين 26 أبريل 2021 11:09 ص

يشهد القرن الواحد والعشرين تحول واشنطن إلى قوة غير مهيمنة في الخليج، فبعد أن هيمنت في القرن العشرين على تأمين مرور النفط غير المقيد إلى الغرب، أصبحت خيارات واشنطن تتشكل في إطار منافسة جديدة على السيطرة والوصول لمنطقة الخليج.

ولا يعد هذا التحدي محوريًا فقط في واشنطن، وإنما أيضا في عواصم أخرى من بكين إلى موسكو، ومن الرياض إلى القدس.

وصحيح أن روسيا والصين تدركان جيدا أن الأصول الكبيرة الخاضعة لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، تظل أفضل من الجميع، لكنهما مقتنعتان أيضا بأن "القرن الأمريكي" ينتهي، مما يخلق فرصا في الشرق الأوسط الأوسع لكي تقيّد موسكو حرية عمل واشنطن، ولكي تؤمّن بكين رغبتها في القيادة العالمية.

مفهوم روسيا للأمن

يروّج وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" لمفهوم موسكو للأمن الجماعي للخليج، وبعد أن تعرض طرح "لافروف" للتجاهل سنوات عديدة، بدأ في حصد شعبية دولية حاليًا.

أما محور الإطار الدبلوماسي المقترح، فهو إنشاء مبادرة مماثلة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، لزيادة الشفافية بين الخصوم وتوفير منتدى للمحادثات المتعددة الأطراف بشأن الأمن الإقليمي بعد الاتفاقية النووية الإيرانية.

وأوضح "لافروف" في جلسة استثنائية لمؤتمر "فالداي" في موسكو بشأن الشرق الأوسط:"نقترح أن يتوقف الشرق الأوسط عن أن يكون ساحة تصطدم فيها مصالح القوى الكبيرة. من الضروري تحقيق التوازن بين هذه المصالح والتوفيق بينها وبين بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك بين الشركاء غير الإقليميين".

وأضاف: "على جميع الدول الإقليمية الرئيسية، أيّ الممالك العربية وإيران، أن تجتمع على طاولة حوار واحدة، كما يجب على المنظمات مثل جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن الدولي، والاتحاد الأوروبي أن ينضموا إليهم أيضا."

ثم أردف: "سيمكّن هذا التكوين من الجمع بين ممثلي جميع الجهات الفاعلة المهمة لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يجب أن نحاول إطلاق عملية على غرار عملية هلسنكي وإنجاز شيء مماثل في المنطقة على أمل تحقيق نتائج أفضل".

تدخل الصين

تجاوزت الصين الولايات المتحدة هذا العام باعتبارها أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، وكان من المتوقع أن يتجاوز أسطولها البحري ذلك الخاص بالولايات المتحدة بحلول نهاية عام 2020 (360 سفينة قتال مقارنة بـ297) وفقا لتقرير من الكونجرس.

وفي منطقة الخليج، تتقدم بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني من كونها دوريات لمكافحة القرصنة تحت علم الأمم المتحدة إلى قاعدة بحرية متوسعة في جيبوتي وتنشئ بحرية مياه زرقاء غرب المحيط الهندي.

أما على المشهد الدبلوماسي، فقد أرسلت الصين مبعوثا دائما للتعامل مع مسألة سوريا ودعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية مؤخرًا لاستئناف المحادثات المجمدة منذ فترة طويلة في بكين.

ونتيجة لذلك، أصبح من الواجب التعامل بجدية مع المبادرات التي تم تجاهلها من قبل باعتبارها غير مهمة.

تدعم الصين المبادرة الروسية بمبادرة تخصها، وخلال زيارة حديثة أجراها وزير الخارجية "وانغ يي" للمنطقة، اقترحت الصين "مبادرة من 5 نقاط حول تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط".

وقالت "هوا تشون يينج"، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية في مؤتمر صحفي: "الصين تدعم الدول الإقليمية في مقاومة الضغط الخارجي والاضطرابات والحفاظ على الاستقلال والسعي لنظام اجتماعي ونموذج حوكمة يحمل سماتها الخاصة."

وأضافت: "ثانيا، نحن ندعم البلدان الإقليمية في الخروج من ظل التنافس الجغرافي للقوى الكبرى وسعيها للتحكم بنفسها في الاختلافات والمنازعات الإقليمية. ثالثا، الصين ليست في الشرق الأوسط للسعي خلف مكاسب أنانية، أو الانخراط في تنافس جغرافي، أو السعي إلى مجال نفوذ، وإنما نؤيد روح الشراكة الودية القائمة على المساواة واحترام الخيارات المستقلة للدول الإقليمية، ونأمل في المساهمة في السلام والتنمية الإقليمية من خلال التعاون الصادق".

استجابة واشنطن

عرضت إدارة "ترامب" دعما مفاجئا وغير محدد بدقة لمراجعات موسكو وبكين لسياساتهما، وأشار "دونالد ترامب" نفسه إلى أن الوقت قد حان ليقوم الآخرون بالدور الذي لعبته الولايات المتحدة في الخليج، في عصر ما بعد الحرب.

ففي يونيو/حزيران 2019، غرد "ترامب" بأن "الصين تحصل على 91% من نفطها من مضيق باب المندب، واليابان 62%، والعديد من البلدان الأخرى كذلك. فلماذا نحمي ممرات الشحن لبلدان أخرى (سنوات عديدة) دون تعويض. كل هذه البلدان يجب أن تحمي سفنها الخاصة في الرحلة التي لطالما كانت خطيرة. نحن لسنا بحاجة إلى أن نكون هناك، خاصة أن الولايات المتحدة أصبحت (إلى حد بعيد) أكبر منتج للطاقة في العالم! "

ورثت إدارة "بايدن" خليطًا غير منضبط من الأفكار الأمنية الإقليمية المجهضة التي تهدف إلى عزل إيران، مثل الجهود الفاشلة للجنرال "أنتوني زيني" لجمع تحالف أمني للشرق الأوسط، وكذلك التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية، بالإضافة لجهود إدارة "ترامب" المتأرجحة لإقامة "ناتو عربي".

وبدأ الفشل في إنشاء تحالف أمني متعدد الأطراف فعال ترسخه الولايات المتحدة، منذ فترة طويلة تبدأ من الإعلان الثلاثي لعام 1950، ثم استمر الفشل في تحالف قوات "قيادة الشرق الأوسط"، ومنظمة المعاهدات المركزية (حلف بغداد).

لم تقدم هذه الجهود الأمن الداخلي للقادة العرب الذين تبنّوها ولا الأرباح السياسية والأمنية المستقرة إلى الولايات المتحدة.

ولا شك في أن جهود الولايات المتحدة يمكنها أن تستفيد من التقارب الذي تم على مضض بين قطر وأعضاء مجلس التعاون الخليجي بوساطة إدارة "ترامب"، وكذلك يمكنها أن تستفيد من اتفاقات إبراهيم.

لكن أي إنجاز أمريكي في كسب دعم دول الخليج لتكوين حلف، لا ينجم عنه ما هو أكثر من "إضفاء الرسمية على الضعف"، على حد تعبير مسؤول أمريكي شارك في جهود مماثلة منذ أكثر من 6 عقود.

ما يزال على "جو بايدن" أن يعبر عن الإطار المفاهيمي المفضل الخاص به لأمن المنطقة، دون أن يكتفي بالحديث عن إحياء الاتفاقية النووية الإيرانية فقط، والحد من قدرات إيران الصاروخية، وإضعاف "محور المقاومة".

ولا يتعارض أي من هذه الأهداف بالضرورة مع الأهداف الصينية والروسية، شريطة تشارُك كل من الأرباح والتكاليف.

تدخل إسرائيل

من المفترض أن تكون إسرائيل عضوا أساسيا في فريق "بايدن"، وخلال زيارة أجراها وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن"، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إن "أوستن" أخبره أن الدولتين "ليستا حليفتين فقط؛ نحن عائلة".

ولكن ربما الحقيقة أن هذه عائلة مضطربة، فعلى الرغم من الدعم الأمريكي للأسلحة التقليدية الإسرائيلية وقدراتها النووية، لا تزال إسرائيل عازمة على تخريب آمال "بايدن" في مبادرة دبلوماسية مع إيران، وكذلك الحد من حوافز دول الخليج لدعم واشنطن، رغم أن هذا هدف محوري للطموحات الأمريكية في الخليج.

هناك اختلاف كبير بين التقليص الأمريكي للقوات -أفضل وصف للحركات الأمريكية في المنطقة- والانسحاب، وبما أن إدارة "بايدن" بصدد تخطيط مستقبلها في المنطقة، فإنها ستواجه تحديًا للحفاظ على التمييز بين الاثنين.

المصدر | جوفري أرونسون - معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

روسيا الصين الولايات المتحدة الخليج

إصلاحات الخليج.. الكرة في ملعب بايدن فهل يستغل الفرصة؟

مباحثات خليجية أمريكية حول التعاون الثنائي وقضايا المنطقة

عبدالخالق عبدالله: أمريكا لن تحارب مجددا نيابة عن دول المنطقة

هل على دول الخليج أن تقلق من المعايير الأمريكية الجديدة؟

مرحلة جديدة.. خطوات أمريكية لإصلاح العلاقات مع السعودية والإمارات