لعبة المصالح.. ماذا وراء التقارب الروسي اللبناني؟

الجمعة 30 أبريل 2021 11:02 م

يبدو أن الاتصالات بين روسيا وكبار الشخصيات في لبنان قد توسعت في الآونة الأخيرة. ففي 15-16 أبريل/نيسان الجاري، زار رئيس الوزراء اللبناني المكلف "سعد الحريري" موسكو، حيث التقى برئيس الوزراء الروسي "ميخائيل ميشوستين" ووزير الخارجية "سيرجي لافروف"، وأجرى محادثة فيديو مع الرئيس "فلاديمير بوتين".

ودعا "ميشوستين" إلى تحسين التجارة الثنائية التي تراجعت بنسبة 38% في 2020 إلى 320 مليون دولار، وشدد على أن بيروت يجب أن تخلق ظروفا جذابة للاستثمارات الروسية. ودعا "الحريري" الشركات الروسية إلى الاستثمار في الاقتصاد اللبناني، وطلب التبرع بلقاحات "سبوتنيك" (بخلاف التبرع الرمزي الذي قدمته روسيا بالفعل للبنان). وبحسب ما ورد نوقشت الاستثمارات الروسية في إعادة إعمار مرفأ بيروت، وبناء محطات الطاقة، واستخراج المعادن، ومشاريع البنية التحتية.

وقبل زيارة "الحريري"، كانت هناك اجتماعات مهمة أخرى حيث التقى "لافروف" و"الحريري" في أبوظبي في 9 مارس/آذار. وبعد ذلك بأيام، تمت استضافة وفد "حزب الله" برئاسة النائب "محمد رعد" في موسكو. وقد ناقش الوفد الأزمة السياسية في لبنان والوضع في سوريا مع ممثلين عن الخارجية والبرلمان الروسيين.

وكان في استقبال الوفد وزير الخارجية "لافروف" – وهو أعلى زعيم روسي رفيع المستوى يلتقي بممثلي الحزب. وكانت الزيارة السابقة لوفد "حزب الله" إلى موسكو في عام 2011 برئاسة "رعد" أيضًا، أقل أهمية بكثير.

وبالنظر إلى الهيمنة الروسية على المسرح السوري، يشكل لبنان منطقة يمكن لروسيا أن تعزز فيها مصالحها بسهولة. ومن وجهة نظر روسيا، فإن سوريا ولبنان "مترابطتان" في الأمن والاقتصاد، بحيث يؤثر عدم الاستقرار في أحدهما على الآخر. وتمتلك روسيا مجموعة من الأدوات للتأثير على الوضع في لبنان، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن القوات العسكرية الروسية في سوريا، والتي عملت في السنوات الأخيرة على طول الحدود السورية اللبنانية، ذات صلة بالمصالح الأمنية للبنان نفسه.

وربما تكون زيارة "الحريري" لموسكو محاولة يائسة من جانبه للحصول على دعم دولي لجهوده (التي باءت بالفشل حتى الآن) لتشكيل حكومة.

ويتضح من إعلان مستشار "الحريري"، في 18 إبريل/نيسان، أن "بوتين" يدعم موقف "الحريري" في تشكيل الحكومة. علاوة على ذلك، يبدو أن اللبنانيين، الذين يدركون قدرة روسيا المحدودة على المساهمة في اقتصادهم، يستخدمون محادثاتهم مع روسيا كورقة للحصول على المساعدة التي وعدهم بها الغرب، والتي كانت حتى الآن مشروطة بتشكيل حكومة من شأنها أن تبدأ الإصلاحات.

وخلال السنوات الأخيرة، حافظت روسيا على حوار مستمر مع جميع القوى السياسية في لبنان (السنة والشيعة والدروز وجميع الطوائف المسيحية) من خلال القنوات الرسمية وغير الرسمية (الكنائس والقنوات الناطقة بالروسية في لبنان، والمنظمات الدينية الإسلامية). وتريد موسكو أن تتعاون بيروت في إعادة 1.5 مليون لاجئ سوري إلى ديارهم في سوريا بتمويل دولي. ويشارك لبنان في مؤتمرات تعقدها روسيا حول موضوع إعادة اللاجئين، فيما قاطعت الدول الغربية هذه الفعاليات.

وتشمل علاقات روسيا مع "حزب الله" مزيجا معقدا من المنافسة والتعاون مع التنظيم (مثل علاقات روسيا مع إيران، راعية حزب الله، والتي بحسب أحد المصادر تشجع التدخل الروسي في لبنان).

من جهة، أصبحت روسيا درع "حزب الله" في مجلس الأمن على مدى العقد الماضي من خلال عرقلة القرارات التي تنتقد "حزب الله"، وقد عملت موسكو على إضفاء الشرعية على "حزب الله" من خلال الاجتماع به والتأكيد رسميًا على أنه قوة سياسية مهمة في لبنان.

وفي سوريا، تتعاون روسيا مع قوات "حزب الله" التي تقاتل للحفاظ على نظام "الأسد". وعقب الزيارة الأخيرة إلى موسكو، قال النائب عن الحزب، "عمار الموسوي"، إن الجميع يعلم أن عناصر التنظيم موجودون في القاعدة الروسية في حميميم بسوريا.

من جهة أخرى، كان هناك أيضًا احتكاك بين الروس و"حزب الله" على مر السنين. ولا تحبذ موسكو مساعي "حزب الله" وإيران لترسيخ وجودهما في سوريا، خاصة على طول الحدود مع إسرائيل. وتطالب موسكو بانسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا (باستثناء القوات الروسية).

من جانبه، يعتبر "حزب الله" دعم روسيا مهمًا حيث تضفي موسكو الشرعية على الحزب كلاعب سياسي في النظام اللبناني، في الوقت الذي يتزايد فيه عدد الدول التي تعتبره تنظيمًا إرهابيًا. علاوة على ذلك، فإن للحزب مصلحة واضحة في تعزيز علاقات لبنان مع دول ليست غربية ولا موالية للغرب مثل دول الخليج.

ومن الناحية الاقتصادية، لا تعتبر روسيا شريكًا تجاريًا مهمًا للبنان، لكن موسكو لديها مصلحة واضحة في الحصول على موطئ قدم في قطاع الطاقة اللبناني، الذي هو في أمس الحاجة إلى مساعدات خارجية. وفي هذا الإطار، فازت شركة الغاز الروسية "نوفاتيك" بمناقصة، كشريك (مع شركات من فرنسا وإيطاليا)، لإنتاج الغاز الطبيعي في بلوك 4 في البحر الأبيض المتوسط، والذي يقع جزء منه في أراضي تطالب بها كل من إسرائيل ولبنان.

واستثمرت شركة النفط الروسية الحكومية "روسنفت" في محطة تخزين النفط في طرابلس بلبنان. وخلال الأشهر الأخيرة، حصلت الشركات الروسية على امتياز في سوريا للتنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط ​​في منطقة الحدود البحرية السورية اللبنانية، وهي أيضًا منطقة نزاع.

في الوقت نفسه، بالنظر إلى العقوبات الأمريكية الصارمة ضد سوريا وأجزاء من النظام المالي اللبناني، فإن الشركات الروسية (التي تخضع بالفعل للعقوبات وتأقلمت على العمل في المساحات الرمادية) تعتبر فرصة بالنسبة للبنان، لا سيما في المعاملات التي تشمل سوريا.

وحتى الآن، لم يُنظر إلى موسكو على أنها لاعب رئيسي في لبنان، على عكس فرنسا أو الولايات المتحدة أو السعودية. وقد دفع الانهيار الاقتصادي للبنان وشلل نظامه السياسي الجهات الفاعلة الرئيسية في بيروت إلى التفكير في طلب المساعدة من روسيا بالرغم من المعارضة الغربية، وربما بسبب تلك المعارضة.

ويبدو أن هناك مواقف مختلفة داخل النظام اللبناني المنقسم بشدة تجاه تطوير العلاقة مع الروس، لكن جميع الأطراف تتفق على أن لبنان يحتاج إلى مساعدة خارجية من أي مصدر كان. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون التقارب مع الروس وسيلة لممارسة الضغط على الغرب لمنح المساعدات للبنان.

في الوقت نفسه، لدى الروس مصلحة في خلق موطئ قدم في لبنان. وبسبب المصالح المتبادلة، من المرجح أن يلعب الروس دورًا سياسيًا واقتصاديًا أكثر أهمية في لبنان في السنوات المقبلة. وينبغي الإشارة إلى أن روسيا تتمتع بخبرة كبيرة في علاقاتها مع الدول الصغيرة التي تعيش في حالة أزمة، ويمكنها في بعض الأحيان أن مشاكل محددة مهمة (على سبيل المثال، قدمت مؤخرًا جميع احتياجات التطعيم في سان مارينو) وبالطبع إذا كان هذا يخدم مصالحها ولا يكلف روسيا تكاليف كبيرة.

وحتى الآن، اعتبرت اسرائيل أن روسيا عنوان مهم للمسرح السوري فقط، في حين تعاملت في السياق اللبناني عبر الولايات المتحدة. لذلك من المتوقع أن توسع إسرائيل حوارها مع الروس ليشمل الوضع في لبنان، ومخاوف إسرائيل من الدور الذي يلعبه "حزب الله" في النظام الداخلي في لبنان، والتوتر المتزايد مع إسرائيل على طول الحدود اللبنانية ومع سوريا. ويمكن لروسيا، التي لها علاقات رسمية مع "حزب الله"، أن تعمل أيضًا كقناة لإيصال الرسائل الإسرائيلية إلى الحزب.

وينبغي الإشارة إلى أن مصلحة موسكو في الحفاظ على حصتها في سوق الغاز الطبيعي الأوروبي تتعارض مع مشاريع نقل الغاز من شرق البحر الأبيض المتوسط ​​إلى أوروبا، والتي تعد إسرائيل شريكًا فيها. 

المصدر | دانيال راكوف، أورنا مزراحي/ معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الروسية اللبنانية العلاقات الروسية الإسرائيلية حزب الله محمد رعد سعد الحريري التدخل الروسي في لبنان شرق المتوسط

جيوبوليتيكال فيوتشرز: أمريكا لن تسمح للبنان بالاقتراب أكثر من روسيا

بشكل طاريء.. لبنان يجيز استخدام لقاح "سبوتنيك في" الروسي

بعد تصريحاته المهينة لنسائها.. أوكرانيا تطالب نائبا لبنانيا بالاعتذار العلني