تسريب جواد ظريف.. هل يكون مقدمة لمهمة جديدة في الخارج لخدمة خامنئي؟

السبت 1 مايو 2021 07:16 م

تداولت وسائل الإعلام الدولية والإيرانية تسجيلا مُسربا لوزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" ينتقد فيه دور وتأثير الحرس الثوري الإيراني، وقائده الراحل الجنرال "قاسم سليماني". وبالنظر إلى أن "ظريف" يعد أذكى عقل سياسي للجمهورية الإسلامية وأنه تعهد سابقا بعدم الكشف عن تفاصيل الاجتماعات الخاصة، فإن تسجيل مقابلة استمرت 3 ساعات في مارس/آذار مع الصحفي "سعيد ليلاز" يعد أمرا ثريا للغاية بالتفاصيل. ويبدو أن توقيت التسريب له دلالة أيضًا.

خرج التسجيل قبل أيام قليلة من بدء الجولة التالية من المحادثات النووية في فيينا (ربما كانت واحدة من الفرص الأخيرة لرفع العقوبات قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران) وقبل أسبوعين إلى 3 أسابيع من الموعد النهائي لتسجيل المرشحين في 11 مايو/أيار. ونظرًا للتوقيت الحساس للغاية وسجل نظام الملالي على مدار 42 عامًا في "الكذب والتستر"، والذي يعد إنكار إسقاط الطائرة الأوكرانية في يناير/كانون الثاني 2020 أفضل مثال على ذلك، فليس من المستغرب أن تنطلي هذه العملية على الشعب الإيراني.

يمكن أن يكون الهدف من "التسريب" هو "التسخين المسبق لفرن الانتخابات" ومحاولة أخيرة للضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات قبل الانتخابات الرئاسية، باعتبار أن هذه الخطوة ستقوي وضع "ظريف" و"الإصلاحيين".

ومن المؤكد أن انتقاد "سليماني" والحرس الثوري الإيراني قد عمل على إثارة قاعدة الدعم المتشددة أيديولوجيًا للنظام، كما أدى إلى تنشيط ما يسمى بالنخبة "الإصلاحية" داخل الجمهورية الإسلامية. في الوقت نفسه، يبدو أن التقدم في المحادثات النووية في فيينا ومسألة رفع العقوبات قبل الانتخابات الإيرانية على الأجندة أكثر من أي وقت مضى.

وفق هذه الخلفية، هناك احتمال قوي بأن يكون "التسريب" قد تم تنسيقه بعناية، ومن المحتمل أنيكون جرى من قبل "ظريف" نفسه، وإن كان ذلك بضوء أخضر من المرشد الأعلى "علي خامنئي". لكن ما الذي يخبئه المستقبل لـ"ظريف"؟ هل ستتاح له حقًا فرصة التأهل كمرشح للانتخابات بعد كل هذه الضوضاء؟ هل "خامنئي" مستعد حقًا لتنحية الدبلوماسي الذي كان قادرًا على الدفاع عن أبشع سياسات الجمهورية الإسلامية بابتسامة ودرجة من السحر من أجل الحفاظ على صورة النظام في الخارج؟ الجواب المختصر هو لا.

يبدو أن هناك سيناريوهان محتملان لـ"ظريف"، وكلاهما يؤدي إلى نفس النتيجة المصممة بعناية وعلى الغرب أن يكون حذرًا.

يعد السيناريو الأول مرهونا بما إذا كانت الولايات المتحدة سترفع العقوبات قبل الانتخابات الإيرانية في يونيو/حزيران. إذا حدث هذا، فمن المحتمل أن نرى "ظريف" يخوض محاولة فاشلة للرئاسة -إما أن يرفض مجلس صيانة الدستور ترشيحه أو يخسر التصويت- لماذا هذا هو الحال؟ الجواب بسيط: على "خامنئي" التأكد من أن الرئيس المقبل سيكون من الجناح المتشدد لإرضاء قاعدة دعم الحرس الثوري والقوات الأمنية.

ومن المحتمل جدًا أن تواجه الجمهورية الإسلامية اضطرابات في مرحلة ما بعد الوباء وهو أمر يعترف به حتى المقربون من النظام. وبالنظر إلى أن هذه القوات هي جنود النظام والمفتاح لقمع الاحتجاجات، يحتاج المرشد الأعلى إلى إرضائهم، بالإضافة إلى ذلك، يضع "خامنئي" البالغ من العمر 82 عامًا الأسس لمستقبل الجمهورية الإسلامية بعد وفاته في نهاية المطاف بهدف ضمان استمرار رؤيته المتشددة.

ولتحقيق ذلك، يمنح "خامنئي" مناصب حكومية رئيسية لرجال الدين المقربين وأعضاء الحرس الثوري الذين يحمونه. وبمجرد أن يتولى رئيس "شاب متشدد" منصبه بعد الانتخابات، ليس مستبعد أن نرى اتهامات بالتجسس" ضد "ظريف" والكثير من الضجيج الذي يدعو إلى معاقبته، وهو أمر نسمعه بالفعل من هذا المعسكر. وعند هذه النقطة سنتحول من السيناريو الأول إلى السيناريو الثاني بهدف تهيئة النتيجة المرجوة لـ"خامنئي".

في السيناريو الثاني، إذا لم يتم رفع العقوبات قبل انتخابات يونيو/حزيران (أو بعد محاولته الفاشلة للرئاسة على النحو الوارد أعلاه)، فمن المرجح أن يدعي "ظريف" أن الحرس الثوري الإيراني يتابعه وأن حياته في خطر وأن مكانه هو المنفى في الخارج. وبعد ذلك، سيخدم الدبلوماسي المبتسم "خامنئي" بأن يصبح الناطق بلسان النظام في الخارج ويقود الدعاية.

وليس هذا أمرا جديدا، فقد حدث مع "حسين موسويان"، المتحدث القوي والناطق باللغة الإنجليزية والذي عمل سفيرا لإيران في ألمانيا (1990-1997)، وكان رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الأمن القومي الإيراني (1997-2005)، ومتحدثا باسم المفاوضات النووية 2003-2005 في عهد الرئيس الإصلاحي "محمد خاتمي". 

فقد منحت الولايات المتحدة  "موسويان" حق اللجوء في 2009 وتم تعيينه باحثًا زائرًا في جامعة أمريكية مرموقة بعد أن زعم ​​أن الحرس الثوري الإيراني اتهمه بالتجسس. وبينما حُكم على "موسويان" بالسجن لمدة عامين بتهمة "تعريض الأمن القومي للخطر" في إيران، فمن اللافت أنه سُمح له بالسفر إلى الولايات المتحدة قبل سجنه.

وبمجرد وصوله إلى "المنفى"، أظهر "موسويان" ولاءه الصريح للمرشد الأعلى، وما زال يعمل بجد من أجل نظام الجمهورية الإسلامية. وفي مقابلة في مارس/آذار 2016، تحدث "ظريف" عن صديقه العزيز "موسويان" قائلا إنه "لا يصدق الاتهامات بالتجسس الموجهة إليه" وأكد أن "موسويان شخص يؤمن بنظام الجمهورية الإسلامية ومرتبط بببلاده بشكل كامل"، وأضاف أن "موسويان يدافع بشكل جميل عن مصالح الجمهورية الإسلامية في الولايات المتحدة وأوروبا وفي المؤتمرات الدولية لدرجة أنه إذا لم يتمكن الدبلوماسيون الإيرانيون الرسميون من المشاركة في مؤتمر بالخارج، فإنه غالبًا ما يملأ الفراغ".

ولا يعد "موسويان" المثال الوحيد، فهناك وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي السابق "عطاء الله مهاجراني" الذي برر فتوى "الخميني" التي تدعو إلى قتل الكاتب البريطاني الهندي "سلمان رشدي"، ويعيش "مهاجراني" الآن في المنفى في المملكة المتحدة، بسبب فضيحة حول علاقة غير قانونية في عام 2004، لكنه يواصل كونه الناطق بلسان النظام في الخارج.

وهذا هو بالضبط الدور الذي تصوره "خامنئي" لـ"ظريف"، ولعل التسجيل "المسرب" يأتي في هذا السياق. وبالنسبة "لخامنئي"، من الواضح أن اللعبة السياسية "الإصلاحية- المتشددة" المصنّعة لخداع الشعب الإيراني لدعم النظام لم تعد تحظى بقبول داخلي في إيران، حيث من المقرر أن يقاطع ما يقرب من 78% من الإيرانيين انتخابات يونيو/حزيران، وذلك وفقًا لاستطلاع حديث أجرته مجموعة تحليل وقياس المواقف في إيران.

ومع استمرار عسكرة النظام، يبدو أن المرشد الإيراني العجوز قد توصل أيضًا إلى استنتاج مفاده أن الحفاظ على قاعدة دعمه المتشددة كافٍ للحفاظ على النظام الاستبدادي، مع الاستفادة ممن يسمون بـ"الإصلاحيين" في لعب دور رئيسي لـ"خامنئي" في الخارج كوسيلة للدفاع عن مصالح النظام.

إن "ظريف" -الذي يعد بلا شك أعظم رصيد لطهران في هذا الصدد- يستطيع لعب مثل هذا الدور الذي لا يقدر بثمن. في الواقع، لقد رأينا الدبلوماسي المبتسم يستخدم لغته الإنجليزية المثالية وسحره للدفاع عن الجوانب الأكثر فظاعة في أيديولوجية النظام، وكل ذلك مع الحفاظ على شعبيته في الخارج. كما أخبرني أحد كبار المسؤولين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي تفاوض مع "ظريف" ذات مرة، "كان ظريف دبلوماسيًا لامعًا للغاية لدرجة أنه كان على المرء أن يكون حريصًا كل الحرص حقًا حتى لا ينخدع به". وهذا بالضبط ما يريده "خامنئي" منه.

إن وجود "ظريف" في الخارج هو أكثر فائدة للجمهورية الإسلامية من وجوده في إيران. في الواقع، يكشف الفحص الدقيق للتسجيل أن "ظريف"، منظّر بنفس القدر مثل الآخرين في النظام، ويصر على أنه مخلص بشدة لـ"خامنئي" ومؤمن بأساسيات الثورة الإسلامية.

كلا السيناريوهين المذكورين أعلاه يؤديان إلى نفس النتيجة: مغادرة "ظريف" إيران إلى "المنفى" في الخارج للقيام بمهمة أخرى كلفه بها "خامنئي"، على غرار "موسويان" و"مهاجراني". وبغض النظر عما إذا كان المرء يعتقد أن هذا "التسريب" كان متعمدًا أم لا، نظرًا لأن النتيجة -أي اتجاه "ظريف" إلى "المنفى" في الخارج- سيناريو محتمل للغاية، يجب على الغرب أن ينظر بعناية في الآثار المترتبة على منح "ظريف" الإقامة.

وفي الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة وأوربا منح تأشيرات سياحية للإيرانيين العاديين، سيؤدي منح "ظريف" -الرجل الذي دافع عن اضطهاد الشعب الإيراني ونشر أيديولوجية الجمهورية الإسلامية- الإقامة على الأراضي الغربية إلى إرسالة رسالة رهيبة إلى الشعب الإيراني. ويجب أن يحرص الغرب على عدم الوقوع في هذا الفخ.

المصدر | كسرى أعرابي - معهد الشرق الأوسط – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تسريب ظريف جواد ظريف الدبلوماسيين الإيرانيين في الخارج خامنئي الحرس الثوري الإيراني

تسريب صوتي.. ظريف: خسرنا كثيرا بسبب تدخلات سليماني بالسياسة الخارجية

تداعيات التسريب مستمرة.. ظريف يطلب المسامحة من عائلة سليماني

خامنئي منتقدا ظريف: نأسف لتصريحات بعض المسؤولين ونستغربها