صياغات ماكرة.. هكذا تساهم الصحافة الغربية في شرعنة الجرائم الإسرائيلية

الأربعاء 12 مايو 2021 02:53 ص

من المثير للسخرية أن نتخيل تقريرا "إبداعيا" في زمن الحرب يقول: "في 26 أبريل/نيسان 1937، اشتبك سكان مدينة الباسك مع الطائرات الحربية الألمانية التي ألقت متفجرات شديدة الانفجار وقنابل حارقة. وقد دمرت الطائرات المدينة في سياق المشاجرة، كما لقي 1600 شخص حتفهم".

إن طبيعة علاقة القوة بين الأجسام البشرية من ناحية والقنابل المحمولة جواً من ناحية أخرى واضحة تمامًا. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني - وهو في حد ذاته تعبير ملطف عن حرب إسرائيل الدائمة على الفلسطينيين - لا تفوّت وسائل الإعلام الغربية أبدًا فرصة لوصف الوحشية الصارخة من جانب واحد على أنها "اشتباكات" و"شجار".

ومن الأمثلة على ذلك مسيرة العودة الكبرى (المظاهرات السلمية التي انطلقت في قطاع غزة في مارس/آذار 2018) ووفقًا للأمم المتحدة، قتل الجيش الإسرائيلي 214 فلسطينيًا -46 منهم من الأطفال- في سياق المسيرة، وأصيب أكثر من 36 ألف. وفي المقابل، قتل جندي إسرائيلي وجرح 7 آخرون.

وكانت الخلاصة الإعلامية الغربية لهذا الحدث: "هناك اشتباكات".

وقد أتاحت عمليات التطهير العرقي الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة فرصة أخرى للمنافذ الإخبارية لممارسة المفردات المفضلة لديها.

يواجه 40 فلسطينيًا، من بينهم 10 أطفال، حاليًا عملية إخلاء من منازلهم في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية لإفساح المجال لمزيد من المستوطنين اليمينيين الوافدين - وهي الجولة الأخيرة في حملة إسرائيلية استمرت عقودًا من إعادة التهجير القسري لعائلات اللاجئين الفلسطينيين منذ 1948.

وفي مقابل رفض الفلسطينيين لهذه الإجراءات، ردت الشرطة الإسرائيلية على المتظاهرين في الشيخ جراح عبر إغراق المنطقة بالغاز المسيل للدموع ومياه ذات رائحة كريهة (وهو اختراع إسرائيلي وُصف بأنه أسوأ من مياه الصرف الصحي الخام، وربما يكون خليطا من الفضلات والغازات الضارة والمواد المتحللة).

علاوة على ذلك، اعتدت قوات الأمن الإسرائيلية على المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى، وأطلقت الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية، مما أدى إلى إصابة المئات بجروح.

لكن بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية، فإن كل ذلك عبارة عن "شجار". كانت هناك الكثير من "المشاجرات" و"الاشتباكات" في "الواشنطن بوست"، وعلى موقع "إيه بي سي" الإخباري، وفي "الجارديان"، وعلى "فوكس نيوز"، ومرة ​​أخرى في "واشنطن بوست".

من جانبها، أبقت "بي بي سي"، جمهورها على اطلاع دائم على "الاشتباكات" مع الإصرار على أن الشرطة الإسرائيلية كانت ببساطة تتصرف "ردًا على الاستفزازات الفلسطينية" (تمامًا مثل ما تتصرف إسرائيل دائمًا "ردًا على الاستفزازات" عندما تقتل آلاف الأشخاص في غزة!).

في غضون ذلك، أشار مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" في 7 مايو/أيار حول "مواجهات الشرطة الإسرائيلية مع المتظاهرين الفلسطينيين" عرضت الصحيفة رواية الخارجية الإسرائيلية التي تقول إن "السلطة الفلسطينية والإرهابيين الفلسطينيين يصورون نزاعًا عقاريًا بين أطراف خاصة كقضية قومية من أجل التحريض على العنف في القدس".

بطبيعة الحال، فإن "الصراع" الإسرائيلي الفلسطيني برمته هو صورة مكبرة عن الشيخ جراح: "نزاع عقاري" حيث اغتصب طرف الجزء الأكبر من العقارات الفلسطينية في عام 1948 -وهو يواصل احتلاله بشكل غير قانوني- ويقوم بتصوير الفلسطينيين على أنهم إرهابيون من أجل تبرير الإرهاب الإسرائيلي.

منذ البداية، كان نجاح المشروع الإسرائيلي مبنيًا على سياسة التطهير العرقي - وهي السياسة نفسها المتبعة الآن في الشيخ جراح. لكن ليس من وظيفة "نيويورك تايمز" والمنافذ ذات التفكير المماثل ربط النقاط التاريخية بصورة تظهر الصراع على عكس حقيقته.

علاوة على ذلك، من خلال الاستعانة بتصريحات سخيفة من وزارة الخارجية الإسرائيلية دون توضيح أنها سخيفة  تساعد "التايمز" فقط في نشر الرواية الإسرائيلية الاحتلالية.

تخيلوا للحظة، على سبيل المثال، أن وزارة خارجية جواتيمالا أصدرت بيانًا تدعي فيه أن فيروس كورونا ينتقل عن طريق وحيد القرن. ثم تخيلوا أن الصحيفة الأمريكية نشرت هذا البيان دون أي إشارة إلى أن الكلام ضرب من الجنون، وستحصلون على فكرة عما يواجهه الفلسطينيون فيما يتعلق بالتغطية الإعلامية العالمية.

إذا كانت وسائل الإعلام مهتمة فعلاً بقول الحقيقة، فإن قضية الشيخ جراح تكشف بشكل كامل عن حجم النفاق والخداع الإسرائيليين.

ويتلخص التبرير المزعوم لطرد العائلات الفلسطينية، التي أقامت في الحي منذ خمسينيات القرن الماضي، في أن مؤسستين يهوديتين اشترتا جزءًا من المنطقة من ملاك الأراضي العرب خلال القرن التاسع عشر.

وقد قدم نائب رئيس بلدية القدس "أرييه كينج" -وهو نفسه الذي تم تصويره مؤخرًا في شريط فيديو وهو يعرب عن استيائه من عدم إطلاق النار على ناشط فلسطيني في رأسه- فكرته بالمنطق التالي: "أليس من حقنا في إخراجهم من ممتلكاتنا؟".

إن النقطة السابقة رائعة جدا إذا نظر المرء إلى مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل من ممتلكاتهم في عام 1948، وملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يُحرمون حاليًا من حق العودة. بعبارة أخرى، هناك الكثير من الأشياء التي يجب تغطيتها خارج نطاق "الاشتباكات" و"الشجارات" - إذا كانت وسائل الإعلام الغربية مهتمة بالحقيقة.

ولكن تغطية وسائل الإعلام الغربية تبدو عاقلة نسبيًا بالمقارنة، مع مثال آخر من صحيفة "إسرائيل اليوم" يأخذنا إلى أبعد من "الاشتباكات والمشاجرات"، حيث قال "كارولين بي جليك" إن "الرئيس الأمريكي جو بايدن والديمقراطيين لا يمكِّنون الإرهابيين في جميع أنحاء الشرق الأوسط فحسب، بل هناك "هجوم فلسطيني غربي منسق ضد السيطرة الإسرائيلية على القدس"!!

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فقد ارتكب ناشطون فلسطينيون "فعل شيطاني" يتمثل في إضافة ترجمات باللغة الإنجليزية إلى مقطع فيديو للشرطة الإسرائيلية في الشيخ جراح وهو يخنق فلسطينيًا على الأرض وهو يقول: "أنت تخنقني". وتقول "جليك": "الغرض من الفيديو واضح: يسعى الفلسطينيون إلى رسم خط مباشر بين مقتل جورج فلويد في مينيابوليس وسلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية في القدس وهي تقوم بعملها".

وبالتالي، فإن جائزة الجريمة رقم واحد لا تذهب إلى التطهير العرقي الإسرائيلي، أو وابل الرصاص المطاطي، أو الضرب والخنق الذي تمارسه الشرطة الإسرائيلية، بل بالأحرى للترجمة النصية التي وضعها الفلسطينيون لمقاطع هذه الاعتداءات!.

المصدر | بيلين فرنانديز -ميدل إيست آي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الشيخ جراح القدس الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحق الفلسطيني الإعلام الغربي الجرائم الإسرائيلية

يوم مصيري.. 500 فلسطيني يواجهون التهجير القسري بالشيخ جراح