«ستراتفور»: خيارات غير واعدة في سوريا

الأحد 25 أكتوبر 2015 01:10 ص

لا أستطيع أن أحسد المسؤولين في واشنطن المكلفين بوضع خطة للحل، أو على الأقل التخفيف من الأزمة في سوريا. سوريا التي يبلغ عدد سكانها أقل من 23 مليون نسمة، لديها أكثر من 7.5 مليون شخص من المشردين داخليا. واحد من كل أربعة لاجئين في العالم هو من السوريين. وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من مائتي ألف شخص لقوا حتفهم في النزاع ويدعي المرصد السوري لحقوق الإنسان أن هذا الرقم يفوق 320 ألفا.

حاليا، فإن الولايات المتحدة لديها أربعة خيارات رئيسية في التعامل مع الأزمة. الأول هو محاولة احتواء الصراع والوقوف جانبا، والذي في ضوء المساعدات الروسية للنظام السوري، فإنه يعني سحق المعارضة الشعبية وإنهاء الحرب الأهلية في نهاية المطاف. الخيار الثاني هو تسليح المعارضة وبالأخص المقاتلين الأكراد عبر الحدود وذلك باستخدام أسلحة مضادة للطائرات ومضادات دبابات أكثر فاعلية بدعم من الضربات الجوية الأمريكية والإذعان لقيام السعودية بتسليح جبهة النصرة وحلفائها الجهاديين. والاحتمال الثالث هو الاصطفاف ضمنيا مع إيران ونظام الرئيس السوري «بشار الأسد» في جهود تدمير «الدولة الإسلامية». ويتمثل الخيار الأخير في التدخل ضمن ائتلاف يضم القوات التركية والولايات المتحدة، فضلا عن جيوش أخرى، لتوجيه ضربات مباشرة إلى دمشق وإنهاء النظام.

الخيار الأول من هذه الخيارات سوف يتسبب بحرج تاريخي للإدارة الأمريكية التي تم تجاوز خطوطها الحمراء من قبل الحكومة السورية. ومع ذلك فإن الحرج لا يكفي وحده كمبرر لإطالة أمد حرب أهلية دامية. في الواقع، بعض النقاد يعتقدون أن هذا هو واحد من الدروس المستفادة من تورط الولايات المتحدة في فيتنام.

أما الخيار الثاني فسوف يطيل أمد الحرب الأهلية، بل وربما يسفر عن زيادة الهجرة الشاملة للسكان من سوريا مع كل ما يترتب عليها من معاناة. حتى الآن على الأقل، يبدو من غير المحتمل أن المعارضين للنظام المتوافقين مع الولايات المتحدة يسيطرون على ما يكفي من الأرض من أجل فرض السلام من خلال التفاوض. في الواقع، فإنه كلما استمرت الحرب كلما حقق المسلحون الأكثر رجعية والمعادون للغرب المزيد من الزخم. كما أن تسليح الأكراد سوف يثير غضب أنقرة وبغداد.

الخيار الثالث يتفق على الأقل مع ما يبدو أنه رهان واشنطن طويل الأمد على التقارب مع طهران. الشباب النسبي للسكان في إيران، ارتفاع مستوى التعليم بالمقارنة مع الدول المجاورة ووجود اتجاه ثابت في الرأي العام بين المتعلمين والشباب يؤيد تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة تبدو كلها عوامل تشجيع هذا الرهان. ولكن على النقيض من هذا الأمل، ينبغي أن نعي أن أي نجاح استراتيجي للعسكرية الإيرانية فإنه من غير المرجح أن يخفف من قبضة النظام الثيوقراطي الديني على السلطة.

أما الخيار الأخير فإنه سوف يغرق الولايات المتحدة في التزام مفتوح في الوقت الذي تجد فيه نفسها تحتشد ضد قوى تتحارب مع بعضها البعض في الوقت الراهن. سوف يتطلب الأمر استراتيجية خروج واضحة. وفي جميع الاحتمالات فإن الأمر قد يرقى إلى تقسيم البلاد ونوع من التفاوض من أجل وقف إطلاق النار وهي العملية التي لا تتطلب وجود القوات الأمريكية على الأرض. ومن المرجح أن يصيب الانسحاب القسري الرأي العام الأمريكي بالإحباط مما يجعل هذا الخيار أخطر من كل ذلك بسبب عواقبه المحتملة المحلية. إن احتمال وقوع اشتباكات مسلحة مع روسيا هي أيضا أحد الأخطار المحتملة لهذا الخيار.

إعادة صياغة القضية

في مواجهة مثل هذه الخيارات الغير واعدة، فان السبيل الأكثر حكمة في كثير من الأحيان هو إعادة تشكيل المشكلة. لذلك أقترح أن نتوقف عن النظر في هذه المسألة باعتبارها مشكلة الشرق الأوسط. بالطبع هي كذلك ولكنها ليست كذلك فقط. أكثر الأصول أهمية بالنسبة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو حلف الشمال الأطلسي. أزمة اللاجئين ذات الأبعاد التي لم يسبق لها مثيل، على الأقل في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، تهز الآن دول حلف الشمال الأطلسي وصولا إلى مؤسساتها الدستورية. الحليف في الناتو، تركيا، تواجه الآن متاعبها الخاصة: «الدولة الإسلامية» تهاجمها وتتعرض لاختراقات في مجالها لجوي من قبل روسيا كما غمرت سوريا قراها الحدودية بأسوأ مشاهد اللاجئين بشكل لم يسبق له مثيل منذ الحرب اليوغوسلافية. خلال الأسبوعين الماضيين تم إطلاق صواريخ أرض جو تجاه طائرات تركية تحلق في المجال الجوي التركي الوضع يصرخ بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي لإرسال المساعدات بجميع أنواعها لحماية عضو في الحلف ولتخفيف الضغوط التي قد تتسبب فيها هجرة اللاجئين إلى حلفاء آخرين وللمساعدة في تخفيف العبء على تركيا.

المشكلة أن تركيا لم تعد مستودعا لآمالنا في ديموقراطية تقدمية في البلاد الإسلامية. في الواقع، يبدو أن السعي من أجل الديمقراطية قد دمر الأساس العلماني للدولة. ونتيجة لذلك، فقد قدمت تركيا الدعم في وقت ما للدولة الإسلامية التي تهاجم البلاد الآن، ويعتقد أنها مسؤولة عن مجزرة 10 أكتوبر/تشرين الأول في أنقرة. كما قامت الدولة بكسر المفاوضات مع الأكراد على الرغم من أنهم المقاتلين الأكثر فاعلية في المنطقة، وشأنهم كشأن الولايات المتحدة، يعادون كلا من «الدولة الإسلامية» و«بشار الأسد».

في هذه الحالة، فإن إنشاء مناطق آمنة على طول الحدود بين تركيا وسوريا يقدم نوعا مختلفا من الخيارات. الولايات المتحدة لديها سنوات من الخبرة في فرض مناطق حظر الطيران في المنطقة مع نجاحات كبيرة. المشكلة، كما رأينا في سربينيتشا، هي أن المناطق الآمنة يجب أن تتم حمايتها من قبل قوات برية أو أنها سوف تصبح حقولا للقتل. القوة الجوية وحدها، والتي يمكنها فرض منطقة الحظر الجوي لا يمكنها حماية هذا الملاذ الآمن. قوة حلف شمال الأطلسي بما في ذلك القوات التركية والأمريكية والبريطانية والفرنسية يمكن أن تؤسس فعليا هذه المنطقة للاجئين. إنها ليست سوى البداية، وينبغي علينا القول إنه أمر مقلق بقدر ما أنه أمر واعد.

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة سوريا إيران بشار الأسد التدخل الروسي العسكري

«ناشيونال إنترست»: لماذا صعدت إيران من تواجدها في سوريا مؤخرا؟

الحرب الروسية في سوريا: الخيارات السياسية واستراتيجيات الخروج «1-2»

لعبة الشطرنج تحتدم في سوريا بين قوى إقليمية ودولية .. و«الأسد» مفعول به

التدخل الروسي في سوريا (2-2): التداعيات العسكرية

«بروكنغز»: كيف ترتكب كل من روسيا والولايات المتحدة نفس الأخطاء في سوريا؟

«واشنطن بوست»: «أوباما» يدرس إرسال قوات خاصة إلى سوريا