ديفيد هيرست: جرائم إسرائيل زرعت بذور انتفاضة فلسطينية جديدة

الخميس 13 مايو 2021 12:16 ص

قبل 10 أعوام، مشيت في شارع ضيق في حي "الشيخ جراح"، ووصلت إلى غرفة كانت تجلس فيها امرأة عجوز وسط كومة من الصناديق وحقائب السفر. أخبرتني أنها تعيش مع الصناديق لأنها تتوقع من الشرطة الإسرائيلية أن تطردها من المنزل، وأن ينتقل المستوطنون إليه في أي لحظة، وأنها لا تريد أن تُلقى ملابسها في الشارع. ومن هنا جاءت الحقائب المعبأة.

وكانت هذه العجوز التي تدعى "رفقة الكرد" قد مرت بتجربة مماثلة من قبل، عندما طُردت من منزلها في حيفا عام 1948. لكن ما الذي جعلها متمسكة بالجلوس بين الصناديق حتى اللحظة الأخيرة؟ لقد أجابت بكلمة واحدة: "الصمود".

توفيت "رفقة" العام الماضي، وهي لا تزال في المنزل الذي منحته لها الحكومة الأردنية والأونروا. وشرح لي ابنها "نبيل" كيف اقتحم المستوطنون توسعة بناها، والتي قالت السلطات البلدية إنها غير قانونية.

وأخذ "نبيل"، الذي ظهر الشيب في رأسه، مكان والدته واقفا خارج منزلهم، رقم 13، بجوار جدار مكتوب عليه "لن نغادر". وصورت ابنته وحفيدة "رفقة"، "منى الكرد"، مقطع الفيديو الذي انتشر منذ ذلك الحين على نطاق واسع لمستوطن يهودي وهو يشق طريقه إلى منزلها، قائلا: "إذا لم أسرق منزلك، فسوف يسرقه غيري".

لم ينته الأمر بعد

عندما التقيت عائلة "الكرد" وكتبت عن "رفقة"، لم ينتبه لها أحد أو لحي "الشيخ جراح". وكان علي أن أشرح لزملائي في العمل مكان وجود "الشيخ جراح"، فقد كان الربيع العربي هو القصة الوحيدة السائدة، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي قيل فيها للفلسطينيين إن صراعهم مجرد خبر قديم.

واليوم، أصبح "الشيخ جراح" موضوع عالمي يجتذب تصريحات من الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية وساسة من مختلف الأطياف في بريطانيا. ومن أجل هذا الحي تم تنظيم مظاهرات في "داونينج ستريت" و"شيكاغو" و"برلين". وأصبح لـ "منى الكرد" جمهور عالمي على الإنترنت. لذا، يمكنني أن أشهد شخصيا على حقيقة واحدة حول الأيام القليلة الماضية من الأحداث في "الشيخ جراح" والمسجد الأقصى وباب العامود، وهي أن إسرائيل لم تنته بعد من الصراع مع الفلسطينيين.

وفي العام الماضي، أعلن اليمين الديني القومي في إسرائيل أنه انتصر في هذا الصراع وأن على الفلسطينيين رفع الراية البيضاء. وحول اعتراف الرئيس السابق "دونالد ترامب" بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إلى قداس إنجيلي ومسيرة انتصار. وقال "جاريد كوشنر" في حفل الافتتاح: "أي يوم مجيد لإسرائيل نحن في القدس! نحن هنا لنبقى". وفي غزة في نفس اليوم، قتل أكثر من 50 شخصا على أيدي القوات الإسرائيلية.

ثم جاء ما يسمى باتفاقات التطبيع عندما قامت الإمارات والبحرين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وفي مقال رأي في صحيفة "نيويورك تايمز"، وردا على الراحل "صائب عريقات"، كبير المفاوضين الفلسطينيين، كتب سفير إسرائيل في الأمم المتحدة آنذاك "داني دانون": "ما الخطأ في الاستسلام الفلسطيني؟ الفلسطينيون بحاجة لنسف معتقداتهم القديمة من أجل السلام".

لكن إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" يعتقد أنه بإمكانه دفن القضية الفلسطينية من خلال التعامل مع الإمارات والبحرين، أو بإخراج السودان من قائمة الإرهاب، أو جعل واشنطن تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، فلا بد أنه يدرك الآن مدى ضحالة هذه الفكرة. 

لقد طفح الكيل

وليس لدى هؤلاء القادة العرب مصداقية لدى شعوبهم، أو حتى لدى الفلسطينيين. وكان التفكير في غير ذلك وهم كبير لدى "نتنياهو". وحاليا يتشكل جيل جديد من الفلسطينيين لن توقفه كمية من المياه العادمة والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية. فهناك "منى الكرد" في كل ناصية وشارع.

إذن كيف وصل هؤلاء إلى تلك النقطة؟ من رعاهم؟ ومن حرضهم؟

حسنا، إنهم الجنود الذين يعتقلونهم ليلا، والمحاكم التي تصدر أحكاما بهدم منازلهم، وبلدية المدينة التي تنفذها تلك الأحكام، والمزاعم المناطقية عبر التنقيب الأثري، وإسكان المستوطنين في سلوان، وحشود الشباب اليهود من اليمين المتطرف الذين يصرخون: "الموت للعرب"، أو ربما نائب رئيس بلدية المدينة "أرييه كينغ"، الذي قال لناشط فلسطيني إنه من المؤسف الرصاصة لم تصبه في رأسه.

إن الغضب التي يحمله الجيل الجديد في صدره هو نتيجة لجهود المؤسسات الإسرائيلية المختلفة وعلى جميع المستويات. لقد تراكم هذا الغضب والآن جاء هذا الجيل ليقول: "كفى". وبالنسبة لهم، لا يهم كم مرة قامت الشرطة الإسرائيلية بإلقاء القنابل الصوتية على المسعفين الذين يعالجون الجرحى، أو على المصلين داخل المسجد الأقصى، أو على النساء والأطفال في شوارع البلدة القديمة.

وسوف يعودون ليلة بعد ليلة إلى الأقصى. وبدون إلقاء حجر، فإن وجودهم يثبت أن القدس الشرقية تحت الاحتلال وسيظل الوضع كذلك حتى يتم تحريرها من السيطرة الإسرائيلية. ولكن سيتم رمي الحجارة وأشياء أخرى كثيرة إلى جانب ذلك. والآن اندلعت مظاهرات حاشدة في الضفة الغربية وانطلق وابل من الصواريخ من غزة. 

دلائل وتحولات

وتوجد 3 سمات تضفي قوة إضافية على هذا الاحتجاج ينبغي أن تثير قلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. الأولى هي أنه كنتيجة مباشرة للموجة الأخيرة من التطبيع مع إسرائيل، لا يوجد أي فلسطيني يتوهم أن دولة عربية سوف تساندهم حتى ولو خطابيا.

ولم يكن هذا هو الحال في الانتفاضات السابقة. فلم يعد هناك وسطاء صادقون. ويعرف الفلسطينيون أنهم وحدهم بشكل حقيقي، ويمكن لكل منهم الاعتماد فقط على الموارد المتاحة لهم.

والثانية هي أنه على عكس الانتفاضات السابقة، فالجميع منخرط في الاحتجاجات. وللمرة الأولى منذ عام 1948، تجتمع القدس والضفة الغربية وغزة والشتات معا. وتجتذب الاحتجاجات في الأقصى المسيحيين كما تجتذب المسلمين، وتجتذب كلا من العلمانيين والمتدينين والقوميين والإسلاميين. وهم يأتون من حيفا ويافا كما يأتون من القدس. وإذا توقفت الحافلات التي تقلهم على الطريق السريع، سيأتي المقدسيون ويأخذونهم في سياراتهم.

ولدى هؤلاء حقوق مختلفة بموجب القانون الإسرائيلي. ويحمل بعضهم جوازات سفر إسرائيلية وهم مواطنون إسرائيليون، والبعض الآخر يحمل تصاريح إقامة في القدس. لقد خسرت إسرائيل كل العمل الذي قامت به في استراتيجية "فرق تسد"، لقد وحدتهم جميعا.

يحترق الجميع بنفس النار ويعبرون عن نفس العاطفة. وجميعهم يسمون أنفسهم فلسطينيين. ويعرف كل واحد منهم ما هي المخاطر التي يتعرضون لها.

أما السمة الثالثة والأساسية هي أن هذه الحركة تتمحور حول الأقصى والقدس. فمهما فرقت الشرطة جموعهم بالقوة فإنهم سيعودون لملئه وساحاته. وقد فعلوا هذا مرتين حيث حلوا محل من اعتقلوا أو جرحوا.

انتفاضة جديدة

وكان اختيار القدس مكانا لإعلان نهاية الصراع العام الماضي هو الخطأ الأساسي الذي يمكن أن يرتكبه "نتنياهو" والمستوطنون. وبالطبع يمكنهم استخدام القوة القصوى، لكنهم سيعرفون حينها عدم جدوى القيام بذلك.

ومن خلال جعل القدس الشرقية محور الجولة القادمة من الاستيطان، وتبريرها علانية وبوقاحة، فقد أشعلوا نارا ستمتد في أنحاء العالم الإسلامي. وهي نار لا يمكنهم السيطرة عليها. ولم يعبّر أحد عن ذلك بحدة أو بلاغة حتى الآن أكثر من "أم سمير عبد اللطيف"، وهي مسنة تقطن في أحد المنازل الـ 28 المهددة بالإخلاء في "الشيخ جراح".

وفي مقابلة مع قناة الجزيرة الإثنين، قالت "أم سمير" إنها تعلم أن العالم العربي لا يمكنه فعل أي شيء لهم. ثم أضافت: "لكننا لا نعتمد على أحد، لأننا بأيدينا سنقاوم الاحتلال. وإن شاء الله، سنستمر في المقاومة حتى آخر لحظة في حياتنا".

وأضافت: "قلبي يحترق من حجم النفاق وادعاء أن هذه الأراضي ملكهم. وهم يعرفون، بكل ذرة في كيانهم، أن ما يقولونه هو محض أكاذيب. هذه صهيونية، لا علاقة لها باليهودية. يقول الناس إننا نحارب اليهودية، لكننا لا نفعل، فلدينا دائما علاقات جيدة مع المسيحيين واليهود، لكننا نرفض الاحتلال، وسنرفضه دائما".

وهكذا تماما تزرع إسرائيل بذور انتفاضة جديدة.

المصدر | ديفيد هيرست | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

انتفاضة القدس حي الشيخ جراح غزة تحت القصف تحرير اللد قصف أسدود قصف عسقلان قصف تل أبيب صواريخ غزة الضفة الغربية

وفدان مصريان يصلان غزة وإسرائيل.. وبوارج بحرية تشارك في القصف

حماس: استهداف باسم عيسى سيرتد على وجه الاحتلال

استيقاظ المارد.. لماذا انتفض فلسطينيو 48 الآن؟