قطار التطبيع على المحك.. العدوان الإسرائيلي يرسم ملامح اصطفاف إقليمي جديد

الاثنين 17 مايو 2021 09:18 م

تغير واضح في اللهجة العربية "الرسمية" تجاه إسرائيل جاء متزامنا مع عودة التفاعل الشعبي الداعم للقضية الفلسطينية إثر تصاعد العدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما طرح علامات استفهام حول مدى نجاعة مسيرة التطبيع مع إسرائيل، التي تبنتها 4 دول عربية قبل العدوان، وإمكانية استمرار قطار هذه المسيرة مستقبلا.

وترتبط إجابة التساؤل بملامح اصطفاف إقليمي جديد يعيد المنطقة إلى مربع عزلة إسرائيل مجددا، وذلك بعد فترة شهدت ترويجا لاتفاقيات التطبيع، خاصة من الإمارات، معتبرة أن هذه العزلة باتت حقبة من الماضي، وأنه لا مستقبل مشرق دون "توطيد" العلاقات مع دولة الاحتلال.

تبنت مصر موقفا داعما للعودة عن ذلك المسار الذي روجت له الإمارات، وهو ما بدا واضحا من تغطية وسائل إعلامها الرسمية للعدوان الإسرائيلي، مستندة إلى حقيقة مفادها أن سفك الدماء في هذا الأسبوع فضح غياب أي نفوذ للدول العربية التي وقعت اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال.

وفي مقابل حقيقة أن مفاتيح الضبط والربط مع فصائل المقاومة الفلسطينية تنحصر في علاقات فصائلها مع كل من القاهرة والدوحة حاليا، تجد مصر في واقع الموقف الحالي من العدوان الإسرائيلي "فرصة" لتدارك إضعاف مكانتها الجيوساسية خلال السنوات العشر الماضية لصالح دول الخليج عموما والإمارات خصوصا.

ويشير مراقبون، بينهم "أتش إي هيللير"، الزميل البارز في وقفية "كارنيجي" للسلام العالمي، في هذا الصدد، إلى أن القاهرة تدرك أن الرأي العام العربي لا يؤيد المسار الإماراتي في التطبيع، وأن المشاعر المؤيدة لفلسطين لا تزال قوية وأن "غياب الاحتجاج ليس دليلا على غياب الرغبة به بل غياب الإذن للاحتجاج"، وفقا لما أوردته صحيفة "فاينانشيال تايمز".

ورغم أن القيود على حرية التعبير تجعل من الصعب قياس حجم الغضب الشعبي العربي، إلا أن المشاركات على منصات التواصل الاجتماعي والتغطيات التلفزيونية تكشف أن المسألة الفلسطينية لا تزال قريبة من قلوب العرب، حسبما يرى "هيللير".

تعديل سياسات

ويعد الموقف المصري الجاري تغييرا في سياسة نظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي"، من القصف الإسرائيلي الذي ضرب غزة في 2014، إبان حكم ذات النظام، وهو ما عزته مصادر مطلعة إلى خشية القاهرة من السماح لأي طرف آخر لتصدر المشهد الإقليمي، و"التأكيد على ريادة مصر للملف الفسلطيني، وأن دور القاهرة لا يمكن استبداله"، وفقا لما نقله "الخليج الجديد".

لكن ما هي شبكة المصالح المحددة للموقف المصري الرسمي؟ تشير المصادر إلى انزعاج القاهرة من وتيرة التطبيع الإبراهيمي، التي تقودها الإمارات، وتقدم فيها أبوظبي ضغوطا وحوافز لدول عربية كي تطبع علاقاتها مع الاحتلال، إذ ترى القاهرة أن هذا يقلل من وزنها الإقليمي من ناحية العلاقات العربية الإسرائيلية، التي لن تتمتع فيها مصر بوضع خاص.

كما أن التواجد الإسرائيلي في السودان وفي البحر الأحمر إذا تم توقيع اتفاقات معينة يثير قلق القاهرة أمنيا، حسبما أكدت المصادر. من هنا جاء تعديل دفة الانحياز المصري المعلن رسميا، وهو ما رصدته دول عربية أخرى وتماهت معه، تزامنا مع تطورات حلحلة العلاقة بينها وبين القاهرة بعد إعلان إنهاء الأزمة الخليجية في قمة العلا.

مهرجان استثنائي

في هذا الإطار، يمكن قراءة دعوة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى مهرجان تضامني مع فلسطين، مساء السبت الماضي، في العاصمة الدوحة، بمشاركة قيادات من حركة حماس.

وجاءت أحداث المؤتمر استثنائية سواء من حيث ماهيتها باعتبارها الأولى من نوعها بالدولة الخليجية أو من حيث مضمونها، حيث أعلن خلالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية" العديد من الخطوط العامة الجديدة، بينها حرص الحركة الفلسطينية على علاقات قوية مع مصر وقطر.

وكانت هذه الفعالية الجماهيرية هي الثانية في قطر منذ التصعيد الإسرائيلي في القدس المحتلة ثم في قطاع غزة، حيث خرج العديد من المواطنين والمقيمين في قطر، الثلاثاء الماضي، في مسيرة تضامنية مع الفلسطينيين في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة، ورفعوا لافتات للتضامن مع سكان القدس المحتلة وقطاع غزة.

كما استقبل وزير الخارجية القطري الشيخ "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني"، السبت، رئيس المكتب السياسي لحماس، داعيا المجتمع الدولي إلى التحرك لوقف "الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية" على قطاع غزة.

تعزيز كويتي

وشجعت هذه المواقف الكويت على استمرار موقفها الرافض أصلا لمواكبة قطار التطبيع الإبراهيمي، إذ أعلن رئيس مجلس الأمة (البرلمان) "مرزوق الغانم"، الإثنين، عن ‏جلسة خاصة، الأسبوع المقبل، لبحث الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع العمل على تعجيل الانتهاء من قانون حظر ومناهضة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وقال "الغانم" إن "أغلب العرب والمسلمين، بل العالم أجمع، تابع ما يحدث في الأيام الماضية من عدوان جبان من الآلة العسكرية للكيان الصهيوني واعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية والعرب والمسلمين بالقدس وغزة والأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل غير مسبوق وبصورة لا يمكن وصفها أو قبولها".

ونوه إلى أنه "كان هناك اتصال مع رئيس الاتحاد البرلماني الدولي من أجل الترتيب للقاء يجمع رؤساء برلمانات عربية ودول إسلامية لمناقشة إجراءات واقعية وحازمة تجاه الكيان الصهيوني والكنيست الإسرائيلي الذي خالف المواثيق الدولية كافة".

وتراجعت وزارة الداخلية الكويتية عن منع إقامة فعالية شعبية في الكويت، الإثنين، للتضامن مع الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتهجير سكان مدينة القدس المحتلة في ساحة الإرادة قرب مجلس الأمة وسمحت بترخيص الفعالية.

موقف اضطراري

وإزاء هذه التطورات، أصبحت الإمارات في وضع صعب، فهي من ناحية ترى أن علاقاتها مع إسرائيل "طويلة واستراتيجية ويجب ألا تتزحزح"، ومن ناحية أخرى تريد غطاء لمصداقية ما سبق أن زعمته بشأن مساهمة اتفاقيات التطبيع في تمكين الدول العربية من "نفوذ ما" يمكنها من دعم الفلسطينيين والحد من العدوان الإسرائيلي ضدهم.

وفي هذا الإطار، اضطرت الإمارات إلى "التخفيف" من حدة مواقفها الداعمة لإسرائيل مؤخرا، عبر السماح ببعض المساحات الضيقة لأصوات داعمة للتطبيع، لكنها تظهر اعتراضا على العدوان الإسرائيلي، وفقا لما نقلته صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "سينزيا بيانكو".

وفي هذا الإطار، قال "عبدالخالق عبدالله" المحلل السياسي المقيم في دبي، المستشار السياسي السابق لولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، إن "التطبيع لا رجعة عنه ولكن من الصعب الدفاع عنه أو حتى الحديث عنه في هذه الظروف".

وكان من المتوقع أن تتبع السعودية خطى الإمارات، فهي مثل جارتها الخليجية تتعاون سرا مع الاحتلال في الشؤون الاستخباراتية ضد إيران، حسبما أكدت الصحيفة البريطانية، لكن قراءة الرياض لتطور الموقف الإقليمي ووضعه أبوظبي في حالة أقرب إلى العزلة دفع وزير الخارجية، الأمير "فيصل بن فرحان" للتعبير عن موقف مختلف.

وأعلن "بن فرحان"، الأحد، أن السعودية "ترفض بشكل قاطع انتهاكات إسرائيل ضد الفلسطينيين" ودعا لوقف فوري لإطلاق النار، وهي لهجة لم تستخدمها أبوظبي في بيان ولي عهدها "محمد بن زايد"، الذي اكتفى، خلال خلال استقباله رئيس وزراء الأردن" بشر الخصاونة" الثلاثاء الماضي في أبوظبي، بالإعراب عن قلقه إزاء "العنف" بين الإسرائيليين والفلسطينيين في القدس الشرقية المحتلة، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام).

السودان والمغرب

ولما كان ذلك هو شأن أهم دولتين خليجيتين في كابينة قيادة التطبيع الإبراهيمي، علنا أو سرا، جاء موقف كل من السودان والمغرب أقرب إلى النغمة السعودية.

ورغم أن رئيس مجلس السيادة السوداني "عبدالفتاح البرهان" وصف تطبيع بلاده مع إسرائيل بأنه "تصالح مع المجتمع الدولي"، في لقاء أجراه مع قناة "فرانس 24"، إلا أنه أجاب عن سؤال حول إمكانية إلغاء الخرطوم لاتفاقية التطبيع بسبب العدوان الإسرائيلي الأخير بقوله: "هذا قرار تحكمه مؤسسات الدولة".

ولا تغلق هذه الإجابة باب الرجعة أمام الخرطوم بشأن التطبيع مع إسرائيل، ما يعني أن القرار ليس محسوما تمام في الخرطوم، وقد يشهد تراجعا قد تؤيده القاهرة من منطلقات مصالحها القومية، حسبما أفادت مصادر "الخليج الجديد".

وفي الرباط، التي وافقت على التطبيع مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادتها على المغرب، قرر المجلس التجاري المغربي-الإسرائيلي الذي تشكل حديثا، إلغاء لقاء افتراضي كان مقررا، على خلفية العدوان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

تطبيع عاجز

خلاصة تطورات العدوان وملامح مشهد الاصطفاف الإقليمي الجديد عبر عنه نائب وزير الخارجية الروسي "سيرجي فيرشينين"، في كلمة ألقاها خلال جلسة لمجلس الأمن عبر الفيديو، مشيرا إلى أن "الدورة الجديدة من الأزمة تشير إلى أن تطبيع علاقات إسرائيل مع دول عربية (..) غير قادر على إرساء استقرار شامل للأوضاع في الشرق الأوسط في حال تجاهل الملف الفلسطيني".

واعتبر "فيرشينين"، في هذا السياق، أنه "لا بد من إيجاد ظروف ملائمة لإعادة إطلاق حوار السلام الفلسطيني الإسرائيلي في أسرع وقت ممكن، بناء على القرارات المعتمدة لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومبدأ حل الدولتين لفلسطين وإسرائيل".

ويعني الطرح الروسي الأخير انحيازا لصالح الرؤية المصرية في المنطقة، والتي تقترب منها قطر وتركيا أيضا، ونهاية لطرح مشروع صفقة القرن الذي نجحت إسرائيل في انتزاع الانحياز له من قبل الإدارة الأمريكية السابقة، برئاسة "دونالد ترامب"، وبتأييد إماراتي.

لذا نوه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة "حسن نافعة"، في تحليل نشره بموقع "العربي الجديد"، إلى "رياح جديدة تهب على الشرق الأوسط"، مشيرا إلى أن مؤشرات الوضع الحالي مفادها أن إسرائيل ستكون وحدها في المنطقة بمواجهة هذا الرياح، خاصة مع اتجاه الإدارة الأمريكية إلى العودة للاتفاق النووي مع إيران.

قد يصعب، في الوقت نفسه، التكهن بالمدى الذي يمكن أن تصل إليه هذه الرياح على المدى المنظور، لكن "نافعة"، مع ذلك، لا يرى من المبالغ فيه التأكيد على أن المنطقة تبدو مقبلةً على تحولاتٍ جيواستراتيجية عميقة وبعيدة المدى.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

غزة إسرائيل مصر الإمارات السعودية قطر التطبيع

حمد بن جاسم يحمل إسرائيل مسؤولية اللجوء للخيار العسكري

إندبندنت: اتفاقيات التطبيع أضحت لا تستحق الورق الذي كُتبت عليه