ماذا يعني الغرب بأكذوبة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟

الخميس 20 مايو 2021 06:39 م

تصاعدت حرب إسرائيل ضد جميع الفلسطينيين الذين يعيشون تحت نظام الفصل العنصري اليهودي المتعصب ردا على هبّة الشعب الفلسطيني عبر فلسطين التاريخية المحتلة.

وبعد نحو 140 عاما من وصول المستعمرين اليهود الأوروبيين إلى شواطئ فلسطين بهدف تجريد الفلسطينيين الأصليين من أراضيهم وسبل عيشهم، وبعد 73 عاما من إنشاء المستعمرة الاستيطانية التي سرقت وطن الفلسطينيين وطردتهم، لم تنحسر المقاومة الفلسطينية في معظم أبناء الشعب الفلسطيني أبدا.

أما الولايات المتحدة والدول المستعمرة في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، التي لم تشعر حتى الآن بالندم على تلك الجريمة، فلم تتعب من التزامها بالدفاع عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وما تعنيه هذه الحكومات من خلال هذه النغمة هو "حق" إسرائيل في الدفاع عن نظامها القائم على الفصل العنصري والتفوق اليهودي ضد المقاومة المحلية المناهضة للاستعمار.

وقد انضمت وسائل الإعلام الرئيسية وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي إلى الحملة ضد الفلسطينيين عبر حظر الآراء المؤيدة للفلسطينيين، كمساهمة في حماية "حق" إسرائيل في الدفاع عن نظام الفصل العنصري.

الحياد الليبرالي

وتم تنظيم معجم كامل للمفردات الأيديولوجية الليبرالية البيضاء على مدى عقود لمهمة الدفاع عن النظام الصهيوني في حربه الاستعمارية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني. ويصر المدافعون من الليبراليين البيض على أن ما هو موجود في فلسطين ليس حربا استعمارية للغزو أمام نضال محلي لأجل التحرر من الاستعمار، بل هو "صراع"، وهو مصطلح بدأ استخدامه منذ أوائل العشرينات من القرن الماضي، على الأقل من قبل الصهاينة ولاحقا من قبل البريطانيين، ويظهر في الوثائق الصهيونية السابقة كـ"مصطلح محايد".

وتعرّف المصطلحات الليبرالية "المحايدة" هذه الحرب الاستعمارية ومقاومتها على أنها "اشتباكات" و"حلقة عنف".

ونادرا ما يتم الإشارة إلى الفلسطينيين في المعجم الغربي الليبرالي الأبيض على أنهم السكان الأصليون لفلسطين الذين يتعرضون للتطهير العرقي. وبالطبع، لا يتم تقديم اليهود الإسرائيليين أبدا كمستعمرين يهود يرتكبون التطهير العرقي.

وتصف "المصطلحات المحايدة" المقاومة الفلسطينية بـ"العنف"، بل الأكثر من ذلك بـ"الإرهاب"، بينما يُشار إلى التفجيرات الاستعمارية الإسرائيلية بـ"الانتقام" المبرر و"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، ويقدم المصطلح الأيديولوجي الليبرالي "الانتقام" ككلمة رئيسية "محايدة" أخرى في نفس اللحظة التي تصر فيها على أن الفلسطينيين هم من يرتكبون "العنف" أولا.

ويهدف كل ذلك إلى محو فكرة الحرب الاستعمارية الصهيونية ضد الفلسطينيين منذ ثمانينات القرن التاسع عشر باعتبارها السبب الأول لنكبتهم. ويسعى هذا المصطلح "المحايد" إلى تطبيع غزو المستوطنين الاستعماريين لفلسطين والإيهام بأنه "عملية سلمية رد عليها الفلسطينيون غير البيض المتوحشين بالعنف، لذا يكون من حق إسرائيل الأوروبية المتحضرة الانتقام ردا على ذلك".

وغالبا ما تصر استراتيجية وسائل الإعلام الغربية الليبرالية التي يهيمن عليها البيض على تصوير النضال الفلسطيني على أنه صراع ديني بين "اليهود" و"المسلمين"، حيث يتم تصويرهما على أنهما سكان أصليون على خلاف مع بعضهما البعض منذ زمن بعيد.

وانضم بعض الليبراليين البيض، الذين تسبب التزامهم بالاحتلال الإسرائيلي في صراعات مع ضمائرهم، إلى جيوش المدافعين عن حقوق الإنسان الليبراليين الغربيين في الأعوام الأخيرة عبر إنكار حقوق الفلسطينيين كسكان أصليين مقابل الاعتراف بحقوقهم "الإنسانية"، مطالبين إسرائيل بعدم انتهاك هذه الأخيرة.

وينزع هذا الخطاب الطابع السياسي عن النضال الفلسطيني ويقضي عمدا مرة أخرى على الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية للقمع الإسرائيلي الذي يتعرض له الفلسطينيون.

وبنفس الطريقة، أعيد تعريف التطهير العرقي للفلسطينيين في المعجم الليبرالي باعتباره "إخلاء" للفلسطينيين من منازلهم، ما يضفي الشرعية على تصوير "جاريد كوشنر" وإسرائيل الرسمي للسيطرة اليهودية الاستعمارية الاستيطانية في البلاد على أنها مجرد "نزاع على الممتلكات".

عصر الانتفاضات

وفي عام 1884، قاوم الفلاحون الفلسطينيون المستعمرين اليهود الأوروبيين الذين بدأوا في تأسيس نظام استعماري في فلسطين. وبعد هبوطهم في بلاد الفلسطينيين في 1882-1883، بدأ المستعمرون اليهود الروس، بتمويل أولي من البارون "إدموند دي روتشيلد"، في التطهير العرقي للفلسطينيين الأصليين من الأراضي التي حرثوها لقرون من أجل إنشاء مستعمرات يهودية أوروبية.

وقاوم الفلسطينيون المستوطنات الاستعمارية الجديدة التي أقيمت على أراضيهم. وأكد المؤرخ "نيفيل ماندل" في كتابه بعنوان "العرب والصهيونية قبل الحرب العالمية الأولى" أنه "نادرا ما كانت هناك مستعمرة يهودية لم تتعارض في وقت ما مع "الفلاحين الفلسطينيين الأصليين". ووفقا لـ"ماندل"، اندلعت بين عامي 1904 و1909 انتفاضات فلاحية فلسطينية أخرى ضد المستعمرين اليهود، وقُتل العديد من الفلسطينيين والمستعمرين.

واندلعت انتفاضة أخرى في قرية الفولة عام 1910، واستؤنفت الانتفاضات بعد الحرب العالمية الأولى عندما احتل البريطانيون فلسطين.

وفي عام 1920، خلال "عيد النبي موسى" الذي تزامن مع "عيد الفصح الأرثوذكسي" للمسيحيين الفلسطينيين و"عيد الفصح" لليهود، سارت الميليشيات الصهيونية الاستعمارية، التي يبلغ عددها المئات، في شوارع القدس لتخويف الفلسطينيين الأصليين. وأدى ذلك إلى انتفاضة الفلسطينيين في المدينة. وقُتل 5 يهود و4 فلسطينيين، بينهم فتاة.

وبحلول عام 1925، أظهرت انتفاضة فلاحي الفولة احتجاجا على الاستيلاء الاستعماري اليهودي والتطهير العرقي للسكان أن المشروع الاستعماري الصهيوني المستمر لا يزال يواجه مقاومة شديدة. وبحلول عام 1929، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية ضد البريطانيين واليهود المستعمرين في القدس وسرعان ما تم اجتياح جزء كبير من فلسطين، ما أسفر عن مقتل المئات من الجانبين.

وبحلول عام 1933، اندلعت انتفاضات أخرى وبلغت ذروتها في تنظيم مجموعات مسلحة من الفلاحين بقيادة "عز الدين القسام" عام 1935، وفي الثورة الفلسطينية الكبرى التي استمرت من عام 1936 إلى عام 1939 وأودت بحياة 5 آلاف فلسطيني.

ولم تكن هذه المقاومة قادرة على منع الاستعمار اليهودي، المدعوم من القوة الاستعمارية البريطانية وعصبة الأمم، من التجهيز للمعارك النهائية التي ظهر فيها التطهير العرقي بشكل واسع في عامي 1947 و1948.

واحتلت العصابات الصهيونية فلسطين وأقامت مستعمرة استيطانية يهودية، وشرعت على الفور في التأسيس القانوني والمؤسسي لنظام الفصل العنصري اليهودي، الذي ترافق مع عشرات المذابح في صفوف الفلسطينيين.

مذبحة السكان الأصليين

واستعار المستعمرون اليهود الأوروبيون الكثير من استراتيجيتهم الاستعمارية والعرقية من المستعمرين الأوروبيين البيض الآخرين، بما في ذلك التبريرات التي تدعي أن المستعمرين لم يكن لديهم خيار سوى ذبح الأفارقة الأصليين.

وعلى سبيل المثال ففي عام 1923 تطوع ممثل الاستعمار البرتغالي في عصبة الأمم، "فريري داندريد"، الذي كان لبلده العديد من المستعمرات الاستيطانية المجاورة لناميبيا وجنوب أفريقيا، عام 1923، بالقول إنه كانت هناك في جنوب أفريقيا حركة مناهضة لأوروبا ذات أهمية كبيرة، وأنه كثيرا ما سمع دعوات بأن أفريقيا مخصصة للأفارقة ويجب إلقاء الأوروبيين في البحر.

وباستعارة هذه العبارة الاستعمارية الاستيطانية البيضاء، ادعى رئيس المنظمة الصهيونية "حاييم وايزمان" عام 1930 أنه لا ينبغي لعصبة الأمم أن تمنح تمثيلا ذاتيا ديمقراطيا للفلسطينيين الأصليين، حيث أصر على أن "ما يرغب فيه القادة العرب في الوقت الحاضر هو دفعنا إلى البحر عبر إنشاء برلمان على أساس ديمقراطي نكون فيها أقلية صغيرة".

ولم يكتف المستعمرون اليهود بحرمان الفلسطينيين منذ عام 1948 من حقوقهم الديمقراطية، بل إنهم في الواقع، حسب "إيلان بابيه" في كتابه "التطهير العرقي لفلسطين"، هم الذين دفعوا الفلسطينيين عام 1948 إلى البحر الأبيض المتوسط ​​والصحراء بينما شرعوا في تطهيرهم العرقي عبر مستعمرتهم الاستيطانية.

ومع ذلك، فإن تاريخ 73 عاما من المقاومة الفلسطينية للفصل العنصري الإسرائيلي سوف يتم التخلص منه ليس فقط من قبل المستعمرين الصهاينة ودولتهم المنشأة حديثا، ولكن أيضا من قبل جميع رعاتهم الإمبرياليين في أوروبا ومستعمراتها الاستيطانية في أمريكا الشمالية.

وقد قام هؤلاء بدورهم بتزويد إسرائيل بشكل مستمر بالمال والسلاح لتعزيز استعمارها وتطهيرها العرقي، بل ويعبرون بحماس عن دعمهم لـ "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وعن نظام الفصل العنصري ونظام تفوق العرق اليهودي.

توحيد الفلسطينيين

ويقضي الهجوم الصهيوني الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني مرة أخرى على كل المحاولات الحثيثة للاستعمار الاستيطاني اليهودي لتقسيم الفلسطينيين، ويساعد على ترسيخ وحدة هذا الشعب المستعمَر ضد مستعمرِه.

وفي عام 1948، قسمت إسرائيل الفلسطينيين إلى أولئك الذين طردتهم خارج حدودها وأولئك الذين خضعوا للسيطرة اليهودية داخل تلك الحدود. وتم تقسيم الفلسطينيين داخل إسرائيل بشكل أكبر وفقا لمعايير العنصرية الصهيونية.

وهكذا، فإن العرب الدروز الفلسطينيين الذين ينتمون إلى طائفة دينية أصبحوا يعرفون عرقيا على أنهم "دروز"، في حين أن الرعاة الفلسطينيين أصبحوا يعرفون عرقيا على أنهم "بدو". وتم فصل كلتا المجموعتين العربيتين الفلسطينيتين من الناحية القانونية عن المسلمين الفلسطينيين والمسيحيين الفلسطينيين من جميع الطوائف، بالرغم من أن إسرائيل تواصل جهودها لفصل المجموعتين الأخيرتين حتى الوقت الحاضر.

وعندما احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين عام 1967، كان أول تحرك لها هو فصل فلسطيني القدس الشرقية عن بقية الضفة الغربية. وبعد عام 1993، بدأت إسرائيل في فصل الفلسطينيين داخل الضفة الغربية وقطاع غزة من خلال نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية الدائمة.

وفي عام 2000، فصلت فلسطينيي الضفة الغربية غرب جدار الفصل العنصري عن أولئك الذين يعيشون على جانبه الشرقي. وبحلول عام 2005، فصلت فلسطينيي غزة عن فلسطينيي الضفة الغربية، وكانت طوال الوقت تسعى إلى نزع الطابع الفلسطيني عن الفلسطينيين المطرودين الذين يعيشون في المنفى منذ عام 1948، وهو جهد تحركت فيه خلال العقد الماضي لإعادة تعريف من هو اللاجئ الفلسطيني في الأمم المتحدة، لتقليص أعدادهم من 7 ملايين إلى بضعة آلاف.

وبالرغم من كل هذه الجهود العنصرية، استمرت الوحدة الفلسطينية لأسباب ليس أقلها استمرار إخضاع الفلسطينيين كافة للاضطهاد من قبل الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي العنصري.

وتشهد الثورة المستمرة في الأسبوع الماضي ضد الفصل العنصري الإسرائيلي ونظام التفوق اليهودي عبر المستعمرة الاستيطانية، داخل حدودها عام 1948 وكذلك حدود عام 1967، على هذه الوحدة والغضب المشترك ضد الفصل العنصري الذي يخضع له جميع الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي، والذي يمنع جميع الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل خارج حدودها من العودة إلى ديارهم.

وتظهر مسيرات الفلسطينيين المطرودين، والمتعاطفين معهم من الأردنيين، على الحدود بين فلسطين والأردن على أن الوحدة الفلسطينية مستمرة في وجه المستعمرين اليهود ودولتهم.

المقاومة ستستمر

وفي الأسبوع الماضي، كما كان الحال منذ عام 1948، تجلت وحدة الحكومة الإسرائيلية والسكان اليهود الإسرائيليين أيضا في حقيقة أن جميع اليهود الإسرائيليين، مع استثناءات قليلة ملحوظة، يخدمون في الجيش الاستعماري الإسرائيلي ويبقون دائما رهن إشارة الخدمة الاحتياطية لعقود من الزمن بعد انتهاء خدمتهم الإلزامية.

وفي حين يقوم الجيش الإسرائيلي والمتطرفون اليهود المدنيون بقتل الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، تقوم الشرطة الإسرائيلية والمستوطنون اليهود بمهاجمة الفلسطينيين في القدس الشرقية وعبر المدن الفلسطينية المحتلة داخل إسرائيل.

وقام يهود متطرفون وحشود من رجال الشرطة بإشعال الغضب في المجتمعات الفلسطينية، حيث قاموا بإحراق الأطفال بالقنابل الحارقة وتدمير المتاجر في يافا، ومهاجمة المارة في حيفا، وقتل الشباب في اللد، ومهاجمة الفلسطينيين في سياراتهم في الرملة، من بين فظائع أخرى.

وكان رد الفعل الرئيسي للدول الغربية على هذه الممارسات العنصرية هو التأكيد القاطع على وقوفها إلى جانب إسرائيل و"حقها" في الدفاع عن نظام الفصل العنصري والتفوق اليهودي.

وردا على ذلك، وفي الذكرى الـ 73 للنكبة، فإن الشعب الفلسطيني المحاصر في كل مكان مصمم على مقاومة هذا النوع الأوروبي المستمر من القمع الاستعماري والعرقي وإنهائه بشكل نهائي.

المصدر | جوزيف مسعد | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاحتلال الإسرائيلي العصابات اليهودية الاستعمار الاستيطاني المقاومة الفلسطينية حدود 1967 حدود 1948

250 موظفا في جوجل يدعون الشركة لدعم الفلسطينيين ضد انتهاكات إسرائيل