القاعدة العسكرية.. إصرار روسي في مواجهة حسابات سودانية

السبت 22 مايو 2021 11:36 ص

عادت التحركات الروسية نحو الخرطوم إلى التجدد، وهي تضع نصب عينيها القاعدة العسكرية المزمع إنشاؤها في شرقي السودان.

إذ ما زالت قضية القاعدة الروسية في البلاد تأخذ مساحات كبيرة من الجدل داخل السودان، بين إصرار روسي عليها ومحاولات الخرطوم التنصل منها بشكل كامل.

ومساء الثلاثاء، وصل نائب وزير الدفاع الروسي "ألكسندر فومين" إلى الخرطوم، وأجرى الأربعاء مباحثات عسكرية مع رئيس الأركان السوداني الفريق أول "محمد عثمان الحسين".

وبالتزامن مع وصول نائب وزير الدفاع الروسي، نقلت وسائل إعلام عربية عن نائب وزير الخارجية الروسي "ميخائيل بوجدانوف" قوله إن "روسيا والسودان يواصلان الاتصالات بشأن اتفاق حول إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، وأن الجانبين مهتمان بالمشروع".

وفي 29 أبريل/نيسان الماضي، قال مسؤول سوداني رفيع المستوى، طلب عدم نشر اسمه، لـ"الأناضول"، إن "قرار التجميد يخص اتفاقية وقعها النظام السابق (برئاسة عمر البشير 1989- 2019) مع موسكو، وتشمل إنشاء قاعدة عسكرية روسية في ميناء بورتسودان".

فيما نقلت وسائل إعلام عربية عن مسؤولين سودانيين أن ‏الخرطوم جمدت الاتفاقية لحين المصادقة عليها من المجلس التشريعي الانتقالي (لم يتشكل بعد)، إضافة إلى وقف أي انتشار عسكري روسي في قاعدة "فلامنجو" البحرية شرقي السودان.

لكن السفارة الروسية سارعت آنذاك إلى القول: "فيما يتعلق بالتقارير التي ظهرت في الإعلام الإقليمي والسوداني حول مزاعم إيقاف تنفيذ الاتفاقية بين السودان وروسيا بشأن إنشاء مركز تموين وصيانة للبحرية الروسية على أراضي السودان، نؤكد أن هذه التصريحات لا تتفق مع الواقع".

ولم يكشف الجيش السوداني تفاصيل عن المباحثات التي أجرها رئيس الأركان الفريق مع الضيف الروسي والوفد المرافق له.

لكن ثمة أحاديث تؤكد رغبة الطرفين في تطوير العلاقات العسكرية بين البلدين، إذ يرى مراقبون أن قضية "القاعدة الروسية" هي الأهم والأبرز عقب إعلان الخرطوم تجميد المضي في إنشائها.

وفي مايو/أيار 2019، كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، بعدما دخلت حيز التنفيذ.

وصادق الرئيس الروسي، "فلاديمير بوتين"، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، على إقامة قاعدة بحرية روسية في السودان.

غير أنه في 19 من الشهر ذاته، قال رئيس الأركان السوداني إنه "حتى الآن ليس لدينا الاتفاق الكامل مع روسيا حول إنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، لكن التعاون العسكري بيننا ممتد".

المصالح تحكم

يرى المحلل السياسي السوداني "خالد عبدالعزيز"، أن الزيارة يمكن قراءتها ضمن متابعة المصالح العسكرية والاقتصادية لروسيا في السودان.

ويوضح "عبدالعزيز" في حديثه لـ"الاناضول" أنه في السنوات الأخيرة من عمر النظام السابق، ومع تزايد توتر العلاقات بين السودان وأمريكا، لجأت الحكومة السابقة بقيادة الرئيس المعزول "عمر البشير" إلى روسيا، وأصبح التعاون ثنائياً بين الجيش الروسي والسوداني.

ويشرح أن هذا التعاون "بدأ بشراء السلاح، وتطور بإعطاء البشير قاعدة عسكرية لروسيا، وفتح مجال أمام شركات التعدين الروسي في مجال الذهب، وهناك أيضا الشركة الأمنية الروسية فاغنر التي دخلت السودان في عهد البشير، وكانت تتعامل معه في ملفات دبلوماسية واستخباراتية وأمنية".

ويشير "عبدالعزيز" إلى أن العلاقات استمرت بعد عزل "البشير" مع المؤسسة العسكرية، وانفتحت روسيا كذلك في علاقة مع قوات الدعم السريع (تابعة للجيش) عن طريق شركة "فاجنر" والتعاون في مجال الذهب.

ويرى أن الروس يعتبرون المنطقة مهمة واستراتيجية ووجودهم فيها يؤمن لهم نوعاً من التوازن في علاقتهم مع الولايات المتحدة، فضلاً وجودهم في منطقة عبور لتجارة النفط بدرجة كبيرة.

ويتابع "عبدالعزيز" أن هذه "الزيارة تؤشر إلى مزيد من التعاون العسكري والأمني والاقتصادي بين الحكومة الروسية وبين الجيش والدعم السريع في السودان".

سباق محموم

يرى الخبير الاستراتيجي اللواء متقاعد "أمين إسماعيل" أن زيارة نائب وزير الدفاع الروسي تأتي في سياق محاولة اللحاق بالقرار الصادر بتجميد الاتفاقية العسكرية الخاصة بإنشاء المركز اللوجستي على ساحل البحر الأحمر من جانب الخرطوم.

ويضيف "إسماعيل": "هذه الاتفاقية التي طلبها السودان، وتمت الموافقة عليها من البرلمان الروسي، تعتبر موسكو أن تجميدها من جانب السودان فيه نوع من الإساءة إلى دولة عظمى".

ويشير "إسماعيل" إلى أن موسكو تعتبر أن هناك تدخلاً مباشراً من دول أخرى، سواء دول عظمى أو قوى إقليمية أثر في هذا القرار.

ويضيف: "السودان، من جانبه، لم يصدر بياناً أو قراراً رسمياً حتى الآن، ولكن ثمة توجيهات صدرت بأن تتم إحالة الأمر إلى المجلس التشريعي".

ويؤكد أن "هذه الزيارة لها مقصد واحد، وهي لماذا أوقفتم المركز اللوجستي أو القاعدة البحرية الروسية. روسيا تستفسر، وعلى السودان أن يجيب".

ويلفت إلى أن إيقاف القاعدة العسكرية سيكون له تأثير سلبي جدا في العلاقات المستقبلية بين البلدين.

فك الاشتباك

يعتبر المحلل السوداني "عمرو شعبان"، أن "زيارة الوفد الروسي تأتي في توقيت يزدحم فيه الفضاء السودان بتقاطعات في العلاقات، كالولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، فيما أصبحت روسيا البطل الغائب في المشهد السوداني عموماً".

ويقول "شعبان": "رأس الأجندة المطروحة هو فك الاشتباك حول موضوع القاعدة الروسية التي نفت السفارة الروسية بالخرطوم في وقت سابق تجميدها، على الرغم من إعلان السودان بوضوح تجميدها، خاصة أنه اتفاق مُرَحَّل من النظام البائد".

ويضيف: "هناك تكتم شديد حول الموضوع وتفاصيله من جانب القيادة العسكرية السودانية. وهذا يوضح أن هناك خطوات مثيرة لقلق الأطراف الأخرى، الساعية إلى وضع موطئ قدم في البحر الأحمر".

ويرى "شعبان" أن تراجع السودان عن مواقفه واتفاقه حول القاعدة لن يؤثر بشكل كبير على روسيا، لأنها تفهم أن تمنع السودان هو نتيجة موازناته الخاصة ومصالحه.

ويستطرد: "لكن لا يعني ذلك أن تفقد روسيا حليفها في أي لحظة وفي أي توقيت، لأن ثمة تحليلات كثيرة تشير إلى أن السودان يستخدم تكتيكات بعلاقته مع روسيا في مواجهة الغرب. فكلما تشددت أو تصلبت المواقف الأمريكية أو غيرها من الدول الأوروبية، يرجّح السودان كفته تجاه روسيا، ويحاول دغدغة مشاعر الغرب عموماً لكسب مواقف أكثر مرونة".

في 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، نشرت الجريدة الرسمية الروسية نص اتفاقية بين موسكو والخرطوم حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، لـ "تعزيز السلام والأمن في المنطقة"، بحسب مقدمة الاتفاقية.

ونصت الاتفاقية على إقامة منشأة بحرية روسية قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، واستيعاب 300 عسكري ومدني.

ويمكن لهذه القاعدة استقبال 4 سفن حربية في وقت واحد، وتُستخدم في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين لأفراد أطقم السفن الروسية.

ومنذ 21 أغسطس/آب 2019، يعيش السودان مرحلة انتقالية، تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الخرطوم اتفاقا لإحلال السلام في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

السودان روسيا قاعدة روسية ميناء بورتسودان عمر البشير

السودان يجمد اتفاق إنشاء القاعدة العسكرية الروسية بالبحر الأحمر

رئيس أركان الجيش السوداني: نراجع اتفاقية القاعدة الروسية

روسيا تنفي انسحاب السودان من اتفاق إقامة قاعدة عسكرية

لانفتاحه على أمريكا.. لهذا يعيد السودان النظر في إنشاء القاعدة الروسية