إسرائيل تخسر الدعم.. تحول مزلزل في الحزب الديموقراطي الأمريكي

السبت 22 مايو 2021 03:39 م

كشف العدوان الإسرائيلي الأخير على الفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزة، عن تحول واضح في موقف الحزب الديمقراطي الأمريكي من الدعم الصريح لإسرائيل، إلى توجيه انتقادات لها بشأن انتهاكاتها بحق الشعب الفلسطيني، حسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

ويقول خبير استطلاعات الرأي "جون زغبي"، الذي طالما عارض المواقف الأمريكية بشأن الشرق الأوسط، إن هذا التحول "جذري ومزلزل".

ويزيد تعاطف الأجيال الأصغر مع الفلسطينيين، وهذه الهوة العمرية أصبحت واضحة تماما داخل الحزب الديمقراطي.

وبحسب ما ذكر "أنتوني زورتشر"، مراسل "بي بي سي" في أمريكا الشمالية، في مقال تحليلي، فإنه وفي الوقت الذي يعبر فيه الرئيس الأمريكي "جو بايدن" عن وجهات نظر تقليدية، ويؤكد مرارا على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد صواريخ "حماس"، يجد أن الأجواء الحزبية المحيطة به تعبر عن قلقها، على أقل تقدير، من ظروف معيشة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وترى أن السياسات الإسرائيلية تزيد من مآسيهم.

تنوع ديمقراطي بالكونجرس

ويمكن البدء بالنظر في الكونجرس، كونه المؤسسة الأكثر تمثيلا للمناخ السياسي الأمريكي، لرصد تحول سياسات الحزب الديمقراطي بشأن فلسطين وإسرائيل.

غالبا ما كانت تسيطر وجهات النظر المتعاطفة مع إسرائيل على السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بالصراعات الإقليمية؛ بسبب أصوات الناخبين اليهود (وهي قاعدة كبيرة للحزب الديمقراطي) أو الكنيسة الإنجيلية (وهي قاعدة موازية للحزب الجمهوري).

كان لزيادة التنوع في الكونجرس نتائج خطيرة على الموقف الأمريكي تجاه إسرائيل.

 وفي عام 2021، بلغت نسبة السود واللاتينيين والآسيويين والأمريكيين الأصليين في غرفتي الكونجرس 23%، وفقا لدراسة أجرتها مؤسسة "بيو".

وقبل عقدين فقط، كانت هذه النسبة 11%، في حين لم تتعد 1% عام 1945.

وأدى هذا التنوع في الخلفيات إلى تنوع أكبر في وجهات النظر وتفتت للقوى.

فريق الليبراليات بالكونجرس

ويتجلى ذلك في مجموعة عضوات الكونجرس الليبراليات اللاتي يُطلق عليهن اسم "الفريق"، ومن بينهن الفلسطينية الأمريكية "رشيدة طليب" عن ولاية ميشجان، والصومالية الأمريكية "إلهان عمر" عن ولاية مينيسوتا.

وأحد أهم أفراد هذه المجموعة هي "ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز" عن ولاية نيويورك، التي فازت بالمقعد بعد الإطاحة بـ"جو كروالي"، أحد كبار أعضاء الكونجرس الديمقراطيين، والذي طالما ساند إسرائيل في مواجهاتها السابقة في الأراضي المحتلة.

وبشكل عام، تعتبر "أوكاسيو كورتيز"، البالغة 31 عاما وتعود أصولها إلى بورتوريكو، أكثر تمثيلا للحزب ولقاعدته الانتخابية مقارنة بـ"كروالي"، البالغ من العمر 59 عاما، وهو أمر بالغ الأهمية.

وقال "زغبي" لــ"بي بي سي" إن "هناك قاعدة سكانية غير بيضاء، خاصة بين الديمقراطيين، وهم يشعرون بحساسية شديدة تجاه ما تلقاه المجتمعات غير البيضاء الأخرى. هم يرون إسرائيل كمعتدٍ".

وأضاف أن هذه المجتمعات غير البيضاء لا تعرف شيئا عن تاريخ إسرائيل والمحن السابقة: "هم يعرفون ما يجري منذ الانتفاضة، والحروب المختلفة، والقصف غير المتكافئ، والمدنيين الأبرياء الذين قُتلوا".

تأثير "بيرني ساندرز"

وإذا كان للحركة التقدمية اليسارية دور في زيادة التنوع في الكونجرس، وانتخاب أشخاص مثل "أوكاسيو كورتيز"؛ فالفضل في ذلك يعود إلى رجل واحد، هو الديمقراطي الاشتراكي "بيرني ساندرز"، بحسب "بي بي سي".

نشأ "ساندرز" كيهودي في المراحل الأولى من مسيرته السياسية في إسرائيل، وعاش لبعض الوقت في ستينيات القرن الماضي هناك، وكان متعاطفاً مع السياسات الإسرائيلية بشكل عام.

ومع خوضه معركة انتخابات الرئاسة لأول مرة عام 2016، عبر عن دعم أكبر للمخاوف الفلسطينية، وهو ما أحدث شرخا بينه وبين المزاج العام في الحزب الديمقراطي.

وفي المناظرة الأولية مع "هيلاري كلينتون"، في مارس/آذار 2016، التي تزامنت مع هجمات صواريخ "حماس" تجاه إسرائيل، تحدث "ساندرز" بصراحة عن معاناة الفلسطينيين، وارتفاع معدلات البطالة "وظروف السكن المزرية والقطاع الصحي المتردي والتعليم المتردي".

وكتب صحفي "الجارديان" آنذاك "إد بيلكينجتون" أن هذا الخطاب كسر "قاعدة راسخة" بأن الحديث عن معاناة الفلسطينيين قضية خاسرة بالنسبة للساسة الساعين للمناصب العليا.

وبالطبع خسر "ساندرز" السباق الانتخابي، لكن شعبية الأفكار التي طرحها فتحت الباب أمام الديمقراطيين المغمورين للدفع بها ومناقشتها، تماما كما فعلوا في غيرها من القضايا التقدمية، مثل التأمين الصحي والتعليم الجامعي المجاني ورفع الحد الأدنى للأجور والإصلاح البيئي.

واشتدت إدانة "ساندرز" لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" منذ ذلك الحين، وقال عنه إنه "مستبد يائس وعنصري".

وكتب "ساندرز" مقال رأي في صحيفة "نيويورك تايمز"، الأسبوع الماضي، لم يتوان فيه عن الهجوم على "نتنياهو"، وهو أمر لم يعد مجرد رأي هامشي داخل الحزب الديمقراطي.

وجاء في مقال "ساندرز" أنه "في حقيقة الأمر، تظل إسرائيل سلطة واحدة في أرضين هما إسرائيل وفلسطين. وبدلا من الاستعداد للسلام والعدالة، تعزز إسرائيل من سيطرتها غير المتكافئة وغير الديمقراطية".

حياة الفلسطينيين مهمة

واختتم "ساندرز" مقاله بالثناء على صعود "جيل جديد من النشطاء" في الولايات المتحدة: "رأينا النشطاء في الشوارع الأمريكية في الصيف الماضي، بعد مقتل جورج فلويد. ونراهم في إسرائيل، ونراهم في الأراضي الفلسطينية”.

وكان السطر الأخير في مقاله اقتباسا واضحا من حركة حياة السود مهمة، فقال: "حياة الفلسطينيين مهمة".

ويشير "ساندرز" إلى ما أصبح جليا في الاشتباكات الأخيرة بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين طوال الأسبوعين الماضيين.

فقد أمسك الأمريكيون بزمام صوتهم السياسي خلال الحركة الناشطة في أرجاء الولايات المتحدة الصيف الماضي، ويتحولون الآن بروايتهم وصوتهم إلى ما يرون أنه قمع مماثل مسكوت عنه في الشرق الأوسط.

فقد وقفت النائبة "كوري بوش"، عضو مجلس النواب عن سانت لويز والممرضة السابقة، في قاعة المجلس وقالت: "سانت لويز أرسلتني هنا لأنقذ حياة الناس". 

وتابعت: "هذا يعني أننا نعترض على استخدام أموالنا لدعم الشرطة المسلحة والاحتلال وأنظمة القمع العنيف والصدمة. نحن ضد الحرب وضد الاحتلال وضد الفصل العنصري".

وتحول هذا الكلام إلى مطالب متزايدة بقطع المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل، أو على الأقل التلويح بذلك، للضغط على نتنياهو للتخلي عن سياساته القمعية في الأراضي المحتلة.

وباتت لحملة "اقطعوا الدعم عن الشرطة" في الولايات المتحدة حملة موازية على صعيد السياسة الخارجية عنوانها "اقطعوا الدعم عن الجيش الإسرائيلي".

وما زاد من تعقيد الأمر بالنسبة للديمقراطيين التقليديين الموالين للدولة العبرية هو زيادة التحزب والشقاق داخل الحزب، كحال كل القضايا التي لها علاقة بالسياسات الأمريكية.

وساعد على ذلك إلى حد كبير النهج الذي اتبعه "نتنياهو" عبر توطيد علاقاته باليمين الأمريكي خلال السنوات الأخيرة.

المصدر | الخليج الجديد + بي بي سي

  كلمات مفتاحية

أمريكا فلسطين إسرائيل الحزب الديموقراطي الأمريكي الكونجرس الأمريكي العدوان الإسرائيلي على غزة

رشيدة طليب وإلهان عمر تنتقدان التعامل الأمريكي مع أحداث فلسطين